«يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي».. آيات قرآنية على الجدران الرملية وأسماء حُفرت على رخام مصقول اهترأ بفعل الزمن الذى استطاع أن يأكل الرخام ولكنه لا يقتل الذكرى. طريق تملأه شواهد القبور من بدايته وحتى قرب نهايته يبدأ بمقابر المجاورين مروراً بمقابر باب النصر حتى قبور شهداء أكتوبر إلى جوار مسجد أبوالمكارم بصلاح سالم، الطرق جميعها مغلقة، المظاهر تتكرر أمام المجاورين وباب النصر وتختلف تماماً لدى قبور الشهداء، «هنا مدافن الغلابة» يقولها عباس التُّربى فى مدافن باب النصر، حشود كثيرة تتجه إلى مدخل «التُّرب» الرئيسى حيث تزاحمهم عربات الخيار والجوافة والورود فى انتظار من يشتريها «رحمة ونور». لم يعد البكاء سيد الموقف ولا حديث الذكرى، بل ضحكات الأطفال وبهجة «الطراطير» طغت على الحزن الجاثم فوق قلوب الزائرين.. «فرحتى فى العيد لما آجى أسلم على أبويا وأمى وأقرأ الفاتحة أنا وولادى هكذا تقول «الحاجة نعمة التى تسكن حى السكاكينى القريب من باب النصر وباب الجنة حين تود إلقاء التحية على والديها. قبر لا زائر له ولا أحد أمامه «عارفة مين مدفون هنا» سؤال التربى الذى يتبعه بإجابة: «هنا عبدالفتاح القصرى.. الله يرحمه» يحكى عم عباس بقية الحكاية كما سمعها عن أبيه «لما مات مشى فى جنازته أربعة ودفنوه هنا وأبويا قال لى إنه عِمِى ومرض وما كنش لاقى ياكل قبل ما يموت»، «والله على طول بنقراله الفاتحة أنا والعيال.. ما فيش حد بيجيله». «أنا لا أكذب ولكنى لا أتجمل أيضاً» فيلم أحمد زكى الشهير زاد عليه المهندس أحمد عباس كلمة واحدة غيرت معنى القصة الشهيرة، فالمهندس المعمارى قرر ألا يتهرب من مصيره فهو «ابن التُّربى» الذى تعلم وصار مهندساً ولكنه قرر أن يستمر فى «القرافة» يبنى ويعمر تحت الأرض لا فوقها» الهندسة شهادة لكن شغلتى وشغلة أبويا دى اللى هتعيّش ولادى وأهو كله بُنا ومقاولات».