مطران دشنا يترأس قداس أحد الشعانين (صور)    رئيس جامعة سوهاج يستقل الطفطف مع طلابه لتسهيل التنقل مجانًا    جامعة السويس تستضيف مهرجان الأنشطة الطلابية    بسبب وراثة غير طبيعية.. سيدة تلد طفلا ب 12 إصبعا    الإعلان عن وظائف المعلمين الجديدة.. ننشر التخصصات المطلوبة بجميع المحافظات    ألفا طالبة.. 4 محافظات تحصد المراكز الأولى ببطولة الجمهورية لألعاب القوى للمدارس -تفاصيل    نقيب أطباء مصر: لن نقبل بحبس الطبيب طالما لم يخالف قوانين الدولة    السيسي يشهد افتتاح مركز البيانات والحوسبة السحابية الحكومية    التنمية المحلية: الدولة تنجح في استرداد 618 ألف متر مربع بعد إزالة 1471 مبنى مخالفا    صندوق النقد يشيد بخطوات الإصلاح الاقتصادي في مصر (فيديو)    البورصة المصرية، تراجع جماعي للمؤشرات بمنتصف تعاملات اليوم    وزير الإسكان: مسئولو المدن الجديدة في جولات موسعة لمتابعة مشروعات رفع الكفاءة والتطوير والنظافة    توريد 57 ألف طن قمح لشون كفر الشيخ    الشرق السعودية: وفد من حماس يزور القاهرة غدًا لبحث مقترح وقف إطلاق النار الجديد    مصرع 20 شخصا في انفجار بقاعدة عسكرية بكمبوديا    على ارتفاع شاهق، بركان إيبو يثور في إندونيسيا    روسيا تعلن تدمير أكثر من 17 طائرة بدون طيار أوكرانية    مصادر فلسطينية : مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى    السفير الروسي بالقاهرة: مشروع الضبعة النووية رمزًا للصداقة بين موسكو والقاهرة    إعصار يودي بحياة 5 أشخاص ويصيب 33 آخرين في «قوانجتشو» الصينية    مباراة التتويج، الكشف عن تشكيل إنتر ميلان أمام أودينيزي بالدوري الإيطالي    إمام عاشور يقترب من قيادة خط وسط الأهلي أمام الإسماعيلي    ريال مدريد يتصدر جدول ترتيب الدوري الإسباني    المصري والداخلية.. مباراة القمة والقاع    حملات موسعة لرفع الإشغالات في أحياء وشوارع القاهرة    ضبط ميكانيكى سرق حقيبة مشغولات ذهبية فى الجيزة    جريمة الدارك ويب، قائمة الاتهامات للقاتل والمحرض على قتل طفل شبرا    ضبط ميكانيكي استولى على مشغولات ذهبية من داخل سيارة بالهرم    حالة الطقس المتوقعة غدًا الإثنين 29 أبريل 2024 | إنفوجراف    بالأسماء.. 24 مصابًا في حادث تصادم بصحراوي أسوان    احباط محاولة بيع كمية من الدقيق البلدي المدعم في السوق السوداء بقنا    الرئيس السيسى: مراكز البيانات والحوسبة السحابية تكلف مليارات الدولارات    6 متنافسين بينهم مصري وحيد، إعلان الفائز بجائزة البوكر العربية اليوم    بيت السناري يستضيف ندوة "25 أبريل يوم له تاريخ" احتفالا بعيد تحرير سيناء    مصطفى قمر مفاجأة حفل علي الحجار ضمن مشروع «100 سنة غنا» الليلة    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال؟.. "الإفتاء" تُجيب    نصائح ذهبية لطلاب الثانوية العامة لأداء الامتحانات بدون توتر (فيديو)    "الوثائقية " تعرض ندوة نادرة للفنان الراحل نور الشريف احتفاءًا بذكرى ميلاده    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    جدول عروض اليوم الرابع من مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    بدء التشغيل التجريبي لوحدة كلى الأطفال الجديدة بمستشفى أبوكبير المركزي    شكوك حول مشاركة ثنائي بايرن أمام ريال مدريد    تقييم صلاح أمام وست هام من الصحف الإنجليزية    وزير المالية: آخر فرصة للاستفادة من مبادرة سيارات المصريين بالخارج .. غداً    مطروح تستعد لامتحانات الترم الثاني.. غرف عمليات ومراعاة مواصفات الأسئلة    غدا.. «بلينكن» يزور السعودية لمناقشة وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن    بعد اتهامها بالزنا.. عبير الشرقاوى تدافع عن ميار الببلاوى وتهاجم محمد أبو بكر    لعدم الإحالة إلى لنيابة.. ماذا طلبت التموين من أصحاب المخابز السياحة؟    بطلوا تريندات وهمية.. مها الصغير ترد على شائعات انفصالها عن أحمد السقا    محاكمة المتهمين بقضية «طالبة العريش».. اليوم    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    رفض الاعتذار.. حسام غالي يكشف كواليس خلافه مع كوبر    فضل الصلاة على النبي.. أفضل الصيغ لها    هل مرض الكبد وراثي؟.. اتخذ الاحتياطات اللازمة    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    نصف تتويج.. عودة باريس بالتعادل لا تكفي لحسم اللقب ولكن    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقافة التسامح والسلام ودورها في بناء الاسرة..بحث ودراسة الدكتور عادل عامر
نشر في الزمان المصري يوم 18 - 04 - 2020

الملخص: تعد الأسرة الوحدة الاجتماعية الأولى التي ينشأ فيها الطفل ويتفاعل مع أفرادها، وبالتالي فهي تؤثر على النمو الشخصي في مراحله الأولى سابقة بذلك أي جماعة أخرى، حيث تعد المسؤولة عن بناء الشخصية الاجتماعية والثقافية للفرد، بل إن تأثيرها ينفذ إلى أعماق شخصية الفرد ويمسها في مجموعها.
وإذا كانت الأسرة هي النواة الأولى لعملية التنشئة الاجتماعية والتي تتولى تنشئة أطفالها أو أفرادها في مراحلهم العمرية المختلفة،
فإن نمط العلاقات الإنسانية القائم داخل هذه الأسرة هو الذي يحدد طبيعة القيم التي سيتشبع بها الفرد، من تعلم للتسلط والاتكالية والعجز والاعتماد على الآخرين، وسهولة الانقياد لضعف الشخصية، أو على طرف النقيض من ذلك من تعلم لقيم النقاش والحوار والتسامح وقبول الآخر، وقوة الشخصية والقدرة على الابتكار والإبداع، مما يجعل التساؤل مشروعا حول الدور الذي لعبته الأسرة في الوطن العربي في تقبل الآخر وعدم التسلط على أفكاره وقبول قيم التسامح
وعلية رأي الباحث أهمية تناول هذا الموضوع تشتمل الأسرة، بحكم بنيتها ووظائفها على نسق من العلاقات التي تقوم بين أفرادها.
وتعد العلاقة القائمة بين الأبوين المحور الأساسي لنسق العلاقات التي تقوم بين أفراد الأسرة، والمنطلق الأساسي لعملية التنشئة الاجتماعية؛ حيث تعكس العلاقة الأبوية ما يسمى "بالجو العاطفي" للأسرة والذي يؤثر تأثيراً كبيراً على عملية نمو الأطفال نفسيا ومعرفيا.
وتمثل العلاقة الأبوية نمطا سلوكيا لأفراد الأسرة. وهذا يعني أن الطفل يكتسب أنماطه السلوكية من خلال تمثل هذه العلاقات السلوكية القائمة بين أبويه.
إذا تم تسليط الأضواء على أن التسامح على الرغم من ميلاده داخل المجال والحقل الدلالي والتداوي الديني؛ أخذ بعدا آخر مع بروز ملامح الحداثة في القرن التاسع عشر يتزن بمسألة الحرية نتيجة حدوث مجموعة من الشروط الثقافية والسياسية تكللت بظهور دول القانون والمجتمع المدني وبروز العلمانية في ظل ثقافة فلسفية نقدية
تطورت بفعل التنوير وحملت جملة من القيم والأفكار الجديدة حول مفهوم العقل والحرية والمساواة والحقوق الطبيعية والفردانية والتقدم والفصل بين الديني والدنيوي، ويعتبر فوليتر فيلسوف التسامح بامتياز فقد قدم مجموعة من المؤلفات حول التسامح تركزت حول مفهوم القانون الطبيعي وحقوق الإنسان، واقتربت أفكاره من المعنى المعاصر للتسامح بالمعنى القانوني والحقوقي الذي تكلل بجملة من القوانين والإعلانات المواثيق الدولية حول حقوق الإنسان منذ الإعلان العالمي سنة 1948 والذي نص في مادته الثامنة عشر على أن لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين.
لقد أصبح مفهوم التسامح اليوم من أكثر المفاهيم حضوراً بعد الحوادث المفجعة التي مر بها العالم وقد تم عقد جملة من المؤتمرات واللقاءات والندوات في الآونة الأخيرة حيث تم إعلان سنة 1995 سنة دولية من اجل التسامح، وعهد لمنظمة اليونسكو بإعداد وثيقة إعلان مبادئ حول التسامح وأقيمت عدة لقاءات ومؤتمرات وندوات وقيام حملة إعلامية حول أشكال اللاتسامح الجديدة في العصر الحديث بهدف تعزيز التفكير الأخلاقي في سبيل تجنب الآثار السلبية للحداثة وانعكاساتها على الثقافات والمجتمعات المعاصرة.
وعلية فقد بينت نتائج الدراسة ان التسامح فيتمثل بالمرونة، والرقة، والحرية، واحترام الآخر، والتكافؤ والعدل والمساواة. ويطلق على الجانب الأول من العلاقات علاقات التسلط والقوة، وعلى الجانب الآخر العلاقات الديمقراطية.
ويكاد يجمع المربون اليوم على أن أسلوب الشدة لا يتوافق مع متطلبات النمو النفسي والانفعالي عند الأطفال، بل يؤدي في جملة ما يؤديه، إلى تكوين مركبات وعقد النقص، والضعف، والإحساس بالقصور، وإلى تنمية الروح الاستلابية الانهزامية عند الطفل.
واظهرت الدراسة إن علاقات التسلط والرضوخ المنتشرة في الحياة الاجتماعية العربية وروح الاتكالية تنعكس في نهاية المطاف على الحياة السياسية ذاتها فيصبح من الطبيعي للإنسان العربي أن يتقبل أي نظام تسلطي، حيث إن هذا هو ما تعود عليه طيلة حياته. ويصبح عنده إحساس بالعجز وعدم القدرة على المشاركة في اتخاذ القرارات، حيث إنه قد تعود على وجود من يتخذ له القرارات في جميع جوانب حياته الأخرى، ولذا فإنه يتقبل وجود من يتخذ له القرارات بالنيابة عنه في المجال السياسي، ويبدو هذا بوضوح في روح الإذعان والاتكالية السائدة في الثقافة السياسية العربية.
ولقد بينت الدراسات الجارية في هذا الميدان أن العلاقات الديمقراطية المتكاملة التي توجد داخل الأسرة تؤدي إلى تحقيق التوازن التربوي والتكامل النفسي في شخص الأطفال: كالجرأة، والثقة بالنفس، والميل إلى المبادرة، والروح النقدية، والإحساس بالمسؤولية، والقدرة على التكيف الاجتماعي.
وخلصت الدراسة الي ان اجماع الباحثون في مختلف الميادين على أهمية الدور الذي تلعبه الأسرة في حياة الناشئة والأطفال، وهم بذلك ينطلقون من الأهمية الخاصة لمرحلة الطفولة على المستوى البيولوجي والنفسي والاجتماعي.
وتؤثر الأسرة على بناء شخصية الطفل بفضل عاملين أساسيين هما: النمو الكبير الذي يحققه الطفل خلال سنواته الأولى جسدياً ونفسياً، ثم قضاء الطفل لمعظم وقته خلال سنواته الأولى في عملية التعليم.
في ضوء ذلك يري الباحث ان الأطفال، كما هو معروف، يتقمصون شخصية آبائهم، ويتمثلون سلوكهم، كنموذج تربوي بشكل شعوري أو لاشعوري، ويتحدد النمط السلوكي داخل الأسرة بتصورات الدور والمواقف، وسلوك الدور الذي يقوم به أفراد الأسرة.
ويلاحظ أن الأسرة تتضمن منظومة من الأدوار: كدور الأب، ودور الأم، ودور الزوجة، ودور الأخ، ودور الأخت، ودور المربية، وكل دور من هذه الأدوار يجري وفق تصورات قائمة في ثقافة المجتمع العامة أو في ثقافاته الفرعية.
وتشكل هذه الأدوار منظومة العلاقات التي تسود في وسط الأسرة. والتي تشكل بدورها محور التفاعل الاجتماعي والتربوي داخل الأسرة.
وتتباين العلاقات القائمة في إطار الأسرة الواحدة من حيث درجة الحرية، ودرجة الشدة. ويتمثل التصلب التربوي في استخدام الشدة والعنف في العلاقات الأسرية كالضرب، والشجار، والعقاب الشديد، والاستهتار والظلم، وغياب المرونة في إطار التعامل الأسري.
لهذا كان الهدف من الدراسة: اثبات ان عملية التنشئة الاجتماعية هي عملية تعلم وتعليم وتربية، وتقوم على التفاعل الاجتماعي إلى إكساب الإنسان في جميع مراحل نموه سلوكاً ومعايير واتجاهات مناسبة لأدوار اجتماعية معينة حتى يتمكن من مسايره جماعته والتوافق الاجتماعي معها وتكسبه الطابع الاجتماعي وتيسر له الاندماج في الحياة الاجتماعية العامة”. ويفترض أن التنشئة تتأثر مباشرة بعوامل من داخل أحد الأبوين (شخصيته) ومن الطفل نفسه (الصفات الفردية للطفل)
ومن البيئة الاجتماعية التي تتداخل فيها العلاقة بين الأبوين والطفل لاسيما العلاقة الزوجية، وشبكات العمل الاجتماعي، والتجارب الوظيفية للآباء. مرورا بالشارع أو الأصحاب وصولا إلى المدرسة بمفهومها الواسع (من المدرسة في المرحلة الابتدائية وصولا إلى الجامعة)، فعلى الرغم من أن عملية التنشئة الاجتماعية تشتد في مرحلة الطفولة، فمن الخطأ الاعتقاد في أنها عملية تتوقف عند هذه المرحلة، إنما تستمر هذه العملية في مرحلة المراهقة، وحتى في مرحلة البلوغ.
وتلقى دراسة جين بياجيه الضوء على الدور الذي تلعبه البيئة الخارجية على الأسرة مثل جماعة اللعب وأثره على الطفل. إذ تمد جماعات اللعب الطفل بأول فرصة لدمج معايير السلوك الاجتماعي بفضل نموذج العلاقات الشخصية المتبادلة المميزة لمثل هذه المواقف، ذلك لأن علاقة الطفل بالآخرين في نطاق الأسرة عبارة عن علاقة تبعية ودونية،
ولكن في نطاق جماعة اللعب تصطبغ هذه العلاقات بطابع التعاون والمساواة، ويعتبر امتثال الطفل في محيط الأسرة امتثالاً خارجياً وعادة ما ينظم من خلال سلطة البالغين.
ولكن الامتثال في محيط جماعة اللعب، على خلاف ذلك، يتحقق داخلياً عن القرار الحر للطفل بأن يطيع قواعد اللعب. فجماعة الأقران هي المحطة الثانية التي يتعلم منها الإنسان بعد الأسرة والمدرسة والتي تسمي بثقافة الأطفال.
المقدمة.
إن التسامح يعني الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية لدينا. ويتعزز هذا التسامح بالمعرفة والانفتاح والاتصال وحرية الفكر والضمير والمعتقد. وأنه الوئام في سياق الاختلاف،
وهو ليس واجبا أخلاقيا فحسب، وإنما هو واجب سياسي وقانوني أيضا، والتسامح، هو الفضيلة التي تيسر قيام السلام، يسهم في إحلال ثقافة السلام محل ثقافة الحرب، إن التسامح لا يعني المساواة أو التنازل أو التساهل بل التسامح هو قبل كل شيء اتخاذ موقف إيجابي فيه إقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية المعترف بها عالميا.
ولا يجوز بأي حال الاحتجاج بالتسامح لتبرير المساس بهذه القيم الأساسية. والتسامح ممارسة ينبغي أن يأخذ بها الأفراد والجماعات والدول. إن التسامح مسؤولية تشكل عماد حقوق الإنسان والتعددية (بما في ذلك التعددية الثقافية) والديمقراطية وحكم القانون.
وهو ينطوي على نبذ الدوغماتية والاستبدادية ويثبت المعايير التي تنص عليها الصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.
ويمكن القول ان أهمية مرحلة الطفولة المبكرة في حياة الإنسان على المستوى البيولوجي. ومن المعروف أن نمو الدماغ أثناء الطفولة يترافق بزيادة مرموقة في القدرات العقلية عند الأطفال. ويرجع فرويد، كما هو معروف، الأمراض النفسية من مخاوف واضطرابات، وعقد نفسية إلى مرحلة الطفولة المبكرة، وإلى الخبرات النفسية القاسية التي يعيشها الطفل في هذه المرحلة، فإذا وجد الطفل خلال هذه المرحلة في كنف الأسرة، فإن للأسرة دوراً حاسماً في تحديد شخصية الطفل، وتحديد مستوى نمائه وتكامله على مختلف المستويات الانفعالية والمعرفية والجسدية والاجتماعية.
إذا يواجه الوطن العربي الان أزمات ضمان العدل وتكافؤ الفرص وعدم التحيز والتمييز في التشريعات والإجراءات والمصادقة على الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان.
لا شك أن وجود قوانين معينة تحد من الحريات في أي دولة يجعل هامش الاهتمام بالقيم الإنسانية أقل، بحكم ردة الفعل تجاه الظلم الواقع نتيجة قلة الحريات. كما أن نظام الدولة السائد كالنظام الرأسمالي أو الاشتراكي أو الديني المحافظ، كلها قوانين تربي الفرد في المجتمع على طريقة معينة في التفكير وعلى نظام قيمي يخص ذلك النظام السائد في تلك الدولة. فمنها ما يحرض على العنف، ومنها ما يفكر في الطريقة المادية فحسب والاهتمام بالمصالح ومنها ما يفكر في الطريقة الإنسانية في التعامل بين الشعوب إلخ… وكذلك يقرر منظومة القيم في بعض الدول وقوعها تحت احتلال أو تحت تبعية دولة أخرى.
لذلك فان إشكالية الدراسة: التعصب هو ممارسة الاتجاه النفسي الجامد المشحون انفعالياً، أو ذلك الحكم المسبق الذي لا يقوم على سند منطقي ويحاول صاحبه تبريره ومن الصعب تعديله. والتعصب نقيض الديمقراطية وآفتها، لأنه شعور مرضي يفتك بالمجتمع ويدمر فيه روابط الألفة والمحبة والتعايش.
وفي كثير من فصولنا الدراسية وقاعاتنا الجامعية تشيع هذه الاتجاهات النفسية الجامدة والمشحونة انفعالياً، وكثيرا ما نروج أو نسمح بترويج أحكام مسبقة ضد أشخاص أو أفكار دون أن تقوم تلك الأحكام على حجة معقولة أو سند منطفي مقبول، وكثيرا ما يتعلم منا أطفالنا التعصب، بوعي منا أو في غفلة عنا، حين لا نبدي احتراماً لاختيارات تلاميذنا وأذواقهم، ونرفض تقبل الاختلافات، أو لا نخلق بطرقنا التعليمية وعلاقتنا بأطفالنا أجواء التسامح في فصولنا وقاعاتنا الدراسية.
والحق أن الديمقراطية تترعرع على الاختلاف، وحقيقة أن محك احترامنا للآخرين هو قابلية المرء لتقبل الاختلاف، واحترام الآخرين يعني احترام الاختلاف، حيث إن الآخرين ليسوا مثلنا، وتقبل الاختلاف الحقيقي هو امتحان لاحترام الآخرين. ولا يفهم من تربية الاختلاف تكويناً للفرد على أن يختلف بتفرده هو فقط، بل هي تربية على أن يقبل تفرده غيره واختلاف الآخرين معه، ويتفتح عليهم، ومدافعاً عن حقهم في الاختلاف.
وتأتي أهمية دراسة لأثبات عدم تعارض ممارسة التسامح مع احترام حقوق الإنسان، ولذلك فهي لا تعني تقبل الظلم الاجتماعي أو تخلي المرء عن معتقداته أو التهاون بشأنها. بل تعني أن المرء حر في التمسك بمعتقداته وأنه يقبل أن يتمسك الآخرون بمعتقداتهم.
والتسامح يعني الإقرار بأن البشر المختلفين بطبعهم في مظهرهم وأوضاعهم ولغاتهم وسلوكهم وقيمهم، لهم الحق في العيش بسلام وفي أن يطابق مظهرهم مخبرهم، وهي تعني أيضا أن آراء الفرد لا ينبغي أن تفرض على الغير.” فمن خلال هذه المادة يتضح ثراء المفهوم مما يجعل من الصعب تحديده في تعريف جامع مانع.
فإلى أي حد ساهمت التنشئة الاجتماعية بمختلف قنواتها في زرع قيم التسامح في الوطن العربي، ونبذ ثقافة الإرهاب والكراهية ؟، وإلى أي حد ساهمت التنشئة الاجتماعية في قبول التنوع الثقافي وقبول الآخر بعض النظر عن قناعاته الفكرية وانتمائه العقدي؟
وبتعبير آخر هل ساهمت قنوات التنشئة الاجتماعية من أسرة ومدرسة وإعلام في ترسيخ قيم التسامح في الوطن العربي والتنوع الثقافي؟ ام أن هذه القنوات ساهمت في تعميق هوة الاختلاف وزرع بوادر الفرقة ونبذ الآخر؟
مشكلة الدراسة تكمن أهمية هذه الدراسة كونها تعد من الدراسات التي تأخذ على عاتقها توجيه المؤسسة الاسرية والتربوية والإعلامية والعاملون فيها إلى الخروج من دائرة الاقتصار على نقل الأخبار والأحداث المتعلقة بالإرهاب والقتل والدمار التي أصبحت في الوقت الحاضر سلعة رائجة ورابحة في الوقت نفسه والتوجه نحو نشر مبادئ الثقافة الإسلامية المبنية على المساواة وعدم التفريق بين أبناء المجتمع الواحد،
لا شك أن الإعلام في الوقت الحاضر له أهمية متميزة وهو سلاح ذو حدين وغيرنا استفاد منه واستخدمه في نشر قيمه ومبادئه مما كان له الأثر البالغ في التأثير في نفوس المتلقين وسلوكياتهم، لاسيما بعد تقصير أو قصور المجتمع بعدم توظيف قوة هذه المؤسسة والاستفادة منها لاسيما في مجال تثقيف المجتمع على تبني أفكار التسامح والحوار السلمي المتمدن.
ان تناول مسألة الأسرة تلعب دورا أساسيا ومركزيا في نشر قيم التسامح والأمن الفكري، وذلك من خلال:
– التربية الفكرية الصالحة للأبناء، من خلال ترسيخ مبادئ الوسطية والاعتدال في معتقداتهم وأفعالهم وأقوالهم، وتنمية روح الانتماء والمواطنة لديهم في مراحل نموهم المختلفة.
– تحصين الأبناء ضد التأثُّر بدعاة الانحراف الفكري، وفي مواجهة ما يُبث من انحرافات فكرية وعقدية عبر وسائل الإعلام، ومراقبتهم للتعرف على توجهاتهم الفكرية من أجل تهذيبها في مرحلة مبكرة.
– تثقيف الأبناء أمنياً ليدركوا أهمية استتباب الأمن باعتباره مطلباً وحاجة إنسانية أولية، وتعريفهم بأخطار التكفير والإرهاب على الأمن الوطني بكل مقوماته.
– التعاون مع المؤسسات الدينية والتعليمية والأمنية، لتحقيق الأمن الفكري وفق الأهداف التي تنسجم مع الثوابت الدينية والوطنية.
وتتمحور مشكلة الدراسة: فالأطفال، كما هو معروف، يتقمصون شخصية آبائهم، ويتمثلون سلوكهم، كنموذج تربوي بشكل شعوري أو لا شعوري، ويتحدد النمط السلوكي داخل الأسرة بتصورات الدور والمواقف، وسلوك الدور الذي يقوم به أفراد الأسرة.
ويلاحظ أن الأسرة تتضمن منظومة من الأدوار: كدور الأب، ودور الأم، ودور الزوجة، ودور الأخ، ودور الأخت، ودور المربية، وكل دور من هذه الأدوار تجري وفق تصورات قائمة في ثقافة المجتمع العامة أو في ثقافاته الفرعية.
وتشكل هذه الأدوار منظومة العلاقات التي تسود في وسط الأسرة. والتي تشكل بدورها محور التفاعل الاجتماعي والتربوي داخل الأسرة.
وتتباين العلاقات القائمة في إطار الأسرة الواحدة من حيث درجة الحرية، ودرجة الشدة. ويتمثل التصلب التربوي في استخدام الشدة والعنف في العلاقات الأسرية كالضرب، والشجار، والعقاب الشديد، والاستهتار والظلم، وغياب المرونة في إطار التعامل الأسري.
إن الحياة الاجتماعية العربية مبنية في إطار سلسلة مترابطة من علاقات التسلط والرضوخ، بين الأب والأبناء، الأخوة والأخوات، الكبير والصغير، الرئيس والمرؤوس. وهكذا إلى أن تصل إلى العلاقة بين الحاكم والمحكومين.
ويمكن صياغة تساؤلات البحث في التالي:
دور الأسرة في ترسيخ ثقافة التسامح ونبذ الكراهية
دور الأسرة في التنشئة الاجتماعية
قصور الأسرة على زرع قيم التسامح والحوار في الوطن العربي
دور المدرسة في احترام التعدد الثقافي كمؤشر للتسامح
أهمية البحث: وإذا كانت الأسرة هي النواة الأولى لعملية التنشئة الاجتماعية والتي تتولى تنشئة أطفالها أو أفرادها في مراحلهم العمرية المختلفة، فإن نمط العلاقات الإنسانية القائم داخل هذه الأسرة هو الذي يحدد طبيعة القيم التي سيتشبع بها الفرد،
من تعلم للتسلط والاتكالية والعجز والاعتماد على الآخرين، وسهولة الانقياد لضعف الشخصية، أو على طرف النقيض من ذلك من تعلم لقيم النقاش والحوار والتسامح وقبول الآخر، وقوة الشخصية والقدرة على الابتكار والإبداع، مما يجعل التساؤل مشروعا حول الدور الذي لعبته الأسرة في الوطن العربي في تقبل الآخر وعدم التسلط على أفكاره وقبول قيم التسامح.
ومن ثم فأن أهمية الدراسة الراهنة تكمن في انها تسلط الضوء على موضوع يعد من اهم المواضيع التي تغيب عن الباحثين في الأقطار العربية ومن ثم فأن الدراسة الراهنة تسلط الضوء على إن علاقات التسلط والرضوخ المنتشرة في الحياة الاجتماعية العربية وروح الإذعان والاتكالية تنعكس في نهاية المطاف على الحياة السياسية ذاتها فيصبح من الطبيعي للإنسان العربي أن يتقبل أي نظام تسلطي، حيث أن هذا هو ما تعود عليه طيلة حياته.
ويصبح عنده إحساس بالعجز وعدم القدرة على المشاركة في اتخاذ القرارات، حيث أنه قد تعود على وجود من يتخذ له القرارات في جميع جوانب حياته الأخرى ولذا فإنه يتقبل وجود من يتخذ له القرارات بالنيابة عنه في المجال السياسي، ويبدو هذا بوضوح في روح الإذعان والاتكالية السائدة في الثقافة السياسية العربية، روح الإذعان للسلطة والإحساس بعدم القدرة على تغييرها، روح الاتكالية على الغير (الطبيعة والبطل المنقذ)
لتخليص المواطن العربي من عسف السلطة وتسلطها. إن روح الاتكالية هذه تنعكس بجلاء في كثير من الأمثال الشعبية العربية التي تعبر عن إحساس المواطن العربي بالكره تجاه رموز السلطة المختلفة وعلى اتكاله على قوى خارجية لتخليصه منها كذلك تنعكس روح الاتكالية هذه من خلال اعتماد المواطن العربي على البطل الأسطوري وعلى الزعيم المنقذ لتخليصه من الاستعباد والسيطرة،
ولذا تنتشر في الثقافة السياسية العربية ظاهرة الاعتماد على الشخصية الملهمة للزعيم البطل لإنقاذ المواطن مما يعيش فيه من تعسف وظلم وتسلط.
لذلك يمكن تعريف التنشئة الاجتماعية على أنها منظومة العمليات التي يعتمدها المجتمع في نقل ثقافته بما تنطوي عليه من مفاهيم وقيم وعادات وتقاليد إلى أفراده، وهناك من يمزج بين مفهومي التنشئة الاجتماعية ومفهوم التنشئة الثقافية حيث ينشأ الفرد داخل إطار الثقافة ويغرس القيم الثقافية للمحيط الذي ينتمي إليه،
فتنتقل إليه الخبرات من جيل الآباء إلى جيل الأبناء. تعتبر الأسرة هي الوحدة الاجتماعية الأولى التي ينشأ فيها الطفل ويتفاعل مع أفرادها، وبالتالي فهي تؤثر على النمو الشخصي في مراحله الأولى سابقة بذلك أي جماعة أخرى حيث تعد المسؤولة عن بناء الشخصية الاجتماعية والثقافية للفرد، بل أن تأثيرها ينفذ إلى أعماق شخصية الفرد ويمسها في مجموعها.
تأتي أهمية البحث في تحقيق الأهداف التالية:
التربية الفكرية الصالحة للأبناء، من خلال ترسيخ مبادئ الوسطية والاعتدال في معتقداتهم وأفعالهم وأقوالهم، وتنمية روح الانتماء والمواطنة لديهم في مراحل نموهم المختلفة.
تحصين الأبناء ضد التأثُّر بدعاة الانحراف الفكري، وفي مواجهة ما يُبث من انحرافات فكرية وعقدية عبر وسائل الإعلام، ومراقبتهم للتعرف على توجهاتهم الفكرية من أجل تهذيبها في مرحلة مبكرة.
تثقيف الأبناء أمنياً ليدركوا أهمية استتباب الأمن باعتباره مطلباً وحاجة إنسانية أولية، وتعريفهم بأخطار التكفير والإرهاب على الأمن الوطني بكل مقوماته.
التعاون مع المؤسسات الدينية والتعليمية والأمنية، لتحقيق الأمن الفكري وفق الأهداف التي تنسجم مع الثوابت الدينية والوطنية.
تثقيف الأبناء سياسياً وتعريفهم بالضوابط الشرعية التي تنظم علاقة الحاكم بالمحكوم، وتوعيتهم بحقوق غير المسلمين في المجتمع المسلم.
فرضيات الدراسة: تنطلق الدراسة الراهنة من فرضية رئيسية هي: إن البحث عن العيش المشترك في ظل تعددية يبقى رهانا صعبا، على اعتبار أن الجميع يجب أن يجد ضالته، في حين أنه من المستحيل معرفة كيف يمكن لوجهة نظر فلسفية أو دينية أن تجد نصيبها في ظل هذه التعددية.
