آداب حلوان تعلن شروط القبول بأقسامها للعام الجامعي 2026/2025    رئيس جامعة قناة السويس يُصدر قرارات تكليف قيادات جديدة بكلية التربية    محافظ البحيرة ووزير العدل يتفقدان أعمال تطوير مبنى المحكمة الابتدائية القديم بدمنهور    رغم مزاعم عصابة العسكر..تراجع الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصرى وهمى وغير حقيقى    تعاون جديد بين "غرفة القاهرة" وشركة "فوري" لميكنة الخدمات والتحصيل إلكترونيًا    المتحدث باسم خارجية قطر: الأجواء بشأن وقف إطلاق النار في غزة «إيجابية» وفي انتظار الرد الإسرائيلي    «الاختبار الحقيقي الضغط لإدخال المساعدات لغزة».. «الأوقاف» تحتفي باليوم العالمي للعمل الإنساني    بعد إلغاء تأشيرات دبلوماسيين.. نتنياهو مهاجمًا رئيس وزراء أستراليا: «خان إسرائيل» (تفاصيل)    الأهلي يواصل الاستعداد للمحلة.. «عاشور» يشارك بدون التحامات.. و«مروان» يواصل التأهيل    «معايا أوراق ومستندات».. تعليق مفاجئ من ميدو بعد سحب أرض الزمالك في أكتوبر    رغم تصريحات الوزارة حول حرية الاختيار… مديريات التعليم تجبر الطلاب على الالتحاق بنظام البكالوريا    الأرصاد تحذر من كتلة هوائية صحراوية ترفع درجات الحرارة إلى 44 (فيديو)    بعد منعه راكب بسبب «الشورت».. تكريم رئيس «قطار الزقازيق» بشهادة تقدير    «ديون أظهرت معدن أصدقائه».. إيمي طلعت زكريا تكشف رفض فنان شهير مساعدة أولاده (فيديو)    مدير أوقاف الإسكندرية يتابع لجان اختبارات مركز إعداد المحفظين بمسجد سيدي جابر    بدء تشغيل عيادة العلاج الطبيعي للأطفال في مركز طب أسرة العوامية بالأقصر لخدمة منتفعي التأمين الصحي    بعد مأساة الطفل حمزة.. شعبة المستوردين: هيئة سلامة الغذاء تراجع كل المنتجات قبل طرحها    رواية «بيت من زخرف» لإبراهيم فرغلي تصل للقائمة القصيرة لجائزة كتارا للرواية العربية    التحقيق مع 3 أشخاص بتهمة غسل 100 مليون جنيه من النصب على المواطنين    أمن المنافذ يضبط 53 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    إطلاق أسماء 4 نقاد كبار على جوائز أفضل مقال أو دراسة حول الأفلام القصيرة جدا    رئيس الرعاية الصحية: بدء تشغيل عيادة العلاج الطبيعي للأطفال بمركز طب أسرة العوامية بالأقصر    ضبط 433 قضية مخدرات فى حملات أمنية خلال 24 ساعة    قرار جديد من وزارة الداخلية بشأن إنشاء مركز إصلاح (نص كامل)    "قصص متفوتكش".. 3 معلومات عن اتفاق رونالدو وجورجينا.. وإمام عاشور يظهر مع نجله    حسن عابد مديرا لبطولة أفريقيا ل شباب الطائرة    كامل الوزير: تشغيل خطوط إنتاج الأسمنت المتوقفة وزيادة القدرات الإنتاجية    صور.. تأثيث 332 مجمع خدمات حكومية في 20 محافظة    واعظة بالأزهر: الحسد يأكل الحسنات مثل النار    " ارحموا من في الأرض" هل هذا القول يشمل كل المخلوقات.. أستاذ بالأزهر يوضح    وزيرة التخطيط والتعاون تتحدث عن تطورات الاقتصاد المصري في مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية    صعود جماعي لمؤشرات البورصة بمستهل جلسة اليوم    وظائف جديدة للمهندسين والمشرفين بالسعودية برواتب تصل 6000 ريال    53 مليون خدمة.. ماذا قدمت حملة "100 يوم صحة" خلال 34 يومًا؟    