الهجرة تطلق فيلم «حلقة وصل» في إطار المبادرة الرئاسية «اتكلم عربي»    أكثر من 170 ألف فدان.. توريد 634 طن قمح لشون و صوامع سوهاج    محافظة الجيزة: قطع المياه عن منطقة منشية البكاري 6 ساعات    ماكرون يؤكد سعيه لتجنب تصاعد العنف بين لبنان وإسرائيل    متحدثة الأمم المتحدة للشئون الإنسانية: الموقف بغزة ما زال كارثيًا ومرعبا    بوكيتينو: لا يحتاج بالمر إثبات أي شيء أمام مانشستر سيتي    آينتراخت يتأخر بهدف أمام أوجسبورج في الشوط الأول    الأهلي يفوز على وفاق عين التوتة ببطولة كأس الكؤوس الإفريقية لليد    ماهو الذباب الصحراوي؟.. وبماذا حذرت خبراء الأرصاد الجوية للمواطنين    أخبار سوهاج اليوم.. سائق ميكروباص يمزق جسد طالب    الصور الأولى من حفل زفاف عبد الرحمن محمد فؤاد    مهرجان كان السينمائي الدولي يكشف عن ال«بوستر» الرسمي لدورته ال77    أحمد صيام ناعيا صلاح السعدني: شخصية عظيمة رفضت التغييرات التي طرأت على الفن وتنحى جانبا    عمارة : مدارس التعليم الفني مسؤولة عن تأهيل الخريج بجدارة لسوق العمل    لا يقتصر على السيدات.. عرض أزياء مميز ل «التلي» برعاية القومي للمرأة| صور    مطار مرسى علم الدولي يستقبل 149 رحلة تقل 13 ألف سائح من دول أوروبا    أخبار الأهلي : حقيقة مفاوضات الأهلي للتعاقد مع لاعب البنك فى الصيف    11 جامعة مصرية تشارك في المؤتمر العاشر للبحوث الطلابية بكلية تمريض القناة    وزير الاتصالات يشهد ختام فعاليات البطولة الدولية للبرمجيات بمحافظة الأقصر    الهنود يبدءون التصويت خلال أكبر انتخابات في العالم    إخماد حريق بمخزن خردة بالبدرشين دون إصابات    ضبط لص الدراجات النارية في الفيوم    ولاية ألمانية تلغي دعوة القنصل الإيراني إلى حفل بسبب الهجوم على إسرائيل    تسجيل أول سيارة بالشهر العقاري المتنقل في سوق بني سويف    وزيرا خارجية مصر وجنوب أفريقيا يترأسان أعمال الدورة العاشرة للجنة المشتركة للتعاون بين البلدين    التنسيق الحضاري ينهي أعمال المرحلة الخامسة من مشروع حكاية شارع بمناطق مصر الجديدة ومدينة نصر    50 دعاء في يوم الجمعة.. متى تكون الساعة المستجابة    دعاء يوم الجمعة قبل الغروب.. أفضل أيام الأسبوع وأكثرها خير وبركة    وزير الصحة يتفقد المركز الإفريقي لصحة المرأة ويوجه بتنفيذ تغييرات حفاظًا على التصميم الأثري للمبنى    محافظ الإسكندرية يدعو ضيوف مؤتمر الصحة لزيارة المعالم السياحية    عمل الحواوشي باللحمة في البيت بنفس نكهة وطعم حواوشي المحلات.. وصفة بسيطة وسهلة    مؤتمر أرتيتا: لم يتحدث أحد عن تدوير اللاعبين بعد برايتون.. وسيكون لديك مشكلة إذا تريد حافز    إسلام الكتاتني: الإخوان واجهت الدولة في ثورة يونيو بتفكير مؤسسي وليس فرديًا    حماة الوطن يهنئ أهالي أسيوط ب العيد القومي للمحافظة    محاكمة عامل يتاجر في النقد الأجنبي بعابدين.. الأحد    متحف مفتوح بقلب القاهرة التاريخية| شارع الأشراف «بقيع مصر» مسار جديد لجذب محبى «آل البيت»    إعادة مشروع السياحة التدريبية بالمركز الأفريقي لصحة المرأة    بالإنفوجراف.. 29 معلومة عن امتحانات الثانوية العامة 2024    «التحالف الوطني»: 74 قاطرة محملة بغذاء ومشروبات وملابس لأشقائنا في غزة    جامعة القاهرة تحتل المرتبة 38 عالميًا لأول مرة فى تخصص إدارة المكتبات والمعلومات    "مصريين بلا حدود" تنظم حوارا مجتمعيا لمكافحة التمييز وتعزيز المساواة    وفاة رئيس أرسنال السابق    الكنيسة الأرثوذكسية تحيي ذكرى نياحة الأنبا إيساك    نصبت الموازين ونشرت الدواوين.. خطيب المسجد الحرام: عبادة الله حق واجب    انطلاق 10 قوافل دعوية.. وعلماء الأوقاف يؤكدون: الصدق طريق الفائزين    القاهرة الإخبارية: تخبط في حكومة نتنياهو بعد الرد الإسرائيلي على إيران    العمدة أهلاوي قديم.. الخطيب يحضر جنازة الفنان صلاح السعدني (صورة)    خالد جلال ناعيا صلاح السعدني: حفر اسمه في تاريخ الفن المصري    "التعليم": مشروع رأس المال الدائم يؤهل الطلاب كرواد أعمال في المستقبل    استشهاد شاب فلسطينى وإصابة 2 بالرصاص خلال عدوان الاحتلال المستمر على مخيم نور شمس شمال الضفة    4 أبراج ما بتعرفش الفشل في الشغل.. الحمل جريء وطموح والقوس مغامر    طريقة تحضير بخاخ الجيوب الأنفية في المنزل    استشهاد شاب فلسطيني وإصابة اثنين بالرصاص خلال عدوان الاحتلال المستمر على مخيم "نور شمس" شمال الضفة    ضبط 14799 مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    اقتصادية قناة السويس تشارك ب "مؤتمر التعاون والتبادل بين مصر والصين (تشيجيانج)"    تعرف على موعد إجازة شم النسيم 2024 وعدد الإجازات المتبقية للمدارس في إبريل ومايو    ألونسو: مواجهة ريال مدريد وبايرن ميونخ ستكون مثيرة    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بحث عن: ثقافة التسامح والسلام ودورهما في دعم واستقرار الأمم

الملخص: تصاعد الاهتمام بتحسين وترسيخ واقع التسامح، بغض النظر عن الدين والجنس والتراث والثقافة، في الدول العربية، خلال الآونة الأخيرة، من جانب وزارات الأوقاف والمؤسسات الدينية والهيئات الثقافية ومنظمات المجتمع المدني ومراكز الحوار، فضلاً عن منظمات إقليمية ومؤسسات دولية،
في صورة برامج ومبادرات ومؤتمرات وملتقيات ومجالس، على نحو يقود في نهاية المطاف إلى بناء وتأهيل قيادات وكوادر عربية شابة تؤمن بقيم التسامح والانفتاح والحوار بين الأديان والثقافات ونبذ الكراهية،
وتعمل على إيجاد حلول مستدامة للسلام والتعايش السلمي، لا سيما في ظل دواعٍ ملحة تتعامل مع اتساع رقعة الصراعات المسلحة، وتزايد الاحتقانات الداخلية، وتعزيز قدرة التصدي لنزعات التطرف العاكسة لموجة الحقد والكراهية التي تسود المنطقة، وتأسيس جسور بين الجنسيات المقيمة على أراضي الدولة، وتكوين قنوات مؤسسية للتواصل مع العالم الخارجي.
وعليه نجد ان قيم ثقافة التسامح تعمل على تحقيق التآزر والمحبة والتعاون والألفة والانسجام، كما تعمل على مساعد الفرد في التحمل للمسؤولية من اجل الوقوف بوجه مشاكل الحياة الاجتماعية اذ انها تنمي مشاعر الإحساس الاجتماعي بالمجتمع.
وإن حصول خلل في طبيعة قيم المسامحة لدى الافراد سيؤدي إلى تكوين الشخصية المضطربة، وبالتالي فإن الشخصية المضطربة تصبح بنيتها أكثر تفككا واستعدادا لتشرب القيم الأجنبية الوافدة والسلبية، وذلك بدوره يؤدي إلى حالة من التذبذب على مستوى الانتماء الثقافي وهذا الوضع ربما يقود صاحبه إلى الانعزال عن مجتمعه وبالتالي يصبح مغترباً عن واقعه الاجتماعي والديني والثقافي.
وعلية رأي الباحث أهمية تناول هذا الموضوع اتساع رقعة الصراعات المسلحة: والتي برزت جليًا في المنطقة العربية بعد التحولات الثورية في عام 2011، ومع اشتعال النزاعات حدث تجاهل للحياة البشرية، الأمر الذي تطلب جهودًا لتعزيز التفاهم المتبادل بين الثقافات والشعوب.
تزايد هذه الاحتقانات نتيجة تعثر إدارة التعددية المذهبية والدينية في الدول العربية ذات الانقسامات المجتمعية. فما تمر به المنطقة من أزمات، تستدعي إبراز أهمية السلام ضد الحرب، والتسامح في مواجهة التطرف، والتفاهم في مواجهة التنازع.
ولعل موجة الصراعات الراهنة تعبر عن حاجز الكراهية بين فئات وطوائف مختلفة داخل الدولة العربية الواحدة. تعزيز قدرة التصدي على نزعات التطرف: التي تنميها تنظيمات إرهابية وجماعات مسلحة تستخدم عباءة الدين لترويج أفكارها المدمرة.
إذا تم تسليط الأضواء على التسامح مصطلح أصيل في اللغة العربية وإن كان استعماله المعاصر ترجمة موفّقة لمصطلح أوروبي مستحدث، فالتسامح في العربية هو الجود والكرم والسخاء ومن معانيه أيضا المساهلة والسعة.
وقد وُصفت الشريعة بأنها حنيفية سمحة، كما قال عليه الصلاة والسلام ” بعثت بالحنيفية السمحة”، أي السهلة الميسّرة، حنيفية في التوحيد، سمحة في العمل، مما يدل على رفع الإصر والحرج فيها والبعد عن التشدُّد.
وقد يعبّر عن التسامح في القرآن الكريم بأربعة مصطلحات: العفو والصفح والغفران والإحسان. فالتسامح معنى فوق العدل، الذي هو إعطاء كل ذي حق حقه، أما التسامح فهو بذل الخير لا في مقابل، فهو من قبيل الإحسان الذي يمثل قمة البر وذروة سنام الفضائل. إن التسامح هو التسامي عن السفاسف، إنه عفة اللسان عن الأعراض، وسكون اليد عن الأذى. إنه التجاوز عن الزلات والتجافي عن الهفوات.
التسامح هو (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم). التسامح هو أن تعطي من منعك وتصل من قطعك.
وعلية فقد بينت نتائج الدراسة ان هذا التصور الإيجابي، لم يكن دعاة التسامح أنفسُهم يعتبرون الحق في التسامح حقا مطلقا، وإنما ربطوه -على غرار ما فعل جون لوك وفولتير-بمقصِد السلم من خلال مفهوم النظام العام للمجتمع، فإن حدود التسامح تقف حيث يصبح الفعل أو الفكر يُقْلِق راحة المجتمع ويهدد سِلمَه الأهلي.
وهكذا نشأ مفهوم التسامح بوصفه مفهوما وظيفيا يقصد تحييد التأثير السلبي للاختلاف في المعتقد والاختلاف الجِبِليِّ أيضا في الآراء والرؤى. ولذلك يرى بعض الفلاسفة أن مفهوم التسامح في بعده الإجرائي لا يمكن أن يقصر على عناصره الأخلاقيِّة بل لن يؤتي أُكله مكتملا إلا حينما ينظر إليه بوصفه مفهوما سياسيا قانونيا.
واظهرت الدراسة ان تعامل المسلمين مع غيرهم قائمٌ على العديد من الضوابط التي تحكمه، ومن الضوابط الخاصة بالتعامل مع الدين الإسلامي فيما يخصّ العقيدة الإسلامية، عدم القبول من أيّ شخصٍ ينتمي إلى الإسلام، أو إلى دولة الإسلام، الانتقاص من قيمتها، أو التشكيك فيها، وذلك يشمل الذات الإلهية، والرسول صلّى الله عليه وسلّم، ودين الإسلام، والأحكام والأوامر التي نصّ عليها،
كما أنّ هناك العديد من الضوابط المتعلقة بالتعامل مع الشريعة الإسلامية، فإنّ أهل الذمة ملزمون بالمعاملات المدنية المستمدة من الشريعة الإسلامية مع غيرهم من المسلمين، وكذلك الأمر ذاته بالنسبة للمعاملات الجنائية في الدولة، فالكل محكومٌ بالأحكام الجنائية الواردة في الإسلام؛ وذلك تحقيقاً للأمن والاستقرار في دولة الإسلام، أمّا الضوابط المتعلقة بالتعامل مع المسلمين، فلا يجوز مجاهرتهم بالمنكر القائمين به، فالتسامح والعفو لا يجوز أن يكون مؤثراً على دعوة الإسلام.
