ومن هنا جاءت القمة التي عقدت بالقاهرة.. وحضرها الرئيس القبرصي ورئيس الوزراء اليوناني.. والمحادثات التي اجرياها مع الرئيس السيسي لتؤكد علي توافق وجهات النظر.. ازاء التعاون الحيوي بين الاطراف الثلاث الجريمة التي اقترفتها البحرية التركية.. يوم الاربعاء الماضي ضد وحدة المرور المصرية في عرض البحر المتوسط علي بعد 40 ميلا بحريا شمال ميناء دمياط.. هي رد الفعل الإرهابي الغاشم علي القمة الثلاثية التي عقدت في القاهرة في الاسبوع الماضي بين قادة اليونان وقبرص ومصر. وكان الرئيس القبرصي قد اشار في المؤتمر الصحفي المشترك الذي حضره الرئيس السيسي ورئيس الوزراء اليوناني.. إلي ان تركيا تقوم بارتكاب اعمال استفزازية تعرض الأمن في شرق البحر المتوسط للخطر من أجل عرقلة أية محادثات للسلام والتنمية في جزيرة قبرص.. بما يعني ان العدوان علي وحدة المرور البحرية المصرية.. جري في اطار التدريبات البحرية التركية التي اطلق عليها «الحوت الأزرق».. ووفق تصريحات ادلي بها الادميرال بولينت بستان اوغلو قائد البحرية التركية وقال فيها ان التدريبات تستهدف الاشتباك اذا ما واجهت سفننا حربية يونانية.. أو إسرائيلية «!!» شرق البحر المتوسط.. وان هذه القوات التي تتلقي التدريبات سوف تواصل مهامها الخاصة بالتأهب وفق الاحوال والظروف! نحن اذن امام محاولة تركية جديدة.. تستخدم فيها انقرة أدوات الارهاب.. لشل التعاون المرتقب بين الدول الثلاث في مجالها الحيوي المشترك.. بدعوي الخلاف بينها وبين كل من مصر وقبرص واليونان واسرائيل حول الثروات الطبيعية في المناطق الحدودية المتداخلة في البحر المتوسط. وكانت مصر قد اجرت اتصالات مع قبرص لبحث اتفاقية استيراد الغاز القبرصي.. للاستفادة منه في وحدة الاسالة الخاصة بإحدي الشركات العاملة في هذا المجال.. والتي تعمل في الوقت الحاضر بنسبة ضئيلة من طاقتها الانتاجية.. واعلن رئيس هذه الشركة.. ان شركته بحثت مع شركة قبرص للهيدروكربونات.. احتمالات تصدير الغاز الطبيعي القبرصي لمصر. واضاف بأن هناك تنسيقا مع حكومة المهندس إبراهيم محلب.. ممثلة في وزارة البترول بشأن استيراد الغاز القبرصي.. وفق الشروط التي اعلنتها الوزارة.. لاسيما وان الاستيراد من قبرص يمثل قيمة مضافة للاقتصاد المصري.. فضلا عن مساعدة الشركة في تشغيل وحدة الاسالة الخاصة بها في مدينة ادكو بكامل طاقتها. ومن هنا جاءت القمة التي عقدت بالقاهرة.. وحضرها الرئيس القبرصي ورئيس الوزراء اليوناني.. والمحادثات التي اجرياها مع الرئيس السيسي لتؤكد علي توافق وجهات النظر.. ازاء التعاون الحيوي بين الاطراف الثلاث في مختلف المجالات التي تحقق المصالح المشتركة لشركاء المجال الحيوي بما يحقق مصالح كل الاطراف. وتجدر الاشارة هنا الي ان مجالات التعاون الاقتصادي والفني مع قبرص ليشمل عدة قطاعات من بينها الغاز.. بالطبع.. لاسباب تتعلق بالموقع الجغرافي.. علاوة علي التعاون في مجالات الزراعة.. ولاسيما الخضروات والصناعة.. والاتصالات والسياحة.. والطيران المدني. بما يعني ان آفاق التعاون مع احدي الدول الواقعة في المجال الحيوي المشترك.. بحكم الموقع.. تستطيع ان تحقق الفائدة.. لكل الاطراف.. بالاضافة إلي ان علاقتنا