سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المستشار هشام جنينة: قدمنا 90 بلاغاً للنائب العام عن فساد الوزارات والهيئات والمؤسسات من بينها رئاسة الجمهورية والداخلية والعدل والمالية رئيس «المركزى للمحاسبات» فى حواره مع «الوطن»: هناك تجاوزات مالية وإدارية خطيرة سيجرى الكشف عنها خلال أيام
قال المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، إن هناك 90 بلاغاً قدمها الجهاز للنائب العام، فى الفترة الأخيرة، عن قضايا فساد داخل وزارات وهيئات حكومية وسيادية، فى مقدمتها رئاسة الجمهورية، ووزارات الداخلية والعدل والمالية، إضافة إلى المؤسسات الصحفية القومية، والأحزاب، وكشف فى حواره مع «الوطن» أن «الداخلية» هى الأكثر فساداً، ولم يكن هناك رقيب على ميزانيتها، فى عهد حبيب العادلى، الوزير الأسبق، حتى إن اللجنة المشكلة من الجهاز لفحص مخالفاتها رصدت تجاوزات تقدر بمليارات الجنيهات. وأضاف «جنينة»، أن رقابة الجهاز على بعض الجهات كانت صورية، وهو ما يرفضه، مشيراً إلى أنه أرسل لجنة من «المركزى للمحاسبات» للتفتيش على حسابات ومخازن رئاسة الجمهورية، وأخرى لمجلس الوزراء، إلا أن الدكتور هشام قنديل استبق تلك الخطوة، وطلب بنفسه رقابة الجهاز، كما يحق للجهاز الرقابة على القوات المسلحة فى حدود ما رسمه القانون، مطالباً بالحد من صلاحيات وزير الدفاع التى تعطيه الحق فى تحديد الجهات التابعة للقوات المسلحة ولا تجوز الرقابة عليها، مادام الأمر لا يمس الأمن القومى، أو ينتهك سرية المعلومات. حول المخالفات التى رصدها الجهاز وتجاوزات رجال النظام السابق بمن فيهم حسنى مبارك الرئيس السابق، وصولا للرقابة على أجهزة الدولة والجماعات والأحزاب الوليدة بما فيها «الإخوان المسلمين» و«الحرية والعدالة».. كان الحوار التالى: * بداية.. هناك اتهامات عديدة لاحقت «المركزى للمحاسبات» عقب ثورة يناير، بشأن التستر على فساد رجال النظام السابق والوزراء، من وجهة نظرك كيف نفعّل دور الجهاز الرقابى فى الفترة المقبلة، بما يحمى المال العام؟ - الجهاز مؤسسة باقية، وشامخة بأعضائها، وإن تغير القائمون عليها، وأنا جئت لأضيف إليه لبنة، وليس لهدم المعبد، فإذا صلح رئيس الجهاز، صلحت المؤسسة، وإذا فسد فسدت، وهذا هو النهج المطلوب للعمل داخل دواوين الدولة، لذلك عندما توليت مسئولية «المركزى للمحاسبات»، بدأت أعيد الاختصاصات لأصحابها، لإيمانى بمبدأ اللامركزية فى اتخاذ القرار، وأهمية توزيع الصلاحيات، سواء المالية أو الإدارية، لتسهيل عملية التطوير، لأن حجم العمل ضخم، ولكن من الضرورى أن نحسن اختيار المختصين، حتى تمتلك المؤسسة كوادر جديدة تنهض بها وتتولى المناصب التنفيذية، لذلك خاطبت جميع الإدارات التابعة للجهاز فى المحافظات، فى هذا الشأن، ومرفق مع الكتاب المرسل إليهم استطلاع رأى المعوقات التى تواجه إداراتهم، وكيفية التغلب عليها، ورؤيتهم لتطويرها. * من أهم الميزات التى حصل عليها الجهاز مؤخراً وتدعم عمله الرقابى، هو منح الضبطية القضائية لأعضائه، ولكن هناك من يتخوف من إلغائها ويطالب بالنص عليها فى قانون الجهاز المقترح؟ - هذا بحكم المشاكل الضخمة الملقاة على عاتق أعضاء الجهاز، خصوصاً أننا مقبلون على فترة لكشف فساد وتجاوزات مالية وإدارية خطيرة، تسببت فيما وصلنا إليه من انهيار اقتصادى، وسيجرى الكشف عنها خلال أيام، فمكافحة الفساد من أهم الأهداف التى قامت من أجلها ثورة 25 يناير، فلولا تضخم الفساد وتغوله، لما قامت لتطالب بإصلاح حقيقى، وليس شكليا وصوريا، وكانت أولى أولويات رئيس الجمهورية الذى جاء من خلال انتخابات نزيهة مكافحة الفساد، وكان هذا السر فى تغييره لجميع رؤساء الأجهزة الرقابية، بما فيها «المركزى للمحاسبات» وعندما التقيت الرئيس، طالبنى بضرورة أن يضطلع الجهاز بدوره، فى مكافحة الفساد، وإصلاح الخلل فى منظومة العمل، وقال لى: «لا أحد فوق القانون». * هناك العديد من الجهات لم يكن الجهاز يراقب عليها قبل الثورة، ومنها رئاسة الجمهورية، ومجلسا «الوزراء، والقومى للمرأة»، هل ما زال نفس الوضع قائماً؟ - قبل الثورة، كانت رقابة الجهاز غائبة عن رئاسة الجمهورية، ومجلس الوزراء، ووزارات الدفاع والداخلية والخارجية والعدل، ولكننا الآن بدأنا اتخاذ خطوات فعلية للرقابة عليها، وأرسلنا لجنة للتفتيش على الحسابات والمخازن فى الرئاسة، ومجلس الوزراء، وكان الدكتور هشام قنديل، رئيس الحكومة من بادر بطلب رقابتنا وإرسال لجنة من الجهاز لمقر المجلس. هذا الفكر لم يكن سائداً فى النظام السابق، خصوصاً أن تلك الجهات كانت تعتبر نفسها فوق القانون، وأن الجهاز المركزى عندما يؤدى دوره الذى رسمه القانون، فإن ذلك بالنسبة لهم نوع من التدخل، وتسلط من الجهاز. * هل ل«المركزى للمحاسبات» الحق فى الرقابة على وزارة الدفاع؟ - جهاز المحاسبات له الحق فى الرقابة على القوات المسلحة، فى حدود ما رسمه القانون؛ لأن القانون يضفى سرية على بعض الأمور المتعلقة بها، واستثنى بعض الجهات التابعة ل«الدفاع» من رقابة «المركزى للمحاسبات»، وأنا كرجل قانون، أعرف حدود اختصاصى، ورقابتى جيداً، ولكن فى عام 2000، أصدر رئيس الجمهورية تعديلات على القانون أسند فيها الحق لوزير الدفاع بالتوسع فى استثناء الوحدات غير الخاضعة لرقابة الجهاز، وأرى أن تلك الجزئية مطاطة، جعلتهم يتوسعون فى استخدام تلك الصلاحية، لذلك يجب تعديل هذا النص، لأنه مدعاة لإخفاء أمور عن رقابة الجهاز، دون أن ترتبط بالأمن القومى، أو بسرية المعلومات. * ماذا عن التجاوزات التى رصدها «المحاسبات» داخل وزارة الداخلية فى عهد حبيب العادلى؟ - هناك تجاوزات مالية خطيرة، كشفنا عنها، فميزانية الوزارة لم يكن عليها رقيب أو حسيب من أى جهة، فرقابة الجهاز بشأنها صورية، غير حقيقية، وأنا لا أقبل بها، ولابد لجميع المسئولين أن يفهموا ذلك، وإذا لم أتمكن من أداء واجبى، فالأفضل لى أن ألزم بيتى. وبالنسبة لتجاوزات «الداخلية» التى رصدناها حتى الآن فى عهد حبيب العادلى، الوزير الأسبق، فتقدر بالمليارات، واللجنة المرسلة إلى الوزارة لم تنته إلى الآن من تقريرها، لأن المخالفات خطيرة، وحجمها كبير جداً، ولا شك أن الفساد طال جميع مؤسسات الدولة حتى «المركزى للمحاسبات» نفسه، لم يسلم منه، فى موضوع الحملة الميكانيكية، وأنا لا أخفى فساداً، وإن كان داخل الجهاز، لأنه ليس عيباً أن يواجه الإنسان الخطأ والفساد، ويصارح نفسه بعيوبه، لكن العيب أن نتستر عليها، وأنا حريص على إصلاح البيت من الداخل، قبل أن أطالب الآخرين بإصلاح أنفسهم وبيوتهم. * ما القيمة الحقيقية التى رصدها الجهاز لأموال الصناديق الخاصة؟ وهل جميعها تخضع لرقابته؟ - الصناديق الخاصة «صناديق سوداء»، داخل الجهات الحكومية، بما فيها «المركزى للمحاسبات»، وأى جهة فى الدولة لا يوجد لديها حصر حقيقى للصناديق، والحسابات الخاصة بها، أو حجم الأموال المودعة فيها، وأوجه إنفاقها، فالقيمة الحقيقية لها غائبة تماماً عن جميع جهات الدولة، ولا يوجد جهاز رقابى فى مصر، يعلمها على وجه الدقة، لأنه ليس لكل الصناديق حسابات فى بنوك، وهى تنقسم إلى صناديق منشأة بقانون، وأخرى بقرارات، وثالثة ليس لها سند لا قوانين ولا قرارات «طالعة عافية»، والثالثة هى سبب عدم وجود حصر دقيق لعددها أو حجم أموالها، وفى لقائى مع رئيس الجمهورية، كان منزعجاً جداً من حجم الصناديق الضخم، والأموال الخاصة بها التى تتحدث عنها وسائل الإعلام. * وكيف يمكن إصلاح وضع تلك الصناديق؟ - لا بد من حصر هذه الصناديق وتصنيفها، ومن ثم معرفة حجم الأموال المودعة فيها، والسند القانونى لكل صندوق وأوجه إنفاقه، وهل تتفق مع القانون أم لا؟ مع بحث إمكانية الاستعانة بالأموال المودعة فيها لسد عجز الموازنة العامة للدولة، ففى المقابل نجد أن عددا كبيرا من تلك الصناديق وجد فى ظل غياب دور الدولة الحقيقى، بهدف سد النقص فى دورها، فليست جميعها صناديق سيئة، فمع غياب دور الدولة مثلا فى توفير المعاش الكريم لكل من أفنى عمره فى خدمتها، ليفاجأ بفارق كبير ما بين المرتب والمعاش، تظهر أهمية بعض الصناديق لسد تلك الفجوة، من خلال منحهم معاشات تكميلية، كنوع من التكافل بين أعضائها، ولتقديم الرعاية الصحية والاجتماعية لهم، ومنحهم مكافأة نهاية الخدمة. وعندما طلب وزير المالية 20% رسوما على هذه الصناديق، لصالح الموازنة العامة للدولة، صدر القرار بشكل عام، دون أن يستثنى أياً من تلك الصناديق، ولكن فيما يخص التكافلية منها، على الدولة أن تحترم رغبة منشئيها وألا تقترب منها طالما عجزت عن القيام بدورها التكافلى. * هل توجد فى رئاسة الجمهورية صناديق خاصة؟ - كل الجهات فى الدولة لديها صناديق خاصة، وزارات العدل، والداخلية، والدفاع، وحتى «المركزى للمحاسبات» فيه صناديق خاصة، ولولا غياب دور الدولة الحقيقى، لما أنشئت تلك الصناديق، فالدولة لا تعالج أحداً من الموظفين صحياً كما يجب، ولا ترعاهم اجتماعيا، ولا تكفل لهم معاشا كريماً، أو تمنحهم مكافأة نهاية خدمة، بعد التقاعد، وكل هذا كانت تغطية الصناديق، أما الصناديق الأخرى فهى التى نعنى بحصرها. * ولكن لماذا تأخرت الدولة فى تطبيق الحد الأقصى للأجور؟ - لأن هناك مستفيدين من بقاء الوضع على ما هو عليه، وتوجد مقاومة شديدة لتلك الفكرة، وعلى الرغم من ذلك على الدولة أن تتخذ القرار على أعلى مستوى، فهو قرار سياسى، يحتاج لدراسة جيدة حتى لا يؤثر سلبياً على الأوضاع الاقتصادية للدولة. * وماذا عن رقابة الجهاز على المؤسسات الصحفية القومية؟ - هناك مخالفات كبيرة فى المؤسسات الصحفية القومية، منذ زمن بعيد، وأنا لم أكن أتوقع هذا الحجم من الفساد داخلها، فمع أنها تخسر وتتلقى ميزانية من الدولة، فوجئنا بتجاوزات رهيبة، أبرزها أنها كانت تتسابق لإهداء كبار رجال الدولة، وكل حسب قيمته ومكانته، بداية من رئيس الجمهورية السابق، وقرينته، ونجليه علاء وجمال، مروراً بزكريا عزمى وزوجته، وصولا لمسئولين أقل، وتقدر الهدايا بالملايين، مبارك كان يحصل مثلا على ساعة كل عام، قيمتها مليون جنيه. * رقابة الجهاز لاحقة على المؤسسات، لكنك طلبت أن تكون رقابته سابقة ولاحقة لماذا؟ - طلبت أن تكون الرقابة سابقة ولاحقة، بمعنى حقيقية، وليست صورية، فمن الخطأ أن أجمع كجهاز للمحاسبات بين الرقابة السابقة واللاحقة، لأن هناك تعارضا بينهما، فالرقابة السابقة تتولى الإشراف على الأعمال التنفيذية للوزارات والمؤسسات، وتبدى الرأى فيما تقوم به، فكيف لى أن أقوم بهذا العمل، ثم أراقبه لاحقاً، لا بد من عين أخرى تراقب أداء الجهات والمؤسسات، وهذا هو المتبع فى كل العالم، وكانت رؤيتى أن يظل الجهاز على رقابته اللاحقة، لكن بآليات حقيقية، مع تحرير الرقابة السابقة من قبضة السلطة التنفيذية، وكان يقوم بها مراقبون من وزارة المالية، لكنهم أصبحوا بحكم وجودهم فى الجهات التى يراقبون عليها موظفين فيها، ويتقاضون منها المكافآت والمزايا، فتبعيتهم للمالية، والسلطة التنفيذية، عائق أمام أداء واجبهم، كما أن وجودهم فى المؤسسات المُراقبة بشكل دائم، جعلهم كالموظفين فيها. لذلك أرى أن المراقبين الماليين التابعين للمالية، يجب أن يجمعهم كيان واحد مستقل، واقترحت تعديل قانون هيئة الرقابة المالية التى تراقب الشركات والبورصة، ليتسع نشاطها لمراقبة مؤسسات الدولة الأخرى، بعد أن ينضم إليها مراقبو المالية. وهناك كثير من المساوئ التى كنا نواجهها فى الرقابة اللاحقة، لمشاكل يصعب تداركها، كما حدث فى عقد الوليد بن طلال، بخصوص أراضى توشكى، وأنا متأكد أنه لو كانت هناك رقابة حقيقية سابقة على هذا العقد من المراقبين الماليين لما تمت الموافقة عليه بهذا الشكل، الذى وضع مصر فى أزمة، خاصة أنه لو لجأ الوليد إلى التحكيم الدولى لخسرنا بالتأكيد، و«قس» على هذا كثيرا من العقود والصفقات والمناقصات والمزايدات التى تبرم دون رقابة سابقة حقيقية، ونفاجأ نحن فى الرقابة اللاحقة أننا أمام أمر واقع يصعب تصحيحه. * كان ولاء الأجهزة الرقابية فى ظل النظام السابق للرئيس والسلطة التنفيذية، لأنها تُعيّن من قبله، ومسودة الدستور الجديد أبقت على الوضع كما هو.. ألا يمثل هذا عائقاً أمام حماية المال العام؟ - قناعتى الشخصية أن القانون لا يصنع استقلالية الشخص، والقوانين السماوية تطالب بالحفاظ على المال العام، ولم توقف الفساد لمن يريد أن ينحرف، وأى إنسان يحرص على التمسك بالكرسى لابد له أن يقدم تنازلات، وأنا مؤمن بأن القانون لا يصنع قاضيا، ولكن القاضى يمكن أن يطوّع القانون الظالم، لمصلحة العدالة وليس العكس، وحسن اختيار الأشخاص هو بداية الإصلاح، فسبب انهيار دول كثيرة هو سوء اختيار القيادات التى كانت وراء انهيار البلد اقتصاديا واجتماعيا وأخلاقيا وثقافيا، فالقوانين لا تصنع الاستقلالية، وهناك نموذج حدث أمامى عندما تدخل رئيس الجمهورية من خلال اتصالات تليفونية من زكريا عزمى، وكان يعطى تعليمات للوزراء بالمخالفة للقانون، ولم يستطيعوا أن يعارضوه فى ظل تمسكهم بالكرسى، فالأجهزة الرقابية كان ولاؤها فى السابق لشخص الحاكم، لأنه كان الولاء الوحيد الذى يبقيه فى مكانه، ولم يكن الولاء للشعب أو الوطن، والدولة لم تكن دولة مؤسسات كما يقولون وإنما ديكتاتورية استبدادية. * هل كان زكريا عزمى يتدخل بشكل شخصى لحذف فقرات من تقارير «المركزى للمحاسبات» والتحكم فيها؟ - ليس لدى علم بذلك، ولكن بحكم القانون يجب أن تبلغ تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات إلى 3 جهات، هى رئاسة الجمهورية، ومجلسا الوزراء والشعب، وأنا مكلف قانوناً بإرسال تقارير الجهاز للجهات الثلاث، ولكن من الممكن أن «عزمى» باعتباره رئيساً لديوان رئيس الجمهورية، كان يطلع على تقارير الجهاز. * اعتقد كثير من المواطنين أن الثورة ستحاكم المتورطين فى قضايا الفساد، وتستعيد الأموال التى حصلوا عليها، إلا أن هذا لم يتحقق حتى الآن ما أصاب الناس بالإحباط؟ - حجم الآمال والتوقعات دائما ما يكون بعد الثورات كبيراً، خصوصاً إذا جاءت الثورة بعد 30 سنة وأكثر من القهر والمعاناة، فالتدرج فى الإصلاح عملية طويلة، ليست بالهينة، كما أنها معقدة جداً، بعد أن تشكلت منظومة فاسدة، داخل المؤسسات والأشخاص أنفسهم، ولا يمكننا ب«كبسة زر»، إصلاح كل شىء، وإلا فإننا نضحك على أنفسنا، ولابد من البدء بخطة إصلاح، وأنا أشعر بأن رأس النظام الآن لديه رغبة حقيقية فى الإصلاح، الأمر الذى جعلنى أقبل المنصب. * ماذا عن تقارير الفساد السابقة هل سيجرى فتحها وتقديم بلاغات بشأنها للنائب العام؟ - بشكل يومى نرسل تقارير للنائب العام، والنيابة الإدارية، وجهاز الكسب غير المشروع، بلاغات وصلت إلى أكثر من 90 بلاغاً، كل فيما يخصه، فإذا تبين لى وجود شبهة كسب غير مشروع من خلال تقارير الجهاز، أقدم على الفور بلاغاً بشأنها، والجميع يرى جهاز الكسب الآن «شغال إزاى»، بعد أن رصدنا تجاوزات مالية فى معظم الوزارات ومؤسسات الدولة، من بينها وزارات العدل، والمالية، والداخلية، وحتى رئاسة الجمهورية، والمؤسسات الصحفية القومية، والأحزاب. * يرى البعض أن وجود مفوضية وطنية لمكافحة الفساد، سيقصر دور «المركزى للمحاسبات» فقط على تقديم البيانات إليها؟ - غير صحيح، وكنت حاضراً اجتماع لجنة الأجهزة الرقابية، فى الجمعية التأسيسية للدستور مع زملائى فى هيئة الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة، والكسب غير المشروع، ووحدة مكافحة غسيل الأموال بالبنك المركزى، وغيرهم، وكان الهدف من فكرة إنشاء مفوضية عليا لمكافحة الفساد، هو تفعيل عمل الأجهزة الرقابية نفسها، وليس إلغاء دورها، وطرحت بعض الأفكار عن دمج الأجهزة الرقابية فى جهاز واحد، وتجميعها فى مفوضية عليا لمكافحة