ما زال الجدل قائماً بين المقدس، وهو كتاب الله «القرآن الكريم»، وبين المطعون عليه، وهو كتاب «البخارى» وغيره من كتب الأئمة. عندما كتبت الأسبوع الماضى معبراً عن تجربة شخصية بسيطة وضحت فيها أن وزارة الأوقاف لم تتخذ خطوة جادة وفعالة ومراقبة نحو تطوير أئمة المنابر «الذين يعول عليهم تطوير الخطاب الدينى»، وأن البعض من هؤلاء الائمة ما زالوا يصدرون لرواد مساجد الأوقاف خطابات حنجورية وطائفية، متخذين البخارى وكتبه ستاراً لأفكارهم، لم أكن أطعن فى عِرض البخارى، أو فى نسبه ولكنى كنت، وما زلت، أطعن فى كل ما تحويه كتبه وكتب غيره من أحاديث تخالف النص القرآنى. وجه لى البعض الانتقادات التى وجدتُ بعضها نقداً لمجرد أننى أيدت المفكر «إسلام بحيرى» وطالبت الجميع بمساندة ما يطالب به لإيمانى الشديد بأهداف مشروعه الفكرى، وأنكر علىّ البعض أن يكون لى رأى فى تلك القضية، فقط لأننى لست من علماء الأزهر وكأن الإسلام نزل على الأزهر فقط. للأسف وجدت الكثيرين يقفون أمام كتب التراث عاجزين لا يستطيعون اتخاذ خطوة واحدة لتنقيحها، ولم أقل «لتصحيحها»، لأن التصحيح لا يملكه أحد إلا البخارى نفسه، وهو الآن فى ذمة الله، لذلك أردت أن أكتب ما أراه من وجهة نظرى يناسب حل أزمة «البخارى» الذى عانى كثيراً، رحمه الله، من أجل أن يقوّى سند معظم أحاديثه وترك لنا حرية الاقتناع أو عدم الاقتناع بنص الحديث. لذلك ما زلت أكتبها وأرددها، يجب على شيخ الأزهر «رأس المؤسسة الدينية الأهم فى العالم الإسلامى» أن يدعو إلى إخراج «تنقيح» كل الأحاديث التى وردت فى الكتب «الصحاح» التى تتنافى وتختلف مع الآيات القرآنية، ففى ظل الأزمات الفكرية والحياتية الطاحنة التى نتعرض لها من تيارات إرهابية تتخذ الإسلام ستاراً لإجرامها يجب على الجميع أن يقتنعوا بأن الأصل لدينا هو القرآن. أنا هنا لا أطالب ببتر أحاديث البخارى، بل أطالب وبشدة بوضعها فى ملحق بكتاب البخارى ويكتب عليها أن هذه الأحاديث وردت فى صحيح البخارى، ولكنها تتنافى مع الآيات القرآنية المنزلة من الله سبحانه وتعالى، ويشرح لماذا تركناها ولم نبترها أو نطمسها، تأكيداً على احترامنا للأثر، لأن نصوص كتاب البخارى فى حد ذاتها تعد أثراً تاريخياً لا يملك أى إنسان أو مؤسسة أن يشطب على ما كتبه، ولكن يملك الجميع تقنين وضع الأحاديث الضعيفة فيه. ■ لقد صليت الجمعة الماضية فى جامع مختلف، ووراء شيخ آخر فى الخمسين من عمره، وبعد انتهاء الصلاة توجهت للشيخ فى خلوته وسألته بوضوح: ما رأيك فى كتب الصحاح مثل البخارى؟ فرد بإجابة عجيبة جداً، وهى: كيف تفكر فى أن تسأل فهو أصح كتاب بعد كتاب الله. فقلت له وهل به أحاديث ضعيفة؟ فقال لا، فقلت له وحديث: «جئتكم بالذبح»، فارتبك قائلاً: هذا حديث ضعيف، فقلت له يعنى ذلك أن كتاب البخارى الذى تقول عنه أصح كتاب بعد القرآن به أحاديث ضعيفة؟!، فقال: «مش بالضبط». لم يستطع الشيخ أن يقنعنى بحديثه المتناقض، وفى النهاية غادرت وأنا ما زلت مقتنعاً بأن الأزمة التى يتعرض لها الدين الإسلامى تأتى من الداخل وليست من الخارج ولن تجد سبيلاً إلى الحل طالما أن الإمامة تحولت من رسالة تنوير إلى وظيفة «تشفير» العقول وبرمجتها على موجة واحدة. اقتنعت بشدة أن أئمة المساجد فى القرى والنجوع والكفور «ومنهم الشيخ الذى صليت خلفه وحاورته»، والذين هم السبيل الوحيد أمام ملايين البسطاء للمعرفة، لا يملكون الإجابة الواضحة أمام السؤال الواضح، وأعتقد للأسف الشديد أنهم لا يعلمون الإجابة، لأنهم لم يتعلموها.