بدأت بجزيرة قبرص عندما كانت تخضع لحكم المصريين.. في عصور ما قبل ميلاد المسيح عليه السلام. تبقي بعد ذلك.. ان لقبرص حكاية تستحق الرواية.. وهي انها كانت خاضعة للاستعمار البريطاني وتابعة للامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس الي حصلت علي استقلالها في بداية الستينيات بشرط بقاء القواعد العسكرية علي اراضيها وتوقيعها علي عدد من المعاهدات العسكرية.. وان تنضم الي مجموعة الكومنولث. ووافق الاسقف مكاريوس علي هذه الشروط وانتهي الاحتلال البريطاني.. واعلن الاستقلال.. واذا بصراع عجيب يندلع بين الاكثرية اليونانية التي تعيش فوق ارض الجزيرة وبين الاقلية التركية.. التي طالبت عند وضع الدستور الجديد للبلاد بكل الصلاحيات المعطاة للاغلبية اليونانية. وبمرور الايام اتسع الصراع بين اليونانيين والاتراك الذين كانوا يعيشون في سلام ووئام الي صراع علي ارض الجزيرة بين العاصمة اليونانية «اثينا».. وبين العاصمة التركية «أنقرة».. وامتد هذا الصراع تدريجيا الي صراع دولي داخل حلف الاطلنطي.. باعتبار ان تركيا عضو في الحلف.. واليونان كذلك.. وبالتالي انتقلت القضية القبرصية الي مرحلة اكثر تعقيدا.. وباتت تهدد باندلاع حرب بين عضوين من اعضاء الحلف. وازداد الامر تعقيدا عندما فشلت جميع التسويات التي جرت بين الاسقف مكاريوس.. ونائبه التركي «كوتشوك»! وعندما يئس الاسقف مكاريوس من حل الازمة داخليا.. وباتت ملامح تهديد تركي بالتدخل العسكري المباشر في الازمة لجأ الاسقف مكاريوس الي الاتحاد السوفيتي بغية الحصول علي اسلحة «دفاعية» لمواجهة تركيا في الصراع الذي يزداد مع الايام التهابا. ووافقت موسكو علي تزويد مكاريوس بالاسلحة.. في الوقت الذي بدأت فيه القواعد العسكرية البريطانية التي تتخذ مواقعها فوق اراضي الجزيرة تستعد للحرب ضد الخطر الشيوعي! وتعقد الموقف باتجاه مكاريوس الي الرئيس تيتو طالبا منه قبول انضمام قبرص لكتلة عدم الانحياز.. ووقفت مصر بكل قوتها إلي جانب الاسقف مكاريوس بانضمامه لكتلة عدم الانحياز! المهم.. انه دارت الايام.. والايام كما نعرف دواره.. وتراجع التدخل الاجنبي في الازمة القبرصية.. وتبدلت الموازين الدولية.. وانقلبت رأسا علي عقب.. الا ان الصراع الداخلي بين الاتراك واليونانيين لم يتغير.. لاسباب يطول شرحها.. وظل الحال علي ما هو عليه. الأغلبية اليونانية.. تتبادل علاقات الحب مع اثينا والاقلية التركية تتلقي الدعم من أنقرة. الآن.. نحن نمر بمرحلة جديدة تغيرت فيها كل ملامح الجغرافيا السياسية القديمة التي سادت طوال سنوات الحرب الباردة وبدأنا نشهد قوي اقتصادية عظمي تتقدمها الصين واليابان وروسيا والهند.. وكوريا.. لا تعتمد علي القوة العسكرية والقنابل الذرية والنووية.. وانما تعتمد علي الابداع والانتاج والتعاون باساليب العشق والهيام.. بين الدول والكيانات التي تقع في المجال الحيوي الذي خلقه الله سبحانه وتعالي كي نتقارب ونتعارف.. ونتلاقي بالاحضان.. وليس بالاسلحة الرشاشة وقنابل المولوتوف والكثير من النذالة.. التي تتدثر بالجلاليب التي تضيق عند المؤخرة مرحبا بالانفتاح علي مجالنا الحيوي.. في البحر المتوسط شمالا.. وفي دول الاشقاء في افريقيا.