فارقها الحكام والجنود والسلاح، أكل عليها الدهر وشرب، لكن لم يفارقها صهيل الخيول الذى يدوى فى أرجائها. فى القدم كانت «الجبخانة» التى تقع فى «إسطبل عنتر»، مخزناً استراتيجياً للمؤن والذخيرة وعتاد الجيوش، وبمرور السنوات أصبحت مكاناً مهجوراً. «الجبخانة مركز ثقافى لإسطبل عنتر والقاهرة».. لافتة كبيرة خُطت بألوان تبعث على البهجة، علقت على طرف سور «الجبخانة» بينما أقيم أسفلها مباشرة مسرح تراصت إلى جواره مكبرات صوت تذيع أغانى شعبية فى حفل يبشر بتحويل «الخرابة» إلى مركز ثقافى. الحفل أقامه 20 من طلبة الماجستير، مصريون وعرب وألمان، ضمن برنامج بجامعة عين شمس بالاشتراك مع جامعة «شتوتجارت»، بعد أن لاحظوا اندثار أثر تاريخى كبير وسط منطقة عشوائية. وحسب الدكتور «حسن المولحى» المدرس بالماجستير، فإن الطلبة درسوا المنطقة وحصروا إمكانياتها ووصلوا لخطة لتطويرها. «دينا مهدى» طالبة ماجستير فى المشروع قالت: «لم نصدق ما رأيناه، أثر تاريخى وسط منطقة عشوائية! على الفور فكرنا فى خطة لتطوير المكان وجعله مركزاً ثقافياً يستمد نفوذه من حجمه التاريخى المهم». «الجبخانة» كانت مستودعاً للأسلحة والذخيرة للمماليك حسب «دينا»، وما زالت تحتفظ بالسجون وغرف تخزين الأسلحة والغلال، إلى جانب زنازين كانت مخصصة للأسرى والمحكوم عليهم. وضع طلاب الماجستير «الجبخانة» على رأس أولويات مشروع تطوير «إسطبل عنتر»، الذى يستغرق 5 سنوات حسب «أحمد أسامة»، معيد بكلية الهندسة بجامعة عين شمس. على بعد 12 متراً من سور «الجبخانة»، جلس «رمضان رفاعى»، 52 عاماً، يشعل سيجارته، تبدو على وجهه الجاف علامات غضب بسبب الحفل الذى أقيم أمام منزله، بعمامته الكبيرة التى تغطى رأسه خرج عن صمته متفوهاً بصوته الغليظ: «لو طورتوا المكان هتمشونا تودونا فين؟». منذ أن ولد إلى جوار «الجبخانة» قبل أكثر من نصف قرن لم يستفد «رفاعى» من كونها «أثرية» ولا طال منها «أبيض ولا أسود»، يتمنى أن يحصل ذلك البناء الضخم الذى اعتاد رؤيته كل صباح، على أى تطوير يعود بالفائدة على أهل المنطقة: «الحكومة كانت منفضة وأنا وأهل المنطقة كنا بنشيل الزبالة والقرف، ولما ييجوا يطوروها يمشونا.. لا يمكن». الحل الذى يرضى كافة الأطراف بالنسبة له هو أن يتطور المكان مع الإبقاء على السكان دون ترحيلهم. على الجهة الشرقية من «الجبخانة» أسفل سورها الذى طمسه سواد محرقة القمامة، يبدر «عادل زكى» تاجر المواشى، خرافه وعنزاته، يرفض أن يكون مصيره التهجير، حيث ارتبط بقطعة الأرض المجاورة للسور طيلة 30 عاماً، يخشى «زكى» أن يتحقق ما شاع عن تهجير أهالى العزبة لتطويرها، مستنكراً تجاهل الحكومة لفقراء المنطقة الذين يرتبط رزقهم وقوتهم بالمنطقة.