الفساد، لكن هذا الطرح خاطئ تماماً، لأن تلك المفوضية ستكون ضخمة فى ظل حجم العمل المهول المنوط بها، ولا يوجد شخص بإمكانه أن يرأس هذا الجهاز، لإدارة المنظومة كاملة، لكن على مستوى العالم هناك فروع للأجهزة الرقابية، ولكننا فى مصر نفتقد التنسيق بين مختلف الأجهزة الرقابية، وهو ما أكدنا عليه فى الاجتماع، كما طالبنا بأن تكون المفوضية العليا لمكافحة الفساد، هى ذلك الغطاء الذى تجتمع تحته الأجهزة الرقابية، ليضم رؤساءها، ليجتمعوا بشكل دورى من أجل التنسيق فيما بينهم، وتداول المعلومات والتقارير. فربما تكون هناك معلومة مثلاً تهم الرقابة الإدارية، فيجرى الإبلاغ بها، واستكمال الكشف عن أبعادها وما إلى ذلك، دور المفوضية تنسيقى، وأيضاً تشريعى، بحيث تضع تصوراً لمشروعات قوانين التى يمكن من خلالها سد ثغرات الفساد التى ينفذ منها المتحايلون، على أن يبقى كل جهاز رقابى، قائما بذاته واختصاصاته ومهامه. * هل تابعتم ضمن الأحزاب التى راقبتم عليها «الحرية والعدالة»؟ - نعم راقبنا على «الحرية والعدالة» فهو حزب شأنه كغيره من الأحزاب الأخرى، وليس معنى أن رئيس الجمهورية منه، أن يكون فوق القانون، أو الرقابة. * وماذا عن جماعة الإخوان؟ - الجماعة حتى الآن لم توفق أوضاعها، وليست وحدها فى هذا الشأن، فهناك جماعات وحركات أخرى، مثل «6 أبريل»، وغيرها لا يوجد لها غطاء قانونى، وأنا مع إخضاع كل هذه الجماعات والتنظيمات للدولة، تحت أى شكل، وفرض الرقابة عليها، ولا يصح الآن، بعد الثورة، أن تستثنى أى جهة، بما فيها «الإخوان المسلمين»، ويجب أن يتم وضعها تحت الرقابة المالية، ونحن من جانبنا وجدنا تقبلا لفكرة الرقابة عليها من قبل الدكتور محمود غزلان. * ماذا لو لم تستجب الدولة لتقارير «المحاسبات» وأهملتها كما كان يحدث فى السابق؟ * أنا كل دورى رفع تقارير الجهاز إلى 3 جهات فى الدولة، كما قلت هى الرئاسة ومجلسا الوزراء والشعب، إضافة إلى الوزارة المعنية بالتقرير، من أجل تصحيح الأوضاع داخلها، وإذا رصدت تلك التقارير تجاوزات أو جرائم جنائية، فأحيلها إلى النائب العام مباشرة، بحكم القانون الذى يعطينى تلك الصلاحية، فإبلاغى الجهات القضائية عن التجاوزات لا يشترط موافقة أحد. * وهل تتابعون البلاغات التى تقدمونها؟ - عندما توليت رئاسة الجهاز لاحظت عدم وجود أى متابعة للبلاغات المقدمة، فأكدوا لى أن دور الجهاز إرسال التقارير فقط، ووجدت أن ذلك خطأ، وأن الوضع بذلك لن يستقيم، لذلك قدمت فى لقائى بالرئيس تلك الملاحظات وأبلغته أننى سأنسق مع جميع الجهات القضائية التى تحال إليها تقاريرنا، ثم التقيت بالنائب العام. والآن هناك تنسيق فيما بيننا فى كل ما صدر من تقارير الجهاز، حتى التقارير السابقة على رئاستى للمحاسبات. وأنا حصرت جميع البلاغات التى قدمت للنائب العام والنيابة الإدارية والكسب غير المشروع، لموافاتنا بما اُتخذ بشأنها، فوجدت أنها حتى الآن وصلت 90 بلاغاً، وهناك تواصل لسد الثغرة لأننى لا أعرف نتيجة عملى، فربما يكون هناك قصور فى أدائى فكيف لى أن أعرفه، إذا لم أعلم آخر التطورات فيما رصدناه من تجاوزات، فلو تم حفظها مثلا ربما يكون هذا نتيجة قصور لدينا، فنتجه إلى تقويم أدائنا. * هناك جهات كثيرة فى الدولة ترفض الرد على تقارير الجهاز.. ما الإجراء القانونى الذى يمكن اتخاذه تجاهها؟ - نحن بالفعل نواجه مشكلة كبيرة تحتاج إلى تعديل تشريعى، وللأسف القانون لم يلزم الجهة بالرد على ما يرد فى تقارير الجهاز، وقال فقط على الجهة أن ترد، دون أن يحدد إجراءات بعينها حال امتناعها، حتى إن بعض الجهات تتلقى التقارير وتلقيها فى «الأدراج»، ونلاحظ أن نفس المخالفات تتكرر من تلك الجهات كل عام، ما يدل على أنهم لا يأبهون بالتقارير وملاحظاتها، ونحن الآن بصدد إجراء تعديل فى قانون الجهاز بشأن تلك الجزئية. * ما رأيك فى انتداب المستشارين إلى المؤسسات والوزارات، ومدى تأثيره على وضع القضاة؟ - أنا ضد عمل المستشارين أو ندبهم إلى الوزارات والهيئات والجهاز التنفيذى للدولة، لأن ذلك لا يليق برجال القضاء، ولا يصح استنفاد جهدهم فى أمور بعيدة عن العدالة وتحقيقها، خصوصاً أن الهدف من هذا الأمر تحسين مرتباتهم ودخولهم، وأنا أعلم أن هناك بعض القضاة كان يجرى انتدابهم لأكثر من جهة، وهناك واحد منهم كان منتدباً لأكثر من 16 جهة، وهذا لم يستهدف للأسف الصالح العام، وإنما تحقيق المكاسب، لذلك على الدولة تأمين القضاة مادياً، وضمان معيشة كريمة لهم، تغنيهم عن فكرة الندب، ولو استعانت المؤسسات برأى قسم الفتوى والتشريع فى مجلس الدولة، فسيكون هذا أفضل لها، ودون تكبيدها أى أموال أو نفقات. * كان المطلوب من «المحاسبات» فى قضية «الخصخصة» تقييم القواعد التى جرت وفقاً لها عمليات البيع، لكن الأحكام الصادرة باسترداد الشركات أكدت أن كارثة الخصخصة تتمثل فى قواعد التقييم التى اعتمدها الجهاز.. كيف هذا؟ - ملف «الخصخصة» هام جداً لأن مسألة بيع القطاع العام فى إطار فكرة خصخصة الدولة، واتجاهها للنظام الرأسمالى، للأسف الشديد كان يوجد فيها فساد كبير جداً، حدث فى تقييم الأصول المملوكة للدولة، والأحكام الصادرة عن استرداد الشركات أكدت بالفعل أنها كارثة، وأرى أن الخصخصة كانت من أكبر قضايا الفساد فى مصر، ولا بد أن تخضع أطرافها للمساءلة، وما زلنا فى الجهاز إلى الآن نحصر الشركات التى بيعت، وتقييمها يحتاج لعمل طويل، وإلى لجان لحصرها. * هل للجهاز دور فى الرقابة على المنح والمعونات الأجنبية التى تحصل عليها مصر؟ - المفترض أن المنح والمعونات تجرى مراقبتها من قبل وزارتى الخارجية والتضامن الاجتماعى، لأن معظم المنح والمعونات تأتى لتدعيم منظمات مجتمعية، كما اتضح فى قضية التمويل الأجنبى الأخيرة، والجهاز لم تكن له رقابة على المنظمات الأهلية، لأن عمله ودوره مرتبط بالمال العام، ولكن عندما تدعم الدولة منظمة أو جمعية أهلية بالمال العام، فمن هنا تأتى رقابتى على الجمعيات، أما التى لا تتلقى دعماً من الدولة، فلا رقابة لى عليها، وما نطلبه هو سن التشريعات التى تُحكم رقابة الدولة على المنظمات التى تتلقى تمويلا سواء داخليا أو خارجيا، وفقاً لآلية محددة، وأنا مع تقنين الأوضاع، خصوصاً أن فتح الباب على الغارب للتمويل الخارجى، يضر بالأمن القومى والمجتمع.