وخلصت الدراسة ان للموضوع أهمية كبرى لحاجة المسلمين إلى العمل بهذا الخُلق الذي له أكبر الأثر على وحدتهم وتماسُكهم، وقلة النزاع بينهم، وكذلك الحاجة إلى تصحيح موقف فئة من المسلمين في هذا الموضوع؛ إما إفراطًا في جانب العلاقات مع غير المسلمين، حتى يرى المقاطعة التامة لهم، وإما تفريطًا؛ حتى يرى البعض مساواتهم بالمسلمين، وأيضًا الحاجة إلى تصحيح ما لدى غير المسلمين من فَهم خاطئ في تعامل الإسلام مع غير المسلمين، ومعرفة ضوابط ذلك.
في ضوء ذلك يري الباحث ان الأسلوب السلمي ومبدأ العفو والتسامح، يؤصلان المحبة والمودة والتواصل الدائم بين المجتمع، بعكس القسوة والغلظة، فإنها تزيد من بث الشحناء والنفرة في المجتمع، وتقتل التواصل والألفة والمحبَّة، هذا المبدأ مهم جدًّا في مسألة صلة الرحم “نتجاوز قليلاً الأسرة الضيقة ونحن نتكلم عن التسامح، وهو مبدأ كبير جدًّا، والمستفيد الأكبر هو المتسامح، وكثير من الناس يفضلون ألاّ يتسامحوا بسرعة، وأن يأخذ التسامح وقتًا، بل بعض الناس لا يتسامح إلا بعدما يشعر بقرب الأجل،
فكان بعض الناس بينهم خصومة وصلت إلى حد ضجة إعلامية، وعندما مرض هذا الإنسان وشعر بقرب الأجل، أوصى أن يأتي فلان، واعتذر له قبل أن يموت بثلاثة أيام!! لماذا لا نقدم التسامح في وقت مبكر؟! أحيانًا كثير من الحالات من التسامح أن تتكيف معها، لا أن تصنع معها مشكلة”
لهذا كان الهدف من الدراسة: اثبات ان العفوِ والتسامحِ عبارةٌ محببَّةٌ، لفظُ يبعثُ الدفءَ، وهيَ صفةٌ جميلةٌ، وخلةٌ حميدةٌ، هيَ أفضلُ الصفاتِ، وأجملُ السماتِ، هيَ رائدةُ الأخلاقِ، وسيدةُ الآدابِ؛ تعني الصفحُ عمنْ أخطأَ عليكَ أوْ تجاوزَ حدهُ معكَ، وهيَ -كذلكَ -تعني العفوُ عندَ المقدرةِ والتجاوزُ عنْ أخطاءِ الآخرينَ واحتمالها ووضعِ الأعذارِ لهمْ، والنظرِ إلى مزاياهمْ وحسناتهمْ بدلًا منَ التركيزِ على عيوبهمْ وأخطائهمْ.
المقدمة. إن من الثمرات الطيبة التي يَجنيها صاحبُ هذه الأخلاق الكريمة في الدنيا حبَّ الناس له، وثَناءَهم عليه، وابتعادهم عن إلحاق الأذى به، وتعاونهم في قضاء مصالحه، وتيسير أموره، وتحقيق رغائبه، أما الثمرة التي يجنيها في الآخرة فجنةُ نعيمٍ، وقربٌ من رب العالمين.
ويمكن القول ان ثقافة التسامح تعمل على إزالة الحقد والكراهية الموجودة في ضمائر البشر والابتعاد عن مفهوم العنف والجريمة، وتعمل أيضا على تنمية روح المواطنة والديمقراطية بين الافراد من اجل خلق وعي سالم بعيد عن مظاهر التخلف الاجتماعي الذي يرتكز على ترسخ مبادئ الحقد والكراهية.
ان ثقافة التسامح تضمن القدرة على تنمية الثقافة الدينية والاجتماعية وتقوية العلاقة الاجتماعية بين الافراد، وكذلك القدرة على نبذ التعصب والتشدد في القرار والإجراءات الاجتماعية وتعزز الشعور بالتعاطف والرحمة والحنان في قلوب وضمائر البشر.
ان ثقافة التسامح تجعل الافراد يودون ويحبون بعضهم البعض في علاقاتهم الاجتماعية مما يساهم في نشر الاحترام والتعاون والتبادل في حل كافة المشاكل التي تؤدي الى زعزعت علاقاتهم الاجتماعية. اذ انها تجعل من الافراد يعشون حياة متفائلة وبعيده عن التشاؤم والاكتئاب والحقد لأنه يتجسد في داخلهم مفاهيم العفو والحب.
ان ثقافة التسامح هي الطريق الى الشعور بالسلام الداخلي والسعادة والشعور بهذا الإسلام متاح دائما لنا. اذ انه خروج من الظلمة الى النور. وكذلك تؤدي الى ابراز السلام الاجتماعي بين الدول وبين الافراد من اجل العيش حياة اجتماعية خالية من مشاكل الحروب والنزاعات والصراعات التي تحدث بين الأفراد.
إذا يواجه الوطن العربي الان أزمات ان ما تعرض له مجتمعنا من هزات وحروب وكوارث طبيعة وبشرية، كالاحتلال الأجنبي وشيوع الجريمة والفساد والقتل والنزاعات العشائرية، تركت بصمة خطيرة على حياة المواطن العربي
فإثارة في نفس الفرد العراقي نار الحقد والعنف والتطرف الذي زاد من المعاناة الإنسانية غير أخلاقية واجتماعية، فضلا عن اهدارها لكافة الحقوق الإنسانية والدينية وعلى راسها الحق في الحياة والتسامح بين الأفراد. وبرغم هذا المشاكل بقي مجتمعنا محافظاً على قيمه الثقافية والدينية وعلى راسها قيم التآزر والمحبة والتعاون والتفاعل والتسامح بين فئاته الاخرى.
فثقافة التسامح هذه يمكن ترسيخها في نفوس الافراد من خلال التنشئة الاسرية والمدرسية والتي يقع عليهما مسؤولية تربية وتوجيه وإرشاده وترسيخ المحبة والتفاعل بين الافراد فمن جهة التنشئة الاسرية التي تعد اول خلية اجتماعية ثقافية نفسية تعمل على تنمية وتربية الفرد منذ النشأ الى سن المراهقة، فضلا عن تعرضها لتلك الكوارث الا انها كان لها دور مهما في ترسيخ وتنمية القيم المحبة والتسامح بين افردها،
وذلك لان الطفل يتكسب قيم التسامح من المحيط الذي يعيش منه بمعنى على الوالدين ان يكونا في علاقاتهما الاجتماعية والثقافية مبنية على التشاور والاحترام والتعاون فيما بينهم وبين أقاربهم او أصدقائهم بدلا من اثارة الحقد والكراهية في علاقاتهم الاجتماعية.
اما التنشئة المدرسية والتي تعد ثاني وسط ثقافي واجتماعي فمهمتها تنمية مفاهيم الديمقراطية وحرية التعبير داخل الصفوف الدراسية وأيضا بث التعاون والتبادل الأفكار بين التلاميذ من جانب وبين التلاميذ والمربيين التربويين من جانب اخر وان تعزيز هذه المحبة والتسامح لا يأتي الا من خلال المناهج الدراسية وأساليب تعامل المربيين التربويين مع التلاميذ داخل الصفوف الدراسية أضف الى ذلك تخليها عن مظاهر التطرف الثقافي والفوارق الطبقية والثقافية والاقتصادية التي يمتلكها البعض والبعض الاخر لا يمتلكها.
وزيادة على ذلك فالدين الإسلامي جعل من التسامح قيمة دينية لان دين الإسلام ، دين المحبة والتسامح بين الناس والبشرية جمعاء، رغم ان ذوات الانسان جزء منها وسائل القسوة والعنف والعدوان الان ان الدين الإسلامي دين محبة وتسامح بين البشرية جمعاء، وعليه تعد القيمة الدينية للتسامح عنصر رئيساً في تكوين ثقافة أي مجتمع من اجل أدارك افراده على التفاعل والتعاون وترسيخ الاحترام وتكوين علاقات اجتماعية قوية فيما بينهم،
لذلك فان ثقافة التسامح توفر للفرد صيغة سلوكية ثقافية اجتماعية تعمل على تكوين العلاقات الاجتماعية الإيجابية وتنظم المجتمع والحفاظ على استقراره وفقاً لمصالح ومتطلبات افراده اذ أن التسامح يعد جوهر عملية الضبط الاجتماعي الممارس على الافراد عند قيامهم بسلوك مخالف لسياقات الفرد فالتسامح يستقر في ضمير الفرد ويشعره بالارتياح عند التخلي من المخالفات التي تصدر من خلاله.
ومن هذا المنطلق فثقافة التسامح تعمل على خلق وعي ثقافي اجتماعي للعلاقات الاجتماعية المبنية على التعاون والتبادل بين الافراد، اذ ان العلاقة الاجتماعية التي تحدث بين الافراد تختلف حسب نمط المكانة والمركز والشهادة والثقافة المعرفية وكذلك حسب نمط الدين، فالثقافة كما تصورها الانتروبولوجيين بانها كل القيم والمعاني والمعتقدات والعادات والقوانين يكتسبها الفرد من الجماعة التي تحيط به
والمجتمع الذي يعيش فيه، ومن هنا نجد ان التسامح هو سلوك شخصي اجتماعي يصدر من قبل الفرد دون وقوع أي هجوم على حقوق الفرد الاخر بمعنى استعداد الفرد ان يترك الاخر بالتعبير عن حرية أفكاره وثقافة ولا يمكن مخالفته والتصدي له.
وإن من الثمرات الطيبة التي يَجنيها صاحبُ هذه الأخلاق الكريمة في الدنيا حبَّ الناس له، وثَناءَهم عليه، وابتعادهم عن إلحاق الأذى به، وتعاونهم في قضاء مصالحه، وتيسير أموره، وتحقيق رغائبه، أما الثمرة التي يجنيها في الآخرة فجنةُ نعيمٍ، وقربٌ من رب العالمين.
لذلك فان إشكالية الدراسة: فقد عاش في ديار المسلمين اليهود والنصارى وغيرهم من أتباع الملل الأخرى، في ظلٍّ من الأمن والعدل والتسامح قلما يتوافر مثله، وما التصفيات العرقية والدينية التي تشهدها بعض البلاد إلا دليل على قيمة ما قدَّمه الإسلام للرعايا من غير أتباعه، وعلى العكس من ذلك؛ فقد عانى المسلمون الويلات من جراء حروب التصفية الدينية والعرقية، أشهرها: ما حدث في الأندلس على يد محاكم التفتيش، التي لم توفِّر حتى المخالف لها من أتباع الديانة النصرانية، ناهيك عن اليهود وغيرهم، الذين وجدوا بعد ذلك الملاذ الآمن في البلاد الإسلامية الأخرى.
كيفية تحقيق واحترام حقوق غير المسلمين، سواء كانوا رعايا للدولة الإسلامية، أو كانوا خارج الدولة الإسلامية ولم يعلنوا الحرب على الإسلام والمسلمين؛ فهؤلاء كلهم لهم حقوق في ذمة كل مسلم؛ حيث يأمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، لا يجوز لمسلم أن يعتدي عليهم في شيء من ذلك.
وتأتي أهمية دراسة للانة توجد الكثير من مفاهيم التسامح المختلفة، والتي تصبّ جميعها في فكرة واحدة، وهو القدرة على تجاوز جميع الخلافات الموجودة عند الفرد مع الآخرين، وتخطيها كليًّا، ومن الجدير بالذكر ورود الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبويَّة التي دعت إلى مفهوم التسامح والعفو عن الناس عند المقدرة، والإنسان القادر على التسامح يتصف بالكرم و التخلص من العداوة والكراهية والمشاعر السلبية التي تسبب الكثير من الشحناء والبغضاء والتنافر بين الأفراد والمجتمعات، وغرس التسامح والمحبة في النفوس ليسود الاستقرار والسكينة في المجتمعات.
نهضة المجتمعات وتقدمها وعمارتها، والقضاء على جزء كبير من المشاكل الداخلية. خلق روح من التعاون والتعايش بين الفرد والمجتمع، في وقت تقاربت فيه حضارات الشعوب واختلطت وتشاركت فيما بينها في عصر التقدم التكنولوجي الكبير، فبات لا بد من تحقيق خلق التسامح بين الشعوب والأفراد ليتسنى لهم العيش بسلام وطمأنينة.
