اختارت أن تكون أماً، على الرغم من أنها لم تتزوج. قرار صعب لكنها أقدمت عليه دون تفكير، تربية أبناء أختها الثلاثة هو القرار الذى اتخذته بعد وفاة شقيقتها ووالدتها فى اليوم نفسه، خاصة أن والد الأطفال الثلاثة متوفى أيضاً. كانت «منى محمد عوض»، فى الثامنة والعشرين من عمرها، تعيش مع والدتها وأختها وزوجها وأبنائهما الثلاثة، توفى زوج أختها، فتعاهدت الثلاث نساء مع بعضهن البعض، بأن يكرسن حياتهن لتربية الأطفال مهما كانت الظروف. «بعد ما جوز أختى مات، أختى حزنت عليه جداً، وزاد حزنها بسبب بنتها عشان مريضة، حزن فى حزن، السكر اشتد على أختى، جالها غرغرينا فى رجلها، فتم بتر رجلها اليمين»، بدأت «منى» فى حكاية قصتها مع أبناء شقيقتها، صمتت قليلاً ثم رفعت يديها إلى السماء راجية من الله أن يعطيها قوة لتتحمل ما تعرضت وما تتعرض له من صعاب. 12 رمضان 2008، يوم لا ينسى فى حياة «منى»، اشتد المرض على شقيقتها فتوفيت وشاء القدر أن تموت والدتها بعد 4 ساعات فقط من وفاة شقيقتها، رحلت الاثنتان وتركتا لها 3 أطفال، ولدين وبنتاً مريضة، وظروفاً قاسية، وحزناً شديداً لا تمحوه الأيام: «يومها كنت مع أختى فى العناية المركزة، وسايبة والدتى فى البيت، مخبية عليها إن أختى تعبانة قوى، فجأة الجيران كلمونى قالوا لى والدتك تعبانة قوى وسخنة، رجعت لها لفينا بيها على 10 مستشفيات، وبعد معاناة دخلناها مستشفى قالوا لنا عندها ميكروب فى المخ»، بعد ساعات تلقت «منى» اتصالاً هاتفياً يؤكد وفاة شقيقتها، ذهبت مسرعة لتنهى إجراءات الخروج والدفن، لتتلقى اتصالاً آخر لا يقل صدمة عن الأول فوالدتها توفيت أيضاً، ودفنت الاثنتان معاً فى نفس المقبرة. أصرت «منى» أن تكمل العهد وهو رعاية وتربية الثلاثة أطفال، حتى لو كانت المهمة شاقة عليها، كانت الابنة الصغرى لأختها «فريدة» تحتاج لرعاية خاصة، طفلة مصابة بضمور فى المخ، وتيبس فى العضلات، وتشوهات فى العمود الفقرى، ووقت مرض الوالدة والأخت، أرسلوها إلى إحدى دور رعاية الأيتام لترعاها فى تلك الظروف، ولكن بعد الوفاة، أصرت «منى» أن تخرجها. أنفقت «منى» على أطفالها الذين لم تنجبهم، من محل منظفات تعمل فيه، تقضى نصف يومها فى العمل والنصف الثانى فى المذاكرة للولدين حتى تلحقهما بالمدرسة الثانوية، وفى رعاية الابنة التى تأخذ وقتاً وجهداً أكثر، أصابها المرض هى الأخرى وأصبح السكر جزءاً من حياتها لتسير على خطى شقيقتها وتصاب بغرغرينا استدعت بتر قدمها اليمنى. تكلفت الجراحة 12 ألف جنيه، نجحت فى جمعها، ولكن بعد تعب «فريدة» الشديد، وتأكيد الأطباء أنها تحتاج إجراء عملية تكلفتها 10 آلاف جنيه، قررت «منى» أن تخصص ما جمعته لابنة شقيقتها وأجلت جراحتها التى أجرتها فيما بعد: «كل اللى بتمناه من الدنيا، إن البنت تمشى، ماتحتاجش لحد، تقدر تعتمد على نفسها، لفينا على كل الدكاترة، عظام، علاج طبيعى، مخ وأعصاب، نفسى أشوف البنت بتعتمد على نفسها». «لو قدرت تمشى هرتاح، أنا مابقدرش دلوقتى على خدمتها حتى تسريح شعرها بقى صعب عليَّا، أنا عندى عضمتين زيادة فى منطقة الرقبة، الدم مابيوصلش لجسمى كويس ولا دراعاتى، مابعرفش ألف رقبتى، ورجلى بتوجعنى من ساعة ما ركبت الجهاز، جارتنا فى 5 ابتدائى، بتسرح للبنت شعرها»، قالتها «منى»، مؤكدة أنها تدعو الله يومياً أن تسير «فريدة»، وتصبح قادرة على الحركة.