تشرفتُ بإلقاء محاضرة فى معهد «الأهرام» الإقليمى للصحافة.. أعرض هنا نصوصاً منها، على أمل العودة إلى تفصيل علمىّ لاحق.. وهنا المحاور الخمسة للمحاضرة. (1) أولاً: صدام الخلافات، وهو مصطلح أصوغه من جديد، وهو ربما يكون قريب الشبه من مصطلح صمويل هنتنجتون «صدام الحضارات». فى محور صدام الخلافات أقول إن هناك صداماً للخلافات الإسلامية أو ما تُسمى بالخلافة الإسلامية المعاصرة. لدينا فى التاريخ الإسلامى خلافة راشدة وأربع خلافات فيما بعد هى فى الواقع محل جدل عما إذا كانت خلافات أو إذا كانت ممالك حداثية يصفها البعض بالاستبداد. أقول لحضراتكم إنه بعد الخلافة الراشدة كانت الخلافة الأموية والخلافة العباسية والخلافة الفاطمية والخلافة العثمانية.. ويرى كثيرون أنها كانت إمبراطوريات وراثية أكثر منها خلافات.. ويُعظّم المسلمون جميعاً فترة الخلافة الراشدة. وربما لا يعلم بعض حضراتكم أنه فى العقد الأخير فقط كان لدينا عشر خلافات إسلامية. وفى الوقت المعاصر.. لدينا أربع خلافات إسلامية.. لدينا خلافة الملا عمر زعيم حركة طالبان. ويعتقد البعض أن تنظيم القاعدة هو التنظيم الرئيسى من الناحية الشرعية والسياسية. وهذا غير صحيح.. التنظيم الرئيسى تنظيم طالبان، والشخص الأول فى هذا الإطار هو الملا عمر، وكان أسامة بن لادن، ثم أيمن الظواهرى من جنود الملا عمر، حسب تعبيرهم. والملا عمر على ذلك هو أمير المؤمنين وخليفة المسلمين، وقد عمل تنظيم القاعدة فى إطار خلافة الملا عمر، وإن لم تكن معلنة. والخلافة الثانية هى خلافة داعش.. «أبوبكر البغدادى»، وهى خلافة أصبحت تسيطر على خمسة أضعاف أو ربما ستة أضعاف مساحة لبنان. والخلافة الثالثة.. خلافة «بوكو حرام»، وهى خلافة فى قرية صغيرة توجد فى ولاية بورنو فى شمال دولة نيجيريا. والخلافة الرابعة.. توجد منظمة تطلق على نفسها اسم حزب التحرير الإسلامى. وهذه المنظمة تقول إنها تمثل الخلافة، وتعتبر أن زعيمها هو الخليفة الراشد الخامس المقبل. لدينا إذن صدام الخلافات، على غرار صدام الحضارات. (2) ثانياً: كسر النماذج فى العالم الإسلامى. لدينا نماذج باهرة فى العالم الإسلامى يجرى تكسيرها. 1- نموذج تركيا.. وتركيا نموذج باهر بلا شك. أسسها فى المرحلة الأخيرة تورجوت أوزال.. ثم جاء من بعده شخص محظوظ وموهوب أيضاً هو رجب طيب أردوغان، الذى ورث ما فعله تورجوت أوزال. لكن ما إن بدأ الصعود التركى والتجربة الباهرة التركية الملهمة لملايين المسلمين حول العالم حتى أصبح رجب طيب أردوغان نموذجاً للصدام الإسلامى ونموذجاً للمسلمين ضد المسلمين. 2- ماليزيا.. هى يابان العالم الإسلامى، وهى الدولة الأفضل تقريباً. وللأسف الشديد فإن الإسلام السياسى يتوغّل فى ماليزيا. وقد أرهق الإخوان والجماعات الإسلامية الأخرى مهاتير محمد، ويعتقد البعض أن مهاتير محمد كان إخوانياً، لكنه كان خصماً عتيداً للإخوان المسلمين، وحاول الإخوان إسقاط حكمه عدة مرات، لولا أنه بقوته وبنجاحه استطاع أن يؤسس يابان العالم الإسلامى.. رغم أنف ما تُسمى بالمعارضة الإسلامية. الآن تدعم الولاياتالمتحدةالأمريكية حركة الإخوان المسلمين فى ماليزيا، لكى تكون بديل التيار المهاتيرى الذى كان قريباً من اليابان، وفى حال أن تصبح ماليزيا دولة يحكمها الإخوان المسلمون.. إذن فقد أصبحت ماليزيا وقبلها تركيا فى صدام مع مصر ودول أخرى.. مرة أخرى.. تعميق الخلاف الإسلامى - الإسلامى. (3) ثالثاً: الحرب بالوكالة.. المسلمون فى مواجهة العالم. ربما لا يعلم البعض أن عدد المسلمين فى روسياوالصينوالهند يعادل سكان الولاياتالمتحدةالأمريكية. الآن يحاولون أن يكون المسلمين فى حالة صراع مع هذه القوى الكبرى فى الشرق. 