يصبح الفرد شخصًا إيجابيًا وعنصرًا فعالًا في بيئته ومجتمعه، فينشغل بعمله ومستقبله وطموحاته، ويخلصه من الأفكار السلبية والتصرفات السيئة التي قد تشغله عن تحقيق أهدافه في الحياة. نيل رضا الله ومحبته والفوز بمغفرته وعفوه سبحانه، وفيه أيضًا أسوة حسنة بالنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ينال الإنسان المتسامح الأمن والعز يوم القيامة بفضل هذا الخلق الكريم. يخلق التسامح أجواء طيبة من الرحمة والعفو والإحسان، ويزيد من قدرة الفرد على ضبط نفسه، والتحكم بنزعاتها، والبعد عن الحقد والضغينة والانتقام، فالتسامح صفة الأقوياء
وليس الضعفاء كما يعتقد البعض فالقوي من ملك نفسه وقت الغضب. الفوز بثقة الآخرين ومحبتهم ونيل احترامهم والقرب منهم، وزيادة الانتفاع من معارف الآخرين وعلومهم وثقافاتهم.
مشكلة الدراسة خطورة عدم التسامح والعفو أنه أول ما يضر ويحرق هو الإنسان الذي وقع عليه الظلم: إن زادت هذه المشاعر فالمظلوم يسلم نفسه وعقله ومشاعره للشيطان أولا ثم لزن النفس ثانيا فيعرض الشيطان فكرة الانتقام ولكن المشكلة تظل في أكثر من بعد:
*أن تكون قد ظلمت فعلا
*ألا تكون أخطأت في البداية أو ظلمت غيرها وكان هذا عدالة السماء فيها
*أن الانتقام يكون ليس بهذه النية، بل العين بالعين، فإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به.
اتخاذ الأساليب الشرعيةسؤال بكل أمانة وصدق أهل الذكر فيما ينوي فعله
*معرفة أن العفو أفضل، وأسلم، وأن عدالة السماء أفضل، وأوفر في الوقت(سيكون هناك من الوقت وسعة التفكير لإنجاز ما هو أفضل في الطاعات وتحسين من شخصية المرء)
*معرفة أن رد الظلم قد يكون فيه جور علي الأخر.
مثلا: الصفعة يجب أن تكون مثل تلك وفي نفس المكان وبنفس القوة وعادتا المنتقم يكون كل همه إيلام الأخر كألم الظالم له، فقد يجور في رد الصفعة).
يدخل في دوامة الانتقام لأن الأخر لن يسكت وسيرد له الصاع صاعين وسيكون قلبهما مليء بالأمراض والكراهية وستضيع فكرة القصاص وستبدل بالانتقام والشر وسيؤثر في مفهوم الشخص، وإيمانياته وسيخرج منه شعارات ومبادئ ما أنزل الله بها من سلطان وستكون جميعها خطأ. خسران الدنيا بالجري وراء أوهام وشر وانتقام وضياع الطاعات خسران الأخرة- هذا ليس بالضرورة أن يحدث كل مرة وبنفس الخطوات قد يحدث بعضها وقد يحدث بعد عدة مرات ولكن مشاعر الحنق والكره والحسد والغل والانتقام تدمر صاحبها أولا ثم المجتمع وقد تؤدي لما وصفته عالية.
ان تناول مسألة الأسباب التي تؤدي الى عدم التسامح مع الاخر المختلف، هنالك الكثير من الاسباب التي تدفع الشخص الذي وقع عليه الظلم او الخطأ او حتى الاضطهاد الى عد التسامح، فبالرغم من ان التسامح من شيم الكبار ولكن تتواجد اسباب تؤدي الى عدم التسامح مع الاخر المختلف، ولهذا سنتعرف الان وسويا على اهم اسباب تؤدي الى عدم التسامح مع الاخر المختلف والبتي تم البحث عنها اليوم بشكل كبير من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وكما سنقوم بطرح مفهوم التسامح والذي يعد من المفاهيم التي يتوجب علينا بان نعرفها جيدا.
وتتمحور مشكلة الدراسة: كون المجتمع، أي مجتمع لا يعلي من قيمة الحرية باعتبارها القيمة الإنسانية تتيح آفاقا اوسع للتعبير الحر عما يختلج في نفس الإنسان من افكار دون أن يتوقع حدوث أذى له من اي نوع.
لذلك اقترن غياب التسامح بوجود فكر مُسيطر على الناس بحيث يسوقهم قهرا إلى فِكرته المسيطرة التي تعتبر باقي الأفكار المختلفة دخيلة على المُجتمع.
اليقين بالاحتكار للحقيقة: وهذه افة معاصرة يمارسها بعض المنتسبين لأهل العلم، كما يمارسها العوام الذّين تعلموها منهم. ويكفي للتدليل على نخر هذه الافة في جسد فضيلة التسامح، ان أشير إلى ما يحدث الآن من تحريض مستمر عبر وسائل التواصل الاجّتماعي على بعض المذاهب والتَيارات،
وقد وصل هذا التحريض، كما حدث من بعض السُعوديين مؤخرا، ذروته حين طالب اشخاص محسوبون على بعض المُؤسسات الدينية والأكاديمية بإيقاع أقصى العقوبات بالمختلفين معهم. شيوع الجهل المضاد للمعرفة:
فالتسامح كقيمة مقرون بمستوى التعلم والمَعرفة التي تمكن الفرد من الاطّلاع والقدرة على المقارنة بين الآراء المختلفة واتِخاذ الموقف العقلاني تجاه هذه المسالة أو تلك.
ويمكن صياغة تساؤلات البحث في التالي:
مفهوم التسامح
أهمية التسامح والعفو
التسامح وأثره على الفرد والمجتمع.
كيفية تعلم التسامح.
ما هو السبيل إلى بناء وترسيخ ثقافة التسامح وتحويلها إلى حالة اجتماعية عامة؟
كيف يمكم الاستفادة من حق الاختلاف كفاعل لتغيير مجتمعاتنا من كونه معيقا لهذا التغيير؟
أهمية البحث: للان أعمال العنف والعنف المضاد التي تنتشر في شتى مناطق العالم، تنطوي في عمقها على نوازع أنانية، وحالات التعصب والانغلاق، ودوافع الهيمنة التي تفسد مناخ التعايش والتساكن بين تيارات فكرية مختلفة، وقوى سياسية متعارضة، ومصالح اقتصادية متناقضة التسامح
إن أعمال العنف والعنف المضاد التي تنتشر في شتى مناطق العالم، تنطوي في عمقها على نوازع أنانية، وحالات التعصب والانغلاق، ودوافع الهيمنة التي تفسد مناخ التعايش والتساكن بين تيارات فكرية مختلفة، وقوى سياسية متعارضة،
ومصالح اقتصادية متناقضة، فيحرص الطرف الذي يمتلك قوة السلطة أو الهيمنة أو النفوذ، في أي مجال من المجالات، إلى إلغاء الآخر عن طريق تدميره، أو إقصائه، أو تحجيمه، وتهميشه، مما يولد ردود أفعال قد تتخذ أشكال ووسائل أكثر عنفا، وتؤدي إلى نتائج مأساوية. وأمام تفاقم حالات التعصب والتطرف، وما تؤدي إليه من تقتيل وتخريب، وإهدار للطاقات، ودوس على القيم الإنسانية، فقد أصبح شعار التسامح يطرح في إطار العمل على إطفاء البؤر المشتعلة هنا وهناك، وإزالة بذور الأحقاد وفتائل المواجهات العنيفة، التي تخلف الكثير من الضحايا والدمار والمآسي، ولا يستفيد منها أي أحد من الأطراف المتصارعة،
مما يدعو لتلافي كل ذلك عن طريق مد جسور التحاور، وإيجاد سبل التفاهم والتواصل الإيجابي، كبدائل لأعمال العنف، على أساس إقرار كل طرف مهما كانت سلطته ونفوذه، بوجود الطرف أو الأطراف الأخرى، وضمان حق الاختلاف، وحرية التعبير، واحترام الرأي أو الاتجاه المغاير، وحماية الحقوق المشروعة والحريات الأساسية للجميع.
وفي سياق هذا الرأي المتشبع بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، يدخل في مفهوم التسامح الابتعاد عن كل أشكال التعصب والتطرف والغلو والتشدد والتزمت والانغلاق، والتغلب على كل نزعة أنانية ضيقة، والإقرار بنسبية الحقيقة،
وبحق الجميع في الاجتهاد، وأخذ كل طرف بعين الاعتبار حقوق الآخرين وحرياتهم وطموحاتهم وآرائهم وتوجهاتهم، وبعبارة أخرى فإن التسامح يعني تهذيب السلوك وترويضه على احترام الغير.
ومن ثم فأن أهمية الدراسة الراهنة تكمن في انها تسلط الضوء على موضوع يعد من اهم المواضيع التي تغيب عن الباحثين في الأقطار العربية
لان إقامة مجتمع تعددي يقر الحريات الأساسية لسائر الأفراد والجماعات، ويضمن حق الجميع في المشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، يقتضي أساسا ترسيخ قيم التسامح في العلاقات التي تربط بين مكونات المجتمع، وخلق الأجواء الملائمة لتكريس السلوك التصالحي، أو ما يعبر عنه بالتوافق والتراضي، لجعل كل الطاقات تسير في اتجاه إيجابي، يحول دون ضياع الجهد، وإهدار الزمن في التنافر والمصادمات والمعاكسات التي لا طائل من ورائها، ولا تستفيد منها أي جهة، بل تؤدي إلى الجمود، وإعاقة النمو والتطور.
وإذا كانت الديمقراطية هي النظام الذي يقوم على الإدارة العادلة للتعدد داخل المجتمع، عن طريق مؤسسات تمثيلية يتم التوافق على قواعد تعاملها، فإن التسامح يكون بمثابة ركن أساسي في تحقيق الهدف المتوخى من التوافق، وهو الوصول إلى الحدود الدنيا لضمان رضى كل الأطراف، الأمر الذي يتعذر تحقيقه في حالة تمسك كل طرف بموقف جامد تجاه الآخرين.
ومن ثم فأن الدراسة الراهنة تثبت إن اتساع الدعوة للتسامح عن طريق التنظير الفكري، وتعدد المبادرات على الصعيد الدولي منذ نهاية الحرب العظمى الثانية سنة 1945 لإقرار مبادئ التسامح في العلاقات الدولية، وفي التعامل داخل كل دولة وكل مجتمع،
فإن ظاهرة عدم التسامح كالتعصب والتطرف والتمييز والإقصاء والهيمنة والعنف، مازالت تنتشر وتتفاقم في شتى مناطق العالم، مما يؤدي إلى تزايد المواجهات العنيفة، والتي لا تجني منها المجتمعات والبشرية عموما سوى المآسي والدمار. وإذا كانت البلدان المتخلفة هي الأكثر تعرضا للنزاعات العنيفة والصراعات الدموية بسبب الاحتلال الأجنبي، والتصدي لنزعة الهيمنة لدى القوى العظمى، والتشدد ، وغياب أو زيف الآليات الديمقراطية، فإن الدول المتقدمة صناعيا، والتي تحظى بأنظمة ديمقراطية منذ تاريخ بعيد لا تخلو من حالات التمييز العنصري في مواجهة الأقليات الدينية والعرقية، ومن ممارسات حاقدة ومتطرفة ضد الأجانب، وخاصة منهم المهاجرون الباحثون عن العمل، وعن الحياة الكريمة، مما يحول دون تحقيق تواصل إيجابي بين الشعوب، ويولد الأحقاد، ويفجر أعمال العنف.
وعلى الصعيد الدولي، فإن ما يطبع علاقات الدول من عدم التكافؤ، وترجيح مصالح التكتلات الدولية الكبرى، ونزعة الهيمنة واستعمال القوة، ينعكس بكيفية سلبية على دول العالم الثالث، وخاصة منها التي لا تزال تائهة غي البحث عن طريق النمو، أو لا تحسن استعمال مواردها، أو تفتقر لمقومات النهوض الذاتي، مما يجعلها عرضة للهيمنة والاستغلال من طرف الدول العظمى، ليس بحكم ما لهذه الأخيرة من قوة اقتصادية فحسب، وإنما كذلك بسبب نفوذها السياسي داخل المحافل الدولية،
فتأتي ممارساتها في كثير من الأحيان مناقضة لقيم التسامح، ومبادئ حقوق الإنسان التي يتحدث عنها المنتظم الدولي وهيئاته المختصة، وتنعقد بشأنها العديد من المؤتمرات، وتدرج قواعدها ضمن صكوك ومواثيق دولية تبقى سجينة الإطار النظري، أو تستعمل سلاحا من طرف الدول العظمى، والمؤسسات الدولية الخاضعة لهيمنتها، في مواجهة بعض الأنظمة السياسية في دول العالم الثالث، بقصد ابتزازها، أو عزلها داخل المجتمع الدولي.