وفرضية فرعية وما هو السبيل لشخص ينتمي إلى أقلية إثنية أو دينية أو عرقية أن يجد حقه العادل من الحديث والدراسة والكلام.
منهجية البحث: من الأهمية بمكان: ان تستند البحوث والدراسات الي القواعد النظرية العملية التي تساعد الباحث علي توجيه بحثه الي الأسباب التوضيحية والعوامل المفسرة ل (موضوع البحث) كما هي في دراستنا الراهنة: المنهج الاستدلالي أو الاستنباطي: وفيه يربط العقل بين المقدمات والنتائج، أو بين الأشياء وعللها، على أساس المنطق العقلي، والتأمل الذهني، فهو يبدأ بالكليات ليصل منها إلى الجزئيات.
الفصل الأول: الاسرة التنشئة الاجتماعية
تشتمل الأسرة، بحكم بنيتها ووظائفها على نسق من العلاقات التي تقوم بين أفرادها. وتعد العلاقة القائمة بين الأبوين المحور الأساسي لنسق العلاقات التي تقوم بين أفراد الأسرة، والمنطلق الأساسي لعملية التنشئة الاجتماعية.
حيث تعكس العلاقة الأبوية ما يسمى “بالجو العاطفي” للأسرة والذي يؤثر تأثيراً كبيراً على عملية نمو الأطفال نفسيا ومعرفيا. وتمثل العلاقة الأبوية نمطا سلوكيا لأفراد الأسرة. وهذا يعني أن الطفل يكتسب أنماطه السلوكية من خلال تمثل هذه العلاقات السلوكية القائمة بين أبويه.
أما التسامح فيتمثل بالمرونة، والرقة، والحرية، واحترام الآخر، والتكافؤ والعدل والمساواة. ويطلق على الجانب الأول من العلاقات علاقات التسلط والقوة، وعلى الجانب الآخر العلاقات الديمقراطية. ويكاد يجمع المربون اليوم بأن أسلوب الشدة لا يتوافق مع متطلبات النمو النفسي والانفعالي عند الأطفال، بل يؤدي في جملة ما يؤديه، إلى تكوين مركبات وعقد النقص، والضعف، والإحساس بالقصور، وإلى تنمية الروح الاستلابية الانهزامية عند الطفل. وعندما تلجأ الأسرة إلى أسلوب الشدة فإنها تمارس دوراً سلبياً يتناقض مع مبدأ خفض التوتر النفسي الدائم عند الأطفال.
ويؤدي أسلوب الشدة، في جملة ما يؤديه أيضا، إلى تحقيق مبدأ الاغتراب النفسي الانفعالي عند الأطفال. ولقد بينت الدراسات الجارية في هذا الميدان أن العلاقات الديمقراطية المتكاملة التي توجد داخل الأسرة تؤدي إلى تحقيق التوازن التربوي والتكامل النفسي في شخص الأطفال: كالجرأة، والثقة بالنفس، والميل إلى المبادرة، والروح النقدية، والإحساس بالمسؤولية، والقدرة على التكيف الاجتماعي، كما حث الإسلام على العلاقة المتبادلة بين الأب والأبناء كما قال: علي بن أبي طالب (علموا أبناءكم غير ما تعلمتم فقد خلقوا لزمان غير زمانكم).
ومن الدراسات التي أجريت في هذا المجال دراسة ” بلودوين التي تناول فيها أثر المعاملة الديمقراطية المنزلية على سلوك 17 طفلاً، حيث وجد أن ديمقراطية البيت تخرج أطفالاً نشيطين هجوميين، غير هيابين، مخططين، فضوليين خوارج ميالين إلى التزعم، وعلى خلاف ذلك وجد أن الأطفال الذين يأتون من أسر متسلطة ميالون إلى الهدوء، غير هجوميين، محدودي الفضول قليلي الأصالة، وضعاف الخيال”.
كما تتفق نتائج دراسات عديدة على أن الأطفال الذين ينتمون لأسر ديمقراطية يتميزون عن الأطفال الذين ينتمون لأسر متسلطة بأنهم:
-أكبر اعتماداً على الذات وميلاً إلى الاستقلال وروح المبادرة.
-أكثر قدرة على الانهماك في نشاط عقلي تحت ظروف صعبة. أكثر تعاوناً مع الأطفال الآخرين
-أكثر اتصافاً بالود وأقل اتصافاً بالسلوك العدواني.
-أكثر تلقائية وأصالة وابتكاراً.
كما أن الأسرة تلعب دورا أساسيا ومركزيا في نشر قيم التسامح والأمن الفكري وذلك من خلال:
يعتبر التسامح في المجتمعات المتعددة الثقافة، قيمة مركزية بالنسبة لاختيار الهوية والانتماء الثقافي، غير أنه في بعض المجتمعات، يرفض الأهل، في الإطار الاجتماعي أن يندمج أطفالهم في وسط ثقافي متنوع،
مما يجعل التساؤل مشروعا خول مدى احترام التعدد الثقافي في المدرسة عندما تحاول المدرسة التنشئة على قيم المواطنة والتعدد الثقافي؟ وإلى أي حد تساهم المدرسة في اختيار المشروع المجتمعي؟
1. المدرسة والتعدد الثقافي
إن القيم الأساسية في الأنظمة الديمقراطية تكون موضوع توافق، خصوصا تلك المرتبطة بحقوق الإنسان، باعتبارها لبنة أساسية في المجتمع، فالتأكيد على احترام تعليم القيم المشتركة يجب تأكيده لدى الأجيال الجديدة، فمن الآن فصاعدا يجب الأخذ بعين الاعتبار التعدد الذي يميز المجتمعات العربية التي تعرف هجرة (دول الخليج على سبيل المثال، أو التعدد الثقافي والاثني واللغوي (دول شمال إفريقيا)،
مما يجعل التساؤل حول مدى ملائمة الأنظمة التربوية التي نتبناها مشروعا، وكيف يمكن أن تصبح هذه القيم أساس توافق اجتماعي، وهل يمكن أن يؤدي هذا التعدد إلى منظومة تربوية تحترم تعدد انتماء الأطفال؟
2-يعتبر التسامح القيمة الأساس التي يجب مراعاتها وتعلمها في المدرسة، الأمر الذي يدعو إلى نوع من التفكير في مبادئ جديد لمضمون العملية التربوية، تأخذ بعين الاعتبار التعدد الثقافي واللغوي والعرقي. وتدفع الفاعل السياسي إلى التفكير النقدي وإرساء ثقافة الحوار.
ومن وجهة نظر الطفل فالسؤال الذي يطرح هو إلى أي خد يستطيع الآباء تربية أبناؤهم وفقا لمعتقداتهم وقيمهم مع احترام حقهم في الحفاظ على الاختيار كالحق في اختيار نمط حياة جيد كيفما كان.
3- إن تهيئ الطفل إلى قبول التعدد والاختلاف وسيلة أساسية في المناهج التعليمية ليقبل التسامح، ومن هذه الزاوية حرصت النصوص الدولية على تكريس هذا المبدأ، حيث الفقرة الأولى من المادة 13 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل على أن : ” من حق الطفل حرية التعبير، يحتوي هذا الحق على تلقي الأجوبة والمعلومات والأفكار كيفما كان نوعها، دون أخذ بعين الاعتبار الحدود، كتابة أو شفاهيا أو مطبوعة أو فنيا أو عبر أي وسيلة من اختيار الطفل” ، وتبعا لذلك فالدول التي تعترف بحق الطفل يجب عليها تدريجيا ضمان هذا الحق على أساس التساوي في الحظوظ”
ويمكن أن نخلص في سياق هذه الاختلافات بين أصحاب النوايا الحسنة إلى مجال مشترك، ففي العائلة الواحدة توزيع الحصص لا يثير مشاكل وجدالات غير منتهية، وتبعا لذلك فليس من الضرورة أن يتم تدريس جميع الديانات وجميع وجهات النظر الفلسفية والدينية، فالتعددية بهذا المعنى تبقى مجردة وغير قابلة للتطبيق في المدرسة،
ويبقى أن يتم إعطاء أهمية كبرى لوجهات النظر الكبرى الأكثر تمثيلية، مع إعطاء حق التعبير لوجهات النظر الأخرى، فإذا وجدت في مدرسة أقلية مسيحية وأغلبية مسلمة يحب يجب إعطاء حق التعبير للأقلية المسيحية، والعكس صحيح، حتى يتم قبول الآخر. كما إذا وجدت أقلية أمازيغية وأغلبية عربية،
فيجب أن تجد هذه الأقلية هويتها في البرامج التعليمية، غير أن الإشكال الذي يمكن طرحة على هذا المستوى، هل يمكن تصور تعددية في المدرسة لتربية الأطفال الأصغر سنا، يوصي أصحاب هذا الرأي بأن التعددية يجب أن تكون للمراهقين والراشدين، أما التعددية للأطفال فستكون هادمة من شانها أن تؤدي إلى جيل بدون انتماء أو هوية.
3-أي دور للمدرسة في اختيار مشروع المجتمع
إن وجود مدرسة متنوعة ومتعددة لا تحل المشكل السوسيو السياسي المرتبط بالتعليم، فيمكن للتعددية أن تسمح بتطوير سياسة مدرسية تسمح بتجاوز التقاسمات الدينية والاجتماعية، لكن يمكن أن تثير كذلك تقاسمات بين الطبقات الاجتماعية ذات القيم المتنوعة،
فبالرغم من أن هذه القيم تتأسس على تعددية فلسفية ودينية بعيدا عن مدارس نخبوية أو متطرفة، وليس بالضرورة أن تقرر الدولة شكل خاصا لهذه المدارس، حيث تراجع دورها مع انتهاء مرحلة الدولة التدخلية،
لتترك المجال للمبادرات الفردية لنصل إلى تصور نيوليبرالي للمدرسة، ويقتصر دور الدولة على تحديد السياسات العامة، لكن سياسة مدرسية يعني بالضرورة أن المدرسة مشكل سياسي من الصعب تجاوزه، وتبني أي سياسة يعني الحد من الحريات الفردية، وفي مجتمع مليء باللامساواة، يهدف إلى الدفاع عن جميع الحريات الفردية، ينتهي بالانتصار لفائدة فئة أو أقلية في تجاذب بين القوة والضعف.
إن المشاكل التي يطرحها تهيئ الأطفال إلى التعدد، باعتباره أساسيا لتعلم التسامح، ليس فقط باعتباره مفتاح أي علاقة مع الآخر مستقبلا، ولكن من أجل التكوين الشخصي والتكوين على المواطنة، هي متشابهة عندما تحاول المدرسة تطوير الحس النقدي لدى الطفل،
وبتعبير اخر محاولة تعليم الطفل قيم الديمقراطية واحترام الاخر بالرغم من أنه يشكل أقلية.
فالمدرسة هي مجال للاختيار وتقوية الحس النقدي والإبداعي لدى الطفل، وليس لتعلم جميع الأفكار والنظريات حتى في المجتمعات الديمقراطية، ففي ظل هذه الأخيرة فأن التعبير السائد بأن جميع الآراء تحترم غير صحيحة،
فما يتم هو التعبير عن الآراء والأفكار والدفاع عنها والتصويت لها أو ضدها، فالجميع يتمتع بنفس الضمانات الحمائية، غير أنه لا يعني هذا أن جميع الأفكار يتم احترامها إذا كان المقصود هنا قبول الآراء بدون نقدها أو رفضها. ففي الديمقراطية جميع الأشخاص يتم احترامهم على قدم المساواة ولكن ليس جميع الآراء.
إن المشروع المجتمعي الذي يجب أن تراهن عليه المدرسة هو مشروع يهدف إلى ترسيخ حق الاختلاف في الناشئة، وليس اختلاف الحقوق، وهذه النظرة للتسامح تتطلب تعلم نسبية قبول بعض الثقافات والمعتقدات،
فيمكن ممارستها والتعايش معها شريطة أن لا تتعارض مع القوانين أو حقوق الإنسان، وأن تكون لدى الناشئة القدرة على قبول رفض الآخر لأفكارهم ومعتقداتهم. فأن يكون الإنسان متسامحا يعني القدرة على العيش مع الذين ننتقدهم ومع الذين ينتقدوننا.
4-تأثير وسائل الإعلام في التنشئة الاجتماعية
إن دور المؤسسة الإعلامية لا يقلّ قيمة عن دور المؤسسة التربوية في التنشئة الاجتماعية للفرد، إلى جانب المؤسسة العائلية. كما أن الوقت الذي يقضيه الطفل أو الشاب في تعامله مع وسائل الإعلام لا يقلّ أهمية عن الوقت الذي يقضيه في المدرسة.
وتساهم وسائل الإعلام في ضمان ديمقراطية المعرفة مثلما ترنو إليه المدرسة العصريّة بل إنّ الوسائل الإعلامية السمعيّة البصريّة تؤدي وظيفة ثقافيّة وتربويّة حتى بالنسبة إلى من يجهل الكتابة والقراءة ولمن لم يتعلّم في المدرسة، كما أن التعلّم عبر وسائل الإعلام يقوم في جوهره على ترابط عضوي بين التعلّم والترويح عن النفس. فإلى أي حد يساهم الإعلام في ترسيخ قيم التسامح وقبول الآخر؟
إن وسائل الإعلام تعتبر من المصادر الأساسية للمعلومة، والتي يبني عليها الفرد مواقفه، وتقوم عليها اتجاهات الجماعات حيال الأحداث الجارية، سواء بالقبول أو الرفض، حيث تتولى وسائل الإعلام الدور الملموس في تشكيل موقف الجمهور المتلقي من القضايا المطروحة على الساحة المحلية والدولية.
ولا يتوقف تغيير الاتجاه والموقف على القضايا العامّة أو الأحداث المثارة، بل يمتد إلى القيم وأنماط السلوك، فقد يحدث أن يتقبل المجتمع قيماً كانت مرفوضة قبل أن تحملها الرسالة الإعلامية، أو يرفض قيماً كانت سائدة ومقبولة مستبدلاً بها قيماً جديدة.
إن الإعلام هو عامل مؤثر في عملية التحول من خلال ما يقدمه من معلومات قد تكون إيجابية (المطلب الأول) أو سلبية على المستقبل للمادة الإعلامية (المطلب الثاني)
1. التأثير الإيجابي لوسائل الإعلام في التنشئة الاجتماعية
جاءت ثورة الاتصال لتجعل من وسائل الإعلام شريكاً فاعلاً يسهم بقدر كبير في عملية التنشئة الاجتماعية والعملية التربوية، بجانب الأسرة والمدرسة والنادي والمسجد ومراكز التوجيه والتوعية، وتظهر فاعلية وسائل الإعلام في قدرتها على التحرك، حيث يوجد المستقبِل أو الجمهور المستهدف في بيته أو مكتبه أو أي مكان يتجه إليه، تخاطب الكبير والصغير والمرأة والرجل، واحتلت لنفسها مكاناً في كافة ميادين الفكر والتأثير، من ثقافة وترويح وتسلية وتوجيه، وفق أساليب مستحدثة وتقنيات عالية،
مما يجعل الإنسان يُسلم عقله وعاطفته لجاذبية الوسيلة الإعلامية وبرامجها، لتقوم بدور الأب والمعلم، بل وأحياناً بدور الإفتاء والإرشاد، دون أن يدرك المتلقي أن ما تحمله الرسائل الإعلامية اليوم مشحون بقيم صاحب الرسالة يسعى لإحلالها محل القيم القائمة إذا كانت هذه القيم القائمة تتعارض مع أهدافه ومراجعه
تشير الدراسات العلمية في هذا الصدد إلى أن أجهزة الإعلام تلقي بظلالها على الطفل المعاصر إيجاباً أو سلباً، حتى أنه يصعب عليه أن يفلت من آثارها، فهي تحيط به إحاطة السوار بالمعصم وتحاصره من مختلف الجهات، وبمختلف اللغات، ليلاً ونهاراً…وتحاول أن ترسم له طريقاً جديداً لحياته، وأسلوباً معاصراً لنشاطه وعلاقاته، ومن ثم فهي قادرة على الإسهام بفاعلية في تثقيفه وتعليمه، وتوجيهه، والأخذ بيده إلى آفاق الحياة الرحبة.