هل يمكن أن تسبب المشروبات الساخنة السرطان؟.. اعرف الحقيقة    إلغاء إجازة اليوم الوطني السعودي ال95 للقطاعين العام والخاص حقيقة أم شائعة؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 19-8-2025 في محافظة قنا    وزيرا الإسكان والسياحة ومحافظ الجيزة يتابعون مخطط تطوير منطقة مطار سفنكس وهرم سقارة    5 قرارات جمهورية مهمة وتكليفات حاسمة من السيسي لمحافظ البنك المركزي    وزير الخارجية يعرب لنظيره الهولندي عن الاستياء البالغ من حادث الاعتداء على مبنى السفارة المصرية    رئيس الوزراء يلتقى وزير الدولة للاقتصاد والتجارة والصناعة الياباني    على ملعب التتش.. الأهلي يواصل تدريباته استعدادا لمواجهة المحلة    السبت.. عزاء الدكتور يحيى عزمي عقب صلاة المغرب في مسجد الشرطة ب6 أكتوبر    عماد أبوغازي: هناك حاجة ماسة لتغيير مناهج التاريخ فى الجامعات    أمن الجيزة يلقى القبض على قاتل ترزى الوراق    الأهلي يواصل استعداداته لمواجهة غزل المحلة    ياسمين صبري ناعية تيمور تيمور: «صبر أهله وأحبابه»    رسميًا.. 24 توجيهًا عاجلًا من التعليم لضبط المدارس قبل انطلاق العام الدراسي الجديد 20252026    «عارف حسام حسن بيفكر في إيه».. عصام الحضري يكشف اسم حارس منتخب مصر بأمم أفريقيا    هناك الكثير من المهام والأمور في بالك.. حظ برج العقرب اليوم 19 أغسطس    الاتحاد الأوروبي يخفض وارداته من النفط إلى أدنى مستوى تاريخي    أبرز تصريحات لقاء الرئيس السيسي مع الشيخ ناصر والشيخ خالد آل خليفة    رابط نتيجة تقليل الاغتراب 2025 بعد انتهاء تسجيل رغبات طلاب الثانوية العامة 2025 للمرحلتين الأولي والثانية    حقيقة إصابة أشرف داري في مران الأهلي وموقف ياسين مرعي من مباراة غزل المحلة    جمال الدين: نستهدف توطين صناعة السيارات في غرب بورسعيد    فلسطين.. إصابات بالاختناق جراء اقتحام الاحتلال مدينة بيت لحم    سعر الزيت والمكرونة والسلع الأساسية في الأسواق اليوم الثلاثاء 19 أغسطس 2025    هل يجوز قضاء الصيام عن الميت؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوطن" تنشر نص كلمة الطيب في افتتاح منتدى "تعزيز السلم"
نشر في الوطن يوم 28 - 04 - 2015

حصلت "الوطن" على نص كلمة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، في افتتاح منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة المنعقد في الإمارات.
وقال الطيب، "إن المجتمعات المسلمة بحاجة لمراجعة أمينة وقراءة نقدية لبعض المفاهيم في التراث الإسلامي وبيانها للناشئة في مقررات دراسية جادة تسهم في تحصينهم من الجماعة المسلحة".
وطالب شيخ الأزهر، "بضرورة الاتفاق على رؤية إستراتيجية واضحة المعالم لإنتشال الشباب من حالة الإضراب والتذبذب العقدي والفكري في إدراك أصول الدين وأمهات قضايا العقيدة والأخلاق".
وأضاف أنه، "لا يظن أنَّ هناك دينًا من الأديانِ ولا نِظامًا اجتماعيًّا أو دستوريًّا رَحم الإنسان وعَصمَ دمه مثل ما عصمه نبيُّ الإسلام" لافتا إلى أن علاقة الإنسان المسلم بغيره علاقة زمالة وصحبة وارتفاق، تقوم على مبدأ السلام والتعارف.
كما شدد على ضرورة جمع الكتب والمجلات التي تصدرها الجماعات الإرهابية المسلحة وتصنيفها ونقضها جملة وتفصيلاً.
