«الري»: الإجراءات الأحادية لإقامة السدود تُهدد الاستقرار    ننشر أسماء أوائل الشهادتين الإبتدائية والإعدادية الأزهرية بالمنيا    سعر السمك السردين والكابوريا والجمبري بالأسواق اليوم الخميس 12 يونيو 2025    تراجع مبيعات تيسلا للشهر الخامس على التوالي    هبوط جديد في عيار 21 الآن.. أسعار الذهب اليوم الخميس 12 يونيو بالصاغة    نائب محافظ مطروح يبحث آلية استقبال المخلفات الصلبة بالساحل الشمالي خلال موسم الصيف    ماذا تفعل حال إضاءة اللمبة الحمراء في عداد الكهرباء؟.. احذر الغرامة    من رأس الحكمة إلى رأس شُقير.. لماذا يُصرُّ السيسي على بيع أصول مصر للإمارات؟.. وأين من اتهموا الرئيس مرسي ؟    قيادي بحزب مستقبل وطن: مصر ثابتة في دعمها للقضية الفلسطينية    فوكس نيوز: لن يتم إجلاء أي جندي أمريكي من الشرق الأوسط    واشنطن بوست: احتمال انعقاد جولة تفاوض بين واشنطن وطهران مستبعد بشكل متزايد    قائد الحرس الثوري الإيراني: مستعدون للرد على أي تهديد ولكل السيناريوهات    السومة يتحدى مرموش وربيعة.. مهاجم سوريا يدعم قائمة الوداد في كأس العالم للأندية    قائمة الهلال السعودي النهائية لكأس العالم للأندية    مرتجي: تمنيت ضم زيزو منذ 3 سنوات.. وهذا ما قاله لي عن جماهير الأهلي    موقع مديرية التربية والتعليم بالجيزة ينشر نتيجة الصف السادس الابتدائي.. استعلم الآن    مزارع يقتل 3 أبنائه ويشنق نفسه.. التفاصيل الكاملة لجريمة سوهاج    شديد الحرارة والعظمى في القاهرة 36.. حالة الطقس اليوم    وفاة تاجر الذهب بالبحيرة متأثرًا بإصابته على يد شخصين    أسماء أوائل الشهادة الإعدادية الأزهرية 2025 في قنا    "هيكون نار".. تركي آل الشيخ يشوق متابعيه لفيلم الفيل الأزرق 3    بعد تعافيه من عملية القلب، صبري عبد المنعم يوجه رسالة لجمهوره    international fashion awards" يُكرم منة فضالي بلقب "ملهمة الموضة fashion muse"    أسامة كمال ناعيًا شهيد الشهامة خالد شوقي: لم يخش الموت لإنقاذ من لا يعرفهم    آداب الرجوع من الحج.. دار الإفتاء توضح    حكم توزيع لحوم الأضحية بعد انتهاء أيام عيد الأضحى    الطب البيطري: نجاح عملية ولادة قيصرية لقطة بالغربية -صور    استشاري يحذر من قلة النوم وتأثيره على الصحة العامة    الضوابط التنظيمية لزيارة المنطقة الحدودية المحاذية لقطاع غزة    1.36 تريليون دولار إجمالي عجز الموازنة الأمريكية منذ بداية العام    وزير الخارجية الأردني يؤكد ضرورة تكاتف الجهود لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة    وزارة السياحة: تنسيق محكم وخدمات متميزة لضيوف الرحمن    بسبب منشور على «فيس بوك».. شاب ينهي حياة جاره في الصف    «80 باكو» السر.. ضبط موظف يستغل عمله في تزوير المحررات الرسمية بالفيوم    محافظ الدقهلية في زيارة ليليلة مفاجئة لمدينة جمصة: ويؤكد على منع وجود أي اشغالات بالشاطئ والشوارع    محافظ المنوفية: لا تهاون فى مواجهة مخالفات البناء والتعامل بحسم مع أى تعديات    بالأسماء.. تعرف على أوائل الشهادة الإعدادية الأزهرية بالمنيا 2025    نجم مانشستر يونايتد يشعل