وتأتي وسائل الإعلام المعاصرة في مقدمة قنوات الاتصال التي ترفد الطفل بالأفكار والمعلومات والأنباء وتحقق له التسلية والمتعة، ولو لم يَسْعَ الطفل إلى وسائل الإعلام فإن هذه الوسائل سوف تسعى هي إليه لتقدم له ما يدور حوله من أحداث،
وما أفرزته الأدمغة البشرية من اكتشافات ومعارف، لاسيما بعد أن فرضت التقنيات المعاصرة وثورة المعلومات نفسها عليه، فأصبح طفل اليوم أسيراً لهذه الوسائل تحاصره في كل وقت وفي كل زمان، فلا يستطيع الفكاك منها أو الحياة بدونها.
فالتلفزيون له آثاراً إيجابية لعل من أبرزها دوره في زيادة مدركات المشاهد خاصة الأطفال أو الشباب حيث يتعرف هؤلاء على كم كبير من المعلومات والأفكار و الآراء مما يوسع من إدراكهم، فالفضائيات تقدم كثيراً من المعلومات التي يمكن الاستفادة منها بل استخدامها في العملية التربوية، هذا إضافة إلى أن مشاهدة التلفزيون تزيد من قدرة الأطفال على التذكر و الاستيعاب و تنمي لديهم الخيال و الابتكار كما تسهم في بناء شخصيتهم من خلال إعطائهم حرية الاختيار و الرقابة ا لذاتية
و تعزز لديهم الاستقلالية و القدرة على إبداء الرأي و الرغبة في الحوار من خلال محاكاة ما يقدم في التلفزيون. أما تأثيره الإيجابي على المؤسسة التعليمية فإنه يختصر لها كثيراً مما تقدمه، فالبرامج التعليمية والتربوية التي تقدمها بعض الفضائيات يمكن أن تكون مصدراً معرفياً جيداً للعاملين والمؤسسة التعليمية،
كما يمكن الاستفادة من المادة العلمية في العملية التعليمية واعتبار بعض البرامج العلمية و التربوية مرجعاً مفيداً للأساتذة و الطلبة على السواء، لكن ذلك كله مرتبط بحسن استخدام ما تقدمه الفضائيات، و بحسن التوجيه لمتلقي الرسالة الإعلامية.
2. التأثير السلبي لوسائل الإعلام على التنشئة الاجتماعية
إن واقع الإعلام العربي أصبح غير قادر على إعطاء الصورة الحقيقية للمجتمع وتقاليده وأعرافه وخصوصيته وتعدده الثقافي واللغوي والديني، فالغزو الإعلامي وهذا الفيض الهائل من برامج الإعلام الوافدة يسانده إعلام داخلي يسير على نهجه ويقتفي آثاره. وسيكون ذلك سبباً من أسباب العديد من المظاهر السالبة في المجتمع بما يعززه من سلوك خاطئ نشير إلى بعض مظاهره:
أ/ سلوك منحرف لدى الأطفال والشباب والمراهقين؛ حيث توصلت بعض الدراسات إلى أن المشاهدة المتكررة لأفلام العنف والعدوان تقود إلى السلوك العدواني ولا شك أنه قد تكون هناك أسباب أخرى لمثل هذا السلوك ولكن المشاهدة والمداومة على مثل هذه الأفلام يعزز وينمي الدوافع الأخرى للانحراف.
ب/ التأثير على تكوين الصورة الذهنية لدى المشاهدين؛ حيث أن لوسائل الإعلام المرئية بصفة خاصة دورها الواضح في تكوين الصورة الذهنية عند الأفراد عن الدول والمواقف والأحداث، بل تؤثر على الطريقة التي يدرك بها الناس الأمور وطريقة التفكير، وبهذا فإن البرامج المنحرفة إنما تقود إلى تصورات منحرفة عن الحياة والمجتمع وعن الأشخاص والقيادات والموجهين.
ج/ إن التركيز على أفلام العنف وأحداث الإجرام إنما تقود المراهقين من الشباب وغيرهم إلى تطبيع علاقاتهم بالسلوك الإجرامي، على اعتبار أنه أمر ميسور واعتيادي، وبالتالي فإن من يقوم عليه ليس شاذاً، بل قد يكون مغامراً بطلاً يستحق الإعجاب.
د/ دخول الأطفال عالم الكبار قبل الأوان دون أن تتوفر لهم الخبرة المطلوبة؛ فقد أثبتت الدراسات أن برامج التلفاز تتيح للأطفال أساليب للتعامل ما كانوا يدركونها أو يمارسونها مثل عمليات الهروب خارج الحدود، المخدرات، القتل والاعتداء، أساليب التحايل والكذب، فيعيش الطفل عالماً غير عالمه وعمراً غير عمره.
ه/ بروز النزعة الاستهلاكية في المجتمع، على حساب الاجتهاد الإنتاجي نتيجة لإعلانات التلفاز ومظاهر الترف والبذخ، وتعويد الناس على عادات السلوك الشرائي، والتطلع إلى ما هو فوق القدرات المالية والاقتصادية.
و/ ضعف العلاقات مع الجماعات الأولية: الأسرة، المدرسة، الدولة، لانعزال وحصر المشاهد مع واقع جديد، بما يضعف فرص التعامل الاجتماعي والأسري.
ز/ تنمية الروح السلبية في التلقي والتعليم واكتساب المهارات عن طريق الممارسة؛ حيث يتعود المشاهد سهولة التحصيل دون ممارسة أو جهد أو تجربة للمعلومة أو المهارات، مكتفياً بما يقدمه الجهاز الإعلامي من حلول أو نتائج. وفي مجال هذا التباين، ينظر الفلاسفة إلى التنشئة الاجتماعية بوصفها عملية تحويل الإنسان الفرد إلى كائن اجتماعي في مسار النشوء النوعي البيولوجي. بينما يرى علماء الاجتماع أنها عملية يتم فيها التواصل الاجتماعي والثقافي لحياة الناس الاجتماعية. ويركز علماء النفس على الجوانب النفسية والقابليات الأساسية للتعلم عند الأطفال والناشئة، التي تمكنهم من تشرب القيم والمعايير الثقافية القائمة في المجتمع. وعلى خلاف ذلك ينظر التربويون إلى التنشئة الاجتماعية بوصفها عمليات تهييئ الأجيال الجديدة للقيام بالوظائف الأساسية في الحياة الاجتماعية.
يجمع الباحثون في مختلف الميادين على أهمية الدور الذي تلعبه الأسرة في حياة الناشئة والأطفال، وهم بذلك ينطلقون من الأهمية الخاصة لمرحلة الطفولة على المستوى البيولوجي والنفسي والاجتماعي. وتؤثر الأسرة على بناء شخصية الطفل بفضل عاملين أساسيين هما: النمو الكبير الذي يحققه الطفل خلال سنواته الأولى جسدياً ونفسياً، ثم قضاء الطفل لمعظم وقته خلال سنواته الأولى في عملية التعليم .
ويشير بلوم في هذا الصدد أن الطفل يكتسب 33% من معارفه وخبراته ومهاراته في السادسة من العمر، ويحقق 75% من خبراته في الثالثة عشرة من عمره. ويصل هذا للاكتساب إلى أتمه في الثامنة عشرة من العمر. ويشير علماء البيولوجيا أيضاً أن دماغ الطفل يصل إلى 90% من وزنه في السنة الخامسة من العمر، وإلى أن 95% من وزنه في العاشرة من العمر، ويؤكد غلين دومان أن 89% من حجم الدماغ الطبيعي ينمو خلال السنوات الخمس الأولى.
وهذا من شأنه أن يؤكد أهمية مرحلة الطفولة المبكرة في حياة الإنسان على المستوى البيولوجي ومن المعروف أن نمو الدماغ أثناء الطفولة يترافق بزيادة مرموقة في القدرات العقلية عند الأطفال. ويرجع فرويد، كما هو معروف، الأمراض النفسية من مخاوف واضطرابات، وعقد نفسية إلى مرحلة الطفولة المبكرة، وإلى الخبرات النفسية القاسية التي يعيشها الطفل في هذه المرحلة،
فإذا وجد الطفل خلال هذه المرحلة في كنف الأسرة، فإن للأسرة دوراً حاسماً في تحديد شخصية الطفل، وتحديد مستوى نمائه وتكامله على مختلف المستويات الانفعالية والمعرفية والجسدية والاجتماعية.
الفصل الثاني: دور المؤسسات التربوية في تربية الفرد والمجتمع
من المعروف أن التربية نشاط أو عملية اجتماعية هادفة، وأنها تستمد مادتها من المجتمع الذي توجد فيه، إذ إنها رهينة المجتمع بكل ما فيه ومن فيه عوامل ومؤثرات وقوى وأفراد، وأنها تستمر مع الإنسان منذ أن يولد وحتى يموت؛ لذلك فقد كان من أهم وظائفها إعداد الإنسان للحياة، والعمل على تحقيق تفاعله وتكيفه المطلوب مع مجتمعه الذي يعيش فيه فيؤثر فيه ويتأثر به.
ولأن هذا التأثر والتأثير لا يُمكن أن يحصل إلا من خلال المؤسسات الاجتماعية المتنوعة التي تتولى مهمة تنظيم علاقة الإنسان بغيره، وتعمل على تحقيق انسجامه المطلوب مع ما يحيط به من كائنات ومكونات؛ فإن العملية التربوية مستمرة مع الإنسان منذ أن يولد وحتى يموت؛ وتتم من خلال المؤسسات التربوية الاجتماعية التي تتولى مهمة تربية الإنسان، وتكيفه مع مجتمعه، وتنمية وعيه الإيجابي، وإعداده للحياة فيه. وتعد هذه المؤسسات التربوية بمثابة الأوساط أو التنظيمات التي تسعى المجتمعات لإيجادها تبعاً لظروف المكان والزمان، حتى تنقل من خلالها ثقافاتها، وتطور حضاراتها، وتحقق أهدافها وغاياتها التربوية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن المؤسسات التربوية لا تكون على نمطٍ واحدٍ، أو كيفية واحدة طول حياة الإنسان، إذ إنها متعددة الأشكال، مختلفة الأنماط، وتختلف باختلاف مراحل عمر الإنسان، وظروف مجتمعه، وبيئته المكانية والزمانية والمعيشية، وما فيها ن عوامل وقوى. كما تختلف باختلاف نوعية النشاط الذي يتم ممارسته فيها.
وهنا يمكن تعريف المؤسسات التربوية بأنها تلك البيئات أو الأوساط التي تساعد الإنسان على النمو الشامل لمختلف جوانب شخصيته، والتفاعل مع من حوله من الكائنات، والتكيف مع من ما حوله من مكونات.
ويأتي من أبرز وأهم هذه المؤسسات التربوية في المجتمع الأسرة والمدرسة وجماعة الرفاق إلى جانب المسجد ووسائل الإعلام والأندية وأماكن العمل ونحوها من المؤسسات المختلفة التي تؤثر على تربية الإنسان سواءً كان ذلك التأثير بطريفة مباشرة أو غير مباشرة.
ومعنى هذا أن تربية الإنسان لا يمكن أن تتم إلا من خلال بعض المؤسسات أو الوسائط الاجتماعية المختلفة. ونظراً لكثرة المؤسسات وتنوعها واختلاف أشكالها وأنماطها؛ فقد عرف المجتمع المسلم عبر تاريخه الطويل عدداً من هذه المؤسسات الاجتماعية التربوية والتعليمية المختلفة التي كانت تناجاً طبيعياً للعديد من المطالب والتحديات والتغيرات الحضارية التي طرأت بين حين وآخر على العالم الإسلامي. بل إن كل مؤسسة من المؤسسات التربوية التي عرفت في الإسلام إنما نشأت استجابة لحاجة وظروف اجتماعية معينة.
ويأتي من أبرز هذه المؤسسات التربوية والتعليمية ما يلي:
1-الأُسرة (المنزل): وهي الخلية الأولى التي يتكون منها نسيج المجتمع، كما أنها الوسط الطبيعي الذي يتعهد الإنسان بالرعاية والعناية منذ سنوات عمره الأولى. وقد حث الإسلام على تكوينها والاهتمام بها لأثرها البارز في بناء شخصية الإنسان وتحديد معالمها منذ الصغر. وتتكون الأسرة في الغالب من مجموعة أفراد تجمعهم فيها ظروف المعيشة الواحدة؛ وتربطهم رابطة شرعية قائمة على المودة والمحبة. وتعد الأسرة أهم المؤسسات التربوية الاجتماعية التي لها الكثير من الوظائف، وعليها العديد من الواجبات الأساسية حيث تُعتبر بمثابة الحضن الأول الذي يعيش الإنسان فيها أطول فترة من حياته، كما أن الإنسان يأخذ عن الأسرة العقيدة، والأخلاق، والأفكار، والعادات، والتقاليد، وغير ذلك من السلوكيات الإيجابية أو السلبية.
وللأسرة وظائف كثيرةٌ ومتنوعة لا سيما أنها تعنى بتنمية ورعاية جميع الجوانب الشخصية للإنسان في مختلف مراحل عمره، من أبرزها ما يلي:
أ‌-العمل على تزويد المجتمع بالأبناء والبنات الصالحين.
ب‌-تحقيق عوامل السكون النفسي والطمأنينة ويأتي ذلك تحقيقاً لقوله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) (سورة الروم: الآية رقم 21).
ج-حُسن تربية الأبناء والقيام بواجب التنشئة الاجتماعية الإيجابية، والعناية بمختلف الجوانب الشخصية للإنسان (روحياً، وعقلياً، وجسمياً). والحرص على توازنها وتكاملها لما لذلك كله من أثر في تشكيل وتكوين الشخصية السوية، والعمل على تفاعلها وتكيفها مع ما حولها من المكونات، ومن حولها من الكائنات بصورة ايجابية، وتستمر طول فترة الحياة.
د-الحرص على توعية أعضاء الأسرة وخاصة الصغار منهم بكل نافع ومفيد، والعمل على تصحيح مفاهيمهم المغلوطة، وحمايتهم من كل ما يهدد سلامتهم وسلامة غيرهم، وتعليمهم الأخلاق الكريمة، والآداب الفاضلة، والعادات الحسنة حتى يشبون عليها، ويتعودون على مبدأ التحلي بالفضائل، والتخلي عن الرذائل.
ه-إكساب أعضاء الأسرة الخبرات الأساسية والمهارات الأولية اللازمة لتحقيق تكيفهم وتفاعلهم المطلوب مع الحياة، وإكسابهم الثقة بالنفس، والقدرة على التعامل مع الآخرين.
الأسرة وبناء القيم والسلوك:
للوالدين في إطار الأسرة أساليب خاصة من القيم والسلوك تجاه ابنائهم في المناسبات المختلفة، ولهذا فإن انحرافات الأسرة من أخطر الأمور التي تولد انحراف الأبناء. فالتوجيه القيمي يبدأ في نطاق الأسرة اولاً، ثم المسجد والمدرسة والمجتمع.
