تأتي المناورات البحرية التي يشهدها البحر المتوسط بين إسرائيل والولاياتالمتحدة واليونان والتي بدأت في السابع من مارس الحالي وتستمر لمدة أسبوعين، باعتبارها تمثل تطورا نوعيا مهما في العلاقات اليونانية الإسرائيلية الأمريكية، رغم أنها في نفس الوقت تمثل جزءا من برنامج التعاون الأمني بين بحرية تل أبيب وسلاح البحرية لدي دول أجنبية ، وكونها تشكل فرصة لإسرائيل لتعزيز علاقات التعاون مع حلفائها . كانت إسرائيل قد أجرت مناورات عسكرية مشتركة مع الولاياتالمتحدة خلال شهري أكتوبر ونوفمبر عام 2012، واعتبرها الجيش الإسرائيلي المناورات الاهم من هذا النوع في تاريخ البلدين، وشارك فيها نحو3500عسكري أمريكي ونحو ألف عسكري إسرائيلي وتضمنت تدريبات علي الدفاع الجوي. كما كانت اليونان قد شاركت في المناورات البحرية مع الولاياتالمتحدة وإسرائيل في شرق المتوسط في نهاية مارس 2012. ولا شك أن المناورات العسكرية بين اليونان وأمريكا وإسرائيل، تحمل الكثير من الدلالات وخاصة أنها تجرى على البحر المتوسط، حيث تمثل احتياطات الغاز الطبيعي المكتشف في منطقة شرق البحر المتوسط فرصة ذهبية وثروة ثمينة لجميع دول المنطقة ، والتي تشمل مصر وإسرائيل وتركيا وقبرص ولبنان وسوريا وفلسطين ، بشكل قد يدفعها للتصارع والتنافس الشرس فيما بينها للاستحواذ علي النصيب الأكبر منها ، في ظل غياب اتفاق واضح حول الحدود البحرية لمناطقها الاقتصادية الخالصة. أول هذ الدلالات التي تحملها المناورات الإسرائيلية الأمريكية اليونانية، أن أثينا تريد توجيه رسالة حازمة لتركيا، لحماية المنطقة الاقتصادية الخاصة باليونان، وثمة مؤشرات قوية على وجود مخزونات من الهيدروكربونات شرق وجنوب جزيرة كريت اليونانية، وأن تركيا من خلال علاقاتها تحاول تعطيل استخراج هذه الثروات، فضلاً عن إمكانية أن تمر أنابيب ما بين جزيرتي قبرص وكريت لنقل الغاز من حقول شرق المتوسط إلى السوق الأوروبية. ثاني الدلالات، هو رفع جاهزية القوات البحرية الجوية للدول الثلاث، بهدف تعاونها مستقبلا للسيطرة على منطقة شرق المتوسط حيث حقول الغاز التابعة لكل من إسرائيل وقبرص واليونان. ثالث الدلالات، هو أن الولاياتالمتحدة لا تريد للاتحاد الأوروبي أن يكون معتمدا بالكلية على الغاز والنفط الروسيين، خاصة أن الشركات التي تقوم بالتنقيب عن الغاز والنفط في شرق المتوسط هي شركات أميركية مما يعني وجود مصالح أميركية منافسة لروسيا، ولذلك فالمناورات تنبئ بظهور محور جديد يعزز مكانة إسرائيل في المنطقة. رابع الدلالات، أنه ليس جديدا أن تجري البحرية الإسرائيلية مناورات مشتركة في عرض البحر الأبيض المتوسط مع نظيراتها الأمريكية والأوروبية لأهداف عدة ليس آخرها تعزيز سياسة "الردع" والاستعداد لأي طارئ قد تشهده المنطقة" لكن الجديد إلى جانب غياب تركيا عن تلك المناورات، هو تزامنها مع زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما المتوقعة في 20 من الشهر الجاري إلى الشرق الأوسط. خامس الدلالات، أنه إذا كانت هذه المناورات تدخل في باب المناورات والتدريبات العسكرية التقليدية بين الدول، فإنها تُجرى بهذا الشكل والحجم لأول مرة تحسباً لأي طارئ في المنطقة على مستوى العالم العربي وتحديدًا في سوريا، أو لما له علاقة بالسياسة الإسرائيلية الرامية إلى وقف المشروع النووي الإيراني. ولكن التساؤل المهم الذي يثار في هذا الإطار هو لماذا دخلت اليونان على خط العلاقات مع إسرائيل والولاياتالمتحدة؟ وهل من الممكن أن تكون منطقة شرق البحر المتوسط ميدان المعركة التالي في الحروب التي تتم بالوكالة بين تركيا وإسرائيل وإيران؟ وهل تشهد منطقة المتوسط بداية تشكل حلف جديد في المنطقة؟ في واقع الحال، لم تمر العلاقات اليونانية الإسرائيلية بمراحل طبيعية أو تمهيدية، فجاءت مفاجئة ونضجت بسرعة قياسية تدعو إلى التساؤل حول مدى عافية هذا التحالف من جهة، ومدى قابليته للحياة والاستمرار من جهة أخرى، فبدأت الزيارات المتبادلة بين جورج باباندريو وبنيامين نتنياهو في أغسطس 2010، وخلال فترة قصيرة طرح الكثير من مشاريع التعاون في مجالات عدة تشمل الطاقة ومكافحة الكوارث المناخية والبيئية والسياحة والآثار وتعاون الشركات الخاصة. لكن بعد مرور سنتين على إطلاق هذه الوعود، يبدو أن المشاريع التي نفذت هي تلك المهمة للجانب الإسرائيلي فقط، فأجرت إسرائيل تدريبات عسكرية لطياريها في الأجواء اليونانية، وضمنت بيع بعض الأنظمة التسليحية للجيش اليوناني، فيما لم تشهد اليونان مشاريع تنموية إسرائيلية ولم يزرها رجال أعمال إسرائيليون بهدف الاستثمار، وهو أكثر ما تحتاج اليه اليونان ولا تتقنه إسرائيل كثيراً، أو ربما لا ترغب في تقديمه لليونان بسهولة. ووفقا لخبراء العلاقات الدولية، ثمة ثلاثة أسباب رئيسة دفعت اليونان وإسرائيل إلى الدخول في علاقات سريعة، الأول هو الفتور في العلاقات التركية الإسرائيلية وحاجة إسرائيل للمجال الجوي اليوناني كعمق إستراتيجي مهم للتدريب العسكري، والثاني هو اكتشاف احتياط الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط عموماً وشواطئ إسرائيل خصوصاً، وحاجة تل أبيب لتصديره عبر اليونان وقبرص إلى أوروبا، والثالث هو الأزمة الاقتصادية الخانقة في أثينا التي دفعتها إلى التقرب من إسرائيل، التي تمتلك تأثيراً كبيراً على البنوك العالمية، بهدف تخفيف الضغوط المالية عليها. ومن وجهة النظر اليونانية، من الممكن أن يجتذب التعامل مع إسرائيل استثمارات إسرائيلية ومهارات تكنولوجية إلى اقتصادها المنهار، ويضمن أيضا مبيعات أسلحة معقدة، ويفوز بحماية مؤثرة يمكنها أن تحبط مساعي تركيا النشطة من جديد والتي تضع عينها على مخزون الطاقة في حقل ليفياثان وبحر إيجة. ويمكن القول أن هذه المناورات قد تكون بداية تشكيل تحالف جديد في منطقة المتوسط، إذ قد تدشن هذه المناورات جبهة جديدة في شرق البحر المتوسط في إطار الصراع الاستراتيجي الإقليمي بين الولاياتالمتحدة وحلفائها من جانب، وتحالف غير منظم بين أطراف من بينها تركيا وإيران وسورية من جانب آخر، وتم التمهيد للتحالف الجديد مع إسرائيل في عام 2010 في روسيا أثناء مقابلة بين رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتعزز التقارب اليوناني الإسرائيلي في يونيو 2010، بعد الغارة الإسرائيلية الدموية التي استهدفت أسطول المساعدات الإنسانية المتجه إلى غزة. ومما لا شك فيه، أن الكميات الكبيرة من الهيدروكربونات في منطقة بحر إيجه وقبرص، كانت ولا زالت أحد أسس التقارب بين إسرائيل واليونان وقبرص، وفي الوقت ذاته سبباً للتباعد بين أنقرة من جهة وأثينا ونيقوسيا وتل أبيب من جهة أخرى. فأنقرة لم تكن راضية عن تنقيب الشركات الأميركية والإسرائيلية في المياه القبرصية، معتبرة أن تلك العمليات تتعدى على حقوق القبارصة الأتراك، كما أنها تقوم في المقابل بعمليات سبر في مياه بحر إيجه والقسم الشمالي من قبرص، أغضبت كلاً من نيقوسيا وأثينا. فالاحتياطات الهائلة من الغاز الطبيعي قد تم اكتشافها في منطقة شرق البحر المتوسط منذ عام2009، خاصة في إسرائيل وقبرص، الأمر الذي دفع باقي دول المنطقة لتكثيف جهودها من أجل اكتشاف المزيد من هذه الاحتياطات، حيث قامت لبنان وتركيا وسوريا واليونان بجهود متعددة حتي تحصل علي نصيبها من كعكة هذه الاحتياطات الضخمة التي تقدرها هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية بنحو122 تريليون قدم مكعب من الغاز، و1.7 مليار برميل من البترول القابل للاستخراج من الناحية الفنية. وتنبع أهمية الاكتشافات الهائلة من الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط من التصاعد الدراماتيكي لأهمية السيطرة علي موارد الغاز الطبيعي ليس فقط بالنسبة لبلدان الشرق الأوسط، بل أيضا للاتحاد الأوروبي والصين بصفتها من أكبر المناطق استهلاكا في العالم. ونخلص في النهاية إلى القول بأن منطقة شرق البحر المتوسط قد تشهد بداية حقيقية لتشكل حلف جديد في المنطقة من أجل الحفاظ على مصالح الطاقة النظيفة في العالم وهو الغاز الطبيعي، وربما تنضم لهذا الحلف قوى أخرى عربية وآسيوية في سياق البحث عن موطئ قدم في هذا المكان الحيوي من العالم.