دنانير شابة مرحة تواجه مشكلات الحياة السوداء بقلب أبيض ووردة حمراء، على حد وصفها لنفسها، والدها كان عوّادا (عازفا على العود)، مات من تدافع وضيق التنفس من الزحام فى جنازة السيدة أم كلثوم، وكانت زوجته حاملا فى دنانير، ومن الحظ النكد أن أم دنانير ماتت بنفس الطريقة من زحام جنازة عبد الحليم حافظ بعدها بعامين. دنانير تعيش مع جدها وجدتها، فى السبعين من عمرهما، وكانا أشهر ثنائى مونولوج فى الخمسينيات على مسارح وملاهى القاهرة فى عماد الدين، ثم انسحبت عنهما الشهرة تماما ويعيشان الآن على راتب معاش نقابة المهن الموسيقية. رغم سنهما الكبيرة وصحتهما التعبانة، فإنهما يصران على الغناء لدنانير طول الوقت، وخصوصا عندما تحزن أو تيأس بعد طردها من عملها، فهى مشهورة فى العائلة بعدم قدرتها على البقاء فى شغلانة أكثر من شهرين. شقيق دنانير هو حكيم عيون (هذا اسمه) يعمل رساما فى وزارة الداخلية يتولى رسم المشتبه بهم من وصف الشهود، حلم حكيم هو إقامة معرض للوحاته بعد هذا العطاء الفنى المتواصل (فى نهاية الأحداث نرى معرضه الفنى فعلا وقد امتلأ برسوم ولوحات صور ووجوه المجرمين، ويفتتحه وزيرا الداخلية والثقافة!). آخر وظيفة اشتغلتها دنانير كانت سكرتيرة فى عيادة طبيب بيطرى، وهو طبيب مشهور جدا فى متابعة وعلاج حيوانات الطبقة الراقية، وكانت دنانير مسؤولة عن حجز ومقابلة الزبائن والرفق بالحيوان مما يخلق لها مفارقات يومية وطرائف لا تتوقف. لكن اللحظة الحاسمة فى حياة هذه الوظيفة عندما سهرت بجوار كلب مريض لكى تباشر إعطاءه النقط بالليل لكنها نامت من التعب، مما أدى إلى أزمة قلبية كلبية وتوُفّى الكلب مما عرضها للطرد والبهدلة. بعده تنتقل دنانير إلى عدة مهن: بائعة فى محل ورد شيك وأنيق، لكن مشكلتها هى عدم قدرتها على التعامل مع الشوك فكانت تجرح نفسها، وإذا بها تقدم كل بوكيه ورد مع دماء تسيل وتنزف فى ما يشكّل رعبا هائلا للزبائن. بعدها اشتغلت عارضة أزياء لكنها كانت تسقط كل مرة فى أثناء سيرها على خشبة العرض، مما يحوّل العرض إلى ملهاة، وكذلك تمزق فستانها وتدفع تعويضا... ومن بين الأعمال التى اشتغلتها ولاحقها الفشل فيها مهنة جليسة مُسِنّين، تماما مثل جليسة الأطفال، تؤنس وحدتهم فى بيوتهم، وفى الغالب يدفع أولادهم مرتبها، لكنها انتقلت من فشل إلى آخر، أول رجل عجوز اشتغلت عنده جليسة كان مثقفا يساريا قديما أهلكها مناقشات واتهامات بالعمالة والجهل، وأكد أنها جاسوسة عليه من المخابرات المركزية الأمريكية. العجوز الثانى كان رومانسيا جدا وبصباصا، وعرض عليها الزواج عرفيا. الثالثة كانت سيدة عجوزا طيبة ونموذجية وهادئة تماما، لكن دنانير ارتعبت منها عندما اكتشفت أنها هى التى تقتل قطط الجيران... لكن لماذا لا ترتبط دنانير عاطفيا وتحب؟ الحقيقة أنها كانت مخطوبة لموظف شاب بسيط «عايز يعيش»، لكنها كانت فى الوقت نفسه تحب بعنف وبجنون واندماج كامل، شابا آخر هو كاظم الساهر الذى كانت تحضر كل حفلاته، رغم فلسها وبالاستدانة والسلف، وتحتفظ بكل صوره وتتحدث بأغانيه بدلا من الحوار العادى فى حياتها، وكان خطيبها يتحملها رغم ذلك، لكن المسألة انفجرت عندما حضرت حفلة كاظم واتجهت نحو خشبة المسرح لتسلم عليه ثم قبّلته وسط مئات الجماهير وعلى الهواء مباشرة، الأمر الذى أغضب خطيبها وفسخ الخطوبة، لكنها أقنعته بأنها نادمة ولن تتكرر هذه الحادثة مرة أخرى. فى الحفلة التالية كاظم الساهر هو الذى انفصل عنها، فقد توجهت ناحية خشبة المسرح لتحيته فابتعد عنها، فوجدت كل بنت ترميه بدبدوب وامتلأ المسرح بالدباديب، لكن فى لحظة خاطفة أمسكت دنانير بدبدوبها وأطلقته ناحية كاظم الذى تلقى الدبدوب فى رأسه، ترنح واهتزّ فسقط على حامل النوتة الموسيقية ثم على الآلات الموسيقية لتحدث كارثة نفسية لدنانير التى أكلت علقة من السيدات والبنات فى الحفلة. انفسخت خطوبتها، لكن بعد فترة شعرت بحب جارف تجاه محمد بركات نجم الأهلى واحترفت تفصيل وخياطة الفانلات العملاقة التى تحمل رقمه وصورته ويحملها الجمهور فى الاستاد، وفى مباراة حضرتها دنانير أمسكت بصندوق قطيفة يحتوى رزمة من الصور التى جمعتها لبركات مع شرائط كاسيت لأجمل الأغانى اختارتها له، كوكتيل من أغنيات عمرو دياب وتامر حسنى وأيضا شريط عاطفى بصوتها كتبت على غلافه «بركوتة حبى»، وألقته على بركات وهو يتلقى تعليمات من مدربه مانويل جوزيه عند التراك قبل أن يدفع به إلى المباراة، لكن خبط فى رأسه بدلا من أن يتلقفه فى يده، مما أسقطه على الأرض، وسارعت نحوه عربات الإسعاف، ونالت هى علقة ساخنة من رابطة مشجعى الأهلى واتهمها الألتراس بأنها دسيسة زملكاوية. من يومها انتهى الحب من قلب دنانير! نشأت لدى دنانير من كتر الهم والحزن هواية تفرج عنها دموعها وحزنها وكبت عواطفها، فهى تتوجه إلى سرادقات عزاء السيدات كل ليلة فى جامع عمر مكرم، وتدخل لتتعرف إلى أهل العزاء وتأخذ فى البكاء والنهنهة بصدق وحرارة أكتر من أهل الميت، وتخرج من العزاء بذهن صافى ومزاج رايق لتواصل الحياة. ونواصل غدا بإذن الله.