فالأسرة هي التي تكسب الطفل قيمه فيعرف الحق والباطل، والخير والشر، وهو يتلقى هذه القيم دون مناقشة في سنيه الأولى، حيث تتحدد عناصر شخصيته
وتتميز ملامح هويته على سلوكه وأخلاقه؛ لذلك فإن مسؤولية عائل الأسرة في تعليم أهله واولاده القيم الرفيعة، والأخلاق الحسنة، وليس التركيز فقط على السعي من أجل الرزق والطعام والشراب واللباس. قال: “ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته،
فالإمام الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده، وهي مسؤولة عنهم.
2-المدرسة والجامعة:
المدرسة في المطلق هي مؤسسة اجتماعية وأهم مؤسسة لتربية الطفل بعد الأسرة. إذ أنها تكمل دورها بتعليم الأطفال قيم وأهداف وعادات المجتمع محولة إياهم إلى كائنات قادرة على التفاعل والعيش مع أطفال آخرين. وتقوم المدرسة بهذا الدور من خلال المناهج الدراسية وعملية التدريب على النظام واحترامه. واحترام الزمن واهميته في حياتهم وتقوم بإزالة الطبقية وتداخلها واندماجها وضمان تكافؤ الفرص التعليمية. باعتبار التعليم حق للجميع وحق من حقوق لطفل.
إن انتقال الطفل من الأسرة إلى المدرسة يعني انتقاله من مجتمع صغير بسيط محدود إلى مجتمع أوسع اتصالا بالحياة “نظام وقوانين/ تكاليف وواجبات لم يألفها من قبل/ علاقات من نوع جديد/ منافسات جديدة/ التضحية بكثير من الميزات التي كان ينعم بها/ فمن كان مركز الاهتمام أصبح يعامل سواسية مع غيره/ لا يسخر من غيره ويحترم من يحدثه/ يلتزم الصمت في أوقات معينة/ لا يغضب أمام مصلحة الجماعة/ لا يأخذ أكثر من نصيبه.
أي أنه سيعاني من انتزاعه من مركزية الذات التي تسيطر على تفكيره ولغته وسلوكه” لأنه إلى حدود السابعة من عمره كما يراه “بياجي” يكون شديد الخضوع لدوافعه، مستغرقا في اهتماماته واموره الخاصة مما يجعله عاجزا عن العناية بمشاعر الغير وشؤونهم.
أما بالنسبة للجامعة، فإنها المرحلة التي ينتقل فيها الشخص من مرحلة المراهقة إلى مرحلة الشباب ومرحلة التعلم من أجل الحياة، وهي المرحلة التي تبدأ فيها شخصية الشاب والفتاة بتحديد ملامحها.
المؤسسة التعليمية (المدرسة والجامعة) وتشكيل نظام القيم
إن المدرسة والجامعة دور أساسي في بناء قيم صالحة لتشييد صرح البناء الاجتماعي السليم والمتطور، وقدرة المدرسة على إشاعة القيم النبيلة في الجسد الاجتماعي يعتمدان حتماً على بناء وتشكيل نظام القيم في الناشئة وصيانة القيم الاجتماعية والإنسانية الخاصة بثقافة مجتمعنا، فلا ينبغي الركون إلى قدرة آلية تعاقب الأجيال على نقل هذه القيم، فهذه القدرة ضعيفة وغير محصنة لأنها تخضع لتأثير العوامل الاقتصادية والإكراهات التاريخية التي لا تقوى الأجيال على التغلب عليها، مما يؤثر حتماً في نوعية القيم المنقولة والمشكلة والمتطورة.
والمدرسة التي يعول عليها المجتمع ويعقد عليها آماله في إعداد الناشئة، قادرة بما أوتيت من وسائل بشرية وإمكانات، على أن تؤدي وظيفتها على أكمل وجه. لهذا ظل المربون والمفكرون والباحثون منذ عقود كثيرة من الزمن يؤكدون أن تحقيق الديمقراطية وإرساء القيم الأساسية للمشروع المجتمعي الديمقراطي مرهونان إلى حد كبير بتحقيق الديمقراطية في المؤسسة التعليمية التربوية.
ويبينون في الوقت نفسه أن التربية على قيم المواطنة لا يمكن أن تتحقق من خلال دروس الشأن العام وحدها، فرغم أهمية هذه الدروس وقيمتها المعرفية، فإن التربية على قيم المواطنة يحتاج تحققها إلى عمل مكثف ومجهود متواصل لإرساء القيم التي تكتسي أهمية خاصة توازي بل تفوق أهمية المعرفة المدرسية، لأن جميع المعارف المدرسية يجب أن تخضع للقيم وتتضمنها، كما يجب تضمين القيم في كل الأنشطة التربوية المدرسية اليومية الأخرى وكل النظام التربوي المدرسي برمته حتى يتحقق الأمر المنشود.
وقد جاءت توصيات وقرارات المنظمات الدولية الوصية على قطاع التربية والتعليم في العالم مثل: منظمة اليونسكو واليونيسيف ومكتب التربية العالمي وغيرها-تدعو إلى تضمين البرامج التعليمية والكتب والوسائل القيم الكفيلة بتكوين المواطن الحر والمتضامن والمسئول والمتفتح الذي يقدر قيمة الحرية ويحترم كرامة الإنسان ويؤمن بحق الاختلاف. لأجل ذلك تدعو إحدى وثائق اليونسكو إلى العناية بالمقاربة التعددية في مجال اكتساب المعارف، التي تقتضي دعم نمو الفرد وتعزيز ايمانه بقدراته الذاتية واستقلاليته واحترام الآخرين وتطوير معنى المسؤوليات الاجتماعية في سياق التعاون والتآزر والاستقلال المتبادل.
وعلم النفس التربوي يضع في مقدمة أهدافه تشكيل نظام القيم بحيث يسهم انتقال مفاهيم القيم في المجتمع والأهل إلى الأطفال والشباب مع الحرص على حماية قدرة الطفل على الإبداع وتطوير المفاهيم.
المدرسة والجامعة مدعوتان للعناية بالطفل والشاب، وتشكيل نظام القيم حلقة من حلقات هذه الرعاية، فنظام القيم المرتبط بالمعايير الاجتماعية يشكل الإطار المرجعي للسلوك والتنشئة. وبقدر رعايتنا واهتمامنا بالطفل والشاب يرفعان مستوى تشكيل وبناء جهاز القيم، مما ينعكس إيجاباً على الهدف الأسمى، هدف النهوض بالمجتمع.
دور المدرسة والجامعة في محاربة التعصب
التعصب هو ممارسة الاتجاه النفسي الجامد المشحون انفعالياً، أو ذلك الحكم المسبق الذي لا يقوم على سند منطقي ويحاول صاحبه تبريره ومن الصعب تعديله. والتعصب نقيض الديمقراطية وآفتها، لأنه شعور مرضي يفتك بالمجتمع ويدمر فيه روابط الألفة والمحبة والتعايش.
وفي كثير من فصولنا الدراسية وقاعاتنا الجامعية تشيع هذه الاتجاهات النفسية الجامدة والمشحونة انفعالياً، وكثيرا ما نروج أو نسمح بترويج أحكام مسبقة ضد أشخاص أو أفكار دون أن تقوم تلك الأحكام على حجة معقولة أو سند منطفئ مقبول، وكثيرا ما يتعلم منا أطفالنا التعصب، بوعي منا أو في غفلة عنا، حين لا نبدي احتراماً لاختيارات تلاميذنا وأذواقهم، ونرفض تقبل الاختلافات، أو لا نخلق بطرقنا التعليمية وعلاقتنا بأطفالنا أجواء التسامح في فصولنا وقاعاتنا الدراسية.
والحق أن الديمقراطية تترعرع على الاختلاف، وحقيقة أن محك احترامنا للآخرين هو قابلية المرء لتقبل الاختلاف، واحترام الآخرين يعني احترام الاختلاف، حيث إن الآخرين ليسوا مثلنا، وتقبل الاختلاف الحقيقي هو امتحان لاحترام الآخرين. ولا يفهم من تربية الاختلاف تكويناً للفرد على أن يختلف بتفرده هو فقط، بل هي تربية على أن يقبل تفرده غيره واختلاف الآخرين معه، ويتفتح عليهم، ومدافعاً عن حقهم في الاختلاف.
الأنشطة في المدارس والجامعات
إن الأنشطة التي يمكن للمدرسة أو الجامعة أن تقررها وتضمنها القيم السالف ذكرها وتحقق الغايات التي تم ذكرها كثيرة ومتنوعة، ومن هذه الأنشطة نذكر على سبيل المثال لا الحصر ما يلي: تشجيع التلاميذ على الانخراط في الجمعيات التربوية التي تعمل وتنشط في كنف المؤسسة الدراسية، أمثال: جمعيات التعاون المدرسي والأندية الرياضية والثقافية المدرسية والجامعية، وإشراكهم في تسييرها وتدبير شأنها.
إشراك الطالب في الانتخابات لمجالس الطلبة في المدارس والجامعات لتحسيسه بأهمية رأيه وتحميله حصته من المسؤولية في تسيير شأن مؤسسته.
إحداث قنوات اتصال ووسائل إعلام وثقيف رخيصة وميسورة مثل المطبوعات والنشرات الإعلامية الموجزة والملصقات والمطويات التي ينبغي إعدادها بعناية وإتقان وبإشراك التلاميذ.
فالجمعيات التربوية والأندية تتيح الفرص الذهبية للتلاميذ لتبادل الزيارات والتعارف والاشتراك في الحفلات وحلقات النقاش والتفاعل والاحتكاك بالآخر، وتدفعه إلى عمليات جديدة من الاكتساب مما يساعده على بلورة شخصيته وعلى اتخاذ المواقف التي تصقل هذه الشخصية وتوضح توجهاتها، حتى تتعزز قدرتها على التأثر والتأثير والتفاعل ويتعزز الانتماء للمجتمع، وتعزز القناعة بأن الانعزال والهامشية والتعصب خطر على المجتمع؛ حتى تترسخ قيم التضامن التي يرتهن بها تأهيل الموارد البشرية.
ثانياً: دور المجتمع المدني في التربية على ثقافة التسامح وقبول الآخر:
المجتمع المدني يشير إلى الطبيعة المدنية ذات البناء المؤسسي والتعاقدي والتي تميز الدولة والمجتمع، وهنا يكون حضور دولة الحق والقانون (وهي دولة مؤسسية حديثة) تعبيرا عن مدى نضج وتبلور المجتمع المدني وهذه الدولة يمنح الأفراد كيانا قانونيا مستقلا، وهذا المعنى يعبر عن مجتمع يقوم على الديمقراطية والتعددية السياسية وحقوق الإنسان وتداول السلطة وسيادة الشعب، والمجتمع والتعددية السياسية وحقوق الإنسان وتداول السلطة وسيادة الشعب،
والمجتمع المدني بالمفهوم الخاص يشير إلى مجمل المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي تتصف بكونها: غير الحكومية/ غير وراثية/ لا تهدف إلى الربح/ طوعية الانتماء إليها. ويرتبط نشاطها عضويا بفلسفة المجتمع المدني (منظومة الثقافة المدنية) التي تتضمن مجموعة القيم الثقافية اللازمة لنشاط المجتمع المدني وهي قيم حداثية تتباين مع القيم القبلية والعصبوية ومع قيم النظم الشمولية، وتشكل مجموعة المحفزات والدوافع لسلوك الأفراد ونشاطاتهم في مؤسسات مدنية، ويمكن رصد أهم مفردات الثقافة المدنية كما يلي:
1.العمل الجماعي. 2. المساواة. 3. التسامح 4. احترام الآخر 5. تعدد الآراء والأفكار
6. تعدد الانتماء السياسي والاجتماعي. 7. إدارة الاختلافات بطرق سلمية
8. نبذ العنف ثقافة وخطاب وممارسة. 9. الابتعاد عن العصبوية الموروثة.
10. حق المرأة في المشاركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
11. المرونة وسعة الآفق والرؤية. 12. الوعي بحقوق المواطنة.
13.التضامن والمساندة والعطاء. 14.المشاركة.
وهذه الفلسفة المدنية تستند إلى المصادر الدينية والأخلاقية والفلسفية (المدنية/ القانونية) وتركز على أن تؤسس وتنمي في الأفراد ثقافة المشاركة والفاعلية والمبادرة واحترام الآخر والتسامح ونبذ العنف والاعتراف بالتنوع والتعدد، والتي بدورها تشكل سندا اجتماعيا وسيكولوجيا دافعا لنشاطات الأفراد في المجال السياسي والاجتماعي. من جانب آخر يمكن القول إن مؤسسات المجتمع المدني تشكل وسائط اجتماعية social agents بين الفرد (المواطن) والدولة (السلطة)، وتتضمن فاعليتها في تنظيم الفاعلين الاجتماعيين من خلال قنوات مؤسسية أهلية تعمل على تمكين الأفراد من المشاركة في المجال العام، وتعتبر مؤسسات المجتمع المدني من أهم قنوات المشاركة السياسية الداعمة لمسار التطور الديمقراطي وبناء الدولة الحديثة. وهذه المؤسسات المدنية بتعددها وتنوع نشاطاتها يعتبر تواجدها الأمريكي في واقع المجتمع
أهم العلامات المميزة للتحول الديمقراطي، وهذا الوجود المتعدد للمؤسسات المدنية يسعى إلى توسيع الفضاء السياسي والفضاء الجمعوى الأهلي وتدريب المواطنين على العمل الجماعي لتحقيق المصالح الخاصة والعامة وإرساء ونشر وتعميم ثقافة مدنية تدعم تحقيق الديمقراطية والمواطنة المتساوية ويتعلم الشعب من خلالها كيف يعبر عن مصالحه ويدافع عنها وكيف يشارك في العمليات السياسية والتنموية التي تؤثر على حياته.
في هذا السياق يمكن القول إن مؤسسات المجتمع المدني تعمل على تمكين الأفراد من التعبير عن مطالبهم والدفاع عن حقوقهم وتفعل مشاركتهم الجماعية في تحقيق متطلباته الاقتصادية هنا يمارس الأفراد نشاطات متعددة ومتنوعة ترتكز جميعها على محددات ثقافية تتجسد في فلسفة المجتمع المدني التي تشكل في مجملها الثقافة المدنية المغايرة للثقافة التقليدية.
بمعنى آخر يمكن القول انه في مؤسسات المجتمع المدني يدخل الفرد في شبكة جديدة من العلاقات والتفاعلات ويمارس مهام وأنشطة متعددة جميعها تضيف ألية ويتعلم منها الحوار والتفكير العقلاني، اكتساب مهارات ومعارف مجتمعية محلية وعالمية، تأكيد ثقة الأفراد بأنفسهم كذوات فاعلة أي نضج وتنمية شخصياتهم. تنمية شخصية فاعلة ومشاركة تنمويا وسياسيا على المستويين المحلي والوطني (تحمل المسؤولية) تعزيز عمليات التضامن والتساند بين مختلف الأفراد والجماعات.
ثالثاً: دور بعض المؤسسات الحكومية الأخرى وأثرها في تربية الفرد والمجتمع
1. مراكز الشباب والأندية: وهي مؤسسات اجتماعية تربوية تكون في الغالب (ثقافيةً، أو رياضية، أو اجتماعية). وقد كثر انتشارها في المجتمعات المعاصرة. وتعد أماكن يلتقي فيها الشباب مع أقرانهم من الشباب ويجمعهم هدف مشترك، أو مصلحة مشتركة؛ حيث إنها تقدم إمكانات هائلة لحياة اجتماعية يُقبل عليها الأفراد باختيارهم وطواعيتهم، ليتمتعوا في رفقة زملائهم وأقرانهم بجو من المرح والعمل. وفي الأندية فرص متعددة لممارسة الرياضات المفضلة، وتكوين العلاقات الاجتماعية مع الآخرين. وتزداد أهمية الأندية في التنشئة الاجتماعية-كما يشير إلى ذلك بعض الباحثين – مع زيادة عجز الأسرة عن توفير الفرص الكافية والمناسبة لممارسة النشاطات الرياضية، والاجتماعية، والثقافية المختلفة.
