أردت أن أسأله.. هذا الصديق الرائع الذى قال لى: «النهايات مؤلمة، ولكنها حتماً تحمل بدايات أكثر سعادة».. هل هذه المقولة التى تؤمن بها حقاً نستطيع أن نطبقها على كل الأشياء فى حياتنا؟ إن كان الأمر كذلك فلماذا فى علاقاتنا الزوجية نخاف من النهايات إذن حتى عندما تصبح الخيار الوحيد؟ يا صديقى الطيِّب، أغلبنا يخاف النهايات ويجعل منها الاختيار المستحيل غير الوارد أبداً.. أياً كان حجم الفشل الذى يعانى منه فى حياته الزوجية، يغلق عينيه ويستسلم تجنباً لهذه النهاية. أنا ببساطة أريد أن أقول إننا غالباً تختلط علينا العلاقات الإجباربة بالعلاقات الاختيارية فى حياتنا، فالعلاقات الإجبارية هى مع أشخاص بيننا وبينهم صلة الدم التى لم نختَرها كالأب والأم والأخت والابن والابنة، ومهما فعلت فلن تستطيع تغيير هذه الحقيقة، وعليك تحمُّلها للأبد، أمّا العلاقات الاختيارية، فهى تلك التى تدخلها بإرادتك فى حياتك كالصديق والصديقة، والحبيب والحبيبة، والزوج والزوجة بالطبع، وقد تصبح مزعجة حقاً إن أدخلتها فى دائرة العلاقات الإجبارية التى لا مفرّ منها والتى لا تستطيع وضع نهاية لها، وهنا تتحول هذه العلاقة شيئاً فشيئاً إلى صورة من صور الجحيم الحقيقى فى حياتك. اصدقنى القول، كم شخصاً مَرّ عليك فشل حقاً فى حياته الزوجية وتراجع ألف مرة عن وضع نهاية لها؟ لماذا يقبل الأغلب منّا على أن يعيشوا حياة تعيسة على أن يتخذوا قراراً حازماً فى حياتهم عندما تفشل كل محاولاتهم لإنشاء البيت السعيد؟ فلنفتح الشباك إذن لنطلّ داخل البيوت، لا تخجل، ارفع يدك معى عن الجرح قليلاً علّه بعد هذه المواجهة يستنشق هواء الحقيقة ليشفى للأبد. ألا تراهم مثلى يتراجعون عن وضع حد لمآسى بيوتهم لهذه الأسباب؟ فمنهم مَن يخافون مِن تبعات هذا القرار الاقتصادية ومسألة الحقوق والواجبات وضياع كل شىء، وغالباً ما يرى أن الطرف الآخر سيحاصره اقتصادياً ويُنْهِكُه حتى الموت، أليس هذا واقعاً؟ أليس منهم أيضاً من يخافون نظرة المجتمع، وكلام الناس، وصفة الفشل التى ستلاحقهم أينما كانوا فى مجتمعات لا ترحم سيرة أحد؟ ومنهم هؤلاء يا صديقى مَن يعانون الأمرَّين -كما يقال- نتيجة وجود أبناء بينهم، أنا حقًّا أراهم يتعذبون فى نار التضحية، ولكنى أريد منهم أن ينظروا إلى الأمام قليلاً، فلأن يتربى الأبناء فى بيت فيه حب واحترام خير ألف مرة من أن يعيشوا فى ذات البيت مع أبيهم وأمهم وهم مغتربون، فكلا الطرفين سيتحين الفرصة للابتعاد عن البيت الذى سيتحول بالتدريج إلى فندق للمبيت. هل هذا عدل؟ إذا كنتم تحبونهم حقاً فارحموهم من هذا الإحساس، فهم يشعرون بكل شىء حتى إن حاولتم إخفاءه. يا صديقى الطيَّب: أعرف أن أكثر ما سيشغلك الآن هو كيف سيتربى الأبناء بعيداً عنك، ومن سينعم بهم وبقربهم، ومن سيُحرَم وفق القواعد والقوانين، وهل سيستغل أحد الأطراف الأبناء كوسيلة لعقاب الطرف الآخر على فشلهما أم لا؟ ضعوا الأسئلة كما يحلو لكم، أعرف أنها كلها واردة وواقعية، وكلها تدعو للألم والقلق، وقد تدفع نحو التراجع عن إعلان النهاية فتستمر المعاناة ونعود إلى المربع صفر. يا صديقى المتعب: المشكلة تكمن فى أننا لم نتعلم ثقافة الاختلاف وتقبُّل فكرة أن هناك علاقات غير ناجحة ليس لها علاج، وعلينا اتخاذ قرار النهاية فيها حتى لا تصعب الحياة أكثر. علينا أن نواجه الآن، ونتعلم معاً أننا لا يجب علينا أن نكون ممن إذا وصلوا إلى حد النهاية جعلوها مأساوية دائماً، بمعنى أنه لا ينبغى أن تُجرّح الطرف الآخر وتهينه حتى تبرّر للآخرين قرارك، أو ترفقه بسلسلة من الاتهامات والتحقير بالحق أو بالباطل لتقوّى موقفك أمام أطراف أخرى، أنت لست فى حاجة إلى كل هذا، لماذا تشوِّه الأشياء عندما تتركها؟ بل أصلاً لماذا نذكر أسباب قراراتنا الشخصية للآخرين؟ نحن لسنا مُتّهَمين، وهم لن يعيشوا بدلاً منا حياتنا، وهذه حياة طبيعية وشراكة قابلة للنجاح والفشل. والحل الوحيد الآن عندما تصبح النهاية حتمية وتفشل كل محاولات الإصلاح هو أن تناقش كل هذه التفاصيل مع الطرف الآخر نفسه، أنتما صاحبا القضية وأنتما الأقدر على التفاهم فيها، خصوصاً من أجل أبنائكما. اجلسا معاً وتناقشا، هذا حقكما، اتخذا القرار كشخصين راشدين، واتفِقا على كل الأشياء المادية والمعنوية، فكلّها مسألة حقوق وواجبات، لن يضركما شىء إذا فعلتما ذلك، بل سيبقى خط الاحترام بينكما للأبد، والأبناء أهمّ شىء، واجعلا من يعتنى بهم الأصلح منكما بالاتفاق، واقتسما الوقت بينكما وفقاً لهذه النسب. هذه أمور لا تحتمل مزايدات بينكما، ألا ترغبان فى مصلحتهم حقاً؟ أعلم أنكما لن تسعدا أبداً إن أدّى صراعُكما إلى أن يَضِلُّوا الطريق، هم أحوَج إلى اتفاقكما منكما لو تعلمان. نعم، أنتما لم تنجحا كزوجين ولكن يمكن جداً أن تنجحا كصديقين، فلا تفوّتا الفرصة، وربما بعد هذه النهاية التى تليق باحترامكما لشخصيكما ولأبنائكما تنتظركما بدايات أكثر سعادة ونجاحاً، مثل هذه البدايات دائماً تستحق.