الصراع بين أندية الدوري الإنجليزي    سجل تاريخي ل ريال مدريد في كأس العالم للأندية.. أرقام استثنائية    المخرج محمد حمدي ل«البوابة نيوز»: نجوم السوشيال ليسوا بدلاء للممثلين.. والموهبة هي الفيصل    حسن الرداد يكشف حقيقة الصورة المتداولة لسفر الفنانين لتشجيع الأهلي في كأس العالم للأندية :«ده تقل دم وسماجة اوي»    أستاذ العلوم السياسية: بيان وزارة الخارجية المصرى مهم ووضع النقاط على الحروف    هل لديك نظر حاد؟.. اعثر على حبات جوز الهند الثلاثة في 12 ثانية    بعثة الأخضر تصل إلى أمريكا للمشاركة في بطولة الكأس الذهبية    "ثورة جوارديولا".. كيف يرد السيتي بعد الموسم السلبي؟    فيرمينو يقترب من الانتقال إلى قطر بعد مغادرة الأهلي السعودي    روسيا.. هجوم بمسيرات أوكرانية يستهدف مقاطعتي خيرسون وزابوريجيا    بعد التحذير منها سابقا.. طبيب شهير يوضح فوائد تناول الزبدة يوميا    الأوطان ليست حفنة من تراب.. الأوقاف تنشر نص خطبة الجمعة المقبلة    بعد انتهاء إجازة العيد.. العطلات الرسمية المتبقية في 2025    3 مشروبات طبيعية ترفع معدلات الحرق وتمنحك الشبع    «الريادة»: معركتنا الحقيقية في الانتخابات البرلمانية المقبلة ستكون على المقاعد الفردية    ضبط المتهمين بتعريض حياة المواطنين للخطر على الطريق الصحراوى|فيديو    رئيس الطائفة الإنجيلية: مصر لها ثقل تاريخي ودور إقليمي محوري    «الجذام إلى زوال».. دراسة ترسم خريطة الأمل للقضاء على المرض في مصر    حكم البسملة لمن بدأ القراءة من وسط السورة؟.. المفتي يجيب    تقبل طلاب الثانوية علمي.. 10 معلومات عن كلية علوم التغذية 2025    الفنان محمد ثروت يدعو لشفاء آدم تامر حسني .. اللهم متّعه بالصحة والعافية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوطن" تنشر نص كلمة الطيب في افتتاح منتدى "تعزيز السلم"
نشر في الوطن يوم 28 - 04 - 2015

حصلت "الوطن" على نص كلمة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، في افتتاح منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة المنعقد في الإمارات.
وقال الطيب، "إن المجتمعات المسلمة بحاجة لمراجعة أمينة وقراءة نقدية لبعض المفاهيم في التراث الإسلامي وبيانها للناشئة في مقررات دراسية جادة تسهم في تحصينهم من الجماعة المسلحة".
وطالب شيخ الأزهر، "بضرورة الاتفاق على رؤية إستراتيجية واضحة المعالم لإنتشال الشباب من حالة الإضراب والتذبذب العقدي والفكري في إدراك أصول الدين وأمهات قضايا العقيدة والأخلاق".
وأضاف أنه، "لا يظن أنَّ هناك دينًا من الأديانِ ولا نِظامًا اجتماعيًّا أو دستوريًّا رَحم الإنسان وعَصمَ دمه مثل ما عصمه نبيُّ الإسلام" لافتا إلى أن علاقة الإنسان المسلم بغيره علاقة زمالة وصحبة وارتفاق، تقوم على مبدأ السلام والتعارف.
كما شدد على ضرورة جمع الكتب والمجلات التي تصدرها الجماعات الإرهابية المسلحة وتصنيفها ونقضها جملة وتفصيلاً.
وانتقد شيخ الأزهر الحملات التي تشنها وسائل الإعلام على الخطاب الديني باعتباره المسئول الأول والأخير عن ظهور داعش وأخواتها، واصفًا تلك الحملات ب"السطحية".
