قبل 20 عاماً نشأت «بوكو حرام» فى نيجيريا كجماعة دعوية، لكنها بعد 7 سنوات تحولت من الدعوة إلى السلاح، لتنتهج العنف والعمليات الإرهابية وتخوض حرباً مسلحة ضد الدولة والمواطنين، ثم زادت وتيرة العنف فى الأعوام الأخيرة مع تولى زعامتها أبوبكر شيكاو، الذى أسفرت أعماله عن مقتل نحو 3 آلاف شخص خلال تلك الفترة، إلى أن أعلن، مساء أمس الأول، عن مبايعة أبى بكر البغدادى زعيم تنظيم داعش الإرهابى. ظهرت «بوكو حرام» عام 2002، غير أن جذورها التاريخية الحقيقية تعود إلى 1995، عندما أنشأ «أبوبكر لاوان» جماعة «أهل السنة والهجرة»، بولاية بورنو فى نيجيريا، وانضم إليها وشكلها فى الأصل مجموعة من الطلاب الذين تركوا دراستهم من أجل تأسيس الجماعة، ونشر أفكارها، وشهدت ولاية «يوبه» شمال شرقى نيجيريا، على الحدود مع النيجر، أول قاعدة رئيسية للجماعة. وظهرت «بوكو حرام» كحركة غير عنيفة إلى أن تولى محمد يوسف قيادتها عام 2002، وهو الميلاد الثانى للجماعة، أو «الميلاد الحقيقى» على أرض الواقع، لتتخذ منذ ذلك الحين مساراً آخراً غير الذى أنشئت من أجله، وشهدت هذه الجماعة مع مرور الزمن تحولات تحت أسماء مختلفة مثل: «حركة طالبان النيجيرية» و«المهاجرون»، و«اليوسفية»، قبل أن يُطلق عليها اسم «بوكو حرام»، ومع ذلك فإنها تفضل أن تُعرف ب«جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد»، لأنهم يزعمون أنهم «مجموعة من الناس أخذت على عاتقها نشر تعاليم النبى صلّى الله عليه وسلّم والجهاد». وكان الهدف الرئيسى من نشأة الجماعة عام 1995 هو العمل الدعوى، وقد ظلت حركة غير عنيفة إلى أن تولى محمد يوسف قيادتها عام 2002، لتشهد الجماعة منذ ذلك التاريخ تحولات فكرية وتنظيمية، مع إعلان «يوسف» العمل الجهادى المسلح، لتبدأ الجماعة سلسلة من العمليات الإرهابية ضد الشرطة والجيش، إلى أن تم تصفيته فى 2009 فى مركز للشرطة على أيدى قوات الأمن، بعد أن تم اعتقاله فى معركة شوارع مفتوحة بين الأمن وعناصر «بوكو حرام» فى يوليو من العام نفسه. وفى أعقاب وفاة «يوسف» فى 2009، أصبح أبوبكر شيكاو، وهو أحد نوابه، الزعيم الجديد الروحى للطائفة، وتجلت زعامته فى تغيير هيكلها التنظيمى، إذ اعتمد أسلوب اللامركزية، والسماح لكل مجموعة صغيرة بالعمل بشكل مستقل، وهو الأسلوب المعروف ب«الخلايا والوحدات المترابطة» التى تأخذ توجيهاتها عموماً من قائد واحد يضع الخطوط العريضة، إلا أنها تتحرك على الأرض بصورة مستقلة، ورأس «شيكاو» مجلس شورى الجماعة، المكوّن من 18 عضواً، الذى سمح بالهجمات المتطورة المتزايدة من قبل الخلايا المختلفة للجماعة. وعلى الرغم من أن العنف عقيدة لدى جماعة بوكو حرام، فإن العمليات الإرهابية التى يمارسها التنظيم ظلت محدودة بفضل الضربات الأمنية التى تعرضت لها الحركة طوال حكم الرئيس المسيحى الأسبق أوباسانجو الذى تولى السلطة فى الفترة من 29 مايو 1999 إلى 29 مايو 2007. غير أن بوكو حرام وجدت تربة خصبة لممارسة العنف مع تصاعد حال الفوضى وارتفاع وتيرة الاحتجاجات الشعبية أواخر حكم الرئيس أوباسانجو. ودخل مناخ العنف مرحلة الشحن فى العام 2009 مع مقتل زعيم الجماعة محمد يوسف فى أحد مراكز الشرطة، حيث توعدت الجماعة بالانتقام، وهو ما أدى إلى وقوع هجمات شبه يومية، خصوصاً بعد انتخاب الرئيس جودلاك جوناثان، فى أبريل 2011. وعندما بدأت الحركة أعمالها عام 2009، كانت تستهدف بصورة أساسية المسيحيين، قائلة إنها تريد تأسيس ولاية إسلامية، ومنذ منتصف 2013، استهدفت الحركة رجال الأمن التابعين للحكومة بالإضافة إلى المدنيين والنساء ورجال