لا شك أن جموعنا التى خرجت فى 30 يونيو كان لديها رؤى مستقبلية وصورة للمجتمع الذى تريده لأنفسها وتسعى لإقامته، وأبسط ما فى هذه الصورة المستقبلية المأمولة ألا يكون فيها ما قد سار عليه مرسى والإخوان خلال العام الذى حكموا فيه ومحاولتهم الاستئثار بالسلطة والاستبداد بها وجمع السلطتين التشريعية والتنفيذية فى يد الرئيس السابق بموجب الإعلان الدستورى الذى منح به مرسى نفسه سلطات الإله أو نصف الإله الذى لا يسأله أحد عما فعله لا من قبل ولا من بعد، ثم انفرادهم كجماعة حاكمة بصناعة الدستور على غير توافق القوى السياسية والاجتماعية والفكرية التى تمثل كافة شرائح المجتمع وعقله، ولم يكتف مرسى وإخوانه بذلك بل عمد لتعيين نائب عام خاص به ليستغله فى تحقيق استبداد ونهم جماعته للسلطة، كما ظهر وافتضح فى أحد خطاباته لتلفيق التهم والقضايا للمتظاهرين والمعارضين لحكمه. لم تكن جماهير 30 يونيو ترفض وجودهم هم فى ذاتهم بدليل أن نصف الشعب أعطى مرسى صوته وأتى به رئيساً وكان هذا الشعب أيضاً قد أتى بأغلبية فى أول برلمان للثورة من التيار الدينى السياسى ثم انقلب عليهم. هذه الجماهير رفضت منهج الاستئثار بالسلطة لجماعة ورفضت منهج استخدام سيف القانون وأدواته وتطويعهم ضد المتظاهرين والمعارضين، كما رفضت محاولة فرض عقيدتهم وأفكارهم على الناس، الآن يحق لنا أن نسأل أين نحن الآن مما كنا خارجين عليه ومتفقين فيه ذلك اليوم؟ هل نقترب من أهدافنا ومنع استئثار واستبداد جماعة بالحكم؟ هل تحققت أهدافنا فى استقلال القانون وأدواته وسبل تحقيقه وعدم استغلالها فيما يحد من حريات المواطنين ومصالحهم وسعادتهم وإحسأسهم بالاطمئنان؟ إن مانحن عليه اليوم ليس ما كان فى مخيلة الأغلبية الكاسحة ممن شاركوا فى 30 يونيو ولا كانت تلك غايتهم، وفى الحقيقة فإن مشاكلنا مع الواقع السياسى تتفاقم ولا تلبى احتياجات وطموحات جماهير لا تزال فى حالة ثورية نشطة، رغم سيف قانون منع التظاهر المصلت على رقابها، لا تلبى آمالها فى الحريات والديمقراطية ولا فى العدالة الاجتماعية ولا حتى فى العدالة المجردة. وإذا تجاهلنا الطموحات والآمال التى يسعى ويحلم بها شعبنا العريق، وإذا اكتفينا فقط بمجرد منع الأعمال التى يمكن وصفها تأدباً بغير الشريرة فإننا نظل فى مأزق وحرمان. فالذين تزيد عليهم الضرائب مثلاً هم الفقراء، والذين ترتفع عليهم الأسعار هم أيضاً الفقراء، والذين يعانون فى الحصول على احتياجاتهم البسيطة هم الفقراء. حدثنى أحدهم أنه بدأ ينتظر أنبوبة البوتاجاز من العاشرة صباحاً عندما أخبروه هو والمئات غيره أنها ستأتى فى هذا الموعد، بينما لم تأت بها السيارة إلا فى العاشرة مساءً ولم يحصل معظم المنتظرين عليها ثم طلب المستودع ضعف ثمنها، ثم يوصم هؤلاء بشتى الأوصاف السيئة ويسجنون إن هم فكروا وحاولوا الخروج للتعبير عن الخناق الذى يمسك بأعناقهم. وفى مجال الحريات صار خبر موت المواطنين فى أقسام الشرطة مألوفاً، كيف نقبل أن يموت فرد قد صار أسيراً لديك ومحبوساً فى قفص، حتى ولو كان من ألد أعداء الوطن وقاد الطائرات والصواريخ ضده؟ من يقتل الأسير؟ فى أى عرف هذا؟ إن الشباب الذى خرج ضد نظامى مبارك ومرسى طلباً للحرية وعوقب فى عهدهما عُبأ فى السجون اليوم بأحكام قاسية مما يعنى أن حكم اليوم هو امتداد للنظامين فى القمع والاستبداد، وتصاغ قرارات لتشكل قوانين تجافى العدل والحرية والمنطق والتطور. لقد خرجنا معاً لتحقيق الخير الممكن لشعبنا وبلادنا ولم نتفق على العودة لحدود ما قبل 25 يناير أبداً ولا حتى لحدود ما قبل 67! والتاريخ يثبت أنه لا يعود للوراء إلا مؤقتاً، إننا ننزلق معاً إلى منحدر خطر.