تواصل «الوطن» بنشر مذكرات رجل الصناعة الأول في مصر، رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات ومصانع «العربي»، الذي ولد في يوم 15 أبريل 1932، في قرية مصرية صغيرة تسمى «أبورقبة»، والتي تبعد 7 كيلومترات عن مركز أشمون بمحافظة المنوفية، والذي انتقل إلى العيش في القاهرة، ولم يكن يتجاوز عمره 10 سنوات. وقال «العربي»، في مذكراته: كانت المشكلة الأولى التي واجهتنا في مجال الصناعة، أن المستهلك المصري كان قد تعود على شراء المنتج المستورد، حيث كانت عقدة «الخواجة» منتشرة أيامها، فلم يكن أغلب المصريين يفضلون شراء منتج محلي طالما له مثيل مستورد، خاصة إن كان المستورد من تصنيع اليابان، ولكننا حين وضعنا مراوحنا المصنعة فى مصر إلى جانب المراوح اليابانية، وعاين المستهلك المنتجين، وتأكد أنه تقريباً لا يوجد فرق في الشكل ولا فى الجودة، مع وجود فارق فى عدد سنوات الضمان لصالح منتجنا، وأيضاً فارق السعر كان في صالحنا.. كل ذلك جعل المستهلك يقبل لأول مرة على المنتج المصرى. لقد بلغ نجاحنا فى التصنيع إلى الدرجة التى كان يسأل فيها العميل: «دى صناعة مصرية؟» فيجيبه البائع بثقة: «دى صناعة العربى»، فلا يتردد العميل فى شرائها.. ولله الحمد والفضل. مصنع الراديو كاسيت لم يستغرق التفاوض مع «توشيبا» لإنشاء ذلك المصنع وقتاً طويلاً كما حدث فى مصنع المراوح. كانت بداية إنشاء مصنع «الراديو كاسيت» عام 1984. فى عام 1985، بعد الانتهاء من كل تجهيزات وخطوط إنتاج مصنع الراديو كاسيت، أعطيت توجيهاتى للمهندس صلاح عبدالجيد والمهندس محمد محمود، أن يستمرا فى إدارته، وكان «محمد وصلاح» متقاربين فى العمر، وتخرجا معاً فى هندسة عين شمس، لذا نشأت بينهما درجة عالية من التفاهم والتناغم، فأثمر ذلك نجاحاً ملحوظاً فى جودة إنتاج ذلك المصنع، كما أثمر ذلك التعاون بعد ذلك فى كل مشوار «العربى». سافرت إلى اليابان عام 1986، ومعى عدد من المستشارين المتخصصين فى تصنيع التليفزيون، كان السبب الأساسى للزيارة هو التفاوض مع اليابانيين للحصول على الموافقة على إنشاء مصنع التليفزيون. كانت اعتراضاتهم كثيرة، ولكن إصرارى على المضى فى المشروع كان أكبر من أية اعتراضات. وكانت شكوك الخبراء المصريين المتخصصين فى صناعة التليفزيون أيضاً كبيرة، من حيث قدرتنا على تأسيس المصنع على أرض الواقع، والوصول بالإنتاج لنفس مستوى إنتاج «توشيبا»، وكان ترددهم بين القناعة بفكرتى وحماسى، وبين الخوف من العراقيل الضخمة -الحكومية والتنافسية- التى يصعب أن نتخطاها واحداً واحداً، كل ذلك جعل موقفنا يبدو ضعيفاً إلى حد ما فى مواجهة الجانب اليابانى. ولكن لم أستطع التوقف عن الطموح بإنشاء مصنع يمنح فرصاً متميزة للعمل الكريم للشباب، بدخل محترم، وبحوافز مشجعة.. مصنع ينتج أجهزة تليفزيون متميزة، توضع داخل كراتين كتب عليها: تليفزيون «توشيبا - العربى»، صنع فى مصر. بعد أن تم افتتاح مصنع التليفزيون ليعمل بكل طاقته عام 1995، بدأنا نضع رؤية واستراتيجية واضحتين تماماً لتحديد المسيرة فيما هو مقبل من أعمال ومن إنشاءات. بدأنا نخطط ونعمل على تحويل مصنع بنها إلى مجمع صناعى ضخم لتصنيع مختلف الأجهزة الكهربائية. فبالإضافة لمصنع التليفزيون بعد مصنع المراوح والراديو كاسيت، تم إنشاء مصنع المحركات ثم مصنع الشفاط، ثم بعده بدأنا فى إنشاء مصنع مراوح السقف، ثم مصنع المكواة وأخيراً مصنع الغسالات نصف الأوتوماتيك.. وهكذا بالفعل، وتدريجياً تم تحويل مجمع بنها الصناعى إلى قلعة صناعية تضم 10 مصانع متكاملة، تمتد على مساحة 36 ألف متر مربع. أحياناً أسأل نفسى: هل كنت أتخيل يوم اشتريت الثلاثة فدادين من الحاج محمد العطار، أنه سيأتى اليوم الذى تتحول فيه مساحة تلك الفدادين الثلاثة إلى ثلاثة أضعاف خلال 20 سنة؟! إننى أنصح أى شاب يريد أن يبدأ مشروعاً خاصاً ألا يضع لطموحاته سقفاً ولا حداً، اجعل طموحاتك بلا حدود وستأتيك كلها صاغرة متحققة على أرض الواقع بإذن الله، بشرط أن تتقى الله فى كل ما تعمل، وأن تخلص العمل، وأن تكون خطواتك كلها مدروسة، ولا تبدأ عملاً إلا بعد إنهاء الذى قبله. بعد أن بدأت مساحة مصانع بنها تتسع، وكاد مجمع «العربى» هناك أن يصبح «كامل العدد» ومع بداية عام 1999، بدأنا فى إنجاز المرحلة الصناعية الثانية فى مسيرة شركة «العربى» بإنشاء مجمع قويسنا الصناعى الذى تبلغ مساحته حالياً أكثر من 320 ألف متر مربع تقريباً. بدأت فكرة مصنع الثلاجات فى «قويسنا» بجملة وصلت لأسماعنا أطلقها أحد التجار الكبار، قال: «أنا نفسى الحاج محمود العربى يصنع تلاجات». لم نكذب الخبر، ولم نخذل التاجر الواثق فى صناعة «العربى»، فبدأنا نجمع معلومات عن سوق الثلاجات بشكل واسع، لنتم بها دراسة جدوى شاملة لمشروع إقامة مصنع للثلاجات. بدأنا فى إنشاء المصنع مع بداية سنة 2000، وانتهينا تماماً فى نهاية سنة 2001، حين أنتجنا أول إنتاج نال استحسان اليابانيين، وشهدوا له بالكفاءة التى تضاهى الإنتاج لديهم فى «توشيبا». ومع بداية عام 2002، بدأنا الإنتاج بشكل مستمر.