منذ حوالى عشرة أيام تكرم علىّ بزيارة فى مكتبى النائب الشهير حمدى الطحان. وبما أننا نائبان سابقان فإن حديث ذكرياتنا بالمجلس كان محور اللقاء الذى استمر لأكثر من ساعة. وبعد مغادرته أخرجت بعضاً من مضابط مجلس الشعب لتنشيط الذاكرة واسترجاع وقائع وأحداث هامة كنت شاهداً عليها. ولفت انتباهى مضبطة كان النائب حمدى الطحان هو فارسها بلا منازع، وكانت المضبطة للجنة تقصى الحقائق فى حادث غرق العبارة السلام 98 التى راح ضحيتها أكثر من ألف من المصريين معظمهم من البسطاء من أبناء شعبنا فى يوم مشئوم هو الثانى من فبراير عام 2006. وقد تحدث فى هذه الجلسة -التى رأسها الدكتور أحمد فتحى سرور- العديد من أعضاء اللجنة؛ منهم الدكتور أكرم الشاعر والنائب مصطفى بكرى والنائب محمد أنور السادات، وكانت المشكلة والقضية الصعبة فى مناقشات اللجنة هى مسئولية الحكومة، وتحديداً القوات المسلحة بقيادتها فى ذلك الوقت، عن تضخم عدد الضحايا. وانتهى تقرير اللجنة إلى مسئولية مركز البحث والإنقاذ التابع للقوات المسلحة عن التراخى فى إنقاذ الضحايا بعد ثبوت اتصال علمه بغرق العبارة الساعة الثالثة وتسع دقائق صباح اليوم المشئوم، أى بعد غرق العبارة بأقل من ساعة إلا أنه لم يتخذ ما يتوجب عليه من إجراءات للبدء فى عمليات الإنقاذ، وكان رأى النائب الشجاع حمدى الطحان ضرورة إثبات ذلك فى التقرير، بينما رأى آخرون عدم إدراجه حتى لا تهتز صورة القوات المسلحة أمام الشعب، حتى إن النائب مصطفى بكرى قال فى ص18 من المضبطة: «ثانياً: نحن الآن أمام موقف صعب، هناك من يرى أن التقرير يمثل إدانة للقوات المسلحة، وتأثيراً على معنويات القوات المسلحة، وهناك من يرى أن ما جرى لا يمكن بأى حال استثناؤه»، وقال النائب أكرم الشاعر: «الموجود الآن هو تقصير للحكومة.. هناك أطراف متعددة ونحن نريد أن نعرف المقصود.. والقضية التى أمامنا يتعلق بها جزء بسيط من حديث الحبيب صلى الله عليه وسلم «إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد»، نحن نعتز ونعترف بقواتنا المسلحة أيما اعتزاز، ولكن إذا وُجد فيها تقصير فلا مانع من أن يقوَّم هذا التقصير حتى لا تتكرر 67 أخرى». وقال النائب إبراهيم الجوجرى: «أما أن نعلن هذا وأن نتعرض للقوات المسلحة، فإننى أرى أنه للحفاظ على الأمن القومى يجب ألا نتعرض إلى وزارة الدفاع والإنتاج الحربى والقوات المسلحة وهيبة القوات المسلحة ووقعها فى قلوبنا جميعاً». وقال النائب أنور عصمت السادات: «أقترح إما أن يعرض التقرير كاملاً وفيه مسئولية جميع الأطراف وإما أن يؤجل، شريطة أن يكون لدينا نوع من الحضور أو الوجود فيما يخص ما تجريه النيابة العسكرية لتحديد المسئولية». وقد حاول الدكتور سرور إثناء رئيس اللجنة حمدى الطحان عن رأيه وتصميمه على إدراج الحقيقة كاملة فى التقرير فقال رئيس المجلس: «إننى سوف أسمح لبعضكم فى هذا تفضيل أى من الرؤيتين، أولاً قد نزعت الفتيل، والتسليم بمسئولية القوات المسلحة، حذفت هذا الكلام كله، شكرتها على أنها أنقذت فقط». فقال النائب حمدى الطحان، متهكماً بالطبع: «فلنشكر أيضاً ممدوح إسماعيل لأنه أنقذ أكثر منها»، واستطرد نائب الشعب الذى يدافع عنه حقيقة وليس بالمزايدات: «التقينا بالقوات المسلحة وسمعنا منهم بعد أن التقينا مع رئيس هيئة العمليات ومسئول البحث والإنقاذ وواحد من المخابرات واللواء ممدوح الذى يأتى هنا -ممدوح شاهين- وأول كلام قيل لنا أننا لا نُسأل ولا نُحاسب ولا يُحقق معنا». وقال: «وصل إلى هنا سيادة المشير وزير الدفاع ولن أتحدث عن الحديث الذى دار لأن الرجل له أن يقول ما يشاء ما دام أن المبدأ الرئيسى فى الوجود كله أن هناك حساباً على كل شىء، وما دام لا يوجد حساب فكل واحد يعمل ما يريد» ثانياً، إن ما ذكر عن القوات المسلحة موثق توثيقاً كاملاً، وقد قلت لهم حققوا فى الموضوع، وإن أردتم ألا تخطرونا فأنتم أحرار، فأرسلوا لنا مذكرة كلها أخطاء -تقرير خاطئ- وقد عرضته على معاليك وقلت لسيادتكم هل أنشر التقرير وهو يحوى هذه التناقضات.. قلت لى سيادتكم لا تنشره ويمكن أن تشير إليه». «سيادة الرئيس، إننى كمسئول عن هذه اللجنة، أعلن أننى متمسك بكل ما ذكر بالتقرير»، وقال: «ولا كلمة يتم تغييرها سوف أشارك فيها»، وقال: «لا بد أن يدرك الجميع أن مركز البحث والإنقاذ ملحق بالقوات المسلحة وليس جزءاً منها»، «وإذا كانت القوات المسلحة لم تقصر فى مركز البحث والإنقاذ فقد ذُكر فى التقرير أن هناك جهازاً يسمى جهاز مراقبة حركة السفن فى البحر الأحمر، هذا الجهاز أخذت له القوات المسلحة 100مليون دولار، ومعى وثيقة بالخمسين مليون دولار والخمسين التالية، حصلت على ال100 مليون دولار وأنشأت الجهاز، والذى يديره هو جهاز الخدمة الوطنية واستلم فى شهر أبريل 11 زورقاً منها 4 زوارق سريعة ذاتية الاعتدال، ولديه الإشارات كاملة». واختتم نائب الشعب العظيم بأنه «لا إصلاح فى مصر جمعاء -وأنا أقول ثانية- إلا من خلال هذا المجلس، أى تنازل عن دورنا كل سنة وانت طيب، فهذه مسئولية». هذا هو نائبنا العظيم حمدى الطحان من واقع مضابط مجلس الشعب. والغريب أن هذا النائب الفذ العملاق يصنف الآن من بعض الأقزام على أنه من الفلول.. سيادة النائب حمدى الطحان، تحية إعزاز وتقدير واحترام.