تنسدل الستائر السوداء بموت الأب، وتصبح الحياة كتلة من الصعاب تواجهها الأم وحدها، خاصة لو كان أولادها فى سن صغيرة ولم يجتازوا أعوامهم الأولى بعد، «سميرة شعبان» حملت أحزانها على عاتقها بموت زوجها منذ عشرين عاماً، كانت فى نهايات الثلاثينات، ولديها من الأبناء أربعة، فقررت ألا تستسلم للأحزان وأن تغلبها بقوتها، فكرت فى باب للرزق يسد رمقهم، فزوجها الذى كان يعمل «عامل معمار» لم يترك لها شيئاً تستند إليه وتواجه به تقلبات الزمن، وضعت الأم أبناءها نصب عينيها وقررت أن يكملوا مسيرتهم فى التعليم وأن تكون جندياً مجهولاً فى رحلة أبنائها، تخرج الأم فى الساعات الأولى كل ليلة متجهة إلى مركز طنطا، باحثة عن العيش الذى تشتريه لزبائنها وتحمله فوق أكتافها وتعود فى الساعات الأولى من اليوم لتبدأ رحلتها الدائمة فى عمل الطعمية والفول للزبائن، وبعد انتهائها فى الصباح من بيع ما قامت بإنتاجه تبدأ فى التجهيز لليوم الثانى، رحلة طويلة ومشقة أخذت من رصيد عمرها الكثير، لتجنى ثماره فى أربعة أبناء، علمتهم تعليماً عالياً وأنفقت عليهم شبابها وصحتها قبل المال. وهو ابنها الأكبر، تخرج فى كلية الهندسة بقسم الكهرباء: «أمى تعبت كتير علشان تربينا أحسن تربية.. واتحملت علشانا، بقت تخرج، وهى تعبانة وتشتغل من غير ما تشتكى، ورغم أننا كبرنا، فإنها لسه بتشتغل، ومش عايزة تشيّل حد فينا همها»، الأم التى هى مثال للتضحية وللحب بالنسبة إلى أبنائها الأربعة، من بينهم اثنان يعملان فى الخطابة والإمامة فى أكبر مساجد طنطا، وهما «إمام وتامر أحمد محمد»، فيما أصبح الابن الرابع يعمل فى أحد المطاعم الشهيرة فى طنطا بعد حصوله على الثانوية الأزهرية. الأم رغم أنها لم تتعلم القراءة والكتابة، فإنها تجيد الحساب، وهو ما ساعدها فى مهنتها التى اختارتها لتكون عوناً لنا ولها أنفقت من شبابها وصحتها عليهم.