وقال "في بِداية كَلِمَتي هَذِه يَسُرني أنْ أتقدَّم بِخَالِص الشُّكر والتَّقدير لِدَولَة الإمَارات العَرَبيَّة المُتَّحِدة: حُكومةً راشِدة، وشَعبًا نبيلاً، لرعايتها الكَريمة لِهَذا المُنتَدى، وحرصها المشكور على انعقاده كُل عام، بحُضور دُعَاة السَّلام ومُحبِّي الإنسَانيَّة مِن كُلِّ أصقاع الدُّنيَا".
"كَمَا يُسْعدني أنْ أزجي الشُّكر مَمزوجًا بالتَّقْدير والإِكبَار لأخي الشَّيخ الجَليل الدكتور عبد الله بن بيه رئيسِ هذا المُنتَدى على هذا الجُهد الكَبير فيإعداد هذا المُنتَدى الَّذي نَرجو له النَّجَاح والتَّوفِيق وتحقِيق المقَاصِد والغَايات".
وإذا كانت الورقة التَّصويريَّة، حَدَّدَت غاية هذا المُلتقى في إعادة الكَشف عن ثقافة السِّلم وبَيان محوريته في الإسلام: مِن خِلال قِراءة دَقيقة لنُصُوص الوحي وتُراث السَّلَف، فإنَّ هَذِه الغَاية لا شَكَّ هي مِن أنبَل الغايَات الَّتي يجب أنْ تَتوفَّر عليها أقلام أهل الاختِصاص، لإِزالة مَا رانَ على فِقه السَّلام من ظُلمَات بعضها فوق بعض، بسبب القراءة المغلوطة والتَّفسيرات الملتوية، التي أدَّت إلى أنْتتحوَّل الأسلحة في أيدي جماعة من المسلمين إلى صدور مجتمعاتهم وأهليهم بعيدًا عن صُدور أعدائهم ومقاتليهم.
نعم نَحْنُ الآن في أشدّ الحاجَة إلى مراجعة أمينة وقراءة نقدية لهذه المفاهيم في تراثنا الإسلامي، وبيانها للنَّاشِئة مِن التَّلاميذ ولِطُلَّاب الجَامِعَات في مُقرَّرات دِراسِيَّة جادَّة تسهم في تحصين شَباب العَرَب والمسلمين من الوقوع في براثن هذه الجماعات المُسَلَّحة، ولا مفرّ لمنتدانا هذا من دعوةالمُختَصِّين واجتماعهم للاتفاق على رؤية استراتيجية واضِحة المَعَالِم بَيِّنة الأهداف والغَايات لانتِشال شبابنا من حالة الاضطراب والتَّذَبذُب العَقديوالفكري في إدراك أُصُول الدِّين وأُمَّهَات قضايا العقيدة والأخلاق، إلى حالة الهدوء النَّفسي والاستقرار الإيماني والفَهمِ الصَّحِيح لدين أسهَم في صنع حضارة عالميَّة، وتأسيس أخوة بشريَّة، وزمالة عالميَّة لم يُنسج على مِنوالها حتَّى يَوم النَّاس هذا..هذه الحضارة الَّتي لَمْ تَكُن لتنتَشر من غَربالمعمورة إلى شرقها في فترة زمنية قصيرة حيَّرت عُلَمَاء التَّاريخ والحضَارة حَتَّى اليَوم - لَولا ارتكازها على مبدأ السَّلام بين النَّاس، ولَولا أنَّ نبيَّ هذه الحضارة قد بُعث رحمة للعالمين أجمعين، ولم يُبعَث رحمة للمسلمين فقط، أو لعَالَم الإنسانية فحَسب بل كما بُعث رحمة للإنسان بُعث أيضًا رحمة للحيوان والنَّبات