إلى جانب الضغوط الدولية لإلغاء الحسابات السرية، التى اضطرت معها سويسرا إلى تعديل تشريعاتها بشأن الأموال الأجنبية المودعة لديها (تعرضنا له فى مقال سابق)، كانت هناك إجراءات دولية أخرى بهدف رد الأموال المنهوبة إلى الشعوب المسلوبة. ففى ديسمبر 2005 دخلت «المعاهدة الدولية لمكافحة الفساد» حيز التطبيق وهى أول أداة قانونية دولية ترمى لمحاربة الفساد فى القطاعات الحكومية والخاصة، وتشمل أغراض الاتفاقية ترويج وتدعيم التدابير الرامية لمنع ومكافحة الفساد، وترويج وتيسير ودعم التعاون الدولى والمساعدة التقنية فى مجال منع ومكافحة الفساد، بما فى ذلك استرداد الموجودات، وتعزيز النزاهة والمساءلة والإدارة السليمة للشئون والممتلكات العمومية. وتزخر مواد الاتفاقية بالعديد من الإجراءات التى من شأنها إذا جرى تطبيقها أن تسد مداخل ومخارج الفساد المالى والإدارى وتوقف نزيف الأموال، وتعيد الأموال المنهوبة. وقررت الاتفاقية إنشاء وحدة معلومات استخبارية مالية تكون مسئولة عن تلقى التقارير المتعلقة بالمعاملات المالية المشبوهة وتحليلها وتعميمها على السلطات المختصة. وفى عام 2007 أطلق البنك الدولى والأمم المتحدة مبادرةً تهدف إلى تشجيع الدول الغنية على إعادة الأموال واستثمارها فى برامج اجتماعية ومشروعات لمكافحة الفقر، وتوعد روبرت زوليك الرئيس السابق للبنك الذى انتهت ولايته فى 30 يونيو 2012 بألا يكون هناك ملاذ آمن لمن يسرقون الفقراء، وألا يفلت الحكام الفاسدون من حكم القانون، ودعا «المراكز المالية» لأن تزيد من شفافيتها وتتبنى أفضل الأساليب عند قبول الأموال من خارج الحدود؛ لأن «إعادة الأموال المنهوبة ليست مسألة إنصاف وعدالة فحسب لكنها مسألة أساسية من أجل التنمية، وأنه يجب أن نجذب انتباه الدول المتقدمة ونعمل من أجل أن تتفهم خطورة الوضع». وبشرنا زوليك بأنه «حدثت تغييرات فى سلوك البعض مثل السويسريين الذين يتفهمون أنه ليس مفيداً لسمعة المؤسسات المالية الكبرى أن تكون مرتبطة بمليارات الدولارات من الأموال المسروقة من زعماء فاسدين فى دول فقيرة»، وكان يأمل أن تشجع هذه المبادرة مزيداً من الدول على التصديق على معاهدة مكافحة الفساد. وسعى البنك الدولى لمساندة البلدان فى تحسين أنظمة الإدارة العامة وبناء المؤسسات، وتحسين الأداء، وزيادة مستوى الشفافية والمساءلة، أى المساعدة فى القضاء على مدخلات الفساد التى تسمح بنهب الأموال؛ لذا كثف البنك اهتمامه على تتبع الفساد عبر مكتب نائب رئيس البنك لشئون النزاهة المؤسسية، وأدى تنفيذ استراتيجية نظام الإدارة العامة ومكافحة الفساد إلى تركيز الانتباه على دور جهات خارج السلطة التنفيذية مثل المجتمع المدنى ومؤسسات الرقابة الرسمية كالبرلمان والقضاء وهيئات المراجعة، فضلاً عن الآليات التى تمكن هذه الجهات من ممارسة دورها الرقابى بفاعلية. بعد مرور أكثر من 7 سنوات على هذه المبادرة، يمكن القول إن هناك جهداً دولياً لمحاصرة سارقى المال العام، مع تعزيز آليات المحاسبة والمساءلة والمراقبة، والالتزام بالشفافية. لكن لا تزال الدول المسلوبة تواجه مشكلات كبيرة فى استعادة الأموال، فقد استغرقت الفلبين 18 عاماً لاستعادة أموال كانت تخص الرئيس الأسبق ماركوس من سويسرا، وخاضت نيجيريا معركة دامت خمس سنوات لاستعادة 500 مليون دولار نهبها الرئيس أباتشا.. ولا نعرف كم من السنوات تحتاجها مصر لاسترداد أموالها.