لذلك وكلما غابت ثقافة الإقرار بالتعدد والاختلاف والتكافؤ والحوار والمشاركة داخل أي مجتمع، إلا ويتسع المجال أكثر أمام ظاهرة عدم التسامح، ويلاحظ في الدول المتخلفة على الخصوص أن سلوك الأفراد والجماعات مازال متأثرا إلى حد بعيد بثقافة التسلط والهيمنة، وادعاء امتلاك الحقيقة، لأن التربية العائلية ما زالت تقوم في الغالب على سلطة الأب ووجوب طاعته،
وعدم المشاركة من طرف باقي أفراد الأسرة فيما يقرره، كما أن التربية في المدرسة ما زالت تقوم على التلقين، وتصور المعلم بأنه لا ينطق إلا بالحقيقة، ولا يفوه إلا بالمسلمات التي لا تحتاج إلى نقاش، ولا تقبل رأيا مخالفا ، والنشاط الديني لبعض الجماعات يقوم على التشدد والغلو والتطرف، وتكفير من لا يشاطرونهم نفس الأفكار المتطرفة، والابتعاد عن المجادلة بالتي هي أحسن، والتنكر للاجتهاد؛ وكذلك بالنسبة للطقوس التقليدية للعمل بالإدارات ومؤسسات الشغل بمختلف أنواعها وأحجامها
تأتي أهمية البحث في تحقيق الأهداف التالية:
ولكي تلعب المدرسة دورها بنجاح في إشراب الأجيال بقيم التسامح والتفاهم والتعاون والتضامن وحقوق الإنسان، فلابد أن تتكامل التربية المدرسية مع تربية الأسرة، التي ينعكس ما يجري داخلها على سلوك الأطفال، وعلى طريقة تعاملهم مع أصدقائهم ومع المجتمع،
وبالنسبة للأطفال المحرومين من حنان الأسرة، فإن المؤسسات الاجتماعية التي تتولى رعايتهم، وتشرف على تربيتهم، ينبغي أن تبذل جهودا مضاعفة لتعويض دفء الأسرة من جهة، وضمان التنشئة السليمة التي ترسخ ثقافة الحوار والتواصل الإيجابي، الذي يقوم على التسامح من جهة أخرى.
ومثلما يحتاج الجيل الفتي للتربية والتنشئة داخل الأسرة، وفي المؤسسة التربوية والتعليمية، فإن الآباء والأمهات والمربين والأساتذة ينبغي أن يكونوا على بينة من أهمية قيم التسامح، وضرورتها لتهذيب السلوك وترويضه على احترام الغير، وحسن الإنصات للآراء المخالفة،
وتكوين الرأي المستقل، والتفكير النقدي البناء، والسعي للتفاهم، واعتماد الحوار، ونبذ الأنانية والإرهاب الفكري، وجميع أشكال التعصب والتشدد والإقصاء والكراهية والبغضاء.
فرضيات الدراسة: تنطلق الدراسة الراهنة من فرضية رئيسية هي:
التسامح هو الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا، ولأشكال التعبير، وللصفات الإنسانية لدينا
وتنطلق منها فرعيات
1- إن التسامح مسؤولية تشكل عماد حقوق الإنسان والتعددية
2- لا تتعارض ممارسة التسامح مع احترام حقوق الإنسان
منهجية البحث: من الأهمية بمكان: ان تستند البحوث والدراسات الي القواعد النظرية العملية التي تساعد الباحث علي توجيه بحثه الي الأسباب التوضيحية والعوامل المفسرة ل (موضوع البحث)
كما هي في دراستنا الراهنة منهج البحث العلمي، بأنه” فن التسلسل والتنظيم الدقيق للأفكار العديدة، وذلك من أجل اكتشاف الحقيقة وبرهنتها أمام الأخرين، فهي الطريق المؤدي لاكتشاف الحقائق في العلوم، وذلك بمجموعة من الإجراءات الذهنية للباحث،
فهو أسلوب هادف ودقيق ومنظم، يقوم باختياره التميز بالموهبة والإبداع، للكسف عن حلول لمشاكل في ظاهرة معينة.
لان اختيار المنهج كأن يكون منهجاً نظرياً، له أساس ومقومات واضحة بحيث يهدف لمعالجة مشكلة أو حدث أو ظاهرة معينة،
وذلك للوصول إلى النتائج الحقيقية لهذه الظاهرة، والمحاولة في إيجاد حل أو تطوير لهذه الظاهرة، مثل” المنهج التاريخي، المنهج الأخلاقي، المنهج الاجتماعي، المنهج الوصفي”.
الفصل الأول: مفهوم وممارسة التسامح
“إن مفهوم وممارسة التسامح تاريخيا مرتبط بقدم وجود التجمعات الانسانية منذ سالف العصور، فكما عرف الانسان الحروب والاعتداء والاختلاف والتعصب فقد عرف التسامح ايضا، وان تنوعت اشكال التعبير عنها بحسب العادات والموروث الفكري والثقافي للإنسان ضمن هذه المجتمعات، وقد تعاطف الكثير من الحضارات القديمة مع قيم التسامح وتطبيقه من خلال تشريعات كشريعة حمورابي المعروفة اضافة إلى الديانات السماوية كالإسلام، مثلما تناولته (الفنون / الشعر/ الادب) ونحوهما”.
“وهو ما دعا إلى تطور مفهوم التسامح من اطار ضيق ومحدود إلى مفهوم شمولي، يمتد إلى اوجه النشاط البشري جمعاء، حتى اعتبر وجود التسامح في عالمنا اليوم، هو الضامن الاهم لاستمرار التواصل الايجابي بين البشر جميعا مع وجود الاختلاف والتباين، حسب اعلان اليونسكو فالتسامح يعني (الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الانسانية لدينا)، فالتسامح يعني السلام والسلام يعني التنمية والتقدم والحرية للمجتمعات الانسانية”.
في المقابل ما زال تأثير ثقافة التسامح محدود الانتشار في العالم العربي على وجه العموم وفي العراق على وجه الخصوص، خصوصا ما بعد (2003) وصعودا، والتي اختزلت ممارستها بدراسات خجولة وانشطة ثقافية اقتصر مداها تأثيراتها الفكرية والثقافية على نخب قليلة، ناهيك عن ضعف مفاعيلها على الصعيد الاجتماعي والديني، بحكم ضعف البيئة القانونية والتربوية والتعليمية سواء على صعيد الدولة أو المجتمع أو الفرد، بحسب ما شخصه اهل العلم والبحث، ولعل الوصول إلى التسامح في مجتمعاتنا، يستلزم امرين مهمين..
الامر الاول: الاعتراف بالآخر، على اعتبار أن العلاقة بين الانا والاخر، هي علاقة تكامل وليست التعارض إلى درجة النفي المطلق بينهما.
الامر الثاني: التواصل مع الاخر لا يتم الا بلغة الحوار، ان كان هذا الاخر يحمل رايا مناقضا أو فكرا معارضا، بغض النظر عن شكل الحوار سواء كان الحوار سياسي أم دينيا أم ثقافيا.
“اما حق الاختلاف فيقسم العلماء الاختلاف بين بني البشر، على مستوى الافكار والتوجهات والآراء والمواقف، إلى عدة اسباب يمكن جمعها في موردين رئيسيين:
الاول: الاختلاف العلمي، ويعود الاختلاف في الرأي أو وجهة النظر العقلية أو العلمية، سواء كان خلافا فلسفيا أو فقهيا أو نحوهما، ويعد امرا طبيعيا بل وسبيلا لتقدم العلوم ونشأة الحضارات.
الثاني: الاختلاف المصلحي وهو حب الذات والمصالح الشخصية حيث الانا الفردية او المؤسسية، وهذا النوع من الاختلاف ينشا عادة بسبب تضارب المصلحة الشخصية أو مصلحة المؤسسة مع المصلحة القيمية أو العامة.
“وعلى هذا الاساس فالاختلاف امر طبيعي حاله حال التسامح، بل يمكن تحويله إلى ثقافة منتجة وايجابية، اذا انطلق الحوار من الثوابت المشتركة لا من نقاط الخلاف، وعلى قاعدة تقول (كلامنا صواب يحتمل الخطأ وكلام غيرنا خطأ يحتمل الصواب)، والتي تعني قبول الأخر مهما كانت درجة الخلاف والاختلاف،
ولعل القران الكريم بيّن في العديد من آياته المباركة هذا المعنى بالقول(لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، وقوله تعالى (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ)، وقوله تعالى (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حتى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)”.
“وحتى نصل إلى فهم قبول الاخر المختلف معنا، وعدم اجباره على الاعتقاد بما نعتقد به أو اعتناق ما نعتقد به بالإكراه او القوة، ينبغي مراعاة الاختلاف وعدم خروجه عن ضوابطه الاخلاقية أو العلمية أو الاجتماعية.
التسامح هو إحدى الأخلاق الحميدة التي يجب على المسلم أن يتحلى بها، فقد امر الله عز وجل به واعتبره من مكارم الأخلاق، وقد كان الانبياء يتعاملون مع الناس بالتسامح وال{افة والحُلم.
التسامح هو من أكثر الأمور التي تنتشر به المحبة والمودة بين الناس، إذ يعمل على تنقية النفوس من الشحناء والحقد والغل، ويُقوي العلاقات الإنسانية، ويُقلل من انتشار الجريمة، إذ يُصبح المجتمع أكثر ترابطاً وتكاتف.
التسامح شجرة باسقة تضرب جذورها في الأرض الطيبة، ولها أطيب الثمار، فيستريح الناس بظلها وتهدأ قلوبهم في حضرتها.
مفهوم التسامح
التسامح ومعناه تقبل الأفكار والمصالح التي تختلف عن الفرد ومصالحه وأفكاره، وهو تقدير للاختلاف الثقافي والتنوع في أشكال التعبير والصفات الإنسانية، فالتسامح اعتراف بحريات وحقوق الناس، وممارسة خُلق التسامح ليس تنازل عن كرامة أو تهاون في المعتقدات، بل هو قبول صور المجتمع المختلفة التي تتعارض مع الأفراد، بما يضمن ترابط وتفاهم أفراد المجتمع ككل.
أهمية التسامح والعفو
الناس الذين يُسامحون لديهم أدمغة أكبر حجما وأكثر فاعلية بحسب ما بينته دراسات العلماء، ففي التسامح الإمكانية على تقليل موت الخلايا العصبية، فالتسامح والمغفرة والعفو تعمل على زيادة المناعة والوقاية من الأمراض.
جعل الله التسامح نوع من أنواع الصدقات، إذ قال تعالى:" وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ"، العفو هي من صفات الله عز وجل إذ قال تعالى:" إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا".
التسامح يعمل على زيادة الرسائل الإيجابية في نفوس أصحابها، وإن كان الطفل كذلك فإننا نزرع البذرة الحسنة الصالحة في المجتمع التي ستزهر فيما بعد وتكون ظاهرة باعثة على التفاؤل والتراحم بين أبناء المجتمع.
التسامح وأثره على الفرد والمجتمع
التسامح من الأخلاق الحميدة التي حثنا ديننا الإسلامي الحنيف عليها، فالشخص المتسامح محبوباً بين الناس، فلا يحمل في قلبه أي بغضاء ولا شحناء ولا ضغينة ولا حقد، والشخص المتسامح يكون من الأشخاص الأقوياء الذين يملكون القول الرحيمة والمليئة بالغفران والحب، فيترك المتسامح الأثر الإيجابي الجميل في المجتمع.
المتسامح يدخل إلى قلوب الناس دون تكلف أو عبء وإرهاق لهم، فالشخص المتسامح يمنح الاشخاص الذين يتعامل معهم الشعور بالارتياح والسرور، إذ إن التعامل بالمسامحة والعفو تعمل على زيادة ترابط أفراد المجتمع.
كيفية تعلم التسامح
يُمكن للإنسان تعلم المعاني القيمة للتسامح ويكتسب المهارات العظيمة في العفو والرحمة والمغفرة، إذ يُمكن للأهل تعليم أبنائهم التسامح من خلال ما يلي:
الانتباه إلى تصرف الأطفال وتعديل تصرفاتهم بما يُوافق المجتمع، ودب روح المسامحة والعفو في نفوسهم.
الأخذ بعين الاعتبار الأثر القوي لوسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها من الثقافات المختلفة، والحرص على اختيار الألعاب والموسيقى والكتب.
لغة الرفض وخيبة الأمل من الصور النمطية السيئة التي يُمارسها البعض ضد الأشخاص المختلفين في الوسائط المختلفة.
الإجابة على أسئلة الأطفال الخاصة بالتسامح بصدق وأمانة، ليتعلموا المناقشة والتفاهم.
تشجيع الأطفال على اللعب مع الأطفال، من خلال التحاقهم بالمخيمات الصيفية، أو من خلال تسجيلهم في المدارس المتنوعة عرقياً.
تعليم الأطفال أهمية التسامح وقيمته وترسيخ حقوق الغير في نفوسهم.
احترام التقاليد والقوانين الخاصة بالأشخاص والعائلات.
استخدام كلاً من الثواب والعقاب في تعليم الأطفال كيفية إصلاح أخطائهم.
التسامح شجرة راسخة في الأرض، جذورها طيبة وتعطي أروع الثمر، وتُريح الأشخاص تحت ظلها، وتهدأ القلوب، التسامح كالحقل المليء بالورد ينشر العطر الفواح بين الناس، ويزيد من الطاقة الإيجابية بينهم، فأينما كان الخير كان التسامح والعفو.