والجَماد، «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ»{الأنبياء: 107}، والرَّحمَة يلزمها السَّلام، بل هي مع السَّلام وجهان لعُملة واحدة، ومَا أظُن أنَّ هُنَاك دينًا من الأديانِ ولا نِظامًا اجتماعيًّا أو دستوريًّا رَحم الإنسان وعَصمَ دمه مثل ما عصمه نبي الإسلام.. ومن المؤكَّد أن القرآن الكريم هو الكتاب الأوحد الذي جمع على قاتل الناس عقوبتين: القصاص في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة.. ويكفي أنَّ القُرآن يسوي بين قتل نفس واحدة -بغير حق أو فسادٍ في الأرض- وقتل سَائِر النَّاس، وبين إحياء هذه النَّفس وإحياء جميع البشر.. «مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا»{المائدة: 32}. بل إنَّ الإسلام ليُحرِّم مجرد ترويع الإنسان وتخويفه، حتى لو كان التَّرويع على سَبيل المُداعبة والمزاح، يقول النبي «منْ أشارَ إلى أخيه بحديدةٍ، فإنَّ الملائكةَ تلعنُهُ حتَّى يَدَعهُ وإن كان أخاه لأبيهِ وأُمِّهِ»( )، وقال: «لَايَحِلُّلِمُسْلِمٍأَنْيُرَوِّعَمُسْلِمًا»، ولقد بلغت رحمته ورفقُه بالحيوان أنَّه رأى مرة جملاً تتساقط الدموع من عينيه، وتبدو عليه أمارات التَّعَب والإرهاق، فاستدعى صاحب الجمل وكان غُلامًا من الأنصار وقال له: «أفلا تتقي اللهَ في هذه البهيمة التي مَلَّكَكَ اللهُ إياها؟ فإنه شكى إليَّ أنك تُجيعه وتُدئبه»، ولا ينبغي أن نستنكر– أيُّهاالإخوة- هذا التَّواصل الحَي بين الأنبياء وبين الكائنات الأخرى من حيوان ونبات وجماد، أو نستبعد حدوثه انطلاقًا من أنَّ النَّاس لا يعرفون حيوانًا تحدَّث إلى إنسان وشكى إليه، فإنَّك لو ذهبت تتعرَّف على علاقة الإنسان بالكائنات في منظور الإسلام، فإنَّه سَيُدهشك أن تعلم أن هذا الكون بكل عوالمه– في منظور القُرآن الكَريم- ليس ميتًا أو جمادًا أصم محرومًا من الوعي والإدراك ومن حياة تناسبه، وصَريح القُرآن يدل دلالة واضحة على أنَّ هذا الكون بكل عناصره، أيًّا كانت هذه العناصر، يعبُد الله ويُسبِّحه، بل ويَسجُد له أيضًا، وإنْ كُنَّا نفقد الأهلية والشروط التي تمكننا من أنْ نرى سجوده أو نفقَه تَسبيحه، والآيات الواردة في هذا الشَّأن كثيرة جِدًا وتُفتتح بها سور عِدَّة، والعَقل لا يتصوَّر تسبيحًا ولا سجودًا من ميِّت لا إدراك له ولا حياة فيه، بل وصف الحياة للكائن المُسَبِّح السَّاجد يسبق بالضَّرورة وصفه بالسُّجود والتَّسبيح: «وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا»{الإسراء: 44}، "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ» {الحج: 18.. .. ..
