ما بين 17 ديسمبر الماضي و22 أكتوبر الحالي، عشرة أشهر تفصل بين حريق المجمع العلمي وتجديده. ذلك الحريق الذي لم يأت على جدران المبنى فقط، وإنما أتى على كنوز علمية كانت تعطي المبنى قيمة وقامة. صبيحة السابع عشر من ديسمبر الماضي، استيقظ المصريون على حريق بأحد المباني بشارع القصر العيني بميدان التحرير، جُدره متهدمة، الدخان يتصاعد من نوافذه، وسط فاعل مجهول "كالعادة". وقبل أن يبدأ الجميع في السؤال عمن حرق هذا المبنى، يتساءل الجميع "هو ايه المبنى ده ايه"، ليفاجأ الجميع بأنه أحد أهم المنابر الثقافية التي كانت تحوي الآلاف من أمهات الكتب على رأسها كتاب "وصف مصر". وصبيحة الثاني والعشرين من أكتوبر الجاري، وبعد ثلاثة أشهر من بدء أعمال الترميم التي تكفلت بها القوات المسلحة، كان المجمع العلمي على موعد مع ميلاد جديد. ميلاد للمبنى دون المعنى، مثله مثل الجسد الخالي من الروح، حيث يخلو من أمهات الكتب التي كان يحويها بين جدرانه. لكن محمد الشرنوبي، رئيس المجمع، طمأن الجميع بأن هناك مساعي لاستعادة تلك الكنوز من جديد، قائلاً، في المؤتمر الصحفي الذي أقيم اليوم بمناسبة إعادة تجديده: "رب ضارة نافعة، مستشهداً بمكتبة الكونجرس الأمريكي التي تعرضت لحريق هائل 1914، فقدت خلاله مئات الكتب لتعود من الجديد لتصبح أكبر المكاتب العالمية. سافر الشرنوبي، لفرنسا محاولاً نسخ بعض الكتب المحترقة، ورحبت المكتبات البحثية الفرنسية بالتعاون، وفي انتظار عودة عدد من الكتب من هناك إلي القاهرة مع بداية العام المقبل، علاوة على تبرع هيثم الخياط عضو المجمع بمكتبته الشخصية التي تقدر ب 5 آلاف كتاب، وتبرع إبراهيم فرج بمكتبة والده، بحانب 25 ألف كتاب آخر وضعوا داخل غرف المجمع. إسماعيل سراج الدين، نائب رئيس المجمع، قال ل"الوطن": "ما تم استعادته من الكتب يقدر ب50% من الكتب المحترقة، منتظرين عودة أكثر من 90 % من الكتب، مؤكداً صعوبة عودة العديد من الخرائط والوثائق التي كانت توجد فقط بالمجمع، مشيراً إلى تحويل كتاب وصف مصر إلى نسخة الكترونية بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية، قبل احتراقها ضمن الكتب المفقودة. وأشار سراج الدين إلى أن عدد من المتطوعين، الذين قاموا باستعادة عدد كبير من الكتب المسروقة من المبنى وقت احتراقه، وقاموا بتسليمها للمجمع مؤخراً، مشيراً إلى تبرع الأمير جاسم القسمي بالعديد من الكتب من مكتبته الشخصية. كان العمل بالمجمع استغرق حوالي ثلاثة أشهر لإعادة المبنى بعد احتراقة، بتكلفة تبلغ 6 ملايين جنيه تقريبا على نفقة القوات المسلحةالمصرية. يصل عدد الكتب فيها الآن 25 ألف عنوان باللغات العربية والإنجليزية والألمانية والفرنسية والأسبانية والإيطالية. يعود تاريخ بناء المجمع العلمي للحملة الفرنسية على مصر، حيث أُنشئ في 20 أغسطس 1798 بقرار من نابليون بونابارت متخذًا من بيوت أحد بكوات المماليك في القاهرة مقراً له بهدف العمل على التقدم العلمي، ونشر العلم والمعرفة. ونقل إلى الإسكندرية عام 1859، وأطلق عليه اسم المجمع العلمي المصري، ثم عاد للقاهرة مرة أخرى عام 1880.