توشك دول الخليج أن «تنفض» لمصر، وتكاد تقول لنا بالمفتشر الصريح: «شطّبنا». ليس سراً أن زلزال انخفاض أسعار «النفط» فى الأسواق العالمية هو السبب المباشر لذلك، فانخفاض السعر أدى إلى انخفاض الدخل الذى تتحصل عليه دول الخليج، والمشكلة أن هذه الدول لا تتمتع بأية مصادر أخرى مذكورة للتمويل الاقتصادى، فاقتصادها «ريعى»، كما هو معلوم، ويتأسس على الخبيئة البترولية التى شاء الله أن تتدفق أسفل أراضيها، تلك الخبيئة لم تعد اليوم تتمتع بنفس القيمة التى حظيت بها فى الأمس، بعد ظهور موارد بديلة للطاقة، بدأ تأثيرها ينعكس على انخفاض أسعار النفط، ولعلمك فتلك هى البداية التى قد يعقبها انهيار أكبر وأسرع فى الأسعار، الأمر الذى سوف يدفع المشكلات الاقتصادية بالخليج نحو المزيد من التفاقم، بما سيترتب على ذلك من انعكاسات على مصر. ولك أن تتخيل أن دولة مثل الكويت أعلنت لمواطنيها أن انهيار أسعار البترول سوف يترتب عليه اتخاذ إجراءات للتقشف وخفض الإنفاق الحكومى، وقد خرج وزير التجارة والصناعة هناك وأخذ يمهد المواطنين للتنازل عن بعض الامتيازات، وبلغ الأمر به حد الحديث عن خفض مرتبات الموظفين إلى النصف، هذا الأمر بالنسبة للمواطنين فما بالك بالوافدين؟! وما ينطبق على الكويت ينطبق على غيرها من الدول الخليجية البترولية. وكلنا يعلم أن المصريين العاملين بالخارج يتركزون بنسبة كبيرة داخل هذه الدول، وإذا كان من الوارد أن تخفض رواتب المواطنين إلى النصف، فكيف سيكون الحال بالنسبة للعمالة الوافدة؟! مؤكد أن نسبة لا بأس بها منهم ستعود إلى مصر طوعاً أو كرهاً، وفى الحالتين سوف يضيف هذا الأمر المزيد من الأعباء إلى الاقتصاد المصرى الذى ينوء بأعبائه على عدة مستويات، ولست بحاجة بالطبع إلى تذكيرك بأن الدعم الذى تتحصل عليه مصر من دول الخليج سوف يتناقص، بل وقد ينعدم، سواء كان دعماً مالياً صريحاً أو دعماً عينياً. «التنفيض» لمصر خليجياً أصبح أمراً وارداً، إن لم يكن قائماً بصورة واقعية فى الوقت الحالى. وإياك أن تتصور أنه شر لنا، بل أجد فيه الخير كل الخير، نعم، فنحن كشعب وكدولة لا بد أن نتعلم أن نعتمد على أنفسنا، ومن الجميل أن تضعنا الظروف فى سياقات تفرض علينا ذلك، فقد عشنا عقوداً طويلة نعتمد فى حل مشكلاتنا على المعونات الخارجية، إما بسبب الكسل عن استثمار الثروات التى نملكها، أو بسبب تعرض هذه الثروات للسلب والنهب من جانب الأرستقراطية التى حكمت البلاد والعباد طيلة هذه العقود. الآن لم يعد أمام الشعب إلا أن يجتهد ويسعى من أجل تنمية هذا البلد، وأن يطالب بحقوقه فى ثرواته كاملة غير منقوصة، ولم يتبقَّ لأفراد الأرستقراطية التى تحكم سوى أن «تختشى» على دمها، وتفهم أن عهد السلب والنهب والسرقة قد ولى ومضى، وأن السياق الجديد الذى أفرزته تلك الأزمة، التى يكمن فى باطنها رحمة الله بهذا البلد، يفرض على الجميع «التنفيض» ل«الفساد» ولفكرة «الاعتماد على الآخرين».