الدين المعادين لها. ووصلت أعمال العنف لذروتها منذ عام 2013، على خلفية تزايد نفوذ الجماعات الجهادية فى مالى. وكانت بدايات الهجمات المؤثرة فى أكتوبر 2013، عندما استهدفت محيط مدينة بوتيسكوم شمال شرق البلاد، وأسفر الهجوم عن مقتل أكثر من 30 شخصاً إضافة إلى تدمير واجهات مبانٍ ومدارس حكومية. وشهد العام 2014 ارتفاعاً ملحوظاً لوتيرة عنف بوكو حرام، فنفذت الجماعة منذ يناير 2014 الماضى وحتى 24 أغسطس من العام نفسه، 33 هجوماً تراوحت ما بين تفجيرات بسيارات مفخخة وعمليات خطف وحرق قرى. وحول الملامح الفكرية ل«بوكو حرام»، فإن الجماعة نشأت على عدد من الأصول الفكرية، أهمها العمل على تأسيس دولة إسلامية فى نيجيريا بالقوة المسلحة، والدعوة إلى التطبيق الفورى للشريعة الإسلامية فى جميع الولايات النيجيرية، وليس تطبيق الشريعة فى الولايات الاثنتى عشرة الشمالية، وعدم جواز العمل فى الأجهزة الأمنية والحكومية فى الدولة، كما ترفض بشدة التعليم الغربى والثقافة الغربية، وتعنى بوكو حرام «أن التعليم الغربى حرام»، وتدعو إلى تغيير نظام التعليم فى نيجيريا، بالإضافة إلى أنها لا تختلط كثيراً بالمجتمعات الموجودة فيها، وتفضل الانعزالية بصفة عامة. وبشكل عام، فإن فكر جماعة بوكو حرام هو فكر أقرب إلى التكفير. وأدت عوامل عدة إلى تنامى جماعة بوكو حرام وزيادة نشاطها، منها: «سياسات الحكومات العسكرية والمدنية المتعاقبة فى نيجيريا، وعدم استقرار الأوضاع السياسية، ولجوء الحكومات للعنف المفرط تجاه المعارضين، وانتشار أوجه عديدة للفساد»، الأمر الذى سمح للجماعة بكسب العديد من الأنصار فى أوساط الشباب، فيما يلعب البعد العرقى دوراً كبيراً فى تنامى جماعة بوكو حرام، حيث تتشكل نيجيريا من قبيلتين كبيرتين، هما الهاوسا فى شمال البلاد، وأغلبهم مسلمون، وقبيلة الإيبو، وغالبية أفرادها مسيحيون، وكثيراً ما تحدث اشتباكات دينية وعرقية بين القبيلتين. وتطرح «بوكو حرام» نفسها كمدافع عن الإسلام والمسلمين ضد المسيحيين، ما يعطى نوعاً من التعاطف من بسطاء المسلمين تجاه الجماعة، علاوة على تردى الوضع الاقتصادى، وانتشار البطالة والفساد الموجود فى النخبة السياسية، والانقسامات العرقية والطائفية. وفى سياق متصل، لم يكن من المفاجئ إعلان «بوكو حرام» مبايعتها لتنظيم «داعش» الإرهابى، فى التسجيل الصوتى لزعيمها، أمس الأول، إذ إن التنظيمين يشتركان فى الكثير من ملامح التطرف التى تجاوزت تنظيم «القاعدة» بمراحل عدة، ويمثلان تطوراً طبيعياً لكثير من الأفكار الإسلامية الراديكالية والأصولية، وهناك العديد من أوجه الشبه، لاسيما على صعيد وحشيّة الأعمال المتطرفة، فى الوقت الذى أعدمت فيه «داعش» المئات من الأقلية الإيزيدية فى الموصل وخطفت آخرين، لم تتورع بوكو حرام عن إحراق قرى مسيحية بأكملها، واختطاف أكثر من 200 فتاة ومعاملتهن كسبايا، وأسلوب الذبح عنصر مشترك بين الحركتين، فبالتزامن مع ذبح عناصر «داعش» العشرات فى العراق وسوريا، قام مسلحو بوكو حرام فى 5 يونيو الماضى بذبح 200 مدنى على الأقل من سكان منطقة غوزا بولاية بورنو شمال شرق البلاد. وأخذت الجماعة النيجيرية على عاتقها، شأنها شأن «داعش»، مهمة محاربة مؤسسات الدولة «الكافرة»، وسياساتها «الفاسدة»، حسبما تزعم، من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية، وإقامة دولة الخلافة الإسلامية على الأرض، أو الموت دون ذلك. وأهم ما يجمع التنظيمين القراءة المشتركة للانتصارات والمنجزات التى يحققونها على الأرض، فكلاهما يعتقد أن هذه الفتوحات الجغرافية «نصر من الله وإذن بفتح قريب».