تعد الأزمة القبرصية من أبرز الأزمات الأكثر تعقيدا على مستوى القضايا الدولية، حيث تعود جذور تلك القضية إلى عصور الاستعمار في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر من خلال بناء قواعد بحرية على خطوط انطلاق إمبراطوريات هذين القرنين في طريق الوصول للهند من ناحية، ولإحكام السيطرة على البحار والممرات المائية لبريطانيا العظمى من ناحية أخرى. يبلغ عدد سكان قبرص نحو 793.100 منهم 80.7% قبارصة يونان، ويشمل الأرمن والمارون واللاتين، و87.600 نسمة، يمثلون (11.0%) هم قبارصة أتراك، والنسمة السكانية لا تشمل ما يزيد على 115.000 تركي يقيمون بشكل غير شرعي في القسم المحتل من قبل تركيا في الجانب القبرصي. من ضمن رقم القبارصة اليونان هناك نحو 9.000 ماروني وأرميني ولاتيني، والذين خيروا عند إعلان الدستور في عام 1960 للانضمام إلى أحد المجتمعين فاختاروا الانضمام إلى المجتمع القبرصي اليوناني. وتستخدم اللغة اليونانية في مجتمع القبارصة اليونان، ويخضع المجتمع للكنيسة المسيحية الأرثوذكسية اليونانية، أما اللغة في المجتمع القبرصي التركي فهي التركية، والديانة هي الإسلام. تعود جذور الأزمة القبرصية إلى بدء حركات التحرر من الاستعمار في الظهور، حيث تغيرت موازين القوى على مستوى العالم وقررت بريطانيا العظمى منح جزيرة قبرص استقلالها، ونظرا إلى التكوين السكاني لقبرص، وبهدف تجنب الصراع بين الطائفتين القبرصية التركية، والقبرصية اليونانية، فإن دولتين هما بريطانيا العظمى باعتبارها القوة التي كانت تحتل قبرص، وتركيا لاعتبارات تاريخية وثقافية وعرقية، أصبحتا هما الضامنتان لاستقلال قبرص وسيادتها ووحدتها. كما وقع صراع دموي بين الطائفتين التركية واليونانية في الجزيرة، وأدى ذلك للتدخل، وهكذا عانت جزيرة قبرص من ثلاثة أنواع من الصراع تتمثل في صراع طائفي داخلي وصراع إقليمي تركي يوناني، وصراع دولي بين دول عدم الانحياز ودول أعضاء في منظمة حلف "الناتو"، وعلى رغم عضوية كل من تركيا واليونان في "الناتو" فإنه لم يستطع حل النزاع بينهما. وأرجع المؤرخون فشل حلف الأطلسي في حل الأزمة القبرصية إلى عدم تركيز الحلف على حل المشكلات بين أعضائه، وإنما تجنب حلها، وجعل تركيزه الرئيسي على الصراع ضد الاتحاد السوفيتي، إضافة إلى أن قبرص كانت مشكلة لدولة من دول عدم الانحياز تنتمي للدول النامية وليست لقارة أوروبا مباشرة، إلى أن بقيت الأزمة القبرصية مثل القضية الفلسطينية في إطار مساعي الأممالمتحدة وقراراتها بلا أي حل يذكر. أصبحت الأزمة القبرصية أكثر تعقيدا في القرن الحادي والعشرين، حيث تم ترسيخ قناعة لدى الأجيال الأتراك واليونانيين حول مفهوم الانفصال أو مفهوم الاستقلال، وعدم القدرة على إيجاد حل وسط توافقي بين المفهومين المتعارضين، إضافة إلى أنه بالنظر لمشكلة قبرص في الوقت الحالي فإنها تعيش حالة من "الاستقرار القلق"، فإنها لا تهدد السلم والأمن الدوليين، ومن ثم يمكن التعايش الدولي والإقليمي معها.