وانتقد شيخ الأزهر الحملات التي تشنها وسائل الإعلام على الخطاب الديني باعتباره المسئول الأول والأخير عن ظهور داعش وأخواتها، واصفًا تلك الحملات ب"السطحية".
وقال "في بِداية كَلِمَتي هَذِه يَسُرني أنْ أتقدَّم بِخَالِص الشُّكر والتَّقدير لِدَولَة الإمَارات العَرَبيَّة المُتَّحِدة: حُكومةً راشِدة، وشَعبًا نبيلاً، لرعايتها الكَريمة لِهَذا المُنتَدى، وحرصها المشكور على انعقاده كُل عام، بحُضور دُعَاة السَّلام ومُحبِّي الإنسَانيَّة مِن كُلِّ أصقاع الدُّنيَا".
"كَمَا يُسْعدني أنْ أزجي الشُّكر مَمزوجًا بالتَّقْدير والإِكبَار لأخي الشَّيخ الجَليل الدكتور عبد الله بن بيه رئيسِ هذا المُنتَدى على هذا الجُهد الكَبير فيإعداد هذا المُنتَدى الَّذي نَرجو له النَّجَاح والتَّوفِيق وتحقِيق المقَاصِد والغَايات".
وإذا كانت الورقة التَّصويريَّة، حَدَّدَت غاية هذا المُلتقى في إعادة الكَشف عن ثقافة السِّلم وبَيان محوريته في الإسلام: مِن خِلال قِراءة دَقيقة لنُصُوص الوحي وتُراث السَّلَف، فإنَّ هَذِه الغَاية لا شَكَّ هي مِن أنبَل الغايَات الَّتي يجب أنْ تَتوفَّر عليها أقلام أهل الاختِصاص، لإِزالة مَا رانَ على فِقه السَّلام من ظُلمَات بعضها فوق بعض، بسبب القراءة المغلوطة والتَّفسيرات الملتوية، التي أدَّت إلى أنْتتحوَّل الأسلحة في أيدي جماعة من المسلمين إلى صدور مجتمعاتهم وأهليهم بعيدًا عن صُدور أعدائهم ومقاتليهم.
نعم نَحْنُ الآن في أشدّ الحاجَة إلى مراجعة أمينة وقراءة نقدية لهذه المفاهيم في تراثنا الإسلامي، وبيانها للنَّاشِئة مِن التَّلاميذ ولِطُلَّاب الجَامِعَات في مُقرَّرات دِراسِيَّة جادَّة تسهم في تحصين شَباب العَرَب والمسلمين من الوقوع في براثن هذه الجماعات المُسَلَّحة، ولا مفرّ لمنتدانا هذا من دعوةالمُختَصِّين واجتماعهم للاتفاق على رؤية استراتيجية واضِحة المَعَالِم بَيِّنة الأهداف والغَايات لانتِشال شبابنا من حالة الاضطراب والتَّذَبذُب العَقديوالفكري في إدراك أُصُول الدِّين وأُمَّهَات قضايا العقيدة والأخلاق، إلى حالة الهدوء النَّفسي والاستقرار الإيماني والفَهمِ الصَّحِيح لدين أسهَم في صنع حضارة عالميَّة، وتأسيس أخوة بشريَّة، وزمالة عالميَّة لم يُنسج على مِنوالها حتَّى يَوم النَّاس هذا..