التسامح يدخل للقلوب الحزينة فيعمل على شحنها بالفرح والسرور، ويُزيل عنها الطاقة السلبية، ويمنحها التفاؤل، ويُشعرها بالأمان والبعد عن النزاعات والخصومات، ويغرس الخير في كل مكان.
التسامح والعفو والمغفرة هي من الصفات التي وصفها الله لعباده المؤمنين الصالحين، فله الأثر الجميل والرائع على الإنسان تصرفاته وسلوكه.
يعد التسامح هو صورة التكيف التي بمقتضاها تميل الجماعات المتعارضة إلى الانسجام المتبادل، وتحاشي الصراع من أجل التوصل إلى حل عملي،([1]) في ظل مبدأ عدم التدخل في معتقدات وتصرفات الآخرين التي لا يحبذها المرء. ومن ثم فإن قضية “عش واترك الآخرين يعيشون” تعتبر مثالا مبسطا على التسامح.
وتوجد درجات متنوعة لمبدأ عدم التدخل، أولها أن يتجاهل المرء الآراء والأفعال التي لا تناسب طبيعته، وثانيها أن يعبر عن عدم تحبيذه لها، وثالثها أن يحاول دحض الآراء والأفكار التي لا يستسيغها.([2])
والتسامح من القيم الأصيلة في ثقافة الديمقراطية، إذ إن الحريات الثلاث المرتبطة بالتفكير والتعبير والتدبير، تنطوي على تسامح مع المعارضة السياسية، أو مع الآخر المختلف معنا في الاتجاهات والتوجهات. ويوصم بالتعصب والاستبداد كل من يحاول أن يحرم المعارضين من التعبير اللفظي والحركي عن أنفسهم، ما دام قولهم وفعلهم لا يخالف القانون، ولا يشكل اعتداء على حريات ومصالح الآخرين.
وقد وضع “جون لوك” وهو من كبار الفلاسفة المدافعين عن التسامح الديني في وجه تعصب الكنيسة وتجبرها، مجموعة من الضوابط، التي لا يمكن تعديها حتى يصبح التسامح قيمة إيجابية، ولا ينزلق إلى التساهل أو اللامبالاة أو حتى ما هو دون ذلك بكثير.
ومن هذه الضوابط الترويج لمعتقدات وأصول تهدد بتدمير المجتمع، وإشاعة الإلحاد والفوضى، وتدمير بنية الدولة وتعريض مصالحها الوطنية للخطر، والتعدي إلى أموال الآخرين وحرماتهم، وإبداء الولاء لحكام أجانب، ما يعني خيانة الوطن،([3]) والخيانة ليست وجهة نظر، بل جريمة بشعة، لا يجب التساهل أبدا في عقاب مقترفيها.
وأقر الإسلام في نصه ثقافة التسامح من خلال تأكيده على مبادئ الإخاء الإنساني، والاعتراف بالآخر واحترامه، والمساواة بين الناس جميعا، والعدل في التعامل مع الناس بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية واللسانية، وإقرار الحرية المنظمة. وهناك عشرات الآيات القرآنية التي ترسخ هذه المبادئ.([4]) أما على مستوى الفلسفة الإسلامية،
فربما يكون الكندي من أكثر من أقروا ثقافة التسامح حين دعا إلى منطلقات خمس هي: ضرورة البحث عن الحقيقة لذاتها، وعدم إحاطة رجل واحد بالحقيقة بل قد لا يحيط بها الجميع، وتعرض الكل للخطأ، كما أن الوصول إلى الحقيقة يتطلب مشاركة الناس جميعا، وأن التسامح ضرورة من أجل تحصيل التقدم.([5]) لكن كثيرا من الممارسات التي قام بها أغلب حكام المسلمين، ومن تحلق حولهم من الولاة والأتباع، افتقدت إلى روح التسامح، وخالفت الكثير مما جاء في النص القرآني الكريم.
وقد اختلف مفهوم التسامح في الماضي عما هو عليه الآن. فمن قبل اكتسى هذا المفهوم بطابع أبوي، ولم يكن ناجما عن تطبيق مبدأ أو فكرة عظيمة وعميقة إنما مجرد سلوك فاضل، ما يعني أن هناك طرفا لديه اليد الطولي على طرف آخر، وأنه يتسامح معه من قبيل العطف والشفقة أو فعل الخير. من هنا تبدو فكرة التسامح مرتبطة بالتعالي والازدراء بل والطغيان، إذ إننا حين نقول لشخص إننا نتسامح مع ما يفكر فيه، فهذا معناه أن تفكيره لا قيمة له، لكننا سنغض الطرف عن ذلك من قبيل المجاملة.([6])
أما اليوم فقد تغيرت النظرة إلى المفهوم منذ أن ارتبط بشعار “الحرية والمساواة والإخاء” الذي رفعته الثورة الفرنسية، حيث تخلى عن الطابع الأبوي، وأصبح يقوم على “الحق” الذي لا تفريط فيه، ويرتبط بالمواطنة، التي تعني عدم التمييز بين الناس على خلفيات تتعلق بالدين والمذهب والعرق واللغة والوضع الطبقي، ولا يرتبط بالمزاح الشخصي ويجعل منه أساسا لإقرار التسامح وكفالته.([7])
وفي دورته الثامنة والعشرين التي استضافتها العاصمة الفرنسية باريس في نوفمبر من عام 1995 اعتمد المؤتمر العام لمنظمة اليونسكو تعريفا شاملا للتسامح يرى فيه ما يلي:
1- التسامح هو الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا، ولأشكال التعبير، وللصفات الإنسانية لدينا. ويتعزز هذا التسامح بالمعرفة والانفتاح والاتصال، وحرية الفكر والضمير والمعتقد. وأنه الوئام في سياق الاختلاف، وهو ليس واجبا أخلاقيا فحسب، إنما هو واجب سياسي وقانوني أيضا. والتسامح هو الفضيلة التي تيسر قيام السلام، يسهم في إحلال ثقافة السلام محل ثقافة الحرب.
2-لا يعني التسامح المساواة أو التنازل أو التساهل، بل هو قبل كل شيء اتخاذ موقف إيجابي، يتم فيه الإقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوق الإنسان وحرياته المعترف بها عالميا. ولا يجوز بأي حال الاحتجاج بالتسامح لتبرير القيام بانتهاك القيم التي تؤمن بها جماعة ما وترتبط بمصالحها وخياراتها الوطنية. فالتسامح ممارسة يجب أن يأخذ بها الأفراد والجماعات والدول.
3-إن التسامح مسؤولية تشكل عماد حقوق الإنسان والتعددية، بما في ذلك التعددية الثقافية، والديمقراطية وحكم القانون، وهو ينطوي على نبذ الدوجماتية والاستبدادية، ويثبت المعايير التي تنص عليها الصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.
4- لا تتعارض ممارسة التسامح مع احترام حقوق الإنسان، ولذلك فهي لا تعني تقبل الظلم الاجتماعي أو تخلي الفرد عن معتقداته أو التهاون بشأنها، بل تعني أن المرء حر في التمسك بمعتقداته، وأنه يقبل أن يتمسك الآخرون بمعتقداتهم. والتسامح يعني الإقرار بأن البشر المختلفين بطبعهم في مظهرهم وأوضاعهم ولغاتهم وسلوكهم وقيمهم، لهم الحق في العيش بسلام، وفي أن يطابق مظهرهم مخبرهم، وهو يعني أيضا أن آراء الفرد لا ينبغي أن تفرض على الغير.
وحتى لا يكون التسامح الذي ينشده الخيرون من الناس مجرد كلام معسول أو انقلاب مفروض على اختلاف الآراء والمعتقدات، وهي مسألة واقعية من دون شك، يتعين إيجاد رأي ثالث أو وسيط، كي لا تكون الآراء مشدودة بين حدين متنافرين، بما يصنع استقطابا شديدا.
ومن شأن توفير هذا الرأي الوسيط هذا أن يعمل على استقرار التسامح وتوازنه وتجاوزه للنزعة الأنانية، فردية كانت أو جماعية.([8])
وهذا لن يتحقق إلا بعد تعاقد راسخ البنيان بين المجتمع والسلطة، وبين مفردات الجماعة الوطنية نفسها، تتم ترجمته في الدستور والقوانين المكتوبة أو العرفية، وهو ما يبلغ رشده في سياق إطار سياسي ديمقراطي سليم.
وهناك عدة مفاهيم تربطها صلات مختلفة بمفهوم التسامح، وينظر إليها البعض باعتبارها مترادفات له، نظرا لأنها تتشابك معه، بما يؤدي إلى تداخل طرق فهم التسامح، إلى درجة أن الاختلاف حول هذا التسامح يمكن أن يفهم باعتباره صراعا بين هذه المفاهيم، والتي تشمل التساهل والتعايش والسلام الاجتماعي والمجاراة والاحترام والتقدير والحلم والاعتدال وقبول الآخر.([9])
لكن أي من هذه المفاهيم على أهميتها لا تغني عن التسامح، ولا تحل محله، بل تساعد على فهمه، وتشرح بعض جوانبه، لكنها تظل طيلة الوقت أقل وأضعف من أن تنسخه، أو تزيحه تماما. ولا يمكن لعاقلين أن يختلفا على أن التعصب آفة، لأنه يأكل عقل الفرد وروحه، ويشتت جهد الجماعة الوطنية في معارك فرعية، بعضها قد يتسع ويستفحل ليهدد مصير الوطن نفسه. ولهذا فعلينا أن نتعلم كيف نتسامح مع الآخرين، وندرك أن هذه فضيلة لا يمكن التفريط فيها، وأنها كعادة كل الفضائل تقع في منزلة بين المنزلتين، أي في منتصف المسافة بين التعصب واللامبالاة. لكن هل التسامح في بنيته والحديث عنه والتعويل عليه والاستفادة منه، هو أمر حقيقي في كل الأحوال؟
ابتداء فإننا حين نطالع كلمة “تسامح” في الكتابات السياسية والاجتماعية والنفسية نستحضر صورة الفرد الهاش الباش في وجوه الآخرين، القادر على استيعاب ما يقولونه، مهما بلغ مدى اختلافه مع آرائه وأفكاره، المتفهم لطبيعة تنوع البشر، والمؤمن بالحقوق المتساوية للجميع، لكن كثيرا من جوانب هذه الصورة لا يمثل الواقع أو الحقيقة،
التي تشي بأن هناك مسارات مضمرة أو خفية للتعصب، يحاول الناس في مجتمعات عديدة أن ينكروها، أو يواروها، أو يخففون من وطأتها، ما يعني أن أمام البشرية طريقا طويلا شاقا في سبيل بلوغ الحالة المثلى من التسامح، وقبول الآخر.
إن الفرد المتسامح الذي يطل علينا من قلب الكتابات التي تعالج هذه المسألة في المجتمعات المنفتحة والديمقراطية عليه عبء إثبات التقبل النفسي لفكرة أو مبدأ التسامح، بعيدا عما تظهره نصوص القوانين أو القواعد العامة التي تعمل بها المؤسسات أو تفهم التيار الاجتماعي العريض والأساسي لحقوق المواطنة، التي تعني عدم التمييز بين الناس على أساس الدين أو العرق أو اللغة أو الجهة أو الطبقة أو اللون.
وطالما أن هذا العبء قائم تظل فكرة التسامح ذات طابع مجازي، يضيق ويتسع بقدر ترسخ هذه الفكرة في النفوس والضمائر، وهو مسار تهندسه التنشئة الاجتماعية أكثر مما تفرضه القوانين وقواعد الممارسة السياسية السلمية القائمة على تفهم التعدد، وفتح الباب طوعا أمام الحراك الاجتماعي السوي، والإيمان بأسلوب تقسيم العمل، وتداول النفوذ، وانتشار القوة في المجتمع، وحق الجميع في حيازة ركائزها المادية والمعنوية والرمزية.
والتنشئة الاجتماعية تتحكم فيها معارف وقيم مستمدة، في جانب فيها، من تقاليد وأعراف وصور نمطية وموروثات وأفكار متداولة وطقوس وطرائق عيش وتجارب تاريخية وأساطير تغالب أو تزاحم القوانين والقواعد التي تضعها النظم السياسية، أو تعمل الدولة على تطبيقها، بما يجعل القول بوجود المجتمع المتماهي تماما مع التسامح، أو المتفاني في سبيل إنجازه على أكمل وجه، محض ادعاء،
وإن كان هذا لا يجعلنا ننكر الجهد الذي بذلته بعض المجتمعات في سبيل الارتقاء النفسي للأفراد كي يقتربوا من التسامح بمعناه ومبناه الأفضل.
وهذا الادعاء يفرض نوعا من المبالغة، أو خلق الصور المشجعة، أو التعمية على الهوة أو الفجوة القائمة بين ما ينبغي أن يكون وهو ما كائن بالفعل عند كثير من الأفراد، يتساوقون ظاهريا مع فكرة التسامح، ويسلكون أحيانا ما يوافقها أو يحقق ولو الحد الأدنى منها، بينما هم في حقيقة أنفسهم غير مقتنعين بها بشكل حاسم وجازم ونهائي.
