فى ظل انشغال الإخوان بالإجابة عن سؤالهم الملح والقاطع: متى نحوز السلطة؟ ينشغل كثيرون بالرد على سؤال أشد وقعا ووطأة مفاده: هل يخرج الإخوان من التاريخ؟ ليولوا وجوههم شطر معطيات حقيقة على الأرض تقول بلا مواربة إن «الجماعة» على محك تاريخى، وإن استمرار تماسكها وتواصل نفوذها وحضورها السياسى والاجتماعى لم يعد قضية موضع تسليم، وإن الآتى غير الآنى وما ذهب. يوم الجمعة الفائت وقف سلفيون فى ميدان التحرير ليهتفوا ضد الإخوان ويتهموهم بجنى مكاسب على حساب الثوار، واستخدام دماء الشهداء والمصابين أوراقاً للتفاوض مع العسكر. وحالة التململ وعدم الاقتناع بقدرة مرسى على الظفر بالرئاسة تزداد، والهوة مع أنصار أبو الفتوح تتسع، والحيرة التى تسكن نفوس شباب الجماعة يستعر أوارها، والشكوك أخذت تساور بعض القيادات فى أن رحلتهم الطويلة قد بلغت «التمكن» بعد عقود عجاف من «التمسكن»، مثلما اعتقدوا بُعيد الانتخابات البرلمانية. قبل الثورة كان الإخوانى يتحدث معك بفخر عن انتمائه السياسى، مدركاً أنك تراه مناضلاً أو ضحية أو مشروع شهيد. اليوم يأتيك الشباب فى التحرير أو يعلقون على ما تكتب بصحفات التواصل الاجتماعى على شبكة الإنترنت بادئين كلامهم: «أنا لست إخوانيا ولكن ...». وإذا اعترف أحدهم لك بانتمائه للجماعة يقر معك بسهولة أن القيادات تخطئ وأن المخاوف تزداد حيال المستقبل المنظور والبعيد. لقد أخطأ رموز «النظام الخاص» وأتباع التفكير «القطبى» ممن يمسكون برقبة الإخوان حالياً فى تقدير الموقف، فتوهموا أن المصريين صوتوا ل«مشروع الجماعة» وأن لحظة تحصيل الحكم قد جاءت، وأن العسكر الذين لا خبرة سياسية لهم، والقوى المدنية المبعثرة المتناحرة، لن يستطع أيهما أن يوقف تقدم «الجماعة»، فجاهروا فى الداخل بالاستغناء والاستعلاء وأرسلوا إلى الخارج وفوداً لطمأنة العالم حيال نظام حكمهم الذى بات على الأبواب. ولم يكن شىء من هذا صحيحاً، فالمدنيون فاعلون رغم تشرذمهم، والعسكر لديهم مخطط وليسوا فارغى الرأس، والخارج يغرر بالإخوان. إن الجماعات والتنظيمات الدينية، لا سيما التى تنخرط فى غمار السياسة، تولد وتشب عن الطوق وتحوز شباباً ناضراً ثم لا تلبث أن تهرم وتبيد، أو تنزوى بعد حضور طاغٍ. فهذه من السنن الاجتماعية الراسخة، وإلا ما وجد الدكتور عبد المنعم الحفنى ما يملأ به مجلداً ضخماً عن «الفرق الإسلامية»، التى طاول بعضها السحاب وملأ الأسماع والأبصار ثم صار أثراً بعد عين، وحكاية تُروى وذكريات يتم استدعاؤها للاعتبار أو التندر.