لماذا قُتلت شيماء الصباغ؟ هل هى إخوانية؟.. لا، ليست كذلك إنها تؤمن بالاشتراكية. هل كانت تحمل سلاحاً فى يدها تهدد به أحداً؟.. لا، بل كانت تحمل يافطات ووروداً تستذكر بها شهداء ثورة يناير الذين لحقت بهم. هل كانت تحمل «مولوتوف» تريد أن تحرق وتخرب به؟.. لا، كانت تحمل فى عقلها ذكرى حلم اصطف فيه الملايين رافعين شعار العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. ماتت «شيماء» لأن الشارع المصرى لم يعد يحتمل مظاهرات.. راجع كلام الرسميين ستجد أن ذلك هو السبب! الشارع لم يعد يحتمل مظاهرات، لكنه يحتمل غلاء الأسعار وبيع السلع بثمنها الحقيقى، لأن الدولة لم تعد قادرة على الدعم، وهى فى الوقت نفسه عاجزة عن زيادة المرتبات! يحتمل الشارع كذلك أن ترتفع أسعار الدولار، وأن يطلق البنك المركزى له العنان، حتى يتمكن من مواجهة رجال أعمال ومستوردين يلعبون الكرة بالحكومة دون أن تحرك ساكناً، لأن «ساكنها» يتحرك فقط ضد المظاهرات التى لا يحتملها الشارع. ذلك الشارع الذى يحتمل أيضاً أن تختفى فيه الأنابيب وتنقطع الكهرباء والمياه، لكنه لا يطيق أن يخرج شباب مذكرين بأهداف ثورة يناير. يحتمل الشارع أن يعتدى أمناء شرطة جنسياً على طالبة، وأن يسير فيه ضابط شرطة عكس الاتجاه، وعندما يعترض عليه سائق «تاكسى» لينبهه إلى آداب وقوانين المرور، يعاقبه ب«كلبشة» يده فى سيارته، ولا يلين لمحايلات الناس من حوله، الشارع يحتمل كل هذا لكنه لا يحتمل نزول شيماء الصباغ. خرج علينا بعد الواقعة اللواء هانى عبداللطيف، المتحدث الرسمى باسم وزارة الداخلية، وقال إن أجهزة الأمن تكثف من جهودها لتحديد هوية المتهمين فى واقعة مقتل شيماء الصباغ، فى ميدان طلعت حرب، وذلك لسرعة ضبطهم وتقديمهم للعدالة. وحذَّر -كالعادة- من اندساس الإخوان وسط التجمعات لارتكاب أحداث عنف. مطلوب منا بالطبع أن نصدق! فكيف توجه أصابع الاتهام إلى الشرطة وقد حكمت المحكمة ببراءة كل من اتهم من رجالها بقتل المتظاهرين فى يناير 2011، وفى الوقائع التى أعقبتها. الحكم عنوان الحقيقة، علينا أن نصدق أن شرطتنا الطيبة ترى أن مهمتها البحث عمن يقتلون المصريين، والجانى حاضر باستمرار، علينا أن نصدق أن الخرطوش الذى أودى بحياة شيماء مصدره «القلة المندسة» وليس شرطة مصر، القلة التى تريد أن تزرع نار الفتنة والوقيعة بين الشعب والشرطة! الكلام نفسه والحديث نفسه، وكأننا أمام «حاوى مفلس»، يلعب الألعاب نفسها ويكرر «الإفيهات» نفسها ويريد منا فى كل مرة أن نندهش، يريد ذلك دون أن يلتفت إلى أنه يكرر نفسه، ويعيد إنتاج الألعاب ذاتها التى سئمها الناس، كل ما حدث وما سيحدث لا يعدو أن يكون إعادة عرض لمسلسل قديم، أنتجه ومثله وأخرجه مجموعة من الحواة المفلسين. كان آخر ما كتبته الشهيدة «شيماء الصباغ» قبل ارتقائها كما نشر موقع «المصرى اليوم»: «البلد دى بقت بتوجع.. ومفيهاش دفا.. يا رب يكون ترابها براح، وحضن أرضها أوسع من سماها».. ولا مزيد!