2. نظام الحكم السائد وبعض القوانين: لا شك أن وجود قوانين معينة تحد من الحريات في أي دولة يجعل هامش الاهتمام بالقيم الإنسانية أقل، بحكم ردة الفعل تجاه الظلم الواقع نتيجة قلة الحريات. كما أن نظام الدولة السائد كالنظام الرأسمالي أو الاشتراكي أو الديني المحافظ، كلها قوانين تربي الفرد في المجتمع على طريقة معينة في التفكير وعلى نظام قيمي يخص ذلك النظام السائد في تلك الدولة. فمنها ما يحرض على العنف، ومنها ما يفكر في الطريقة المادية فحسب والاهتمام بالمصالح ومنها ما يفكر في الطريقة الإنسانية في التعامل بين الشعوب إلخ… وكذلك يقرر منظومة القيم في بعض الدول وقوعها تحت احتلال أو تحت تبعية دولة أخرى.
الخاتمة
وأثبتت الدراسة بأن البحث
إن الدراسة التحليلية لطبيعة العلاقة بين قنوات التنشئة الاجتماعية تتفاوت من حيث درجة مساهمتها في زرع قيم التسامح ونبذ ثقافة الكراهية والعنف ورفض الآخر، فدور الأسرة بالرغم من أهميته إلا أنه الثقافة السائدة داخل الأسر العربية والإسلامية تميزت بالتسلط والخضوع، الأمر الذي أدى روح الإذعان والاتكالية والإحساس بالعجز وعدم القدرة على المشاركة في اتخاذ القرارات،
حيث تعود الطفل على وجود من يتخذ له القرارات في جميع جوانب حياته الأخرى، وإلى تكوين مركبات وعقد النقص، والضعف، والإحساس بالقصور، وإلى تنمية الروح الاستلابية الانهزامية عند الطفل ويؤدي إلى الاغتراب النفسي الانفعالي وسهولة الانقياد وراء الأفكار الهدامة والمتطرفة التي ترتكز على نوع من الخضوع لتعليمات وأوامر أمير الجماعة، غير أن طبيعة الحياة الاجتماعية داخل الأسرة بدأت تختلف، وذلك بالانتقال من الأسرة الممتدة إلى الأسرة النووية،
مما أدى إلى الاهتمام أكثر بمحاولة أن تسود ثقافة الحوار داخل الأسرة، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس إيجابا على زرع الجرأة والثقة بالنفس والميل إلى المبادرة والروح النقدية والإحساس بالمسؤولية والقدرة على التكيف الاجتماعي
مما يحمله ذلك من قيم التسامح وقبول الاخر، وبالرغم من النظريات الحديثة التي تدعو إلى التسامح والحوار داخل الأسرة، فإن الإسلام كان سباقا من هذه النظريات الحديثة في التربية، من خلال هدي الرسول صلى الله عليه وسلم.
أما المدرسة في البلدان العربية والإسلامية، فبالرغم من المجهودات التي تبذلها من أجل ترسيخ قيم التسامح، إلا أن البرامج التعليمية المتبعة ما زالت تعتمد على الحفظ والتلقين بدل تنمية ملكة الإبداع والابتكار مما أدى إلى عقل أكاديمي مأزوم وثقافة جامعية مأزومة مكرسة للحرفية والتلقين منخرطة في دوامة صراعات فكرية أو مذهبية أو سياسية أو تدبيرية هامشية، فإذا كان الحال كذلك
فكيف يمكن لهذه المدرسة أن تساهم في تشييد عقلاني وحداثي لبنية أو منظومة متكاملة من القيم والأعراف من شأنها أن تساهم في تطوير ثقافة مكرسة لقيم العقل والعلم والبحث العلمي والمواطنة؟ وما الذي يفسر ارتفاع الأمية في الدول الإسلامية والعربية،
ألا يشكل ذلك هدما لاستقرار الدولة باعتبار أن الفئة العريضة من الأميين وأشباه الأميين هم الفريسة السهلة للتطرف الديني والغزو الثقافي الأجنبي، والإنسان المحروم من نور المعرفة يعجز عن بتاء شخصية مواطنة إيجابية تخدم الصالح العام.
الاستنتاجات
كما أن المدرسة في البلدان العربية ما زالت تبحث عن نموذج لمشروع مجتمعي لتراهن عليه. إن المشروع المجتمعي الذي يجب أن تراهن عليه المدرسة هو مشروع يهدف إلى ترسيخ حق الاختلاف في الناشئة، وليس اختلاف الحقوق، وهذه النظرة للتسامح تتطلب تعلم نسبية قبول بعض الثقافات والمعتقدات، فيمكن ممارستها والتعايش معها شريطة أن لا تتعارض مع القوانين أو حقوق الإنسان، وأن تكون لدى الناشئة القدرة على قبول الآخر بغض النظر عن أفكاره ومعتقداته.
أما وسائل الإعلام، فأمام عدم مواكبة التطور الإعلامي العربي لنظيره الغربي، وأمام الثورة التكنولوجية، فإن ذلك انعكس على مجموع القيم التي تشكل سدا منيعا للناشئة ضد قيم الابتذال والاغتراب، فالعلاقة بين التربية والإعلام هي إحدى الإشكاليات التي ما زالت ميداناً للدراسة والبحث من قبل المتخصصين، وستبقى كذلك لطبيعة كل واحد منهما،
ولذا فلا بد من إعداد الدراسات والبحوث التي تجسّر العلاقة بينهما وتربط المؤسسات التربوية بالمؤسسات الإعلامية بما يحقق الأهداف المرجوة لبناء الشخصية الإنسانية السوية وإيجاد برامج مشتركة بين المؤسسات التربوية والمؤسسات الإعلامية سيرسخ الجانب الإيجابي فيما تقدمه وسائل الإعلام، وسيمكن المجتمع من الاستفادة من هذه الوسائل لما يخدم قيم التسامح وقبول الآخر مع الحفاظ على منظومة قيمنا ومعتقداتنا.
مفهوم التسامح
عند الحديث عن التسامح لا بد لنا أن نبدأ في تعريف التسامح من الناحية اللغوية، حيث التسامح في لغة العرب: من السماح والسماحة الجود. سمح به يسمح بالفتح فيها سماحا وسماحة: أي جاد وسمح له أي أعطاه. والمسامحة والمساهلة وتسامحوا تساهلوا.
والإسماح لغة في السماح يقال سمح أسمح إذا جاد وأعطى عن كرم وسخاء؛ وقيل إنما يقال في السخاء سمح؛ وقولهم الحنفية السمحة؛ ليس فيها ضيق ولا شدة.
ويطلق التسامح ويراد به أيضا معاني قريبة منه مثل: الرحمة، العفو، والمغفرة، والصلح، والصفح، وكذلك تطلق هذه المعاني ويراد بها التسامح، ولأجل قرب المعنى بينها وبين التسامح فسوف نتعرض لتعريفها كذلك.
تعريف الرحمة: والرحمة في اللغة: الرقة والتعطف والمرحمة مثله وقد رحمه بالكسر رحمة ومرحمة أيضا، وترحم عليه، وتراحم القوم: رحم بعضهم بعضا. تعريف العفو: فالعفو في اللغة له معاني كثيرة منها: الإسقاط، كما في القرآن حكاية عن المؤمنين: (واعف عنا) أي بإسقاط الذنوب. وكذلك من معاني العفو الذهاب والطمس والمحو. وفي الاصطلاح الشرع: فيستعمل الفقهاء العفو غالبا بمعنى الإسقاط والتجاوز، ويختلقه العفو عن الصلح في كون الأول إنما يقع ويصدر من طرف واحد، بينما الصلح إنما يكون بين طرفين.
ومن جهة أخرى: فالعفو والصلح قد يجتمعان كما في حالة العفو عن القصاص إلى مال. تعريف المغفرة: والمغفرة وهي من الغفر مصدر غفر، وأصله الستر، ومنه يقال: الصبغ أغفر للوسخ أي أستر.
وفي الاصطلاح: أن يستر القادر القبيح الصادر ممن هو تحت قدرته. والفرق بين العفو والمغفرة أن العفو يقتضي إسقاط اللوم والذم ولا يقتضي إيجاب الثواب، والمغفرة تقتضي إسقاط العقاب وهو: إيجاب الثواب، فلا يستحقها إلا المؤمن المستحق للثواب.
تعريف الصلح: ويسمى التسامح صلحا باعتبار أنه يدفع إلى الصلح، والصلح عقد يرفع النزاع، والعلاقة بين العفو والصلح والخصوص، فالصلح أعم من العفو. تعريف الصفح: وكذلك يراد بالتسامح الصفح وهو ترك المؤاخذة،
وأصله الإعراض بصفحة الوجه عن التلفت إلى ما كان منه، قال تعالى: (فاصفح الصفح الجميل). والصفح أبلغ من العفو ولذلك قال تعالى: (فأعفو وأصفحوا حتى يأتي الله بأمره)، وقد يعفو الإنسان ولا يصفح.
وبشكلٍ عام فإن “مفهوم التسامح” الحالي ولد وتطور في أوروبا بحدود القرن السادس عشر إبان الحروب والصراعات الدينية التي قامت بين الكاثوليك والبروتستانت، وقد أسفرت عن قيام تسامح متبادل بين الطرفين، ثم اخذ المدلول بالتوسع واكتسب أبعادا اشمل في الممارسة تجاه جميع المعتقدات والديانات، ومع نهاية القرن التاسع عشر تحول إلى منهج فلسفي طال مجالات الفكر وحرية التعبير. ولم يكن تحول
وتطور مفهوم التسامح ممكناً إلا بعد قيام سلسلة طويلة من الحروب والصراعات الدينية داخل الكيان الأوروبي بين ألمانيا وهولندا وبريطانيا واسبانيا وفرنسا، وخلال هذه الحقبة المظلمة والموحشة كان الكاثوليك يرفقون التسامح مع الاجتهادات الدينية على أساس اعتبارها بدعة محدثة، وسماً نشره في العقول جملة من المفكرين الملحدين. في هذه الظروف كتب جون لوك سنة 1689 “رسالة في التسامح” للتخفيف من وطأة الصراعات والحروب الدينية وكان أحد أكبر هموم فلاسفة مفكري الإصلاح الديني إشاعة مفهوم التسامح في إطار تبادلي ينعم فيه الاعتراف بالأمر وتثبيت الحق في الاختلاف في المعتقد والفكر.
إلا أن التسامح على الرغم من ميلاده داخل المجال والحقل الدلالي والتداوي الديني؛ أخذ بعدا آخر مع بروز ملامح الحداثة في القرن التاسع عشر يتزن بمسألة الحرية نتيجة حدوث مجموعة من الشروط الثقافية والسياسية تكللت بظهور دول القانون والمجتمع المدني وبروز العلمانية في ظل ثقافة فلسفية نقدية تطورت بفعل التنوير وحملت جملة من القيم والأفكار الجديدة حول مفهوم العقل والحرية والمساواة والحقوق الطبيعية والفردانية والتقدم والفصل بين الديني والدنيوي،
ويعتبر فوليتر فيلسوف التسامح بامتياز فقد قدم مجموعة من المؤلفات حول التسامح تركزت حول مفهوم القانون الطبيعي وحقوق الإنسان، واقتربت أفكاره من المعنى المعاصر للتسامح بالمعنى القانوني والحقوقي الذي تكلل بجملة من القوانين والإعلانات المواثيق الدولية حول حقوق الإنسان منذ الإعلان العالمي سنة 1948 والذي نص في مادته الثامنة عشر على أن لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين.
لقد أصبح مفهوم التسامح اليوم من أكثر المفاهيم حضوراً بعد الحوادث المفجعة التي مر بها العالم وقد تم عقد جملة من المؤتمرات واللقاءات والندوات في الآونة الأخيرة حيث تم إعلان سنة 1995 سنة دولية من اجل التسامح، وعهد لمنظمة اليونسكو بإعداد وثيقة إعلان مبادئ حول التسامح وأقيمت عدة لقاءات ومؤتمرات وندوات وقيام حملة إعلامية حول أشكال اللاتسامح الجديدة في العصر الحديث بهدف تعزيز التفكير الأخلاقي في سبيل تجنب الآثار السلبية للحداثة وانعكاساتها على الثقافات والمجتمعات المعاصرة.
يتأسس الخطاب العالمي المعاصر حول التسامح على مبادئ حقوق الإنسان، حيث ورد في البند الأول من وثيقة إعلان المبادئ حول التسامح الصادرة عن اليونسكو في 16 تشرين الثاني 1995 على أن معنى التسامح:
أولا: الاحترام والقبول يتنوع واختلاف ثقافات عالمنا، وهو ليس مجرد واجب أخلاقي ولكنه أيضا ضرورة سياسية وقانونية وهو فضيلة تجعل السلام ممكنا عالميا وتساعد بالتالي على استبدال ثقافة الحرب بثقافة السلام.
ثانيا: اعتبار التسامح ليس تنازلا أو مجاملة للآخر، بل هو قبل كل شيء موقف يقوم على الاعتراف بالحقوق العالمية للشخص الإنساني والحريات الأساسية للآخر، ولذلك فإن التسامح ينبغي أن يطبق من طرف الأفراد كما من طرف الجماعات والدول.
ثالثا: إن التسامح هو مفتاح حقوق الإنسان والتعددية والديمقراطية ودولة الحق.
رابعا: أن تطبيق التسامح يعنى ضرورة الاعتراف لكل واحد بحقه في حرية اختيار معتقداته والقبول بأن يتمتع الآخر بالحق نفسه كما يعني أيضا أن لا أحد يعمل على فرض آرائه على الآخر.
إن هذا التصور الثري لمفهوم التسامح الذي يربط بين حقوق الإنسان والسلم والديمقراطية يمكن أن يتسع ويتمدد ليصبح جزءا من الثقافات العالمية بحيث تسهم في ثقافات مختلفة مساهمة ايجابية في ظل وجود قدر هائل من العنف والتعصب والاستبداد.
فثقافة السلام هي الغاية التي ينبغي الوصول إليها بأن يكون السلام من الثقافة العامة للناس، وذلك لأن الثقافة هي أسلوب الحياة السائد، في أي مجتمع بشري وهي التي تميز المجتمع البشري عن المجتمعات الحيوانية.
وأن ثقافة السلام مرتبطة إلى حد كبير بالتعرف على مصادر العنف وإزالة أسبابه فملكة الحوار والإصلاح لا يعنى فقط الديمقراطية والتعديلات. فالتصور الأول ينطلق من أن السلوك الأخلاقي لا يرمي إلى مجرد ضبط العلاقات الإنسانية بحسب مدونة إجرائية تضمن لهم العدل والتكافؤ، بل يهدف إلى غاية أسمى هي تحقيق رغبة الإنسان الطبيعية في العيش السعيد والحياة الفاضلة. ومن هنا القول بتماهي الخير (أي الأخلاق) والقيمة الأسمى (أي السعادة).
فأرسطو يعرف الخير في كتابه (الأخلاق النيماخوية) بأنه ما يبحث عنه البشر، وما يشكل غاية قصوى لأفعال الناس: (أنه ما تنزع إليه الأشياء أجمعها). ولكن إذا كانت الخيرات متعددة، فما هو الخير الأسمى؟ يجيب أرسطو بالقول: إنه السعادة، لأنها الخير المطلق المطلوب لذاته، فهو الغاية القصوى للإنسان.