فكثير من الدراسات النفسية والاجتماعية والسياسية والتربوية التي أجريت في المجتمعات الديمقراطية برهنت على أن هناك دوما جانبا غير معلن لدى كل فرد حين ينظر إلى غيره من المختلفين طبقيا أو عرقيا، لاسيما أن فكرة التسامح ذاتها تحمل في طواياها ونواياها الإقرار بالتفاوت، لأن من يبدي التسامح يفترض، ولو ضمنا، أنه في مرتبة أعلى ممن يتسامح معهم، أو يسامحهم، بل قد يصل الأمر إلى حد نظره إليهم على أنهم مخطئون ولابد من التغاضي عن أخطائهم أو تفهمها أو منحهم الفرصة لتصحيحها أو تقبلها على حالها هذا ولو إلى حين.
لا يعني هذا بالطبع أن تصوير التسامح في اكتماله ليس عملا ضروريا ومشروعا، ولو من قبيل التمسك بأهداب المثل العليا أو السعي إلى بناء مجتمعات فاضلة أو أكثر اتزانا وتوازنا وعدلا وحرية وإرساء للحقوق العامة والفردية للمواطنين كافة.
وفي ركاب هذا التصوير ينفتح المجاز على مصراعيه، كي يتدفق الحديث عن “الإنسان الكامل” و”الفرد المتحضر” و”المجتمعات العادلة” و”المساواة التامة” و”المواطنة الشاملة”، كي ترسم صورة براقة تمثل الحد الأعلى الذي يسعى الناس إليه في كل زمان ومكان، أو هكذا ينبغي لهم أن يفعلوا.
فهذه التركيبات أو التعبيرات تنطوي على مجاز واضح، إذ لا يمكن أن يكون الإنسان كاملا إلا على سبيل الافتراض أو المجاز، لأنه ليس إلها، ولن يكون، فكثير من العوامل الجينية والمكتسبة المعقدة تمنع هذا الكمال. كذلك لا توجد مجتمعات عادلة، إذ إن المجتمع مجبول بطبعه على ألوان متعددة من الصراع،
وغاية ما تفعله المبادئ الديمقراطية وإعلاء القانون هو تقليل هذا الصراع إلى الحد الذي لا يحمي المجتمع من الانهيار في “حرب الكل ضد الكل”، كما أن إضفاء صفة التمام على المساواة يصورها وكأنها شيء مادي يخضع لمقياس منضبط، وكأن الفردين المختلفين عرقيا أو دينيا داخل مجتمع ما عبارة عن قطعتين من خشب أو بلاستيك، بوسعنا أن نجعلهما متماثلين في كل شيء، الطول والعرض والسمك، والوزن والحجم واللون.
و”المواطنة” إن كانت مبادئها يمكن أن تطبق على أفضل وجه ممكن، فليس من الممكن أن يتسم هذا بالشمول إلا في الخيال والتصور المجازي، الذي يعتقد أصحابه أن بوسعهم أن يسدوا كل الذرائع، ويتمموا كل الشروط اللازمة، ويغلقوا كل الثغرات فيحققوا الشمول.
وحين يتحدث السياسيون بهذه التعبيرات فإنهم يدركون جيدا الفرق بين دغدغة مشاعر الجماهير أو خداعهم أو إلهائهم، أو حتى الحديث عن الينبغيات، وبين ما يجري في الواقع، من منطلق فهمهم للهوة الموجودة دوما بين “الرغبة” و”القدرة”، أو ما في مكنتهم أن يفعلوه الآن، وما يستطيعون فعله غدا،
فإن كان السياسي يطلب من الناس أن يتسامحوا فهو ليس من الحماقة كي يعتقد أن ما يطلبه ستتم تلبيته في الحال، وأن ما يتفوه به، كنوع من حث الناس على التسامح، يعني إقراره بأنهم قادرون في كل الأحوال على الامتثال لمطلبه هذا.
فكثير ما حفلت الصور والسرديات السياسية والألوان الفنية والأدبية بمحاولات لا تنقطع لإظهار قوة التسامح في مجتمع ما، أو بين حضارة وبقية الحضارات، وثقافة وسائر الثقافات، وعرق ومختلف الأعراق الأخرى.
وكان صانعو هذه الصور المجازية، ولا يزالون، مؤمنين بأن ما يقدمون عليه ليس نوعا من الخداع أو الكذب أو التضليل أو مجافاة الحقائق الاجتماعية الخفية والظاهرة، إنما هو ضرورة لصناعة التماسك الاجتماعي، وضرب المثل على إمكانية قيام حياة أكثر تسامحا.
لا يعني هذا أن هؤلاء الصناع المهرة غير مدركين لقيم التعصب وصوره المستقرة في أعماق النفوس، وفي التصرفات والتدابير الحياتية المفصلة، إنما على العكس من ذلك تماما، إذ أن إدراكهم لهذه الحقيقة هو ما دفعهم إلى رسم تلك الصور الناصعة، التي تجعل الأبيض ينظر إلى الأسود على أنه مثله تماما،
وتجعل الثري يرى أن الفقير لا يقل عنه في أي شيء، وتعزز إدراك معتنق دين بأنه ليس بأفضل من معتنقي الأديان الأخرى، أو حتى على مستوى المعاني، كأن ينظر إلى لغة على أنها أعلى وأكمل من بقية اللغات، ليس على مستوى بنيتها وأجروميتها وثراء معجمها، إنما في قدرتها على أن تكون لسانا أو نطقا يحقق أهداف استعمال اللغة في أي مجتمع من المجتمعات البشرية المعاصرة.
لكن مهمة هؤلاء ليست يسيرة، إذ عليهم أن يبذلوا جهدا فائقا في فهم وتحليل الإدراكات المتبادلة المحملة بشحنات من الصور والمفاهيم والتصورات والرواسب التي صنعها البشر على مهل، واكتسبوها على مدار سنوات طويلة خلال تنشئتهم في رحاب الأسرة والمدرسة وإنصاتهم ومشاهدتهم لوسائل الإعلام وحصيلة قراءاتهم أو مطالعاتهم الخاصة.
فإذا التقى أوروبي وعربي، أو تزاملا في دراسة أو عمل أو رحلة، أو تشاركا في مشروع اقتصادي، فإن كلا منهما، ليس بوسعه أن يصفي ذهنه تماما من تلك الرواسب، حتى لو كانت تنطوي على صور نمطية جاهزة ومعلبة مغلوطة أو صنعت في معامل المخابرات أو وفق المصالح السياسية المتصارعة أو المتنافسة، والتي تضرب بجذور عميقة في التاريخ.
وداخل المجتمع الواحد، ليس بوسع الأبيض في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، أن يتجنب الأحجار الثقيلة التي تلقيها طرق التنشئة وقيمها أمامه وهو يتحدث أو يتفاهم أو يتشارك مع آخر أسود، هو مواطن مثله، له الحقوق نفسها، وعليه الواجبات ذاتها.
وعلى النقيض من هذا ليس بوسع الأسود أن يجرد باله من كل ألوان الريبة في أن هذا الأبيض لا ينظر إليه كما ينظر إلى أبيض مثله. فهؤلاء يجهدون أنفسهم أحيانًا لإجبار قلوبهم على التسامح لكن شيئًا فيهم يظل قلقًا ومعلقًا بالذاكرة كالرماد.
وإذا كان هذا على مستوى نفسية الأفراد، فإن مفهوم التسامح في معناه القابل للتطبيق يواجه تحديات شديدة، تجعل تطبيقه حتى في المجتمعات الأوروبية والأمريكية ليس بالأمر الهين، فهذه المجتمعات تعاني من اتجاهات تعصبية أفرزتها الليبرالية، مثل “النازيون الجدد” وكارهي المهاجرين من المنتمين إلى الأحزاب اليمينية، واستمرار النظرة إلى السود والأسيويين وذوي الأصول الإسبانية في المجتمع الأمريكي على أنهم أقل درجات من البيض.
ولأن أتباع هذه الاتجاهات يتمسكون بحق التعبير عنها، والدعوة إليها، باعتبارها من مبادئ الديمقراطية،
فإن مبدأ التسامح يجد ما يضاده من داخل الثقافة أو الأيديولوجية ذاتها التي تدافع عنه، لاسيما مع إقرارها بأن الفرد هو سيد تفضيلاته واختياراته، وبذا يبقى من حقه وحده أن يتسامح مع غيره أو يرفض هذا، تعبيرا عن حريته في القبول والرفض.([10])
في الوقت نفسه هناك من يعتقدون أن الإفراط في التسامح ليصبح تساهلا، يؤدي إلى نتائج سلبية للمجتمعات، من قبيل أن التسامح مع الذئب يعني ظلما تاما للحمل، وهناك من يطالبون بالتسامح، لكنهم في الوقت نفسه يدعون إلى عدم نسيان الأذى والأسى، بل إمكانية تذكره دون إبداء امتعاض.
في الوقت نفسه فإن السلطات الحاكمة تجد نفسها مضطرة إلى رفض التسامح مع التوجهات الجماعية التي لا تريد الاندماج أو التكيف مع التجمعات الأخرى، خوفا على تماسك المجتمع، حين تؤدي الولاءات المتعددة إلى تناحر، لا يشكل خطرا على الدولة فحسب، بل أيضا على النموذج الليبرالي برمته.
وإزاء هذا يقوم الأفراد داخل هذه المجتمعات بالتعبير عن تعصبهم بطرق غير مباشرة، في وقت تنطق فيهم ألسنتهم أعذب الكلام عن فضائل التسامح وضرورة الإيمان القاطع به. فهناك دراسات بينت أن هناك مؤشرات سلوكية مواربة أو خفية للتعبير عن التعصب، مثل الانحيازات اللغوية، والتخاطب بالعين، والسلوكيات غير اللفظية، والتي يمكن أن تكون عرضة للتحكم المقصود، والتعبيرات الضمنية.([11])
وتوجد دراسات أخرى أظهرت أن التفاوت بين التعصب الضمني والعلني لا يعود بالضرورة إلى أسباب خارجية، إنما قد يكون نابعا من الذات، أو يرجع إلى بواعث داخلية، تقوم على القيم الراسخة، والميول النفسية، وتعمل على أنها “منشط تلقائي” يدفع إلى عدم التسامح،
مع أن الأشخاص الذين يحملون هذه الصفات يتبنون في العلن اتجاهات تتعلق بالمساواة، كي يحافظوا على صورتهم الذاتية كأشخاص متسامحين متحضرين، فإن ظهر تعصبهم الخفي في موقف ما، لم يعدموا وسيلة لتبريره أو تأويله بما لا يجرح صورتهم المجازية. وبهذا يبقى التصور، الذي يطلب إما تسامحًا تامًا أو لا تسامح على الإطلاق، ذا طابع مجازي،
لأن التسامح لا يكون مطلقا، لكثير من الأسباب التي تم إبداؤها سابقًا، لكن لا بأس من مجاز ينطوي ظاهره أو باطنه على حض الناس على الترقي في سلم التسامح إلى مستويات عالية.
الفصل الثاني: التعسف بحق الاختلاف يؤدي إلى عدم التسامح
أن الركيزة الاولى هي التعارف، بالتالي هذا التعارف وهذا البناء أي بناء جسور الثقة بين جميع مكونات الطيف العراقي، هذه بمثابة الخطوة الاولى للوصول إلى ثقافة التسامح، مع شرط أن نتبنى نظاما تربويا يقدم الحالة العامة على الحالة الخاصة بطريقة صحيحة، فاذا تم تنفيذ هذا المنهج سنصل إلى ثقافة تسامح ممكنة.
أن الاختلاف هو حقيقة انسانية موجودة وطالما اكدها القران الكريم وأقرها الاسلام، لكن عندما نتكلم عن البعد الاجتماعي وتحديدا في العراق، فهذا لا يشكل حيزا كبيرا في قاموس ووجدان المجتمع العراقي، وبجميع مناحيه الاجتماعية والدينية والثقافية والفكرية وحتى العقائدية، ولابد أن نعود للنموذج الامثل في التسامح والتقارب،
بالإضافة إلى ذلك أن التسامح هو مفهوم اخلاقي جميل، لكن بحدود هذا المعنى لابد أن نحدد انواع الاختلاف وحجم ذلك الاختلاف، وسواء كان في العقيدة أو الفكر أو في القضايا الاجتماعية، التي هي جزء من مخطط سياسي يهدف إلى تقسيم الواقع العراقي على شكل قومي وطائفي”.
يجب تعديل المناهج التربوية والتعليمية، ثانيا نحن بحاجة إلى تعديل وسن تشريعات من اجل نشر ثقافة التسامح والتمدن، ثالثا نحن بحاجة إلى اصلاح في مؤسسات الدولة، خاصة تلك المؤسسات التي كانت سببا في ضياع فرص التسامح كالمؤسسات العشائرية والدينية، رابعا نحن نحتاج إلى بناء قيادات اصلاح مجتمعي كي تبنى روح التمدن”.
