«العنيف ضعيف، حتى إذا غطّى ضعفه بالتخويف». لا أعرف إن كان مكرم عبيد باشا عندما قال هذه الجملة يتخيل أن العنف سيحتلّ كل هذه المساحات من حياتنا! إنه ينمو فى كل مكان بلا استئذان، لا تكاد تهرب منه من جهة حتى يحاصرك فى مشهد آخر من جهة أخرى. السؤال الآن: هل يعرف هؤلاء الذين يمارسون كل هذا الكمّ من العنف أنهم ضعفاء حقاً، وأنهم مفضوحون بأفعالهم، وبكل هذه الممارسات اللا إنسانية التى يحاولون من خلالها إيهامنا بقوَّتهم وبتفرُّدهم فى الشجاعة وعلوّ القدر؟ أنا حزينة جداً من أجل هؤلاء، فكل مَن يمارس العنف أياً كان نوعه، حتماً سيتألم يوماً بنفس السلاح. أنا أعرف أن ما قرأتَه الآن يا صديقى قد يذكِّرك بما شاهدته مؤخَّراً فى نشرة الأخبار، أو ما قرأته على صفحات الجرائد هذا الصباح، وربما ذكَّرَك أيضاً بهذا الفيلم الذى شاهدتَه فى السينما منذ وقت قريب، أو حتى بالمشهد الصادم الذى أطلَّ عليك فى مسلسلات رمضان.. هل ذكَّرك أيضاً بالصدام العنيف بين الناس فى شارعك الأسبوع الماضى، أم أنك صُدِمتَ بمشهد من هذا النوع فى منزلك؟ تعزّ علَىّ هذه الإنسانية التى تُطِلُّ علينا بين الحين والآخر على استحياء، تستحلفنا أن ننظر بواقعية إلى ما يحدث حولنا، ترجونا أن نجد علاجاً لهذا الطوفان الذى يأتى على كل شىء. نعم يا صديقى، فأنا أستطيع أن أرى أن هؤلاء لا يتحلون بالقدر المطلوب من الإنسانية، ومنهم من فقدها على الإطلاق، وأعرف أن حولنا آلافاً منهم، ممن يعتنقون أفكاراً وحشية، ولكنِّى على يقين أنهم يُخْفُون وراء ذلك قدراً هائلاً من الجهل والضعف، لهذا يجب أن نعرف كيف نغيِّر كل هذا القبح من حولنا. فالرجل الذى يمارس العنف فى بيته، سواء مع زوجته أو مع أخته، هو حتماً يشعر بالنقص فى رجولته بشكل ما ولسبب ما يدركه جيداً، لهذا يحاول إثبات العكس وإن كان عن طريق إيلام الآخرين. لا أستطيع أن أتخيل حقاً كم يكره الآخرون حضورَه بينهم الآن، حتى ذكر اسمه، كيف ارتبط عندهم بحالة من حالات النفور؟! عليه أن يتذكر أنهم يوماً ما سيجدون وسيلة ليردُّوا إليه ما فعله بهم. أما من يمارسون العنف ضدَّ أبنائهم بحُجَّة تربيتهم وتعليمهم وتأديبهم، أفلم تأخذكم بهم شفقة بحجمهم أو بقِلَّة خبرتهم أو بضعف حيلتهم؟ ثم مَن قال إن العنف سيوصلكم إلى التربية والتأديب؟ يا سادتى لن يُورِثهم العنف سوى انعدام الثقة بالذات، والرغبة فى الرحيل عنكم. تَعلَّموا أرجوكم كيف تربُّون أبناءَكم قبل أن تُنجِبُوهم، واحذروا أن تقطعوا ما بينكم وبينهم من رابط المحبَّة والاحترام، فما أحوجكم إليه فى المستقبل لو تعلمون! وأنت يا صديقى، هل رأيت مثلى مَن يحاولون فرض سيطرتهم على جيرانهم وأهل حيِّهم بالتلكُّك فى كل صغيرة وكبيرة واختلاق المشكلات والفرص لممارسة شهوتهم فى التعنيف باللَّفظ، وممارسة العنف البدنى أيضاً؟ هم مَرْضَى بالرغبة فى إثبات القوة للآخَرين، وحتماً ستنقلب أفعالهم عليهم قريباً. أما الأصعب حقًّا فهو مَن يرفَع سلاح العنف ويستحلّ الدم باسم السياسة والدين. ما أعظم جهلهم! هل يصدِّقون حقاً أنهم سيَحْظَون بالغلبة هكذا؟! أنا لا أفهم كيف يتّسِقُ ما اتُّفق عليه فى الأصل لتنظيم حياة الناس وبَثِّ الطمأنينة فى مجتمعهم وقلوبهم، كيف يتسِقُ مع هذا القدر الضخم من القبح والعنف والدماء؟! يا صديقى الطيب، إننا حقاً نحتاج الآن إلى الشجاعة الحقيقية حتى نواجه كل هذه الأشياء القبيحة مِن حولنا بسلاح الرفض، ارفض هذا الواقع بشكل عملى الآن، وكفانا مَطّ الشفاه وترديد نفس الألفاظ المتحسرة، التى حتماً سننسى بعدها ما كان. غيِّر يا صديقى.. أرجوك حاول أن تغيِّر، غيِّر نفسك وألغِ كلمة «عنف» من حياتك، حتى تتصالح معها، ألغِهَا من علاقتك بالآخَرين حتى تحظى بالسَّكِينة والسلام والاحترام. غيِّر شكل تعبيرك عن الرفض والاعتراض، وافهم وتَعَلَّم قَدْرَ ما استطعت قبل أن تُعطِى رَدَّة فعل. جرِّب، لن تخسر شيئاً، ربما حصلت على ما تريد دون كل هذا القدر من الإيلام.. حرّر نفسك أولاً، وتيقن أنك ستستطيع أن تحرر الآخَرِين.