نتحدث اليوم عن مسئوليات الحكومة بعد المؤتمر الاقتصادى، وقد عرضنا لمسئوليات الرئيس فى الأسبوع الماضى. وبداية نجد من الواجب تهنئة رئيس الوزراء والوزراء الذين اجتهدوا فى الإعداد للمؤتمر الاقتصادى منذ أعلن المغفور له الملك عبدالله عن فكرته فى يوليو 2014، وحتى انتهاء فعاليات المؤتمر بنجاح شهد به العالم. لكن مسئوليات الحكومة بعد المؤتمر لن تكون أقل من مسئوليات الرئيس، إذ هى مطالبة رسمياً وشعبياً بإثبات أن ذلك النجاح لم يأتِ من فراغ ولن ينتهى إلى مجرد أمنيات لن تتحقق. والمسئولية الرئيسية للحكومة الآن هى العرض الدقيق والكامل لكل ما تمخّض عنه المؤتمر وإعلان الأرقام الحقيقية التى يمكن الاطمئنان إليها بعد أن بالغت وسائل الإعلام فى عرض بيانات متضاربة وقد يكون مبالغاً فيها، شارك بعض الوزراء فى ترويجها حتى بلغت قيمة الاستثمارات المتحقّقة عن فعاليات المؤتمر ما يقترب من 130 مليار دولار فى بعض تلك الوسائل والتصريحات، فى حين ذكر المهندس محلب فى الجلسة الختامية أن حصيلة المؤتمر هى 60 مليار دولار! وبقدر الدقة المطلوبة فى أرقام الاستثمارات، فإن الحكومة مطالبة بالشفافية التامة فى توضيح نصوص العقود والاتفاقيات والتفاهمات التى تمت بينها وبين المستثمرين من الأشقاء العرب وغيرهم من المستثمرين الأجانب والشركات العالمية والمنظمات الدولية. إنه فى غيبة مجلس النواب الذى تكون من وظائفه الرئيسية الرقابة على السلطة التنفيذية، ومن ضمنها الحكومة، تبقى الرقابة الشعبية ورقابة منظمات المجتمع المدنى والأحزاب السياسية، فضلاً عن الرقابة القضائية التى يمكن اللجوء إليها فى حال تقصير الحكومة فى التوضيح والتصريح بما تتضمنه تلك العقود والاتفاقات والتفاهمات. أمر آخر ستسأل عنه الحكومة يتعلق بما عرضه وزير التخطيط فى المؤتمر حول «استراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030»، التى وردت إشارة إليها فى كلمة الافتتاح للرئيس السيسى. فتلك الخطة الاستراتيجية معروضة فى الموقع الإلكترونى لوزارة التخطيط منذ شهور، ولا تتضمن أياً من المشروعات التى تم عرضها على المستثمرين فى شرم الشيخ، كما لا تتضمّن أى أرقام سوى رؤى وأحلام، دون أى تفاصيل أو برامج تنفيذية، فهل هذا ما يُطلق عليه استراتيجية للتنمية طويلة الأجل! وثمة مسئولية قانونية تُحتمها ضرورة الشفافية مع الشعب الذى سيتحمّل تكلفة تلك المشروعات؛ هل تم عرض العقود التى وُقّعت مع المستثمرين، على مجلس الدولة لإبداء رأيه فيها ومدى توافقها مع القوانين المصرية! وهل تنوى الحكومة الإفصاح، كما تقضى بذلك مبادئ الحوكمة والحكم الرشيد، عن طبيعة التزامات الدولة المصرية وأعبائها؟ وهل تم جدولة تلك الأعباء واحتساب ما يخص السنة المالية المقبلة، وهى على الأبواب، فى الموازنة العامة للدولة لعام 2015/2016؟ من جانب آخر، هل تنوى الحكومة الإفصاح عن المزايا التى تتضمنها تلك العقود التى شهد الرئيس السيسى بنفسه التوقيع على بعضها؟ وهل تُفصح لنا الحكومة عن التزامات وحقوق المستثمرين فى عقد إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، وعلى سبيل المثال، هل ستدفع الشركة المتعاقدة ثمن أراضى المشروع أم ستحصل عليها بنظام حق الانتفاع أم بأى ترتيب آخر؟ وهل تتضمّن تلك الترتيبات دخول الدولة المصرية شريكاً فى المشروعات الإنشائية المختلفة بقيمة الأرض؟ وبالمثل نريد أن تفصح الحكومة عن طبيعة التعامل فى المساكن والعقارات المختلفة والمنشآت التى ستُقام فى العاصمة الإدارية وغيرها من المشروعات العقارية، وهل ستكون الشركة المتعاقدة هى المسئولة عن المرافق والخدمات، كما صرّح بذلك وزير الإسكان؟ وماذا عن أنشطة التسويق والبيع وغيرها من متطلبات تنشيط الحركة للاستفادة من تلك الإنشاءات؟ وما حدود التكلفة؟ وما تأثير ذلك على أسعار البيع للمواطنين؟ وماذا عن المشروعات الأخرى التى تعاقدت، أو بسبيلها للتعاقد عليها شركات أخرى؟ ومن المعلوم أن تكلفة أى مشروع تتناسب عكسياً مع تقصير مدة إنهاء المشروع، فهل التعجيل بإنشاء العاصمة الإدارية وغيرها من المشروعات التى طُرحت فى المؤتمر بناءً على طلب الرئيس السيسى قد ترتبت عليه زيادة فى التكلفة؟ وما حدود الزيادة؟ وتثير التصميمات الأولية التى عُرضت بالمؤتمر لتلك المشروعات الإنشائية الكبيرة قلق الكثيرين من أبناء مصر الحريصين على أن تكون تلك المشروعات فى إطار القيم الجمالية والخبرات التصميمية والتوافق مع عناصر البيئة المحيطة التى يقدّرها الخبراء المصريون حق قدرها فى الوقت نفسه، هم كمصريين على اطلاع وتفهم لكل النماذج المعمارية فى العالم. ولقد نُسب إلى وزير الإسكان تصريح قال فيه إن بيوت خبرة أجنبية سوف تشارك فى تصميم تلك المشروعات، فإلى أى حد تملك الدولة المصرية التحكم فى التصميمات، بحيث لا تكون تقليداً لمشروعات قد تكون مقبولة فى بلاد أخرى، لكنها تختلف عن الذوق والمزاج وقيم العمارة المصرية، وأهداف التنمية العمرانية فيها. ويتساءل الكثيرون عن دور الشركات الوطنية فى تنفيذ تلك المشروعات، وما أساس اختيارها؟ فقد أعلن منذ أيام أن شركتين مصريتين للمقاولات، واحدة شركة عامة والثانية شركة خاصة ستشتركان فى تنفيذ مشروع العاصمة، فما أساس اختيارهما، وهل تم ذلك بأسلوب تنافسى معلن، أم هو قرار الدولة المصرية، أم الشركة المتعاقدة على إنشاء العاصمة، أم هما معاً؟ وأخيراً أتوجه بسؤال إلى الصديق والزميل الوزير منير فخرى عبدالنور، أين نصيب الصناعة فى موجة الاستثمارات الوافدة إلى مصر؟ وكيف فات على الدولة عرض بعض شركات قطاع الأعمال العام للمشاركة مع شركات عالمية، خصوصاً فى قطاع صناعة الغزل والنسيج أو الصناعات الدوائية وقطاعات التعدين، حتى تسهم فى تطويرها وزيادة الإنتاج الوطنى وتنمية الصادرات؟ تلك التساؤلات وغيرها كثير يحتاج إلى إفصاح وتوضيح للشعب صاحب هذا الوطن والمتحمل تكلفة الاستثمار الوافد بالتأكيد، الذى يحتمل ألا يستفيد من عوائده!