رغم أن التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية أصبحت واقعاً أمام الجميع فى كل أنحاء العالم، إلا أن الخلافات بين الاقتصاديين ودعاة حماية البيئة والتنمية المستدامة ما زالت فى أوجها، حيث يرى كثير من الاقتصاديين أن العمل البيئى والمناخى، قد يضر بمعدلات الإنتاج والنمو الاقتصادى، بينما يؤكد البيئيون أن الحفاظ على الموارد الطبيعية وحسن استغلالها، يحقق بالضرورة عائدات اقتصادية، إلى جانب ما يجلبه من منافع للنظم الإيكولوجية، وتحسين حياة البشر. ولا يمكن المضى قدماً فى سبيل خفض الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحرارى، وتخفيف التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية، أو التكيف معها، دون اعتمادات مالية طائلة، قد تؤدى إلى إرهاق ميزانيات كثير من الدول، الأمر الذى يتطلب تدبير موارد ضخمة واستثمارات هائلة تفوق قدرات الدول الفقيرة أو الأكثر فقراً، ومع ذلك فإن العائدات المتوقعة من هذه الاستثمارات، قد تفوق التكاليف الأولية بشكل كبير، ولكن بعد حين. البنك الدولي: الاستثمارات تدعم البنية التحتية تظهر تقديرات البنك الدولى أن العالم يحتاج إلى استثمارات هائلة فى مشروعات دعم البنية التحتية وتعزيز قدرتها على الصمود فى وجه التأثيرات السلبية الناتجة عن التغيرات المناخية، بقيمة 90 تريليون دولار، على مدار ال15 عاماً المقبلة، وبينما ترى دوائر اقتصادية أن هذا المبلغ الهائل لن يمكن تدبيره بسهولة، تشير التقديرات إلى أنه يمكن تعويض هذه الاستثمارات فى المستقبل القريب، إذ إن التحول للاقتصاد الأخضر يوفر فرصاً اقتصادية ووظائف جديدة، حيث إن استثمار دولار واحد يدر 4 دولارات من الفوائد فى المتوسط. ونظراً لأن مؤتمر شرم الشيخ، يضع قضية التمويل على رأس أولوياته، أعلنت الرئاسة المصرية لقمة المناخ عن مبادرة غير مسبوقة، لتشجيع الاستثمار فى المجالات المتعلقة بالعمل المناخى، ووضع مشروعات المناخ وفرص الاستثمار فيها على طاولة واحدة مع المستثمرين، ومنظمات التمويل الدولية، وبنوك التنمية، وغيرها من الجهات لتحقيق أهداف العمل المناخى، وهى المبادرة التى يقودها الدكتور محمود محيى الدين، رائد المناخ للرئاسة المصرية، والمبعوث الخاص للأمم المتحدة لأجندة التمويل لأهداف التنمية المستدامة. مصر تقود حملة عالمية لتنفيذ تعهدات دولية سابقة وجمع 100 مليار دولار سنويا لدعم مشروعات التخفيف والتكيف ويرى الدكتور محمود محيى الدين أن الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والتعاون مع المنظمات الإنمائية والتمويلية الإقليمية والدولية، هى السبيل لحشد التمويل اللازم للعمل المناخى، فى ظل تعاظم التمويل المطلوب وضعف المتاح، مشيراً فى تصريحات ل«الوطن» إلى أنه فى الوقت نفسه، لم يقدم مستثمرو البلدان المتقدمة والقطاع الخاص بعد، مبلغ ال100 مليار دولار سنوياً من التمويل المناخى، الذى وعدوا به فى عام 2009، والذى كان من المقرر الوصول إليه بحلول عام 2020. وبينما يعتبر رائد المناخ للرئاسة المصرية أنه من المطلوب استثمارات بقيمة تريليونات وليس مليارات الدولارات كل عام، لتحقيق التحولات المطلوبة لمعالجة التخفيف والتكيف، يشير بيان لرئاسة مؤتمر الأطراف ال27 إلى أن مجموعة المفاوضين الأفريقية دعت إلى توفير 1.3 تريليون دولار سنوياً، لتمويل العمل المناخى فى دول القارة، اعتباراً من عام 2025، حيث توصف القارة الأفريقية بأنها الأكثر تأثراً بتداعيات التغيرات المناخية من حيث «الخسائر والأضرار»، رغم أنها الأقل إسهاماً فى تفاقم الأزمة. ويستخدم مصطلح «الخسائر والأضرار» لوصف كيف يعانى الناس، ولاسيما الفقراء والضعفاء، بالفعل من آثار تغير المناخ الذى تسببه انبعاثات الدول الغنية، من فقدان أراضى الجزر المنخفضة، إلى ارتفاع منسوب مياه البحار إلى المنازل والمنشآت والمرافق التى دمرتها الأعاصير، وعلى الرغم من مناقشة قضية الخسائر والأضرار لأكثر من 30 عاماً، إلا أنها تبرز بسرعة كواحدة من أكثر القضايا أهمية فى محادثات الأممالمتحدة بشأن المناخ فى قمة 2021، حيث دعت مجموعة من الدول النامية الدول المتقدمة إلى الالتزام بالتعهد بتقديم أموال لتعويض الخسائر والأضرار التى لحقت بها، ومع ذلك، واجهت هذه الدعوة معارضة من الاقتصادات الكبيرة مثل الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى، وفى النهاية تم رفضها. وتقدر إحدى الدراسات، التى يُستشهد بها على نطاق واسع، أنه بحلول عام 2030، تتطلب البلدان النامية ما بين 290 و580 مليار دولار فى شكل «أضرار متبقية» سنوية، أى الأضرار الناجمة عن تغير المناخ التى لا يمكن منعها من خلال تدابير التكيف، بينما كانت التقديرات الأخرى بحلول عام 2050، قد تتجاوز التكاليف الاقتصادية للخسائر والأضرار تريليون دولار كل عام، مع اشتداد آثار تغير المناخ.