(يا ابن آدم. إنما أنت أيام. وكلما ذهب يومٌ. ذهب بعضك، ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل، وأنت تعلم، فاعمل)، هذا هو أحد الأقوال المأثورة للحسن البصرى رحمه الله، والذى يجعل الإنسان يستفيق إلى دنو أجله وانقضاء عمره لكيلا يركن إلا إلى عمله وزاده من الدنيا «وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى» صدق الله العظيم، وها هو عام يمضى ليأتى بدلاً منه عام جديد به 365 يوماً، كل يوم منه يأتى ليقول لك: (يا ابن آدم: أنا يوم جديد على عملك شهيد، فاغتنمنى فإننى لا أعود إلى يوم الوعيد)، فهل أعددت كشف الحساب عن العام الذى مضى، والأعوام التى سبقته مثلما تعد كل عام إقرارك الضريبى بمنتهى الحرص والدقة؛ لأن مكافحة التهرب من الذنوب الملائكية سوف تأتى بكل شاردة وواردة مع شهود عليك منك، ولن تستطيع أن تنكر «الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ» صدق الله العظيم، فبدلاً من أن تبحث عن الطراطير والحفلات والسهرات فى الكريسماس ورأس السنة، فلتبحث عما قصرت فيه خلال العام الذى مضى، هل أرضيت ربك؟ هل بررت والديك؟ هل وصلت رحمك؟ هل راعيت الله فى زوجك؟ هل أتقنت عملك؟ هل أخلصت لوطنك؟ هل أعطيت لأبنائك ما يستحقون من وقت ورعاية؟ هل أمنت جارك أذاك؟ هل قلت كلمة الحق دون غرض أو هوى؟ هل ساعدت مريضاً؟ هل فرجت كربة؟ هل تصدقت على محتاج؟ ولقد كتب الحسن البصرى إلى عمر بن عبدالعزيز، رحمهما الله تعالى، يعظه قائلاً: إن الدنيا حلم، والآخرة يقظة، والموت قريب، ونحن فى أضغاث أحلام، فمن حاسب نفسه ربح، ومن غفل عنها خسر، ومن نظر إلى العواقب نجا، ومن أطاع هواه ضل، ومن حلم غنم، ومن خاف سلم، ومن اعتبر أبصر، ومن أبصر فهم، ومن فهم علم، ومن علم عمل، فإذا زللت فأرجع، وإذا ندمت فأقلع، وإذا جهلت فاسأل، وإذا غضبت فأمسك، وإن المؤمن يصبح حزيناً ويمسى حزيناً ولا يسعه غير ذلك؛ لأنه بين مخافتين: بين ذنبٍ قد مضى لا يدرى ما الله يصنع فيه، وبين أجل قد بقى لا يدرى ما يصيب فيه من المهالك. ومن الأقوال المأثورة للحسن البصرى، رحمه الله، التى يمكن أن ننتفع بها فى العام الجديد: - إن لأهل التقوى علامات يعرفون بها: صدق الحديث، ووفاء بالعهد، وصلة الرحم، ورحمة الضعفاء، وقلة المباهاة للناس، وحسن الخلق، وسعة الخلق فيما يقرب إلى الله. - يا ابن آدم: إنك ناظر إلى عملك غداً، يوزن خيره وشره، فلا تحقرن من الخير شيئاً وإن صغر، فإنك إذا رأيته سرك مكانه، ولا تحقرن من الشر شيئاً، فإنك إذا رأيته ساءك مكانه، فإياك ومحقرات الذنوب. - رحم الله رجلاً كسب طيباً، وأنفق قصداً، وقدم فضلاً ليوم فقره وفاقته. - يا ابن آدم: بع دنياك بآخرتك. تربحهما جميعاً، ولا تبيعن آخرتك بدنياك.فتخسرهما جميعاً. - يا ابن آدم: إياك والظلم. فإن الظلم ظلمات يوم القيامة. وليأتين أناس يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال. فلا يزال يؤخذ منهم حتى يصبح الواحد منهم مفلساً، ثم يسحب إلى النار. - يا ابن آدم: إذا رأيت الرجل ينافس فى الدنيا، فنافسه فى الآخرة. - أيها الناس: أحبّوا هوناً، وأبغضوا هوناً، فقد أفرط أقوام فى الحب حتى هلكوا، وأفرط أقوام فى البغض حتى هلكوا. بالطبع أنا لا أقصد أن أفسد فرحة الناس واحتفالهم بالعام الجديد، ولكنى فقط أريد تقفيل حساب العام المنصرم.. ولنقبل على العام الجديد بتفاؤل وإيمان ويقين بالله عز وجل، فقد قيل للحسن البصرى يوماً: ما سر زهدك فى الدنيا؟ فقال: علمت بأن رزقى لن يأخذه غيرى فاطمأن قلبى له، وعلمت بأن عملى لا يقوم به غيرى فاشتغلت به، وعلمت أن الله مطلع على فاستحييت أن أقابله على معصية، وعلمت أن الموت ينتظرنى فأعددت الزاد للقاء الله، وكل عام وأنتم جميعاً بخير.