أن الاختلاف هو امر طبيعي والتسامح هو شيء مكتسب، وذلك باعتبار أن التسامح يأتي من بعد حق الاختلاف، لذا ينبغي علينا كأمة مسلمة ولنا جذور ضاربة في العمق لابد أن نوظفها ونستفيد منها، فالرسول الكريم (ص) يوم فتح مكة قال لخصومه (اذهبوا انتم الطلقاء) وهذا قمة التسامح، ولعل في قول القران (لكم دينكم ولي دين) قمة في التسامح، هذه روايات لزاما أن نبرزها للآخر وهذه هي ثقافتنا”.
“قانون العفو العام هو شيء من التسامح، كذلك العفو الخاص هو ايضا نوع من التسامح، لذا ينبغي أن نكون متسامحين ومتصالحين وأن نسير بمفهوم قبول الآخر، ايضا نحن نحتاج لبعض الأعراف العشائرية التي نتقاطع معها في بعض الاحيان وندعمها في مواطن معينة من مثل دفع الدية عن القاتل مقابل مبلغ مالي معين، هذا من شأنه يعلي ثقافة التعايش”.
أن مفردة التسامح هي مفردة انسانية عظيمة جدا، افضل من جسدها رسول الله(ص) واهل البيت عليهم السلام، فكان حري بنا أن نعود إلى سيرة وتراث اهل البيت عليهم السلام لمعرفة كيف تم تجسيد هذه المفردة قولا وفعلا، الاختلاف هو شيء مفروض على الانسان، ولكن الاختلاف بعنوانه المعرفي نحن بحاجة اليه، الشيء الاخر
أن مفردة التسامح تأتي عكس مفردة الانتقام، قال تعالى (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، بالتالي عندما تقابل الاساءة بالإحسان والتسامح، تجد حتى عدوك يأتي ليكون إلى جنبك وتزول العداوة والكراهية، وهذه هي غاية الاديان السماوية كي تعيش متحابة وفي امان”.
فالتسامح نحتاج اليه عندما يكون الشخص قد اخطأ بحقنا، اما الاختلاف فهو حالة موجودة يوميا باستمرار في داخل العائلة الصغيرة وإلى المجتمع الاكبر، بشكل عام التسامح وحق الاختلاف هي ثقافة يتربى عليها المجتمع، وهي ليست قانون يسن ومن ثم تأتي الجهات التنفيذية كي تطبقه، أو هو شعار يرفع ونقيس مدى تنفيذه، اذا هي نفس قضية الاديان والعشيرة والثقافة واللغة والتوجه، وبالتالي يستطيع الانسان أن يتقن ثقافة التسامح”.
“ثقافة التسامح ممكن أن تأتي مكتسبة ولكن بصعوبة، خاصة عندما تأتي في مجتمعات متشددة، لذا هذه الثقافة تحتاج إلى سيل من العمل وأن يكون عامل بها (فمعلم الناس بأفعاله خير من معلم الناس بأقواله”.
عندما نتحدث عن التسامح وحق الاختلاف كأننا نتحدث عن طرفين، فبعض الاحيان التعسف بحق الاختلاف يؤدي إلى عدم التسامح، فعندما اطالب انا شخصيا بالتسامح مع الآخرين لي، ماذا افعل؟ اتعسّف بحقي ولا اسمح للآخر أن يمارس حقه في الاختلاف، فنحن دائما ما نطالب الاخر بالتسامح واعطاء الحق بالاختلاف، فيمارس البعض الحق بعنف وتعسف واضرار بالآخر بهذا العنوان”.
وهذا هو الذي يحصل في الكثير من الاحيان، مما يؤدي إلى الاخلال بالتسامح، خاصة وأن التسامح يعني المصالحة بين طرفين، فحالة التسامح هي ضرورة من الطرفين، من اجل الحفاظ على السلم والامن الاجتماعي ولا تنبع من الذات، فالمجتمعات دائما ما تعيش حالة الاختلاف في السلم الاجتماعي وفي المصالحة الوطنية، فكل شخص يرى حقه في الاختلاف مما يؤدي إلى الصدام والصراع وإلى تفجر الوضع”.
أن مبدأ التسامح هو مبدا صعب التطبيق في مجتمعاتنا، بل على العكس اصبح الانسان اليوم هو اكثر تشددا رغم وجود التطور التكنولوجي، الذي من المفترض أن يقرب ما بين الافراد، السبل الكفيلة لتطبيق هذا المفهوم بالإضافة إلى ما ذكره الاخوة الحضور، فهناك تطوير المناهج العلمية حتى تنمي حالة الوعي الانساني لدى الفرد العراقي، وهذا النموذج لابد أن يتشكل من الاسرة اولا ومن ثم إلى المجتمع”.
ان تحديد المعايير وهو الذي يحول الاختلاف إلى عامل فاعل، بالتالي نجعل من المجتمع بدل أن يكون متصارع ومتضاد إلى مختلف ايجابيا، الشيء الاخر أن المعايير مفقودة فلكل شخص معايره الخاصة به، عند ذاك يصبح الفرد يعتمد على قراءته الفكرية وعلى مزاجه الخاص ليعممها على الاخر”.
و “نحن نحتاج لقوانين ضامنة للاختلاف، الشيء الاخر الاختلاف ما هو، فهل وضعنا له حدود معينة، وهل نؤمن بالاختلاف حقا، بالتالي يكون لدينا ايمان بحق الاختلاف، فضلا عن ذلك المجتمع العراقي لا يعيش حالة تسامح، فالمجتمع عنيف ويعيش حالة غضب حتى في الحوار، لذلك نحن عندما نتكلم عن التسامح دائما ما نجترح الامثلة من الارث التاريخي”.
و تفعيل حق الاختلاف والسير به نحو الجانب الايجابي، فاليوم مثلا لدينا في العراق تعددية حزبية وهذا هو حق الاختلاف السياسي، فنسعى إلى أن نصلحه بالجانب الايجابي، بدل أن ينحرف نحو الجانب السلبي، فلدينا احزاب اسلامية وعلمانية ويسارية وليبرالية، هذه حالة ايجابية وهي الطريق الامثل للوصول إلى الديمقراطية الحقيقية، اذا ما كنا ننشد الديمقراطية والدولة المدنية، المتدين فليذهب إلى تدينه والسياسي فليذهب إلى حزبه”.
فنحن ننشد ثقافة التسامح، وأن الخلاف ينبغي أن يكون ايجابيا وأن لا يكون سلبيا، أن يكون هناك نظام حزبي وأن نعمل على اصلاح القانون بما يؤمن لنا نظاما حزبيا متزنا وتمثيلا حقيقيا فيه بعض العناصر التي من خلالها أن نصل إلى نتيجة وأن نغرس الديمقراطية في ومن حيث تبدأ تنمو شيئا فشيئا حتى تصب إلى المجتمع،
أما ان نقفز على النتيجة وهذا هو التسامح الحقيقي الذي يمكن من خلاله أن نؤثر بالغير تأثيرا ايجابيا، وهكذا مع واقعنا اليوم السياسي والاقتصادي والثقافي، فكيف نصل بالمجتمع إلى أفضل حالاته نصل به من خلال توظيف الاختلاف،
وكيف نذيب هذه الانتماءات العشائرية ونجعل منها نقطة قوة، كيف نجعل الانسان يفتخر كونه عراقيا، وانه انسان قبل أن يكون منتمي للحزب الفلاني، هذه كله مرتبط بالإيجابية وترك السلبية”. يعتقد أن الاحكام واغلب القرارات التي نتخذها، هي ناتجة عن ارث في افكارنا، فننشأ عن الاخرين صور، وهذه الصور نؤطرها ضمن تخيلات وتطورات ونضع الافراد فيها، الان قد يكون للمجتمع
وللجو الذي نعيش فيه لا تكون عندنا احكاما مسبقة عن الاخرين ارث في افكارنا ضمن تخيلات وتطورات من ازمات ومن حروب في بناء هكذا وضع، ولكن بالنتيجة العامة الطبيعة العربية هي طبيعة قاسية وشديدة في التعامل مع الاخرين، فاغلب التصرفات ناتجة عن احكام مسبقة أو من تصور سريع لبناء فكرة سيئة”.
أن الاختلاف هو حقيقة، بالتالي يجب علينا أن نتعامل مع هذا الاختلاف كحقيقة واقعة، لكن متى يكون التعامل مع هذه الحقيقة ايجابيا ومتى يكون سلبيا، فالتعامل معها بطريق يكون ايجابي عندما يوظف هذا الاختلاف ليكمل بعضنا بعض، بالنتيجة من خلال الاختلاف نحن نستطيع أن نحقق السعادة الاجتماعية ونبني دولنا واسرنا وذاتنا بشكل صحيح، فهذا الاختلاف هو اختلاف ايجابي”.
“فالتسامح أن تجعل الشخص يؤمن بعشيرته ما دام لم يذهب نحو العنف، اليوم بعض الناس لا زالوا يعيشون في عصر البداوة، هل نطلب منهم العيش في المدينة وأن يركب سيارة، فلا يمكن، كل انسان له طريقته الخاصة في الحياة،
فالتسامح لا يعني الغاء التاريخ وأن المصالحة مع التاريخ هي مغالطة وهي قمة عدم التسامح، للأسف الشديد أن الليبرالية والعلمانية والسلوك القسري الذي يمارسه الغرب بعنوان المدنية، تؤدي إلى عملية صدام الحضارات وتأجيج الصراعات وعنف الهويات التي تريد أن تحمي نفسها من تأثيرات العلمانية القسرية، التي بعنوان الاندماج تحاول ان تلغي دينك”.
فالتسامح يعني احترام الهويات وان نسعى إلى فتح قنوات الحوار، ولكن أن تأتي وتفرض قوانينك وعقائدك وأفكارك الخاصة هذا هو قمة عدم التسامح، لذلك لابد أن نكون دقيقين في استخدام تلك المصطلحات وأن نحترم السلم الاجتماعي العام،
الخاتمة
ويمكن العمل على ترسيخ السلوك التصالحي، وقيم التسامح في الحياة اليومية لعامة الناس، عبر قناتين أساسيتين: أولاهما هي وسائل الإعلام العمومية، وبخاصة السمعية البصرية والتي تعد أداة حيوية في التوعية والتثقيف، وبالأخص في المجتمعات التي توجد بها نسب عالية من الأميين، والثانية هي العمل التربوي والتوجيهي والتكويني للأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، المؤطرة لمختلف الشرائح الاجتماعية،
ويمكن أن تكون مأمورية هذه الهيئات سهلة إذا كان قادتها ومسيروها يتشبعون بالثقافة الديمقراطية، ويقدمون من خلال ممارستهم، وأساليب تعاملهم، القدوة الحسنة في التحلي بسلوك قوامه التسامح والتواضع ونكران الذات، وعدم التعصب للآراء الشخصية، وفتح المجال للحوار والمشاركة والاستماع للآخرين، وقبول النقد، وحسن إدارة التعدد والاختلاف بجعله أداة إغناء فكري وليس سببا للتمزق والتناحر.
وهناك عدة عوامل تساعد على تهيئ المناخ المناسب لتجذير قيم التسامح في المجتمع وترسيخها في الحياة اليومية لعموم الناس ومن أهمها:
الديمقراطية السياسية، التي تقوم على التعددية العفوية وغير المفتعلة، وما تقتضيه من حرية الرأي والتعبير، وحرية الانتماء، واحترام حقوق الإنسان، والاحتكام لصناديق الاقتراع بكيفية دورية، والتنافس الشريف والمتكافئ بين الهيئات السياسية، وفصل السلط، واستقلال القضاء، وتداول الحكم، واحترام الآراء المعارضة، وضمان حقوق الأقلية، وشفافية تدبير الشأن العام. وإذا كان الاستبداد كعامل من عوامل عدم التسامح
قد أصبح منبوذا بمختلف أنحاء العالم في العصر الحاضر، فإن الديمقراطية الشكلية التي تأخذ بها عدة دول من العالم الثالث، لا تختلف عن الاستبداد في النتائج، حيث تكرس اتجاها أحاديا عن طريق تزييف الانتخابات وصنع الأحزاب والجمعيات، والدفع بها إلى الساحة السياسية، أو غير ذلك من الوسائل الهادفة لتمييع التعددية،
وقلب الموازين لصالح الاتجاه الأحادي، الذي يستبد بالقرارات ولا يتغير، مما يعوق التواصل الإيجابي بين مكونات المجتمع السياسي ويحول بالتالي دون إرساء التسامح في العلاقات.
2) سيادة دولة الحق والقانون، التي تضمن تساوي الجميع أمام الأحكام القانونية، ولا تترك المجال لأي انتقام أو عقاب بسبب التعبير عن الرأي، أو اتخاذ مواقف معارضة لذوي السلطة، أو انتقاد الرؤساء، ويؤدي التعود على احترام القانون لترويض سلوك المسؤولين وذوي النفوذ في أي مجال ،
وضبط ممارساتهم، فلا تبقى تحت تأثير الأهواء الخاصة، والنوازع النرجسية، التي تتأسس عليها ردود فعل بدائية، ومواقف انتقامية مجحفة، لأن القانون يرسم الحدود التي لا يمكن تجاوزها، ولو باسم السلطة أو النفوذ الرئاسي أو غيره.
