أحزن جدًّا من أجل هؤلاء الذين لا يتقنون فى حياتهم سوى فن الانتقاد والتجريح والإهانة، تراهم يتهكّمون على كل شىء، يسخّرون كل طاقتهم لتقزيم من يقف أمامهم، وكأن العلياء لم تُخلَق إلا لهم. لا أعرف لماذا حينما أذكُرهم أتذكّر قول شيخى الطيّب: «السنبلة الممتلئة قريبة من الأرض»، تُرى يا شيخى الطيّب هل عرفَت سُنبلتهم يوماً الامتلاء؟! هل تقابلهم مثلى فى كل مكان، فتخشى على من تراهم حولهم من أن تصيبهم العدوى؟ نعم يا صديقى الطيّب، فبعض الأمراض الأخلاقية ينتشر حولنا فى ظل ثقافة الصوت العالى والصراخ التى ملأت صدورنا وبيوتنا وشوارعنا ونَلْتَهِم منها يوميًّا على موائد الإعلام ما أجهد قلوبنا وعقولنا. إنهم ممتلئون بالفراغ يا سيدى، وهم وإن كانوا يسعَون لذات النتيجة، وهى تحقير وتجريح الآخر والنَّيل من كرامته، فإنهم مختلفون، فهم ينقسمون غالباً إلى أنواع ثلاثة: الأول: يعانى من فراغ داخلى، فلم يجد ما يملأ به حياته سوى تتبع الآخرين والبحث عن أخطائهم أو حتى محاولة تخطيئهم. والثانى ممن يعانون من مشكلة انعدام الثقة فى النفس، فهو يحاول أن يُظهر نفسه أفضل من الجميع، فيحاول إخفاء القصور فيه بتسليط الضوء على عيوبك أنت، فيراه المحيطون أفضل منك حال المقارنة بينكما. هو يشغلك حتى تنشغل عنه، ما أكثرهم حولنا يا صديقى!! أما النوع الثالث، فهو الذى يعتبر ذلك ملح الجلسات الاجتماعية فيفعله من أجل التفاخر والتباهى بأنه تفوّق عليك وأخرسك وأصبحت أنت أضحوكة الآخرين، وهو صاحب الفوز فى اللقاء الذى يتندّرون فيه بفعلته بك. نعم، مع وجود هذه الأنواع الثلاثة كيف ستفرّق بينهم إذن وكيف بعد أن تعرفهم ستتعامل معهم؟ أما عن كيفية التفريق بينهم، فسأقول لك ببساطة: الأول هو من سيهتمّ دائماً بأخبارك وتفاصيل حياتك، وستراه يتحدث عنك ويعلّق على كل أفعالك من أصغرها إلى أكبرها، فليس لديه ما يشغله غيرك. الفراغ يصنع ذلك يا صديقى. والثانى ستجده يعقّب على كل انتقاد لك فى موقف ما بذكر محاسنه هو فى ذات الموقف بالمقابل. مسكين هو، فهو يعلم جيداً أنه إن لم يتحدث عن نفسه، فلن يتحدث عنه أحد. والثالث يا صديقى ستكتشفه سريعاً عندما تراه يختلف فى معاملته لك عندما يجمعكما لقاء منفرد وحدكما دون أحد، ستجده ودوداً مسالماً يكرر ذات الجمل: «كانت مزحة.. إوعى تكون بتزعل».. وهكذا. نعم إذن يا صديقى.. إنهم موجودون وقد اكتشفناهم، كيف سنتعامل معهم الآن؟ يا صديقى النبيل، الإجابة ببساطة ستتوقف على شىء واحد فقط وهو: أين تضعهم أنت فى حياتك؟ هل هم ممن يعزّون عليك وترغب حقًّا فى الاحتفاظ بهم؟ أم أنهم من الأشخاص الذين لا يمثلون فرقاً فى حياتك؟ إن كانوا من أصحاب التصنيف الأول، فعليك أن تلومهم يا صديقى، وللتقويم خطوات بسيطة. إن كانوا ممن يعانون الفراغ وجّههم إلى أشياء أكثر فائدة وساعدهم على اكتشاف ما يحبّون ويتميزون فيه، فلربما تغيروا على يديك وأصبحوا أفضل. ويمكنك أن تواجههم بشكل غير مباشر عن طريق ذكر الأمثلة المماثلة لأفعالهم وكيف تراها وتفهمها. وأخيراً تستطيع أن تقوم بالمواجهة المباشرة وتعلنها صريحة أن أفعاله تؤلمك، كما أنك تراها تنتقص من قيمته أيضاً أمامك وأمام الآخرين، وعليه أن يغيرّها إن كان يريد هو أيضاً الاحتفاظ بك. أما يا صديقى إن كانوا من أهل التصنيف الثانى ولا يمثلون فرقاً فى حياتك، فالحل المثالى هو أن تتجاهلهم. أغمض عينيك عنهم واستمر فى طريقك، فهذا أكثر عقاب لهم وأكثر ما يريحك منهم. يا صديقى الطيّب، مثل هؤلاء أصبحوا ظاهرة غير قابلة للانقراض، فمعطيات الحياة اليوم تصنع منهم كثيرين، هم أصحاب الصوت العالى، وأينما وجدتهم ستدرك أن هناك إناءً فارغاً يُحدِث ضجيجاً وعليك أن تملأه أو تخرجه من المكان، فهو بالنسبة إليك لن يُسمِن ولن يغنى من جوع. اعرفهم جيداً، هؤلاء الممتلئون بالفراغ، ففى المعرفة نصف الحل، وفيها سرّ الدواء.