1- الهند.. تأسس تنظيم القاعدة، وقال الدكتور أيمن الظواهرى إنها بشرى لكل المسلمين. لدينا فى الهند (170) مليون مسلم.. ومعنى تأسيس تنظيم القاعدة فى بلد كالهند أن يصبح المسلمون ومستقبلهم فى مهب الريح فى مواجهة نحو مليار من الهندوس. 2- روسيا.. وفى روسيا أقلية مسلمة كبيرة.. (20) مليون مسلم.. وفى موسكو العاصمة، فى كل عمارة تقريباً، ما لا يقل عن مسلم واحد. وهذا معناه فى حالة أن يكون المسلمون فى حالة عداء مع روسيا أن يصبح ذلك أمراً خطيراً على مستقبل المسلمين فى تلك القوة العظمى فى العالم. ومؤخراً قال تنظيم داعش إنه سوف يحارب فى روسيا وإنه سوف يضم إمارة القوقاز الإسلامية إلى خلافة داعش. 3- الصين.. فى الصين أكثر من (50) مليون مسلم، وتقدر «BBC» عدد المسلمين فى الصين بمائة مليون مسلم. للمسلمين الإيجور فى الصين مطالب عادلة وينبغى إنجازها، وأتمنى على الحكومة الصينية أن تتفهم ذلك. لكن الحركات الجهادية دخلت على الخط، وهناك الآن ما يُسمى بحركة طالبان الصين. تبقى نيجيريا أكبر دولة فيها عدد من المسلمين على مستوى القارة الأفريقية، وهى دولة نفطية غنية، وللأسف حيث يوجد النفط يوجد التطرّف. والآن، فإن شكل المسلمين أصبح حركة بوكو حرام، وأصبح الأمر وكأنّ الإسلام فى معركة مع الأفارقة.. وكأننا فى نيجيريا فى معركة مع أفريقيا، وفى روسيا فى معركة مع موسكو، وفى الصين فى معركة مع بكين، وفى الهند فى معركة مع نيودلهى. (4) رابعاً: حرب الثلاثين عاماً، ويقصدون بها الحرب المذهبية بين السنة والشيعة مثل حرب الثلاثين عاماً المذهبية بين المسيحيين الأوروبيين.. بين الكاثوليك والبروتستانت. ولعلكم تذكرون أن تلك الحرب التى وقعت منذ عام 1618 إلى عام 1648 وانتهت بصلح وستفاليا وإقامة الدولة القومية الحديثة قد مات فيها ثلث السكان فى ألمانيا، ومات ملايين فى أماكن أخرى.. أكلت الأخضر واليابس ودمّرت أوروبا تماماً وسوّتها بالأرض، كما يقولون. الآن يبشرون بحرب مذهبية بين السنة والشيعة تمتد ثلاثين عاماً، كما قال توماس فريدمان وفريد زكريا، لتأكل الأخضر واليابس، بحجة أن الديمقراطية قادمة والحداثة قادمة بعد حرب الثلاثين عاماً. ولعلكم تجدون ملامح ذلك فى كل مكان.. من اليمن إلى باكستان، وبينهما سوريا والعراق. (5) خامساً: الإسلام الحضارى فى مواجهة الإسلام السياسى.. إنه الحل إذا ما بقيت الحركات الإسلامية التى تقاتل من أجل الدنيا باسم الدين، وتقاتل من أجل السلطة باسم الشرع، وتقاتل من أجل المغانم باسم المبادئ. إذا استمرت حركات الإسلام السياسى بهذه القوة والتنامى حول العالم.. هذا معناه أنّا سوف نواجه عكس العنوان الشهير لريتشارد نيكسون «نصر بلا حرب».. سنواجه لا قدر الله «هزيمة بلا حرب». الإسلام الحضارى هو الحل. حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر..