من الأمور اللافتة، ونحن بصدد التوقف أمام مذبحة صحيفة «شارلى إيبدو»، ذلك التصريح الاستباقى الذى جاء على لسان العاهل السعودى الملك عبدالله بن عبدالعزيز منذ أربعة أشهر، ودعا فيه المجتمع الدولى إلى ضرب المتطرفين «بالقوة وبالعقل وبالسرعة المطلوبة»، لأنهم سيتمددون قريباً إلى أوروبا والولاياتالمتحدة على حد ما ذكره. ومن المثير أن الملك قال بالحرف الواحد فى كلمته تلك: «أنا متأكد أنه بعد شهر سيصلون إلى أوروبا وبعد شهر ثان إلى أمريكا». وأضاف: «أقول هذا الكلام فى هذا المكان (وأبقوه فى بالكم)». وقد صدق كلام العاهل السعودى، فوصل الإرهاب إلى قلب باريس، ربما وصل متأخراً عن الموعد الذى ضربه الملك، لكنه وصل إلى حيث توقع، وربما يصل فى القريب إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية كما تنبأ! من الأمور التى تحيرنى حقيقة تلك المفارقة بين ما هو واضح من أن «داعش» وإخوانه نشأ مدعوماً من الغرب، ثم إذا به يتحرك بسهامه القتالية إلى الغرب نفسه. ربما تقول لى إن الأمر لا يعدو أن يكون إعادة تكرار لسيناريو تنظيم القاعدة الذى أنشأته الولاياتالمتحدةالأمريكية على عينها ثم انقلب عليها، ونفّذ ضدها أخطر وأكبر عملية إرهابية فى التاريخ. قد يكون الأمر كذلك، لكننى لا أظن أن «داعش» خرج من منطق «المقاولة الغربية» إلى دائرة «مواجهة الغرب». ويجوز أن تكون المذبحة التى شهدتها صحيفة «شارلى إيبدو» جزءاً من «المقاولة»، خصوصاً فى ظل اشتعال ظاهرة «الإسلاموفوبيا» داخل العديد من الدول الأوروبية، وما الأحداث التى تشهدها ألمانيا منا ببعيد. واقع الحال أن الغرب يريد أن يتحرك على الدول العربية، و«داعش» تمنحه الذريعة، وهو يريد التحرك على المناطق البترولية من العالم العربى على وجه التحديد. يشهد على ذلك أن ضربات التحالف الدولى ضد «داعش» تضع نصب عينيها تحرير المناطق البترولية فى العراق، كما أن قيامة فرنسا لم تقم إلا عندما وصل الأمر إلى مصافى وآبار البترول فى ليبيا وأصبحت فى مرمى نيران الإسلاميين المتشددين. ربما كان هذا الأمر أحد العوامل التى تفسر هذا الهوس الغربى بالتحرك عسكرياً فى المنطقة العربية، لكن يبقى أن هذا التحرك محفوف بالعديد من المخاطر، وقد لا أبالغ إذا قلت إن هذا التدخل يصب أول وآخر ما يصب فى مصلحة المتطرفين. التدخل يصب فى مصلحة هؤلاء لعدة أسباب، أولها أنه يمنح المتطرفين ذريعة أخلاقية جيدة على المستوى الشعبى، حين يظهرون وكأنهم يتصدون لمطامع الغرب فى المنطقة، وثانيها أنه سيفتح الباب على مصراعيه لعمليات إرهابية مكثفة لن تنجو منها دولة. فى تقديرى أن العاهل السعودى عندما وصف المواجهة المطلوبة -ضمن ما وصفها- ب«العاقلة» كان يقصد ضرورة أن يقوم الغرب بفض هذه المقاولة بينه وبين تنظيم «داعش»، وتجفيف عملية وصول الأسلحة وغيرها من أوجه الدعم إليه، وجزء من المواجهة العاقلة أيضاً أن يتفهم الغرب أن ثمة فارقاً جوهرياً بين محاربة المتشددين الإسلاميين وبين محاربة الإسلام نفسه والإساءة إلى نبيه صلى الله عليه وسلم.