هذه الحضارة الَّتي لَمْ تَكُن لتنتَشر من غَربالمعمورة إلى شرقها في فترة زمنية قصيرة حيَّرت عُلَمَاء التَّاريخ والحضَارة حَتَّى اليَوم - لَولا ارتكازها على مبدأ السَّلام بين النَّاس، ولَولا أنَّ نبيَّ هذه الحضارة قد بُعث رحمة للعالمين أجمعين، ولم يُبعَث رحمة للمسلمين فقط، أو لعَالَم الإنسانية فحَسب بل كما بُعث رحمة للإنسان بُعث أيضًا رحمة للحيوان والنَّبات والجَماد، «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ»{الأنبياء: 107}، والرَّحمَة يلزمها السَّلام، بل هي مع السَّلام وجهان لعُملة واحدة، ومَا أظُن أنَّ هُنَاك دينًا من الأديانِ ولا نِظامًا اجتماعيًّا أو دستوريًّا رَحم الإنسان وعَصمَ دمه مثل ما عصمه نبي الإسلام.. ومن المؤكَّد أن القرآن الكريم هو الكتاب الأوحد الذي جمع على قاتل الناس عقوبتين: القصاص في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة.. ويكفي أنَّ القُرآن يسوي بين قتل نفس واحدة -بغير حق أو فسادٍ في الأرض- وقتل سَائِر النَّاس، وبين إحياء هذه النَّفس وإحياء جميع البشر.. «مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا»{المائدة: 32}. بل إنَّ الإسلام ليُحرِّم مجرد ترويع الإنسان وتخويفه، حتى لو كان التَّرويع على سَبيل المُداعبة والمزاح، يقول النبي «منْ أشارَ إلى أخيه بحديدةٍ، فإنَّ الملائكةَ تلعنُهُ حتَّى يَدَعهُ وإن كان أخاه لأبيهِ وأُمِّهِ»( )، وقال: «لَايَحِلُّلِمُسْلِمٍأَنْيُرَوِّعَمُسْلِمًا»، ولقد بلغت رحمته ورفقُه بالحيوان أنَّه رأى مرة جملاً تتساقط الدموع من عينيه، وتبدو عليه أمارات التَّعَب والإرهاق، فاستدعى صاحب الجمل وكان غُلامًا من الأنصار وقال له: «أفلا تتقي اللهَ في هذه البهيمة التي مَلَّكَكَ اللهُ إياها؟ فإنه شكى إليَّ أنك تُجيعه وتُدئبه»، ولا ينبغي أن نستنكر– أيُّهاالإخوة- هذا التَّواصل الحَي بين الأنبياء وبين الكائنات الأخرى من حيوان ونبات وجماد، أو نستبعد حدوثه انطلاقًا من أنَّ النَّاس لا يعرفون حيوانًا تحدَّث إلى إنسان وشكى إليه، فإنَّك لو ذهبت تتعرَّف على علاقة الإنسان بالكائنات في منظور الإسلام، فإنَّه سَيُدهشك أن تعلم أن هذا الكون بكل عوالمه– في منظور القُرآن الكَريم- ليس ميتًا أو جمادًا أصم محرومًا من الوعي والإدراك ومن حياة تناسبه، وصَريح القُرآن يدل دلالة واضحة على أنَّ هذا الكون بكل عناصره، أيًّا كانت هذه العناصر، يعبُد الله ويُسبِّحه، بل ويَسجُد له أيضًا، وإنْ كُنَّا نفقد الأهلية والشروط التي تمكننا من أنْ نرى سجوده أو نفقَه تَسبيحه، والآيات الواردة في هذا الشَّأن كثيرة جِدًا وتُفتتح بها سور عِدَّة، والعَقل لا يتصوَّر تسبيحًا ولا سجودًا من ميِّت لا إدراك له ولا حياة فيه، بل وصف الحياة للكائن المُسَبِّح السَّاجد يسبق بالضَّرورة وصفه بالسُّجود والتَّسبيح: «وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا»{الإسراء: 44}، "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ» {الحج: 18.. .. ..