بيد أن السعادة ليست مفهوماً ذاتياً أو نفسياً، وليست رغبة أو منفعة، إنها حسب تعريف أرسطو (تحقيق الفضيلة)، ليس بمعنى التزام قاعدة قانونية أو ضوابط إجرائية، بل الانسجام مع الطبيعة الإنسانية ذاتها، أي السعي لتحقيق السلوك الذي يضمن اكتمال وتحقق الإنسان. وإذا كان للأخلاق مدونة سلوكية، إلا أنها ليست قانونية ضاغطة، فالأساس فيها هو المثل والغايات القصوى.
أما التصور الكانتي، فيستبدل أخلاق السعادة بأخلاق الواجب، والتصور الغائي للسلوك الأخلاقي بالتصور الإجرائي له، ومن ذلك يبلور الخلفية الفلسفية للتصورات القانونية الحديثة القائمة على مفهوم (استقلالية الذات) في مواجهة التصور الأنطولوجي للطبيعة الإنسانية (أي القول بطبيعة إنسانية مطلقة ومكتملة على السلوك الأخلاقي أن ينسجم معها.
ففي كتابه (أسس متيافزيقا الأخلاق) يحدد الفعل الأخلاقي بأنه ما ينسجم مع (القانون الأخلاقي) أي (الواجب)، وهذا يعني ذلك أن مصدر الفعل الأخلاقي ليس مدى تلاؤمه مع غائياتنا أو سعادتنا ولا مصالحنا بل مع المقوم الكوني لإنسانيتنا كما يترجم في واجبات شاملة تتخذ شكل قوانين ملزمة موضوعية وغير ذاتية.
وهكذا تفضي التصورات الكانتية إلى نتيجتين هامتين، لهما أثر حاسم في الفكر القانوني والسياسي الحديث والمعاصر:
أولاهما: إناطة الفاعلية الأخلاقية بالقوانين، التي أصبحت لها استقلاليتها عن دائرة الحكم، ومن هنا فكرة استقلالية السلطة القضائية في جهاز الدولة الحديثة.
فالقوانين من هذا المنظور هي مدونات إجرائية تعبر عن الجانب القيمي المتعلق بالمجال العام، إنها أكثر من تشريعات، بل تتسع لتشمل جوانب مختلفة ومتنوعة من الحياة الأخلاقية للأفراد.
ثانيهما: بناء الشرعية السياسية على المقوم الأخلاقي بمفهومه الحديث أي الحرية بصفتها إرادة ذاتية تنزع للكونية وذلك بإقامة مؤسسات كلية.
إن هذا التصور الأخلاقي بالمفهوم الحديث (التعبير عن الحرية إجرائيا في قوانين كلية) هو الأساس النظري والمرجعي لنظرية العقد الاجتماعي ومن الواضح أنه يرتكز على مصادر تناسب أخلاق الواجب مع التشريعات المدنية، ويتأسس على مرجعية العقل بصفته إطار الكونية الإنسانية.
فما أراده جون رولز هو إعادة الاعتبار للتصورات الإجرائية الشمولية للقيم من دون اللجوء إلى مقوماتها الميتافيزيقية. ولذا فإنه لا يقدم نظرية العدالة التوزيعية كفلسفة أخلاقية بل يعدها نظرية سياسية لا تطمح إلى بلورة أسس جوهرية للفعل الأخلاقي، وإنما تكتفي بالكشف عن المبادئ الناظمة للعدالة داخل مجتمع تعددي جيد التنظيم، تتصارع فيه وتتعايش مختلف تصورات الخير الجماعي.
فرولز ينطلق في نظريته للعدالة من تعريف المجتمع بصفته (نسق التعاون الاجتماعي القائم على الإنصاف). ولفكرة التعاون ثلاث خصائص أساسية هي: أنه نمطٌ من الترابط تحكمه قواعد وإجراءات دقيقة يقبلها الجميع، يضمن الإنصاف بين المتشاركين بما يقوم عليه من تكافؤ في الحقوق والفوائد،
يتضمن فكرة الفائدة العقلانية التي تختلف عن المنافع الفردية الضيقة. ومن هنا يصبح هدف نظرية العدالة هو تحديد صيغ التعاون الاجتماعي الضامنة للإنصاف وذك بتعيين الحقوق والواجبات الأساسية التي تضعها المؤسسات السياسية والاجتماعية مع تحديد نمط وضوابط تقسيم المنافع المترتبة على التعاون الاجتماعي.
ثانيا: ثقافة التسامح من منظور إعلامي.
نظرية ترتيب الأولويات Agenda-setting theory: تعد هذه النظرية من أكثر النظريات التي بحثت الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في توجيه الرأي العام هي نظرية ترتيب الأولويات الذي يرى أصحابها بأنها وسائل تحدد جدولة الأحداث وترتيب المشاكل، على أساس أن الوظيفة الأساسية لوسائل الإعلام لا تؤمن في القول للجمهور كيف يجب أن يفكر، بل فيما يجب أن يفكر،
وما الذي ينبغي أن يعرف وأن يشعر به، على أساس أن أكثر الأحداث في عالم اليوم تقتضي إبراز مواضيع مثل التسامح والحب وتقبل الآخرين باعتبارهم شركاء في الوطن والهوية،
أو على العكس من ذلك فتنشر مواضيع كالكراهية والعنف والتعصب والتكفير تماشياً مع التوجيهات الإعلامية للوسائل المختلفة،
وهكذا فإن نظرية ترتيب الأولويات ترى أن وسائل الإعلام تقوم بدور صمام أمان فيما يتعلق بالمعلومات، وبالتالي فإنها تفرض على المتلقين أن يفكر في قضايا معينة ويمهل أو يهمل التفكير في غيرها، وكذلك تقوم وسائل الاتصال بإبراز قضايا معينة وإعطائها أولوية نسبية على ما عداها من قضايا في كيفية تقديمها.
نظرية الغرس الثقافي Cultivations Theory: يعد جورج جربنر (George Gerbner) الأب الروحي لهذه النظرية وخلاصة هذه النظرية هي أن تكرار تعرض المشاهدين بكثافة لمشاهد ووسائل ومضامين إعلامية مختلفة عن الواقع الاجتماعي في وسائل الإعلام عامة تؤثر في إدراك الجمهور
لهذا الواقع على أنه واقع حقيقي، وهذا يمكن تطبيقه على أن زيادة التعرض لوسائل الإعلام تؤدي إلى تولد شعور بالحب أو الكراهية،
ويرجع هذا إلى الكم الكبير من المعلومات والانطباعات التي قد يتلقاها المشاهد أو يجدها في هذه المضامين.
الفصل الثالث /الاعلام وثقافة التسامح
أولا: دور الإعلام في الأزمات السياسية والأمنية
تلعب وسائل الإعلام دورا مهماً في الأزمات السياسية والأمنية، لما لها من قدرة على التأثير في أفراد المجتمع كونها المصدر الأول والأساس في إصدار المعلومات وفي ظل الظروف الاستثنائية والطارئة كالأزمات السياسية أو الأمنية يعد الإعلام المصدر الرئيس للمعلومات والحقائق بالنسبة للأفراد، ويشكل أداة للسيطرة على أفراد المجتمع عبر التأثير فيهم بما يتلقونه من معلومات.
إن الإعلام الأمني هو ذلك الإعلام الذي يتضمن معلومات مهمة وكاملة، تغطي الأحداث والحقائق والقوانين المتعلقة بأمن المجتمع واستقراره، والتي يعد إخفاؤها أو التقليل من أهميتها نوعاً من التعتيم الإعلامي، والمبالغة في تقديمها أو إضفاء أهمية أكبر عليها يعد نوعاً من الدعاية لخدمة أهداف معينة، ويشكل الإعلام الأمني الرسائل والمعلومات والأخبار الصادقة والحقيقية التي تصدر عن المؤسسة الإعلامية وتبث عبر وسائلها المختلفة، بهدف التوعية والإرشاد وتحسين صورة المجتمع في أذهان أفراده لتحقيق التفاعل الإيجابي بين المؤسسات الأمنية والجماهير في إطار سياسة الدولة وقوانينها( ).
لذلك يرى الباحث أنه يمكن تعريف الإعلام الأمني على أنه الأداة الحكومية التي يتم فيها السيطرة على المجتمع والتأثير عليه بواسطة ما تبثه وسائل الإعلام من رسائل إعلامية موجهة لأفراده في الأزمات السياسية والأمنية.
وبذلك يمكن تحديد أهم ملامح الإعلام الأمني في النقاط التالية( ):
1. إعلام متخصص يعمل على إحاطة الجمهور بالمعلومات والحقائق التي تمس أمن المجتمع واستقراره .
2. إعلام متعاون مع المؤسسات الحكومية يساهم في تحقيق أهدافها وغاياتها وذلك في إيصال ما تريد إيصاله لأفراد المجتمع .
3. إعلام متوافق مع سياسة الدولة ولا يتعارض معها، يدعم المصالح الوطنية ويحافظ على استقرار المجتمع وأمنه، ويقف بوجه الإعلام المغرض الذي يحاول تهديد المجتمع عبر ما يبثه من معلومات هدامة وأفكار منحرفة.
فالإعلام يكمن دوره في معالجة الأحداث والظواهر السلبية والأزمات الاجتماعية والسياسية وغيرها من الأزمات التي يمر بها المجتمع وهو ما يحتاجه المجتمع العراقي اليوم من بث برامج تدعو إلى المحبة والأخوة والمسامحة والمصالحة بين أبنائه لا تلك التي تدعوا إلى التعصب والمغالاة ورفض الآخرين .
إن وسائل الإعلام تعمل كمرشح لما يتلقاه الجمهور من أخبار وكيفية تفسير الأزمات بتناول الإعلام من عدمه لقضايا يمكن أن تؤثر على السياسة العامة التي تتخذ، وكيفية تنفيذها والمعلومات التي تتم تغطيتها، فيمكن للإعلام أن يحدث تغييرا مباشرا وانقساماً حاداً بين العناصر المسببة للأزمة عبر الرسائل التي يبثها، وبالتالي تفتيتها وتفريقها، مما يترتب عليه ضعف العناصر المسببة للأزمة وضعف الأزمة ذاتها فضلا عن أنه يستطيع تغيير اتجاهات الأفراد نحوها وتغيير مواقفهم كذلك وتوحيد الجماهير وضمان تعاونها في مواجهة الكارثة وتعبئة الجهود كافة لتحقيق ذلك التعاون، مما يترتب عليه توفير أكبر قدر ممكن من فرص النجاح في عملية مواجهة الأزمة( ).
وتعمل وسائل الإعلام أيضا على التصدي للأكاذيب والشائعات التي تنشر في الأزمات لطمأنة الجمهور وتقوم بمناقشة وتقييم وتحليل ما حدث للكشف عن الإيجابيات والسلبيات والدروس المستقاة من الأزمة وكيفية التعامل معها( ). وهذا ما مر به المجتمع العراقي ويمر به اليوم من أزمات على اختلاف مظاهرها وضوربها لذلك لابد من التصدي لها والوقوف بوجهها من قبل مؤسسات المجتمع عموما والمؤسسة الإعلامية على وجه الخصوص لما تمتلكه من مؤهلات لتلك المواجهة مما يضفي على الإعلام تمسكه بمفهومه وإيديولوجيته ووظيفته ومصداقيته وحياديته وعلى الصُعُد والمستويات كافة .
إن وسائل الإعلام كنظام اجتماعي تعمل على أهمية التماسك الاجتماعي للمجتمع وإيجاد السبل الكفيلة لإعادة بناء الوحدة بين أبنائه، وتوحيد صفوفهم وخلق رأي عام تجاه جميع القضايا التي تواجهه، فوسائل الإعلام سلسلة متكاملة ومترابطة من الجهود الرسمية والمجتمعية تبذل في المحافظة على سلامة المجتمع( ).
نخلص القول إلى أن ما تلعبه وسائل الإعلام إبان الأزمات وما يواجهه المجتمع من ظروف استثنائية هو بمثابة توجيه للرأي العام تجاه الأزمة القائمة، سواء أكانت حقيقية أم مفتعلة فعلى صعيد الأزمات الخارجية يشكل الرأي العام ليكون داعماً ومؤازراً لسياسة الدولة والحكومة، أما على الصعيد الأزمات الداخلية فيجب أن تتعامل وسائل الإعلام بما يتلاءم وحل الأزمة لا أن تزيد من تفاقمها، لاسيما إذا كانت هذه الأزمة تهدد كيان واستقرار النظام الاجتماعي برمته والذي بدوره قد ينعكس على تماسك المجتمع ووحدته الوطنية .
ثانيا: مؤسسات نشر ثقافة التسامح في المجتمع المؤسسة الإعلامية إنموذجا:
تلعب وسائل الإعلام دورا بارزا في حياة المجتمع المعاصر نظرا لما تتمتع به من قدرة فائقة في إيصال الخبر والمعلومة، فوسائل الإعلام كثيرا ما يعول عليها في إطار العملية السياسية والاجتماعية والثقافية لاسيما إذا ما أراد المجتمع تبني فكرة معينة ونشرها بين أوساطه إذ يتوقف نجاح تلك العملية على طبيعة المجتمع ذاته، حتى أصبحت المؤسسة الإعلامية إحدى مقومات البناء الاجتماعي للمجتمعات الديمقراطية الحديثة التي تسهم ليس فقط في إعلام الأفراد بكل ما يدور في مجتمعهم المحلي من أخبار وأحداث، وإنما بات لها دورها في نقل مجريات العالم إليهم حيث كانوا.
في خضم التطور البارز في الصناعة والتكنولوجيا ووسائل نقل المعلومات كالتلفاز والأقمار الصناعية والمحطات الفضائية وشبكة الانترنت إذ أتاحت هذه الوسائل الفرصة للاتصال والتواصل بين أفراد المجتمع على نطاق واسع مما أدى بالنتيجة إلى تنوع أدوات ووسائل المؤسسة الإعلامية في الوقت الحاضر جعلت منها مساهما فاعلا وبقدر كبير في توجيه أفراد المجتمع نحو المادة الإعلامية نظرا لتأثيرها في نفوسهم.
ومنذ أن عرفت الإنسانية الصحيفة المطبوعة إذ تطورت هذه الأدوات من مقروءة إلى مسموعة ثم إلى مرئية حتى بات الاستغناء عنها أمراً مستحيلاً، فهي تقدم للمتلقي سواء أكان قارئاً أو مستمعاً أو متفرجاً باقة معلوماتية متكاملة تتنوع مكوناتها من تفاصيل الصراعات الدولية إلى أدق تفاصيل الطقس والمناخ، وتقدم في الوقت ذاته مادة فنية إبداعية وترفيهية ذات تأثير على قيم ومفاهيم أفراد المجتمع.
ونظرا لأهمية دور الإعلام في مواجهة الظواهر السلبية في المجتمع ومشكلاته بمختلف أنواعها فإننا نؤكد على هذا الدور في مواجهة ظاهرة العنف على اختلاف أنماطه ومستوياته، وذلك بإلقاء الضوء على النشأة والأسباب والعوامل والآثار والنتائج والتجارب السابقة محليا وإقليما وعالميا
والتي نجحت في مواجهة هذه الظاهرة، فضلا عن ذلك يمكن للإعلام أن يساهم في استثارة الرأي العام وكسب تعاطفه مع القضية التي يعاني منها المجتمع، إلى جانب الدور المحوري الذي يلعبه الإعلام في تقديم المعلومات والحقائق والجوانب الخفية لهذه الظاهرة بما يساعد كل من واضعي السياسات والبرامج والمسؤولين عن تشريع القوانين الخاصة بهذه الظاهرة سواء أكان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر.