أيُّهَا الحَفْلُ الكَريم:
إنَّ مُهِمَّة إحيَاء فِقه السَّلام في دينِ الإسلام: أصُولًا وتُراثًا أمر لَمْ يَعُد ترفًا أو خيارًا مُمكِنًا، بل هو أشبه بطوق النجاة الآن. وحسنًا فعل هذا المنتدى الكريم في تبنِّى مسؤولية جَمع هذا الفِقه وتجليته للخامل والنَّبِيه على السَّواء، وأرى أن يتبنَّى المُنتدَى بالتَّوازي عمَلًا آخر هو جمع الكُتب والمجَلَّات التَّي تصدرها الجماعات الإرهابية المُسَلَّحة، وبخاصَّة عبر وسائِل النشر الإلكترونيَّة، وتظهر بأكثر من لُغة غير اللُّغة العَرَبيَّة، والَّتي تحمل خَطرًا داهِمًا على الشَّباب، هذه الكتب والمقالات لابُدَّ من جمعها وتَصنِيفها ونقضها جُملةً وتفصيلًا، وثَمَّة عمل ثالث لابُدَّ مِنه لِمُحَاصَرة القواعِد العقديَّة الَّتي تنطلق منها جماعَات القَتل المُسَلَّحة، وبِخَاصَّة: قاعِدة التَّكفير، أو مَبدأ التَّكفير الَّذي أصَّلوه في أدبياتهم وضَلَّلوا به قِطَاعًا عَريضًا مِن الشَّباب المُسلِم في الشَّرقِ والغَرب، ومِن المُحزِن – أيُّها الحَفلُ الكَريم - أنْ تصدر في هَذِه الأيَّام الصعبة الَّتي نعيشها الآن كُتب ومَنشُورات بأقلام طائفة مِن المُنتَسبين للعِلم، يتناولون فيها مسألة التَّكفير، ويفرِّقون فيها بين التَّكفير الجَائِز وهو تكفير المُطلق وتكفير المُعيَن الجَائِز بشروط، ومثل هَذِه الأقوال لَا تُناسِب ظروف الأُمَّة الآن بِحال من الأحوال، ولَا تدعم قَضيَّة السَّلام الَّذي نسعى إليه جميعاً، ونَحْنُ لا نُنَاقِش هُنَا مَسألة تكفير المُطلق وتكفير المعيَن، وكيف أنَّ هذا التَّقسيم لَمْ يَرِد في كِتاب ولا سُنَّة، وإنَّما هو مِن أقوال المُتأخِّرين، الَّتي تخضع لإعمال النظر والأخذِ والرَّد. ولكنا نُنبِّه فقط إلى أنَّ بعض الفتَاوى أو الأحكَام الَّتي يَصدرها هذا الفَقيه أو ذَاك في العُصُور الخَوالي إنَّما صَدَرت لِمُواجَهة ظروف استِثنائيَّة لا يُمْكِن القِياس عليها الآن، وقَضيَّة التَّكفير أصدَق مِثال على دعوانا هَذِه، حيثُ نرى جماعات الإرهاب المُسَلَّح اليَوم تستند إلى أحكام يَنقلونها عن ابن تَيمية وابن كَثير رَحِمَهما الله، تَنُص على أنَّ النُطق بالشَّهادتين لا يَكفي للحُكْم بإسلام الشَّخص، بَل لابُدَّ من اقْتِران العَمَل بهما والخُضُوع الكَامِل لأحكَام الإسلام، والالتِزام "بالدِّفاع عن الجَماعة والدَّولَة الإسلاميَّة والشَّريعة"، فإذا خَرج المُسْلِم، أو المُسْلِمُون عن هَذِه الشُّروط فَهُم كُفَّار يَجب قِتالهم.. وجَليَّة القَول في هذا الفَهم المَغلُوط أنَّ ابن تيمية رَحِمَه الله إنَّما قال ذلك الكلام في القرن السَّابع والقرن الثَّامن الهجريين، وكان مشغولًا بمُواجهة المعَارك العَنِيفَة الدَّامية بين المسلمين وغارات التَّتار الذين أسقطوا بغداد واستولوا على الشَّام ووصَلوا إلى مصر التي هزمتهم في عين جالوت.. وكان التَّتار في ذلكم الوقت يُظهرون إسلامهم ويُبطنون كُفرهم، وكان حُكَّام الدُّويلات المُسْلِمة لا يجدون حرجًا من الاستعانة بهم في السَّيطرة على ما تبقَّى في أيديهم من البِلاد، وفي هذه الظروف تحديدًا قال ابن تيمية مَا قال من أنه لابُدَّ مِن اقِتران العَمَل بالشَّهادتين حتَّى يَمتاز المسلم عن غيره من المُتظَاهرين بالإسلام الذين يَكيدون للمسلمين ويقتلونهم.. والسُّؤال هو: كَيف يَصِحّ قياس مُجتمعاتنا الإسلاميَّة الآن على مجتمعات اختلط فيها المُسْلِم بالكافر والمُنافق، والعَرَب بالتَّتار والمَغُول؟! وهل يمكن أن يسوَّى في الحُكم الواحد بين المجتمعات المُسْلِمة في القَرن الواحد والعشرين وبينها في القرن السَّابع والثَّامن الهجريين!! وكيف أُلغيت كُل الفُروق والسِّياقات والمُلابسَاتِ الفقهيَّة والسِّياسيَّة والظروفِ القاسية الَّتي أثمرت هذا النَّوع من الفَتَاوى المؤقَّتة لِتطُل برأسها من جديد وتُبرِّر لجماعات التكفير إعلان الجِهاد على مجتمعات تُؤمن بالله ورسوله وتُقيم الصَّلاة وتُؤتي الزَّكاة وتَصُومُ رمضان وتحج إلى بيت الله الحَرام، ثُمَّ أين ما اتَّفق عليه فقهاء الأمة من أنَّ الفَتوى تَتغيَّر بتغيُّر الزمان والمكان والظروف والأحوال!!.