أيُّهَا الحَفْلُ الكَريم:
إنَّ مُهِمَّة إحيَاء فِقه السَّلام في دينِ الإسلام: أصُولًا وتُراثًا أمر لَمْ يَعُد ترفًا أو خيارًا مُمكِنًا، بل هو أشبه بطوق النجاة الآن. وحسنًا فعل هذا المنتدى الكريم في تبنِّى مسؤولية جَمع هذا الفِقه وتجليته للخامل والنَّبِيه على السَّواء، وأرى أن يتبنَّى المُنتدَى بالتَّوازي عمَلًا آخر هو جمع الكُتب والمجَلَّات التَّي تصدرها الجماعات الإرهابية المُسَلَّحة، وبخاصَّة عبر وسائِل النشر الإلكترونيَّة، وتظهر بأكثر من لُغة غير اللُّغة العَرَبيَّة، والَّتي تحمل خَطرًا داهِمًا على الشَّباب، هذه الكتب والمقالات لابُدَّ من جمعها وتَصنِيفها ونقضها جُملةً وتفصيلًا، وثَمَّة عمل ثالث لابُدَّ مِنه لِمُحَاصَرة القواعِد العقديَّة الَّتي تنطلق منها جماعَات القَتل المُسَلَّحة، وبِخَاصَّة: قاعِدة التَّكفير، أو مَبدأ التَّكفير الَّذي أصَّلوه في أدبياتهم وضَلَّلوا به قِطَاعًا عَريضًا مِن الشَّباب المُسلِم في الشَّرقِ والغَرب، ومِن المُحزِن – أيُّها الحَفلُ الكَريم - أنْ تصدر في هَذِه الأيَّام الصعبة الَّتي نعيشها الآن كُتب ومَنشُورات بأقلام طائفة مِن المُنتَسبين للعِلم، يتناولون فيها مسألة التَّكفير، ويفرِّقون فيها بين التَّكفير الجَائِز وهو تكفير المُطلق وتكفير المُعيَن الجَائِز بشروط، ومثل هَذِه الأقوال لَا تُناسِب ظروف الأُمَّة الآن بِحال من الأحوال، ولَا تدعم قَضيَّة السَّلام الَّذي نسعى إليه جميعاً، ونَحْنُ لا نُنَاقِش هُنَا مَسألة تكفير المُطلق وتكفير المعيَن، وكيف أنَّ هذا التَّقسيم لَمْ يَرِد في كِتاب ولا سُنَّة، وإنَّما هو مِن أقوال المُتأخِّرين، الَّتي تخضع لإعمال النظر والأخذِ والرَّد. ولكنا نُنبِّه فقط إلى أنَّ بعض الفتَاوى أو الأحكَام الَّتي يَصدرها هذا الفَقيه أو ذَاك في العُصُور الخَوالي إنَّما صَدَرت لِمُواجَهة ظروف استِثنائيَّة لا يُمْكِن القِياس عليها الآن، وقَضيَّة التَّكفير أصدَق مِثال على دعوانا هَذِه، حيثُ نرى جماعات الإرهاب المُسَلَّح اليَوم تستند إلى أحكام يَنقلونها عن ابن تَيمية وابن كَثير رَحِمَهما الله، تَنُص على أنَّ النُطق بالشَّهادتين لا يَكفي للحُكْم بإسلام الشَّخص، بَل لابُدَّ من اقْتِران العَمَل بهما والخُضُوع الكَامِل لأحكَام الإسلام، والالتِزام "بالدِّفاع عن الجَماعة والدَّولَة الإسلاميَّة والشَّريعة"، فإذا خَرج المُسْلِم، أو المُسْلِمُون عن هَذِه الشُّروط فَهُم كُفَّار يَجب قِتالهم.. وجَليَّة القَول في هذا الفَهم المَغلُوط أنَّ ابن تيمية رَحِمَه الله إنَّما قال ذلك الكلام في القرن السَّابع والقرن الثَّامن الهجريين، وكان مشغولًا بمُواجهة المعَارك العَنِيفَة الدَّامية بين المسلمين وغارات التَّتار الذين أسقطوا بغداد واستولوا على الشَّام ووصَلوا إلى مصر التي هزمتهم في عين جالوت.. وكان التَّتار في ذلكم الوقت يُظهرون إسلامهم ويُبطنون كُفرهم، وكان حُكَّام الدُّويلات المُسْلِمة لا يجدون حرجًا من الاستعانة بهم في السَّيطرة على ما تبقَّى في أيديهم من البِلاد، وفي هذه الظروف تحديدًا قال ابن تيمية مَا قال من أنه لابُدَّ مِن اقِتران العَمَل بالشَّهادتين حتَّى يَمتاز المسلم عن غيره من المُتظَاهرين بالإسلام الذين يَكيدون للمسلمين ويقتلونهم.. والسُّؤال هو: كَيف يَصِحّ قياس مُجتمعاتنا الإسلاميَّة الآن على مجتمعات اختلط فيها المُسْلِم بالكافر والمُنافق، والعَرَب بالتَّتار والمَغُول؟! وهل يمكن أن يسوَّى في الحُكم الواحد بين المجتمعات المُسْلِمة في القَرن الواحد والعشرين وبينها في القرن السَّابع والثَّامن الهجريين!! وكيف أُلغيت كُل الفُروق والسِّياقات والمُلابسَاتِ الفقهيَّة والسِّياسيَّة والظروفِ القاسية الَّتي أثمرت هذا النَّوع من الفَتَاوى المؤقَّتة لِتطُل برأسها من جديد وتُبرِّر لجماعات التكفير إعلان الجِهاد على مجتمعات تُؤمن بالله ورسوله وتُقيم الصَّلاة وتُؤتي الزَّكاة وتَصُومُ رمضان وتحج إلى بيت الله الحَرام، ثُمَّ أين ما اتَّفق عليه فقهاء الأمة من أنَّ الفَتوى تَتغيَّر بتغيُّر الزمان والمكان والظروف والأحوال!!.