لقد ساهمت المؤسسة الإعلامية في العديد من البرامج التثقيفية والتوعوية، اجتماعية كانت أم دينية في زيادة وعي أفراد المجتمع تجاه ظاهرة العنف التي استشرت فيه نتيجة عوامل داخلية تكمن في البناء الاجتماعي العام، وأخرى خارجية،
مما يزيد من إكسابهم بعض المهارات الوقائية والتدابير الاحترازية بكيفية كف العنف الممارس ضد الأفراد وكذلك تمكينهم من إجراء بعض المعالجات بأساليب التصرف المناسبة ونشر روح التسامح والإخوة بين أفراد المجتمع الواحد وإتاحة الفرصة للحوار وقبول الآخر على أساس المبادئ الإسلامية والإنسانية.
والسؤال الذي يُطرح هنا هو إلى أي مدى تساهم المؤسسة الإعلامية في نشر ثقافة التسامح واللاعنف بين أفراد المجتمع، وإلى أي مدى تخدم وسائل الإعلام المجتمع ومن جهة أخرى إلى أي مدى يؤثر المجتمع في المؤسسة الإعلامية ووسائلها المختلفة ويجعلها أدوات في خدمة المجتمع وللمراقبة والنقد والاستقصاء، وقوى تضمن التوازن داخل الأنظمة الاجتماعية السياسية والاقتصادية في المجتمع.
ومن هنا نتساءل عن ماهية الدور الذي تلعبه المؤسسة الإعلامية في المجتمعات فيما يتعلق بنشر ثقافة التسامح والحوار وثقافة الديمقراطية والوعي السياسي وحقوق الإنسان وثقافة والاختلاف والتعددية والتنوع، إذ يتضح ذلك في العلاقة الجدلية بين المجتمع ووسائل الإعلام إذ أن المجتمع عموما والمجتمع المدني خصوصا يتأثر بوسائل الإعلام ويؤثر فيها والعكس صحيح. في ظل التحديات والظروف الاستثنائية التي تحيط بالمجتمع العراقي والمؤامرات التي تحاك ضده تلقي مسؤولية جسيمة على عاتق وسائل الإعلام العراقية تحديدا من عدة نواح:
1. أن تقدم المضمون الثقافي والفكري الذي يهدف لنشر ثقافة التسامح وترسيخها والوسطية التي جاء بها الدين الإسلامي الحنيف.
2. التقليل من عناصر الاختلاف في هذه الثقافة التي أذكتها عوامل متعددة داخلية وخارجية أحدثت خللا في التركيب الثقافي لدى أبناء المجتمع.
3. التقليل من وجود الثقافات الفرعية ونمها لأننا نجد اليوم أن الثقافة الأم قد فُتِّت إلى عدد لا حصر له من الثقافات وهذا ما يعرف بالتفكك الثقافي الأمر الذي يفقد النظام الاجتماعي أصالته ووحدته.
فكلما كان المجتمع المدني قوياً وفعالاً ومشاركاً في مجريات الأحداث في محيطه كلما فتح المجال واسعا أمام وسائل الإعلام لتغطية هذه الفعاليات والأحداث لتكون المؤسسات الإعلامية في المجتمع منبراً للحوار والنقاش من أجل القرار السليم والحكم الرشيد. ولقد ساهم انتشار العولمة وثورة المعلومات والاتصالات والمجتمع الرقمي وانتشار الانترنت وانتشار التعليم وتوفر المعلومة والوصول إليها بسهولة في بلورة ونضج فكرة المجتمع المدني في الوطن العربي.
وهذا الكيان المسمى بالمجتمع الذي يتكون من مختلف التنظيمات والفعاليات داخل المجتمع يهدف إلى تقاسم السلطة مع الدولة
انطلاقا من مبدأ أن عهد الدولة المتسلطة والدكتاتورية والطاغية قد ولى، ومن هنا يتمثل دور المجتمع في خلق توازن بين القوى الاجتماعية، ويعمل المجتمع أيضا على إفراز فضاء مستقل منتج لقيم العدالة والمساواة والحرية.
فالمجتمع المدني هو فضاء للحرية، يتكون من شبكة العلاقات التي تقوم على الاختيار والاقتناع والحرية، حيث أنه يمنح الأفراد قدرة على النشاط الطوعي الحر.
فنشر ثقافة التسامح بحاجة إلى مؤسسات إعلامية ووسائل اتصال تؤمن بالمجتمع وتؤمن بالمثقف العضوي وبالقيم المجتمعية الأصيلة، فالمشرف على المؤسسة الإعلامية والقائم بالاتصال يجب أن يؤمنا بفكرة ومفهوم التسامح وبالثقافة المدنية وبرسالة يعملان من أجل تحقيقها لصالح المجتمع بأسره وليس السعي وراء الإعلانات والربح السريع أو العمل لمصلحة أصحاب النفوذ السياسي والمالي في المجتمع.
والمؤسسات الإعلامية هي الأدوات التي تنمي الثقافة المدنية وتعمل على نشرها وتقويتها والتصدي لثقافة العنف والتطرف والإقصاء والفردية والمادية ورفض الآخر. فوسائل الاتصال الجماهيري هي الحليف الاستراتيجي للمجتمع المدني وهي الوسيلة الفعالة والأداة الضرورية لتحقيق مبادئه وقيمه في المجتمع.
فمضمون وسائل الاتصال الجماهيري هو الغذاء الروحي والفكري والعقلي للثقافة المدنية المبنية على التعايش السلمي مع الآخر، وأداء هذه المؤسسات في المجتمع يعد سلوكا مدنيا يدعم المجتمع وثقافته.
فالمجتمع المدني في نهاية المطاف هو وعي وثقافة وقيم ومبادئ تترجم إلى سلوك وعمل يومي يؤمن بروح الجماعة والمصلحة العامة.
التوصيات
وفي هذا المقام اختم ورقتي امامكم بعدة توصيات من شأنها أن تعظم دور الأسرة والمدرسة في تعزيز التسامح ونبذ العنف متمنياً على المؤتمر الكريم تبنيها للأهمية وهي على النحو التالي:
التسامح ضرورة اجتماعية ملحة بين الأفراد، وعلى صعيد الأسرة، والمجتمع المحلي.
ترسيخ قيم المودة والسكينة والمحبة داخل الأسرة.
تأكيد مبدأ التواصل والحوار بين الأبناء والآباء.
تعزيز الثقة بالنفس بين أفراد الأسرة وعدم التحيز والتمييز بينهم.
التركيز على دور الأم في الرعاية والتنشئة، وتنمية الشخصية المتكاملة للفرد.
الدعوة إلى تعزيز الوازع الديني والاخلاقي والعادات والتقاليد الإيجابية؛ لتحقيق الوئام والسلم الاجتماعي والحد من الجريمة.
تأكيد أهمية الحوار في الحياة، والمساواة بين الأفراد في الحقوق والواجبات.
إن الشباب هم الثروة الحقيقية للمجتمع، وأن العناية والاهتمام بهم وتأهيلهم مسؤولية وطنية تقع على عاتق الجميع.
التركيز على مسؤولية الشباب في ممارسة قيم التسامح والحوار، فهم العنصر الأهم في بناء المجتمع.
الدعوة إلى تعزيز الأنشطة اللامنهجية داخل المؤسسات التربوية؛ لإرساء ثقافة التسامح فكراً وممارسة.
الدعوة إلى تفعيل دور مجالس الطلبة والأندية الطلابية في تأكيد مبادئ التسامح واحترام الرأي الآخر، وأعداد قنوات اتصال وتثقيف رخيصة وميسورة، مطبوعات مطويات… الخ، والتي ينبغي اعدادها بإتقان وبإشراك التلاميذ.
تأكيد أهمية التعاون بين المؤسسات التربوية ومؤسسات المجتمع المدني في مجال نشر الوعي بمبادئ التسامح وقبول الآخر.
الدعوة إلى تعزيز مبدأ المشاركة في المواقف التعليمية من خلال استخدام اساليب تدريسية تؤكد التعليم الحواري القائم على التفكير والإبداع، الذي يسمح لعقول الطلبة بتأمل الأمور ورؤية الحقيقة بما يكفل الابتعاد عن الأفكار المتطرفة.
الدعوة إلى إعادة بناء المناهج في المؤسسات التربوية؛ لتضمين ودمج قيم التسامح وثقافة حقوق الإنسان والنهج الديمقراطي.
الدعوة إلى عقد دورات وبرامج تأهيلية للمعلمين حول قيم التسامح والحوار؛ لتكون أساس العلاقات داخل المؤسسات التربوية.
تنمية الوعي برسالة المعلم وتعزيز مكانته في المجتمع.
الدعوة إلى احترام حقوق الفئات المستضعفة ” الطفل والمرأة وذوي الاحتياجات الخاصة”.
دعوة الدول إلى ضمان العدل وتكافؤ الفرص وعدم التحيز والتمييز في التشريعات والإجراءات والمصادقة على الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان
1. توجيه رسالة إعلامية مضمونها هو نشر ثقافة التسامح واللاعنف والأخوة والمساواة بين أبناء المجتمع
2. وضع ميثاق شرف تعمل على تطبيقه المنظومة الإعلامية والعمل على تطبيق العقوبات بحق المؤسسة الإعلامية والإعلاميين، ومحاسبة كل من يتجاوز أو يتخطى قوانين الإعلام حتى لو أدى الأمر إلى منع الوسيلة الإعلامية وإغلاقها.
3. عودة وبناء وزارة الإعلام وفق اسس تتفق وطبيعة المرحلة التي يمر بها المجتمع وتشكيل لجان تتصف بالنزاهة والحيادية لمراقبة وسائل الإعلام ومتابعة التطورات الإعلامية والتصدي لكل التصريحات التي من شأنها خلق حالة الإرباك والاحتقان وتكريس بذور الحقد والكراهية بين أبناء المجتمع الواحد.
4. عقد مؤتمر وطني للمصالحة الوطنية للفرقاء السياسيين كافة.
5. حث مجلس النواب على تشريع قانون ينظم العمل الإعلامي للمؤسسات الإعلامية وللإعلاميين العاملين بها.
6. دعم وتعزيز الصوت الإعلامي المستقل الموضوعي الموحد والعقلاني وذلك في تنظيم المسؤولية الذاتية للإعلام المستقل وبلورته.
المراجع
– كتاب التسامح وقبول الآخر-والاعلان العالمي للتسامح-
*القرآن الكريم
ابن منظور، لسان العرب (ت 711 ه) ، تنسيق وتعليق : علي شيري، ج 9، الطبعة الأولى ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، 1988 ، ص 371.
احسان محمد الحسن، البناء الاجتماعي والطبقية، ط2، بيروت، دار الطليعة للطباعة والنشر، 1985.
أحمد زكي بدوي، معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، مكتبة لبنان ، بيروت ، 1982.
البعلبكي ، قاموس المورد ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1986.
حسن عجيل حسين، أهمية التسامح والاحترام المتبادل في المجتمع وإشاعة ثقافة اللاعنف، بحث منشور وقائع المؤتمر المركزي المنعقد في بيت الحكمة بالتعاون مع جامعة السليمانية للفترة 29-30/10/2007.
حسين نصر وآخرون، التسامح ليس منة أو هبة، ط1، سلسلة كتاب دوري يصدره مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد ،2006.
زيد بن محمد آل سعود، دور الأجهزة الإعلامية في التعامل مع الأزمات الأمنية ، رسالة ماجستير ، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية ، الرياض ، 2007.
ستيفن ديلو، التفكير السياسي والنظرية الاجتماعية، ترجمة ربيع وهبة، ط1، المشروع القومي للترجمة، القاهرة، 2003.
سعد الدين إبراهيم، التعصب والتحدي الجديد للتربية في الوطن العربي، ضمن الكتاب السنوي السادس للجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية، الأطفال والتعصب والتربية، احتمالات الانهيار الداخلي للثقافة العربية المعاصرة، الكويت، 1989،.
شاهيناز طلعت، وسائل الإعلام والتنمية الاجتماعية ، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1980، ص79.
عبد الرحمن المطيري ومحمد عواد، الشراكة بين وسائل العلام والمؤسسات الأمنية، المنشاوي للدراسات والأبحاث، الرياض، 2008.
عبد العزيز بن سلطان الضويحي، التخطيط الإعلامي ودوره في مواجهة الكوارث والأزمات، رسالة ماجستير ، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية ، الرياض، 2003.
عبد العزيز شرف، المدخل إلى وسائل الإعلام، القاهرة، دار الكتاب المصري، 1980.
عبد الفتاح أبو معال ،أثر وسائل الإعلام على الطفل ، ط1، دار الشروق للنشر والتوزيع، الأردن، 2000 .
عبد الوهاب الكيالي، الموسوعة السياسية، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1987.
عطا الله مهجري ، التسامح واللاعنف في الإسلام ، ترجمة سالم كريم ، رياض الريس للنشر، بيروت، 2001.
عمر عبد السميع، أحاديث الحرب والسلام والديمقراطية ، القاهرة، الدار المصرية، 1998.
فرج الكامل ، بحوث الإعلام والرأي العام ، دار النشر للجامعات، القاهرة ،2001.
فضيل دليو ، الاتصال مفاهيمه- نظرياته- وسائله، دار الفجر للنشر والتوزيع، القاهرة،2003.
كامران الصالحي، الديمقراطية والمجتمع المدني،ط1،أربيل، 2002 .
كمال المنوفي، نظريات النظم السياسية، ط1، وكالة المطبوعات، الكويت، 1985.
محمد السيد حسونة وآخرون, العنف في المدرسة الثانوية مشكلة تعرقل مسيرة التعليم والتربية ,ج2, سلسلة دراسات المشكلات السلوكية في المؤسسات التربوية, المكتب الجامعي الحديث,القاهرة 2012.
محمد رياض، الإنسان دراسة في النوع والحضارة ،ط2، دار النهضة العربية ، بيروت، لبنان، 19974.
محمد ناصر زعيتر، موسوعة أشد الناس عداوة، دار الرضوان للنشر،2001.
المركز السوداني الثقافي والإعلامي، منهجية ثقافة السلام في السودان وآليات التعاون إقليمياً ووطنيا، 1998،.
وليم كلي رايت، تأريخ الفلسفة الحديثة، ترجمة محمود سيد أحمد ، المشروع القومي للترجمة، القاهرة، 2001.
يوسف عناد زامل، سوسيولوجيا اللاعنف بحث تحليلي في (ثقافة اللاعنف وآليات تطبيقها في المجتمع العراقي)، مجلة القادسية للعلوم الإنسانية، جامعة القادسية، المجلد15، ع3، 2012.
بحث منشور على شبكة الانترنت http: //multitudes.samizdat.net
John Rawls: a theory of justice 1997.
Webester, Ninth New Collegiate Dictionary Merriam webester , inc , 1988 , (Role).
Will Kymlicka, les théories de la justice, une introduction la découverte, 2003.
Zebra Arat, Democracy , and Human right, in developing Countries, London, Lynne Ricnner publishers, 1991.
*جميع الحقوق محفوظة للكاتب الدكتور عادل عامر
كاتب البحث
دكتور القانون العام
مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية
مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا
مستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية
مستشار تحكيم دولي
محكم دولي معتمد
خبير في جرائم امن المعلومات
نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي لحقوق الانسان والتنمية
محاضر دولي في حقوق الانسان
عضو استشاري بالمركز الأعلى للتدريب واعداد القادة
عضو بالنقابة العامة للصحفيين الالكترونين
عضو الاتحاد العام للصحافة الالكترونية
عضو النقابة العامة للتجاريين
عضو النقابة العامة للمحامين
عضو غرفة التحكيم الدولي بالنقابة العامة للمحامين
مستشار تحكيم دولي بالهيئة الدولية للتحكيم
عضو النقابة العامة لمستشاري التحكيم الدولي وخبراء امن المعلومات
مستشار تحكيم دولي بمركز جنيف الدولي
خبير في جرائم امن المعلومات بمركز جنيف
محكم دولي معتمد بمركز جنيف الدولي
عضو منظمة التجارة الأوروبية
عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.