تضخم الاقتصاد غير الرسمى نتيجة حتمية للسياسات الفاشلة للحكومات فى التعامل مع ملف المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر. هذا ما تؤكده الدكتورة عالية المهدى، العميد الأسبق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، فى حوارها مع «الوطن»، موضحة أن وزارة المالية تتعامل مع قطاع المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر من منطلق جباية الضرائب دون تقديم الدعم لهم، مما تسبّب فى دخول أعداد ضخمة تحت مظلة الاقتصاد غير الرسمى. وقالت «عالية » إن وضع قطاع مهم مثل المشروعات الصغيرة تحت مظلة وزارة التجارة «استمرار لسياسة العك». وطالبت الحكومة بسرعة فصله فوراً، وتحويله إلى هيئة مستقلة تابعة لرئيس الوزراء، مع تقديم الدعم له، لينجح وتخفيض الضرائب المفروضة عليها سنوياً إذا كانت ترغب فى تحجيم انتشار ظاهرة الاقتصاد السرى. وإلى نص الحوار.. ■ لماذا لم تقدموا اقتراحات أو حلولاً للحكومة؟ - من قال هذا؟ فى عهد وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالى قدّمنا له مقترحات، كباحثين اقتصاديين لضم الاقتصاد غير الرسمى إلى المنظومة الرسمية، ومن خلال تعاملنا مع العاملين فى الاقتصاد غير الرسمى، الذين أبدوا استياءهم من الضرائب الجزافية، وعرضوا علينا، تحديد ضريبة «قطعية» بمبلغ ثابت معروف سنوياً، بدلاً من التقديرات الجزافية التى تزعج صاحب أى نشاط، وبالفعل قدّمنا اقتراحهم إلى «غالى»، ووافق وقتها على تطبيق ذلك على 23 نشاطاً، وكان أشهر هذه الأنشطة الصيادلة، وكذلك على أنشطة أخرى صغيرة كمحال البقالة وأصحاب التاكسى. ■ هل تعنين أن فترة يوسف بطرس غالى شهدت بداية حل لمشكلة الاقتصاد غير الرسمى؟ - آه طبعاً، تم جزئياً حل مشاكل بعض أصحاب الأنشطة العازفين عن الدخول تحت المظلة الرسمية، وتم ضم نحو 23 نشاطاً، لتدخل المظلة الرسمية. ■ ولماذا لم تستكمل مراحل الحل لهذا الملف؟ - لا أعرف السبب، وأعتقد أنه بدأ التحضير لضرائب أخرى، مثل الضريبة العقارية، التى لاقت هجوماً كبيراً خلال هذه الفترة، ولم يهتم باستكمال خطة ضم الاقتصاد غير الرسمى للدولة. ■ هل هناك نماذج لتجارب دول قامت بإجراءات لضم الاقتصاد غير الرسمى؟ - هناك تجارب عديدة، منها تجربة دولة كوبا، التى قامت بخطوة ذكية لجذب العاملين بالاقتصاد غير الرسمى وقيامهم بدفع الضرائب طواعية، وأعلنوا أن كل المشروعات الصغيرة ستدفع ضريبة سنوية قيمتها 200 دولار فقط، فكسبت الحكومة حوالى 7 مليارات دولار، بالإضافة إلى ضم شريحة كبيرة إلى المنظومة الرسمية، وأعتقد أن تحديد وزارة المالية مبلغاً مناسباً سنوياً كضريبة «قطعية» هو جزء كبير من الحل لجذب الشريحة العاملة بالاقتصاد غير الرسمى. ■ فى رأيك، ما أبرز الحلول لجذب الاقتصاد غير الرسمى إلى الدولة؟ - أول هذه الحلول تشجيع قطاع المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر والتعامل مع العاملين فيها بسياسة الدعم، فبالنسبة إلى المشروعات الصغيرة التى لا يتجاوز عدد عمالها 5 أفراد، لا بد أن تكون الضريبة عليهم ثابتة «قطعية»، على أن تكون ملائمة لحجم أعمالهم ورأسمالهم، ثم يتم توسيع قاعدة الشرائح الضريبية طبقاً لحجم النشاط، دون أن تمثل الضرائب عبئاً عليهم، مع إعطائهم مزايا ودعماً حكومياً. كل هذا سيكون مردوده على الدولة مباشراً فى توسيع القاعدة الضريبية، إضافة إلى زيادة الناتج الإجمالى القومى، نتيجة تشجيع ثقافة إقامة المشروعات الخاصة، ويجب أن تحدّد الحكومة سياساتها الضريبية، طبقاً لظروف المجتمع، ودعنى أقل لك إننى أجريت دراسة تقديرية على حجم الضرائب التى يمكن أن يدفعها هذا القطاع، على اعتبار أن هناك نحو 3 ملايين مشروع بهذا القطاع غير الرسمى، وعليه فإن فرض ضريبة مقطوعة بواقع 5 آلاف جنيه سنوياً سيُدر لخزانة الدولة نحو 15 مليار جنيه. وهذا المقترح جاء من خلال التواصل المباشر مع المجتمع الذى يلجأ إلى الاقتصاد غير الرسمى أو السرى.