إنَّ هَذِه الفَوضى الدَّمَويِّة- الَّتي تتَّخِذ من مَقُولة التَّكفير حُجَّةً وسَندًا- تحتاج إلى استِنفار علمائي يَتصَدَّى لهذه الفِتنة في كُل عَواصِم العَالَم العَرَبي، بَل في كُل مَدينة فيه، ولا يَتحقَّق ذَلِك إلَّا بالنزول إلى حقول التَّعليم وبخاصَّة: التَّعليم قَبل الجامعي.. ولَعَلَ اجتماعًا يلتقي فيه المسئولون عن التَّعليم في العالم العربي وأيضاً المسؤولون عن المدارس والمعَاهِد الدِّينية لِوضع مَنهج عِلمي مُشترك يستند إلى رأي الجمهور في النَّهي عن التَّكفير نهيًا قاطعاً لا لفَّ فيه ولا دوران، ويصاغ في مُقرَّر دراسي جاد يفند أغاليط التَّكفيريين تفنيدا فكريًّا وتربويًّا على مستوى الوطن العَرَبي- أقول لَعَلَ اجتماعًا كهذا أصبَح الآن ضَرورة من الضَّرورات القُصوى، ذلكم أن التركيز على التَّعليم أو الخِطاب التَّعليمي أهَم وأجدى من التَّركيز على خِطَاب الجُمهور، لأن القَاعِدة العَريضة من الجَماهير لاتزال مُحصَّنة ضِدَّ ثقافة التَّكفير، بِخلاف الجيل الجَديد الَّذي يعول في اكتساب المعرفة على وسائل الاتصال الإلكترونية، وهي مُخترقة اختراقًا كاملًا من قِبل هذه الجماعات، وتستهدف أوَّل ما تستهدف شباب الطلاب من المرحلة الثانويَّة والجامعيَّة.
واسمحوا لي أن أختم كلمتي ببيان أنَّ الحملات التي تشنها وسائل الإعلام على الخطاب الدِّيني بحسبانه المسؤول الأوَّل والأخير عن ظهور "داعش" وأخواتها وبنيها وحفدتها هي حملات تتصف بالسطحية في تبسيط الأمور، وهي إذ تختزل أسباب ظهور هذه الجماعات في سبب واحد هو: الخطاب الدِّيني فإنها تتغافل أو تتعامى عن عوامِل أخرى دفينة دفعَت بهؤلاء الشباب إلى انتهاج العنف المُسَلَّح كحل أخير يائس لتغيير مجتمعاتهم! إنَّ الإخفاقات المتتالية وثقافة التهمييش التي عاشها هذا الجيل على أكثر من مستوى أسهمت إسهامًا واضحًا في شعور الكثيرين بالإحباط واليأس، وبخاصة الإخفاقات السِّياسيَّة والاقتصاديَّة والنَّفسيَّة، والخِطاب الدِّيني وحده لَيس هو الحَل، بل هو جزء من حل المشكلة، فهناك خطابات عِدَّة: سِياسيَّة واقتصاديَّة وتعليميَّة وثقافيَّة وإعلاميَّة وفنيَّة كانت كلها معاول هَدم وتحطيم لآمال النَّاس وأحلامهم وتحتاج الأن إلى إصلاح لا يقل شأنًا ولا خطرًا عن إصلاح الخِطاب الدِّيني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.