بدعوة كريمة من الدكتور القس أندريه زكى، رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر ورئيس الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، نظم منتدى حوار الثقافات الذي بات منصة حوارية فريدة ونموذجًا حقيقيًا للتسامح واحترام الاختلاف، لقاءًا فكريًا بعنوان «التسامح ومواجهة العنف.. من المبدأ إلى التطبيق».. تحاور فيه عددٌ كبير من المفكرين ورجال الدين والأكاديميين والإعلاميين والبرلمانيين وممثلي المجتمع المدني. وافتتح المؤتمر وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، وتحدث عن مفهوم التسامح كمنهجًا عامًا للحياة، كما استهل الدكتور أندريا كلمته، بأن التسماح يتجاوز المشترك إلى حق الاختلاف، فهكذا انطلقت فعاليات المؤتمر، لتطلق طاقة من النور تضيئ المنصة الحوارية لجموع المثقفين في مناخ يسوده التسامح واحترام الاختلاف. ودارت العديد من المناقشات على مدار يومين حول محاور يكمل بعضها البعض، بدءًا بطرح مفهوم التسامح بصورة ليست فقط شمولية بل كونية أيضًا، فقد يتجاوز البحث عن أرضية مشتركة إلى حق وقبول واحترام الاختلاف بما يؤكد أن الاختلاف يشكل نقطة التكامل، ويمتد هذا المفهوم عبر الحدود خاصةً مع اختلاف طبيعة القضايا التي يواجهها العالم والتي تتعدى آثارها حدود الدول لتصبح كونية، مثل التغير المناخي وجائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وغيرها.. مما أسس إلى مفهوم الإدماج العالمي الذي يدرك أن البشر جميعًا يعيشون على كوكب واحد ويتشاركون مسؤولية الحفاظ على معطياته مما يستدعي التعايش السلمي المشترك في مناخ يسوده التسامح وقبول الآخر، كما أن الذكاء الثقافي يساهم في بناء القدرة على التواصل والتعاون عبر الثقافات من أجل إرساء السلام واستدامة التنمية. واستمرت المناقشات حول الأبعاد الثقافية والاجتماعية لظاهرة العنف الدخيلة على المجتمع المصري والتأكيد على أهمية دور المؤسسات الدينية والتعليمية والأسرة والمجتمع المدني والإعلام، ولاسيما الأحزاب السياسية، من خلال التنشئة السياسية، في مواجهة العنف ونشر ثقافة التسامح وغرسها كجزء أساسي بالمخزون المعرفي والقيمي للفرد، ما يتطلب الانطلاق بصورة جادة من النظرية نحو التطبيق في سياق خصوصية وواقع المجتمع. وأشارت مداخلات الحضور إلى أهمية الحوار وتداول المعلومات للتعرف على الإحصائيات والدراسات المعنية بظاهرة العنف وأسبابها، ودور البرلمان في مراجعة الإطار التشريعي من ناحية، ودوره الرقابي من ناحية أخرى للحد من هذه الآفة. وخرج المؤتمر، بحزمة من التوصيات تم طرحها بمنهج تشاركي من خلال ثلاث ورش عمل تناولت الأولى دور الإعلام كشريك أساسي في تشكيل الوعي والحفاظ على تماسك النسيج الوطني استنادًا لدوره البارز في محاربة الإرهاب والتطرف، والثانية دارت حول دور الثقافة في بناء الوعي حيث لا نستطيع الفصل بينهما فهما وجهان لعملة واحدة، إذ أن المخزون المعرفي يعتبر ركيزة أساسية في بناء الشخصية، وبالتالي تشكيل الوعي. وفي هذا الإطار يلعب التعليم دورًا هامًا، ثم جاءت القوة الضاربة في المجتمع وهي الشباب في المحور الثالث؛ فالدولة المصرية دولة فتية يشكل فيها الشباب أكثر من 60% من تعداد السكان نحتاج إلى بناء وعيهم وقدراتهم لتمكينهم من المشاركة الفعالة والإدماج في الحياة العامة على المستوى المحلي والدولي مما يساهم في إرساء السلام واستدامة التنمية. وخلص اللقاء، مؤكدًا توافر الإرادة السياسية والمجتمعية وفتح آفاق للحوار لأخذ خطوات تصحيحية للحد من العنف وكافة أشكال التمييز من أجل خلق مناخ عام يسوده التسامح واحترام الاختلاف والعيش المشترك، لن يتم فقط من خلال التشريعات وسياسة الردع، ولكن كما أكد الإعلامي الدكتور محمود مسلم، من خلال تكامل دور كل المؤسسات وليس الإعلام وحده، والتعاون لترسيخ قيم التسامح والمواطنة، خاصة من خلال الاهتمام بالتنشئة، والمناهج التعليمية والبرامج التثقيفية، والحوكمة خاصةً فيما يتعلق بالمتابعة والمحاسبة.