الانتخابات البرلمانية المقبلة عبارة عن صندوق أسود لا أحد يستطيع أن يتوقع مَن من الأحزاب السياسية أو أى تحالف من التحالفات الانتخابية سيكون هو صاحب الأغلبية أو الأكثرية والذى سيكون له حق تشكيل الحكومة أو القدرة على منح الثقة لها، فكل الأحزاب السياسية لم تطرح أسماء لمرشحيها فى دوائر «الفردى» انتظاراً لحسم «القائمة»، رغم أن القائمة تشكل أكثر من 20٪ من البرلمان، لذلك لا يمكن قياس الأوزان النسبية، ولا يمكن الاعتماد على نتائج الانتخابات السابقة فى التحليل لأن القوتين الأساسيتين خارج السياق الآن بأحكام وقرارات الحل والتجميد، والمقصود هنا الحزب الوطنى الديمقراطى وحزب الحرية والعدالة، وكان كل منهما قد حصل على أكثرية فى البرلمان تجاوزت الثلث بقليل. المؤكد أنه رغم التوقع بتمثيل للأحزاب السياسية القائمة الآن فإنها لن تحصل على أكثرية تمكنها من الحكم منفردة بسبب أن التوقع الأكثر هو فوز عدد كبير من الشخصيات التى ترشحت كمستقلين على الدوائر الفردى، بينما يمكن لتحالف حزبى أن يتمكن من تحقيق نتيجة تمكن من تشكيل كتلة نيابية تملك القدرة على منح الثقة وحسم عمليات التصويت، وهنا مربط الفرس كما يقولون. الحقيقة أن سلامة الحياة السياسية فى مصر هى فى وجود أحزاب سياسية ممثلة فى البرلمان تشكل ال«كور» أو العقل المركزى للبرلمان، وتقوم بمهامها كأهم مؤسسة رقابية على أعمال الحكومة، فضلاً عن صناعة التشريعات التى تواكب النهضة الاقتصادية المطلوبة، والتى بدأتها الدولة ورئيس الجمهورية، لا سيما أن الحكومة لم تنتظر البرلمان لصياغة تشريعات اقتصادية أهمها قانون الاستثمار الموحد وغيره من التشريعات، وهذا أمر يعجز عنه برلمان مفتت تتنازعه الخصومات الشخصية أو الفردية وعدم القدرة على تبين المصالح العليا للبلاد، وأعتقد أن هذا كان محور حوار الرئيس مع قادة الأحزاب السياسية، وأرى أن هذه الخطوة تأخرت كثيراً. صحيح أن رئيس الجمهورية ليس له أن يكون طرفاً فى العملية الانتخابية وأنه ملتزم فقط بإجراء انتخابات حرة ونزيهة معبرة عن إرادة الناخبين، إلا أنه مهم أن يكون طرفاً فى الحوار الوطنى من أجل ضمان برلمان وطنى قادر على مواجهة التحديات التى تواجهها البلاد، لذلك يمكن تفهُّم تحذير الرئيس بأن الشعب يمكن أن يقوم بثورة ثالثة ضد البرلمان، أى فى حالة تخلفه عن القيام بوظيفته ودوره والدخول فى نزاعات وصراعات. جوهر عملية التحول إلى الدولة الديمقراطية فى الحقيقة هو فى حياة حزبية ناضجة، ويجب أن تكون نتائج الانتخابات المقبلة هى فرز تحالف بين حزبين كبيرين يستطيعان أن يمثلا المصالح المختلفة للشعب، وهنا يجب بذل جهود من الأحزاب لتشكيل تحالفات منطقية بين أحزاب تتفق فى الرؤى السياسية والاقتصادية وليس تحالفات انتخابية لمجرد خوض العملية الانتخابية وفقط، وأيضاً أن تعمل هذه التحالفات على جذب مرشحين أقوياء لديهم الخبرة والكفاءة وليس لاعتبار القدرة المالية للإنفاق على الانتخابات. البرلمان المقبل هام جداً، فهو برلمان تأسيسى، ومهمته ترجمة الدستور المصرى الجديد إلى قوانين وتشريعات لتأسيس الدولة المصرية الحديثة والقادرة على مواجهة التحديات، وأيضاً تمثيل مصالح المصريين وتحقيق أهدافهم فى التنمية والتقدم والتطور، ويجب أن يكون عند ثقة الشعب المصرى، فهل تستطيع الأحزاب السياسية أن تعمل فى هذه المدة المتبقية على إجراء الانتخابات على التوافق من أجل بناء توافق على قائمة تشكل اللبنة الأساسية للبرلمان وفى نفس الوقت دعم مرشحين فرديين من القيادات الطبيعية بحيث تكون الطريق للبرلمان لضمان كفاءات حقيقية وفك طلاسم الصندوق الأسود للانتخابات.