يجلس منهمكاً ومستغرقاً فى عمله الموسمى لينتهى من أكبر قدر من بوكيهات الجريد فأول وثانى أيام عيد الأضحى يمثلان بالنسبة له موسم «ربنا يكتر من خيره». كل بوكيهات عم حسن الذى أتم عامه الستين تحمل توقيعه «الحاج حسن جريدى القرافة»، فخبرته الطويلة فى هذا المجال جعلته متفرداً فيه، يأتى كل أسبوع من الصباح الباكر ليصنع هذه البوكيهات التى يشتريها زبائنه لوضعها على قبور ذويهم. كل جمعة فى حياة عم حسن يوم مختلف يزداد فيه الرزق لكنه لا يقارن بأيام العيد التى يزداد فيها الإقبال على زيارة القبور، ورغم كبر سنه وانحناءة ظهره فإنه اعتاد على هذا العمل، الذى ينفق منه على أولاده الأربعة، كما اعتاد الشقاء منذ صغره، فهو الذى ربى شقيقاته وتحمل مسئوليتهن ولم يتزوج حتى تزوجت كل منهن واطمأن عليها فى بيتها. ويقول: «أنا بطلع النخل أجيب الجريد لكن الورد بشتريه ال1000 وردة ب 120 جنيه»، ويحزن كثيراً لقلة الضمير فأكثر ما يوجعه ألا يجد من يفكر فى آخرته «ال1000 وردة نلاقيهم 700، الناس ماتعرفش إن آخرتها متر فى متر»، لم تعد لديه أحلام، فأمانيه لم تعرف يوماً طريق التحقيق «ريحت نفسى وبطلت أفكر وأدينا بنعيش اليوم بيومه». ينتظر عم حسن العيد يوماً بعد يوم وعيداً بعد عيد: «على حس العيد بأقعد أرتاح شوية لحد القرافة ما تشد تانى والرجل تدب فيها وترجع الزيارات». لم يعد يرهبه الموت ولا يشعر بذلك الوخز المؤلم حين يتذكره، فهو يقف له بالمرصاد يتحداه مع كل جريدة تقطعها بلطته فيده الممسكة بها صارت أقوى من ذلك الموت الذى يراه كل يوم وصار صديقاً وجلاباً للرزق: «أنا الموت يخاف منى عشان أنا عارفه كويس وموصى عيالى يوم لما أموت مش عايز جريد أنا عايز ورد وبس علشان أنا عارف ربنا شايلى رزقى كله فى الجنة».