«أسوأ أنواع الفشل هو الفشل الصامت، وغالباً يقترن بالتكتم لخجل أصحاب هذه التجارب من هذه التجارب أو لاعتيادهم مثلَها. عدم مواجهة الواقع هذا يعنى بقاء الحال على ما هو عليه يا عزيزتى، وهذا لا يليق بنا». كانت هذه آخر عباراتى لها بعد محادثة هاتفيَّة طويلة لم أعتَد إجراء أو تلقِّى مثلها بشكل عامّ. أنا فعلاً أقدِّر هذه الصديقة، مقدمة البرامج التليفزيونية الشهيرة، فهى ممَّن يعرفون جيِّداً قيمة النجاح بكل أنواعه، وتسعى دائماً للتعلُّم. أغلقت الخطَّ بعد تبادُل عبارات الشكر والتحيَّة، وحملتُ حالى إلى مكتبى، وأعدت النقاش مع نفسى حول ما تحدثنا فيه، فأنا أراه دائماً حولى، ورغم ذلك لم أناقشه بهذا الشكل من قبل، فما قلته لها لم يكُن إلا تعليقاً على وضع أسرى يكاد يكون منتشراً ومتعارفاً عليه فى الدول العربية بشكل عامّ، فقلَّما نجد هذا البيت المثالىّ -غير المصطنَع- على أرض الواقع. والحقيقة أن الأغلبية تلجأ إلى التأقلم مع النتائج غير المرضية باعتبار أن الجميع لديهم ذات التجرِبة ويعيشون ويتعايشون معها، حتى تَحَوَّل الأمر إلى تسلية فى اللقاءات الاجتماعية وجلسات الأصدقاء والأهل. ولكن لماذا فعلاً نعانى هذا الكمّ من الفشل فى تعاملاتنا الزوجية والأسرية؟ أستطيع أن أقول إن الأمر باختصار سببه أننا لم نتعلم الزواج على حقيقته. دعنى أُثبِتْ لك. هل سألت نفسك يوماً لِمَ تتزوج، ما مقوِّمات الزواج، وشروط نجاحه، وكيف تحصل على أفضل النتائج وَفْق هذا النجاح؟ تَذَكَّر إجابتك الآن وقارنها بإجابتك بعد المناقشة بيننا. دعنى أضرب لك مثلاً اعتدنا سماعه، ولكن سأعرضه عليك بشكل مختلف: اعتبر الزواج شركة. تريد إنشاء شركة مع شخص ما، لماذا؟ حتى تنشئ عالمك المستقِلّ، تُثبِت نفسك فيه، تعظِّم مكاسبك وتسعد بنجاحك.. رائع جداً. مقوِّمات شركتك الأساسية هى: أنت وشريكك، وينبغى أن تحدِّد شكل مشاركة كل منكما فيها وَفْق القدرات والإمكانيات، ثم تحدِّد الحقوق والواجبات لتنظيم الأعمال حتى يتحقق الصالح العامّ. أما شروط نجاح الشركة، فتبدأ قبل إنشائها، فأنت وشريكك يجب أن تتعلما فنّ إدارة الشركات عن طريق الدراسة بشكل متخصِّص، ودعم الموهبة بالتجربة، ودراسة الوضع الحالى لتحديد خطوات إنجاح الشركة حتى تُرضِيَك معنوياً ومادِّياً واجتماعياً، ولا ترهق صحتك. والحقيقة أن هذه الخطوات البسيطة تستعصى علينا، خصوصاً عندما تبدأ مرحلة المعرفة، فأقصى ما نحاول معرفته عن الزواج هو الاهتمام البشرى الأزلى بمعرفة ما يتعلق بالعلاقات الحميمية، ويعتبرونها أساس الزواج، بل والسر وراء نجاح أو فشل العلاقة الزوجية كما يقولون. وهذه ليست حقيقة بالمناسبة، بل إنه محض هراء، فكلنا نكرِّر تجارب رأيناها حولنا فى عائلاتنا أو محيطنا الاجتماعى والسينما والتليفزيون كحدٍّ أقصى، ولم نشغل بالنا يوماً بالمعرفة عن فنّ التعامل الاجتماعى الزوجى، كيف تتعامل مع شريك حياتك داخل البيت وخارجه، فى محيط اجتماعى أو على انفراد، أو حتى فى غرفة النوم. نحن نتعامل مع هذه الأمور بالفطرة، أو الفهلوة، أو بناءً على ما رأيناه وتَرَبَّيْنا عليه، وهذا كله لن يؤدِّى أبداً إلى النتيجة التى تتمناها لحياتك الزوجية الناجحة. أنا على يقين من أن حجم التفاهُم الذى ستحصل عليه إذا استكشفت الطرف الآخر من كل الجوانب سيمنحك صديقاً للعمر يشاركك كل أنواع النجاح، أما العلاقات الجسدية يا صديقى فالذى يحكم نجاحها وفشلها هو حجم التفاعل والرضا بين الطرفين، لا إجادة أحدهما أو كليهما فن التعامل الجسدى والسعى لإثباته كما يقولون. حان الوقت لأن نُفِيق من هذا الوهم، فانعدام هذه المعرفة عن الطرف الآخَر يجعل للمركب «ريِّسين» متنافسين متضادين، كل منهما يسعى لإثبات قوَّته على الآخر فيفرضها بالقوة الجسدية والعنف، أو الصوت العالى والصراخ، أو حتى الامتناع الجسدى كنوع من أنواع العقاب وإثبات السطوة، وأخيراً من يلجأون إلى تشويه صورة الطرف الآخَر عند الآخرين. هل يُرضِيك هذا الحال الذى نصل إليه؟ إذاً انسَ كل مقاييس الاختيار المتعارف عليها، الشكل والمادة والاجتماعيات والمظهر، تَحرَّر منها واستفتِ عقلك وقلبك أولاً حول مواصفات شخصية الشريك، وتعامل مع زواجك كشركة مبتدئة، امْشِ فيها خطوة خطوة وتَعَوَّد كل شىء، ومع الوقت ستزداد قرباً، وستزداد متعة فى هذا القرب، تَقاسَم الحقوق والواجبات، لا عن طريق الأمر والنهى، بل عن طريق احترام القدرات، وتَأكَّد أن الطرف الآخَر ستنمو رغبته فى تَعَلُّم مزيدٍ وفعل مزيدٍ لإنجاح هذه الشراكة أكثر. ليس عيباً أن نتعلم، وعندما تصل إلى هذا النجاح المبنى على التفاهم الذى تسعى إليه، فكِّرْ فى فرع جديد لشركتك، واستقبل مولودك، ومهما يحدث فلا تفكِّر قبل هذه المرحلة فى الإنجاب، فإن جاء قبلها وفشلت فلن تكسب سوى معاناة حتى آخر العمر يا صديقى. ولا تنسَ أن تلجأ إلى المعرفة من أجل تربيته جيداً قبل استقباله، وقبل كل مرحلة عمرية يمر بها، وأرجوك لا تعتمد على التجربة فيه، فما ستخطئ فيه لن تستطيع إصلاح أثره مهما فعلت. نعم يا صديقى الطيب، تَعلَّمِ القواعد جيداً، فالسر فى المعرفة، ولا تنسَ أن أعظم إنجازات حياتك سيكون بين جدران هذا البيت الذى سيؤويك حتى آخر نفس فى حياتك، فلا تحرم نفسك متعة النجاح فيه.