لم يكن يعلم أن وجوده على رأس المحكمة الدستورية العليا لمدة عام سيصيبه بالصداع ويضعه فى أزمات متلاحقة، لا يكاد يغمض جفنه إلا ويفتحه على أزمة جديدة تكون المحكمة الدستورية العليا طرفا فيها رغما عنها.. ومع الأزمات يرتدى المستشار ماهر البحيرى رئيس المحكمة الدستورية ثوب المحارب الذى يدخل غمار الحرب دفاعا عن قلعة الحقوق والحريات.. يأتيه الهجوم تارة من مجلس الشعب وتارة من مؤسسة الرئاسة وتارة من الجمعية التأسيسية التى تضع دستور مصر المقبل. تولى البحيرى، ابن قرية صول بمحافظة الجيزة، رئاسة المحكمة بحكم أقدميته المطلقة فى الأول من يوليو خلفا للمستشار فاروق سلطان، بعد أن شارك الاثنان فى إعلان اسم أول رئيس جمهورية منتخب بعد الثورة، سلطان رئيسا والبحيرى نائبا باللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، وكذلك كانا بالمحكمة الدستورية. لم يهنأ البحيرى بمنصبه، ووجد نفسه فى موقع المدافع دائما عن استقلالية وهيبة المحكمة وقضاتها، خاصة بعد حكم المحكمة بحل مجلس الشعب 14 يونيو الماضى أى قبل أيام من إعلان اسم رئيس الجمهورية.. مثّل هذا الحكم وما تبعه من إصدار المجلس العسكرى، الذى تولى الحكم خلال الفترة الانتقالية، إعلانا دستوريا مكملا، بموجبه يؤدى رئيس الجمهورية اليمين الدستورية أمام أعضاء الجمعية العمومية لقضاة المحكمة الدستورية العليا، غصةً فى حلق رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسى، فأعلن عقب فوزه أنه يرفض أن يؤدى اليمين أمام الدستورية، وتصدى له البحيرى وقضاة المحكمة: «لن تحصل على شرعيتك كرئيس إلا من خلال المحكمة».. ذهب مرسى وأدى اليمين بعد أن تم إثناؤه عن قراره برفض إذاعته على التليفزيون، لم ينس للمحكمة مواقفها معه، فهى القاضية بحل مجلس الشعب، الذى حاول إعادته مرسى بعد أسبوع واحد من رئاسته، لكن «الدستورية» ألغت قرار الرئيس معلية سيادة القانون. رغم أن البحيرى انتصر فى معركته مع الرئاسة، فإن توابعها ظلت مستمرة، حيث اتهم محامو جماعة الإخوان المحكمة بأنها كتبت الحكم بحل البرلمان وأرسلته إلى المطابع الأميرية لنشره فى الجريدة الرسمية قبل أن تنطق به، واعتبر البحيرى فى ذلك إهانة لقضاة المحكمة، ليدير معركة أخرى.. لجأ إلى النائب العام وقدم بلاغا ضد ناصر الحافى وعبدالمنعم عبدالمقصود محاميى الجماعة، يتهمهما بسب وقذف أعضاء المحكمة، وبناء عليه تم التحقيق فى الواقعة التى أحيلت إلى محكمة الجنايات ولم يصدر بشأنها حكم حتى الآن. رفض البحيرى التصالح مع نواب الجماعة، وأعلنها قولا واحدا: «القانون يجب أن يأخذ مجراه»، لا يؤمن إلا بكفة الميزان نمطاً يسود من خلال العدل. باتت المحكمة الدستورية فى صراع لم تسعَ إليه، كان آخره بالأمس القريب عندما أعلنت الجمعية التأسيسية للدستور عن المسودة الأولية متضمنة نصوصا بشأن المحكمة الدستورية، وصفها قضاة المحكمة بأنها محاولة لهدم وتقويض المحكمة وسعيا لتصفية حسابات قديمة. وجد البحيرى أن قلعة «المحكمة» الدستورية مهددة، فدعا قضاة المحكمة إلى جمعية عمومية طارئة، وأعلن أنها فى حالة انعقاد دائم لحين تغيير تلك النصوص من قبل «التأسيسية». مدافع عنيد عن المحكمة الدستورية وسطوتها التى باتت فى مهب الريح.