ودولة الحق والقانون لا تعني وجود قوانين كثيرة، بقدر ما تعني وجود قوانين عادلة في مقتضياتها من جهة، وتطبق على أرض الواقع بالنسبة للجميع دون أي استثناء أو ميز من جهة ثانية ، وإن التصديق على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، واحترم مضامينها في الممارسة، وإعطاءها الأولوية في التطبيق على القوانين الداخلية، من شأنه أن يوحد آليات حماية كرامة الإنسان كصفة متأصلة في الكائن البشري، لا تتغير بتغير الأوطان، ولا باختلاف الأجناس والألوان .
ولا مجال لاستتباب دولة الحق والقانون، إلا بوجود قضاء مستقل عن أي سلطة، ويتمتع القائمون به بالنزاهة والاستقامة والكفاءة للسهر على حسن تطبيق القوانين، وإعادة الأمور إلى نصابها كلما حصل زيغ أو تجاوز من أي جهة، مما يضمن حقوق وحريات ومصالح الأفراد والجماعات، وينشر الاطمئنان
وعدم الخوف من الجور والظلم والشطط والتعسف، ويشجع الناس على الاحتكام للقوانين في حل منازعاتهم، وقبول الأحكام القضائية، بدل أن يركب كل طرف رأسه ويدخل في صراعات لانهاية لها مع خصومه.
3 التوزيع العادل للثروات عن طريق تكافؤ الفرص، وتساوي الحظوظ أمام الجميع، وتهيئ شروط السلم الاجتماعية، والتنمية المتوازنة والمستديمة، والتي تقوم على المشاركة في العمل المنتج، والاستفادة من الثمار.
أما إذا كان المجتمع يعاني من التفاوت الفاحش في مستوى العيش بين الطبقات الاجتماعية، وبين سكان المناطق المختلفة في البلد الواحد، ويترك نسبة كبيرة من الشباب عرضة للبطالة واليأس، ويلقي بأعداد هائلة من الأطفال في الشوارع، ولا يبالي بانتشار جيوب الفقر، ومظاهر البؤس والحرمان ،
فإن كل هذه الاختلالات تحمل في طياتها بذور عدم التسامح، وتنذر بالعنف والاضطراب وعدم الاستقرار.
ولتهيئ شروط إرساء التسامح على الصعيد الدولي، لابد من ضمان التكافؤ بين الدول، والحد من كل نزعة هيمنية، انطلاقا من إعادة النظر في ميثاق منظمة الأمم المتحدة، وبخاصة ما يتعلق بتركيب مجلس الأمن وطريقة اتخاذ قراراته والصلاحيات الموكولة إليه، وذلك بإعمال قوة المنطق، وليس منطق القوة؛
كما أن تحقيق التوازن وإقرار السلم في العالم، يتطلب وضع الضوابط المناسبة لإيقاف التزايد المهول في الفوارق بين الشمال والجنوب، وبناء العلاقات الدولية السياسية والاقتصادية والثقافية على أسس عادلة، تتوخى سعادة الإنسانية جمعاء، ولا تهتم بمصالح دول معينة فقط.
وننتهي في الأخير إلى أن الطموحات الرامية لإرساء قيم التسامح، مهما كانت تبدو بعيدة المنال، بسبب الممارسات التي تضرب عرض الحائط بالتعاليم الدينية والمواثيق الدولية، فإنها تبقى الخيار الوحيد الذي لا بديل عنه، لتخليص الحضارات الإنسانية من عوامل دمارها.
وأثبتت الدراسة بأن البحث متى يكون الاختلاف اختلافا سلبيا ولا يمكن التسامح معه، (شخص مثلي الجنس) يعتقد عنده ظروف خاصة،
بالتالي رايه محترم ما دام في اطاره الخاص، لكنه عندما يريد أن يبشر بهذا المبدأ ويهدد المجتمع ويهدد الاسر عندها لن اسمح له بممارسة هذا السلوك وسأحاربه، دكتاتور يعتقد انه هو يريد أن يحكم العالم، هذا الرأي محترم لكنه في حال توظيف هذه الفكرة لاستعباد البشر وتهديدهم سوف لن نسمح له بإتمام تلك المهمة ومحاربته، وهابي يناصب اهل بيت الرحمة العداء، نقول له هذا رايك ونحترمه، لكن أن توظف هذا العنوان حتى تبيح طائفة اخرى وتعتدي عليهم وعلى اعراضهم وأملاكهم ومستقبلهم، لا والله لن اسمح لك بهذا النوع من التبشير وسأحاربك”.”
والسبب لان الناس مختلفين معك، فانت لابد أن تحترم حقوق الناس بهذه الحدود، فطالما هم يحترمونك ويسمحون لك بالتعبير عن ذاتك وعن هويتك، هذا الامر شكل من بداية الخليقة، الله سبحانه وتعالى سمح للشيطان أن يختلف معه، وهو يعرف أن الشيطان على باطل والشيطان يعرف أن الله على حق،
ولكن اختلف مع الله سبحانه وتعالى لأسباب اخرى”.أن تحول التسامح إلى فاعل وأن الاختلاف ليس معيق، يمكن أن نضع ميزان محدد نعمل عليه وهو أن نؤمن باللاعنف المطلق، وهو يشمل العنف الجسدي واللفظي والفكري، بالتالي نستطيع التعامل مع كل الاختلافات بطريقة جيدة وطريقة ايجابية،
فهذا اللاعنف المطلق سوف يسمح بوجود الهدوء والصبر في التعامل مع الاخر، وهذه نقطة مهمة وقاعدة اساسية في عملية ادارة الاختلاف، البعض يدعو ومن خلال المدنية بعنوان العلمانية أو الليبرالية، هذا هو قمة عدم التسامح ان نطالب بإلغاء العشائر والغاء الدين والغاء التاريخ، انت عندما تطالب بالمصالحة مع التاريخ تلغي عقيدتي ،
التسامح أن نقبل بالآخر، اليوم مثلا تأتي فرنسا وتدعو إلى الغاء آيات من القران الكريم وهي الرائدة في العلمانية، هذا واقعا يعتبر تدخل في عقائد الاخرين، اليوم مثلا انا لا اطالب الهندوسي بإلغاء عبادته في عبادة البقر، ولا اطالب البوذي بأن لا يعبد بوذي، ولا اطالب من المسيحي بأن يؤمن بما أومن به (لكم دينكم ولي دين)، فلكل شخص طريقته وتفكيره الخاص”.
الاستنتاجات
فلا يمكن إرغام أحد المتعصبين لطائفتهم أو لقبيلتهم أو لفئتهم الاجتماعية أو لتيارهم الفكري على تغيير قناعاته بسهولة حتى لو حاول المتسامح سرد قائمة طويلة من الأسباب والتفسيرات والأدلة والبراهين العلمية الموثقة التي تكشف سلبيات التعصب وعدم التسامح.
هناك فعلاً في عالم اليوم أشخاص متعصبون ومنغلقون على أنفسهم للغاية ولا يرغبون في مد جسور التعاون البناء والتسامح مع الآخر المختلف،
فيرفضون احترام حق الآخرين في الاختلاف عنهم أو معهم!. المتسامح متنور فكرياً ومتفتح ذهنياً ويقبل بسبب طبيعته السمحة حتمية اختلاف آراء الناس وتوجهاتهم وأذواقهم ولكنه ربما سيقع ضحية لخطابات الكراهية التي يكافحها في مجتمعه.
المتسامح سيتحول أحياناً إلى ضحية للغلو وللتطرف ليس فقط لأنه يدعو لتكريس التعددية في بيئته الاجتماعية ولكن لأنه يشجع الآخرين على قبول ثقافة الاختلاف في مجتمعهم. من يدعو لنبذ التعصب في مجتمعه يمثل صوت الأغلبية الصامتة ويعبر عن مكنوناتهم الروحية وما تضمره قلوبهم المتسامحة بفطرتها السوية.
الإصرار على إظهار التسامح في مجتمع يمتلئ بالتعصب وبالتطرف وبقلة التسامح تعكس شجاعة فريدة من نوعها. يدل على شجاعة الفرد المتسامح تمكنه من تحرير عقله من سيطرة بعض السلوكيات العدائية في مجتمعه ومن بعض الرغبات الأنانية لسحق الآخر المختلف.
لا يولد الإنسان طائفياً او قبلياً أو طبقياً أو متعصباً،
وهو لا يولد كذلك وفي قلبه ذرة كراهية تجاه الآخر المختلف عنه، لكن تكرار خطابات الكراهية من حوله تؤدي أحياناً كثيرة إلى تعنته وتعصبه من دون أن تتاح له فرصة حقيقية لمعرفة نتائجها المدمرة أو التساؤل حول مشروعيتها الأخلاقية وفق التفكير الديني والفكري السليم
وما هو مقبول أخلاقياً ووطنياً في المجتمع. أختار اعتناق التسامح رغم خيبات أمله المتلاحقة، وأن أغادر الدنيا وليس في قلبي ذرة كراهية ضد أحد من الناس.
التوصيات
ومن اجل تحقيق ثقافة التسامح هناك جملة من التوصيات منها:
1- ضرورة معالجة المشاكل الاجتماعية التي تعاني منها الشخصية العراقية، والعمل على إزالة الفوارق بين الجنسين سواء في المستوى الثقافي او الطبقي من اجل بث أسس روح المحبة والتسامح في نفوس الافراد وتقوية أواصر العلاقات الاجتماعية بين الافراد.
2- الحث على العفو وتقديم الاحترام للأخرين وعدم الانتقام وقلع جذور الحقد والعدوان والكراهية من نفوس الافراد.
3- أن يتوجه الإعلام نحو تعزيز ثقافة التسامح في المجتمع لخلق وعي محب والحث على التمسك بكيان المجتمع ووحدته وقيمه.
4- والقيام بمراجعه شاملة لمحتوى المناهج الدراسية وتطويرها بما يمكننا من مواجهة اثار العنف الاجتماعية على حقوق الافراد.
4- ضرورة أن تتولى المؤسسة الدينية ترسيخ ثقافة التسامح من خلال الخطب الدينية والمحاضرات والمناسبات من اجل تعريف دول العالم بالإسلام الانساني.
المراجع
عماد علو (16-11-2013)، “أهمية التسامح الاجتماعي”، الزمان، اطّلع عليه بتاريخ 25-5-2019. بتصرّف.
“التسامح في الاسلام”، الفجر، 3-8-2012، اطّلع عليه بتاريخ 25-5-2019. بتصرّف.
هاجر (14-5-2017)، “أهمية العفو و التسامح في الإسلام”، المرسال، اطّلع عليه بتاريخ 25-5-2019. بتصرّف.
“التسامح والتعايش بين البشر”، الألوكة، 16-4-2018، اطّلع عليه بتاريخ 25-5-2019. بتصرّف.
([1]) د. محمد عاطف غيث (محرر) ، “قاموس علم الاجتماع”، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب”، الطبعة الأولى، 1979، ص: 487.
([2]) فرانك بيلي، “معجم بلاكويل للعلوم السياسية” ( دبي: مركز أبحاث الخليج) 2004، ص: 656.
([3]) انظر، جون لوك، “رسالة في التسامح” ترجمة: د. منى أبو سنة، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب) سلسلة (مكتبة الأسرة) 2005.
([4]) لمزيد من المعلومات انظر: محمد الغزالي، “التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام”، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب) سلسلة (مكتبة الأسرة) 2005.
([5]) وهبة الزحيلي، “ثقافة التسامح بين الغرب والشرق”، مجلة “التسامح” صيف 1429 ه/ 2008 م، العدد رقم (23) ص: 23.
([6]) د. عصام عبد الله، “التسامح”، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب) سلسلة (مكتبة الأسرة) 2006، ص: 34.
([7]) د. هويدا عدلي، “التسامح السياسي: المقومات الثقافية للمجتمع المدني في مصر”، (القاهرة: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان) الطبعة الأولى، ص: 36 37.
([8]) عبد الكبير الخطيبي، “السياسة والتسامح” ترجمة: عز الدين الكتاني الإدريسي، (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة/ المشروع القومي للترجمة) الطبعة العربية الأولى، 1999، ص: 11.
(9) أشرف عبد الوهاب، “التسامح الاجتماعي بين التراث والتغير”، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب) سلسلة (مكتبة الأسرة) 2006، ص: 79 72.
([10]) د. هويدا عدلي، مرجع سابق، ص: 97.
([11]) جون داكيت، “التعصب والعدائية بين الجماعات”، ترجمة: ربيع وهبة وآخرون، مراجعة: د. قدري حفني، في: دافيد أو. سيرز وآخرون (محررون)، “المرجع في علم النفس السياسي”، (القاهرة، المركز القومي للترجمة، 2010) الطبعة الأولى، الجزء الثاني، ص: 955 957.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.