إنَّ هَذِه الفَوضى الدَّمَويِّة- الَّتي تتَّخِذ من مَقُولة التَّكفير حُجَّةً وسَندًا- تحتاج إلى استِنفار علمائي يَتصَدَّى لهذه الفِتنة في كُل عَواصِم العَالَم العَرَبي، بَل في كُل مَدينة فيه، ولا يَتحقَّق ذَلِك إلَّا بالنزول إلى حقول التَّعليم وبخاصَّة: التَّعليم قَبل الجامعي.. ولَعَلَ اجتماعًا يلتقي فيه المسئولون عن التَّعليم في العالم العربي وأيضاً المسؤولون عن المدارس والمعَاهِد الدِّينية لِوضع مَنهج عِلمي مُشترك يستند إلى رأي الجمهور في النَّهي عن التَّكفير نهيًا قاطعاً لا لفَّ فيه ولا دوران، ويصاغ في مُقرَّر دراسي جاد يفند أغاليط التَّكفيريين تفنيدا فكريًّا وتربويًّا على مستوى الوطن العَرَبي- أقول لَعَلَ اجتماعًا كهذا أصبَح الآن ضَرورة من الضَّرورات القُصوى، ذلكم أن التركيز على التَّعليم أو الخِطاب التَّعليمي أهَم وأجدى من التَّركيز على خِطَاب الجُمهور، لأن القَاعِدة العَريضة من الجَماهير لاتزال مُحصَّنة ضِدَّ ثقافة التَّكفير، بِخلاف الجيل الجَديد الَّذي يعول في اكتساب المعرفة على وسائل الاتصال الإلكترونية، وهي مُخترقة اختراقًا كاملًا من قِبل هذه الجماعات، وتستهدف أوَّل ما تستهدف شباب الطلاب من المرحلة الثانويَّة والجامعيَّة.
واسمحوا لي أن أختم كلمتي ببيان أنَّ الحملات التي تشنها وسائل الإعلام على الخطاب الدِّيني بحسبانه المسؤول الأوَّل والأخير عن ظهور "داعش" وأخواتها وبنيها وحفدتها هي حملات تتصف بالسطحية في تبسيط الأمور، وهي إذ تختزل أسباب ظهور هذه الجماعات في سبب واحد هو: الخطاب الدِّيني فإنها تتغافل أو تتعامى عن عوامِل أخرى دفينة دفعَت بهؤلاء الشباب إلى انتهاج العنف المُسَلَّح كحل أخير يائس لتغيير مجتمعاتهم! إنَّ الإخفاقات المتتالية وثقافة التهمييش التي عاشها هذا الجيل على أكثر من مستوى أسهمت إسهامًا واضحًا في شعور الكثيرين بالإحباط واليأس، وبخاصة الإخفاقات السِّياسيَّة والاقتصاديَّة والنَّفسيَّة، والخِطاب الدِّيني وحده لَيس هو الحَل، بل هو جزء من حل المشكلة، فهناك خطابات عِدَّة: سِياسيَّة واقتصاديَّة وتعليميَّة وثقافيَّة وإعلاميَّة وفنيَّة كانت كلها معاول هَدم وتحطيم لآمال النَّاس وأحلامهم وتحتاج الأن إلى إصلاح لا يقل شأنًا ولا خطرًا عن إصلاح الخِطاب الدِّيني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.