عندما يُذكر الحب العذرى فى الشعر العربى، يتبادر إلى الذهن مباشرة..قصة (ليلى والمجنون).. ليلى العامرية.. وقيس بن الملوح.. لأن ما كان بينهما لم يكن سوى حب عذرى طاهر.. عبّرت عنه مشاعر متدفقة فى صورة أبيات جميلة تناقلتها الأجيال على مر السنين.فقد كان الاثنان من بنى عامر فى أطراف نجد.. وكانا متجاورين وتجمعهما صلة قرابة.. وكان كل منهما يرعى غنم أسرته.. ومنها «البِهْم» وهى صغار الغنم.. ومن ثم كثرت لقاءاتهما.. وتعلق كل منهما بالآخر.. وهاما ببعضهما حبا.. ذاك الحب الذى «يصادف قلبا خاليا فيتمكنا». ويقول قيس عن ذلك: تعلقت ليلى وهى ذات ذؤابة ولم يبد للأتراب من ثديها حجم صغيرين ترعى البِهْم ياليت أننا إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البِهْم كيف يا قيس؟.. فليس كل ما يشتهيه المرء يدركه.. فقد كانت عادة أهل البادية - وهى مستمرة فى الريف المصرى حتى الآن- عندما تكبر البنت.. وتصبح عروسا تُخطب.. يحجبها أهلها فى المنزل.. وهو ما لا يقبله العاشق الولهان، وقد عبر عن ذلك أمير الشعراء أحمد شوقى فى مسرحيته (مجنون ليلى) بأبيات جميلة على لسان قيس: سجا الليل حتى هاج فى الشعر والهوى وما البيد إلا الليل والشعر والحب ملأت سماء البيد عشقا وأرضها وحُملت وحدى ذلك العشق يا رب فعلا.. هى الصحراء إيه.. غير ليل.. وشعر.. وحب.. وقد ملأ قيس سماء الصحراء وأرضها بهذا العشق دون الوصل مع الحبيب.. فليس أمامه سوى الشكوى لله. خاصة.. بعد أن جن شوقه: باتت خيامى خطوة من خيامها فلم يشفنى منها جوار ولا قرب إذا طاف قلبى حولها جُن شوقه كذلك يطفئ الغلة المنهل العذب يحن إذا شطت ويصبو إذا دنت فيا ويح قلبى كم يحن وكم يصبو هذه هى الحالة التى كان عليها شاعرنا.. فتى نجد جميل الوجه ذو المشاعر الفياضة.. كما وصفه أمير الشعراء، أما هو فقد قال عن نفسه مخاطبا ليلاه: نهارى نهار الناس حتى إذا بدا لى الليل شاقتنى إليك المضاجع أقضى نهارى بالحديث وبالمنى ويجمعنى والهم بالليل جامع فقد كان يستنفذ النهار بالحديث مع أترابه.. مع التمنى أن يأتى الليل فيتمكن من رؤياها.. ولكن هذا لم يكن يتحقق فتثقله الهموم ويخاصم عيونه النوم. ولذلك كان يصطنع الأسباب.. بحجة أنه «قد خلت من دارنا النار».. وهى حجة لم تخل على أبو ليلى ولكنه يطلب من ابنته أن تقضى لابن عمها «حقا واجبا» بأن تأتى بوعاء وتملأه حطبا.. ولكن سرعان ما يفضح قيس نفسه معاتبا ليلاه: كم جئت ليلى بأسباب ملفقة ما كان أكثر أسبابى وعلاتى بالروح ليلى قضت لى حاجة عرضت ما ضرها لو قضت للقلب حاجاتى مضت لأبياتها ترتاد لى قبسا والنار يا روح قيس ملء أبياتى فيا ليلى لا تعطنى نارا.. فالنار مشتعلة فى قلبى.. وتسارع ليلى بالرد.. وتكون أكثر صراحة: لقد تحملت فى الهوى فوق ما يحمل البشر لك قلب.. يا قيس فسله ينبئك بالخبر ما فؤادى حديد.. ولا حجر وبعدين يا ليلى.. ماذا أفعل..؟ هكذا عقب قيس: لست ليلى داريا كيف أشكو وأنفجر أشرح الشوق كله أم من الشوق اختصر؟ وعندما تتأكد ليلى من عمق غرامه بها.. «تنقح» عليها طبيعة الأنثى.. فتتدلل وتسأله عن الأشعار التى قالها فى بعض الحسناوات.. «كل ظبى لقيته.. صفت فى جيده الدرر». إيه يا قيس.. «أترى قد سلوتنا.. وعشقت المها الآخر»؟ وبالطبع ينفى قيس.. ويتعلل بأنهن يشبهنها.. ولذلك قال فيهن بعض الشعر.. ولكنك يا ليلى: لست كالغيد لا.. ولا قمر البيد كالقمر». ثم يزيدها حججا.. وإقناعا.. بإخلاصه: رب فجر سألته هل تنفست فى السحر ورياح حسبتها جررت ذيلك العطر وغزال جفونه سرقت عينك الحور *** كفاية.. كده.. ونكمل الأسبوع القادم إن شاء الله