نحن، وبلا فخر، من الدول المتقدمة للغاية، بل ومن الدول العظمى، فى معدّل الفساد.. وذلك بشهادة الأممالمتحدة وهيئاتها المختلفة. وذلك أيضاً بشهادتنا جميعاً. نعم، فجميعنا يشهد بأن جميعنا فاسدون، وجميعنا نعيث فى مصرنا المسكينة فساداً.. وجميعنا نوقن أن فسادنا هذا ينخر فى عظامنا جميعاً ويعوق أى محاولة تقدم، بل ويجرنا بخطى سريعة نحو الهاوية. ومن وجهة نظرى المتواضعة أن مسيرة الفساد بدأت منذ ثورة 1952.. وأنها تفاقمت للغاية ووصلت إلى ذروتها فى عهد مبارك، وأننا ظللنا نسبح ونغوص فى بحور الفساد طوال ثلاثين عاماً هى فترة حكم نظام مبارك حتى تشبّعت أجسادنا بالفساد وجيناته.. خاصة وقد كنا نوقن أن الفساد ينخر فى رأس الدولة وأن رأس الدولة وابنيه وحاشيته ووزراءه يمارسون الفساد جهاراً عياناً بكل بجاحة وكل فساد وخراب ضمائر، فصاروا لنا قدوة. ولأن الناس على دين ملوكهم فقد صرنا جميعاً فسدة ونتنفس الفساد شهيقاً وزفيراً. فكيف للمحكوم أن يكون صالحاً وهو يرى حكامه عصابة من الفسدة التى تنحنى لهم الرؤوس.. نعم، كنا نوقن أنهم لصوص أموال عامة ومرتشون وقبّيضة عمولات ونهّيبة، وكنا نوقّرهم ونحنى لهم رؤوسنا احتراماً وتبجيلاً.. حتى عندما اعترف بعظم هذا الفساد أحد رموز الحكم وهو زكريا عزمى، رئيس ديوان رئيس الجمهورية وقت ذاك، وصاح صيحته الشهيرة فى مجلس الشعب بمقولته «إن الفساد أصبح للركب».. عندما سمعناها منه قهقهنا ضحكاً جميعاً، واتخذنا من جملته المفزعة مادة للتندر.. وذلك لا لشىء سوى لأن الفساد تغلغل فى نفوسنا وجيناته توغلت فى أجسادنا.. حتى عندما قمنا بثورة 25 يناير التى كان من ضمن أهدافها القضاء على الفساد الذى استشرى وصار للركب.. ماذا حدث؟ لم يحدث أن فعلنا أى شىء أو حرّكنا أى ساكن لمحاربة الفساد.. بل جميعنا نعرف ونوقن أن الفساد تضاعف أضعافاً كثيرة بعد ثورة 25 يناير.. وما زال يتضاعف ويتكاثر حتى الآن. فالمرتشى الذى كان يتخفى وبيتدارى وهو يأخذ رشوة خمسمائة جنيه أصبح يتبجح وهو يفاصل فى الرشوة لأن تصبح خمسة آلاف جنيه. وأتحدى أن يدخل أحد منا أى جهة حكومية ولا يجد الفساد والرشوة فى انتظاره. لذلك لم يعد مستغرباً، بل مألوفاً أن تجد رخصة القيادة يتم استخراجها من وحدات المرور بدون أى اختبارات قيادة نظير خمسمائة جنيه يتم دفعها رشوة عن طريق وسطاء لموظفى وحدات المرور، ويتضاعف المبلغ إذا كانت الرخصة مهنية...إلخ، بل وصل الأمر لدفع رشاوى للحصول على سرير لمريض فى مستشفى جامعى أو حكومى. وأتحدى أن نعثر أو يعثر أحدنا على أى جهة حكومية لا ينخر الفساد فى عظامها ولا يزكم الفساد المنتشر فيها الأنوف. يا أسيادنا، كلنا نوقن أن الفساد زاد انتشاره حتى أصبح وباء ينخر فى كل مكان فى مصر.. وكلنا نوقن أن الفساد أصبح ينخر حتى فى نفوسنا.. كلنا نرتشى، وكلنا نغش، وكلنا لا نتقن عن عمد أى عمل نقوم به.. ومن لا يصدق فعليه أن يتجول فى أى شارع لمدة نصف ساعة.. سيجد الفساد على أصوله وأمناء الشرطة يمدون أياديهم لأصحاب السيارات المخالفة وهم يلهفون الرشوة لعدم تحرير مخالفة. سيجد الفساد على أصوله وسيارات تسير عكس الاتجاه، وسيارات تركن صف ثالث ورابع وخامس.. سيجد الفساد فى جميع المصالح الحكومية. لذلك أقترح كسبيل أوحد للحد من تفاقم الفساد الذى يعوق أى تقدم بل يهوى بنا سريعاً إلى قاع الهاوية.. أقترح على الرئيس السيسى والسادة أولى الأمر أن يعلنوا انتهاء عصر الطبطبة.. (نعم، فما زلنا نعيش فى عز عصر الطبطبة). وأن نصدر قوانين حاسمة وصارمة ورادعة للقضاء على الفساد الذى أصبح مستشرياً فى حياتنا. نريد قوانين رادعة وفى منتهى القسوة بالنسبة للانضباط المرورى.. نريد قوانين رادعة وفى منتهى الشراسة بالنسبة للرشوة والإكرامية وكل مسمياتها.. فالقانون، أى قانون، بدون سيف وكرباج لتنفيذه لا يعدو أن يكون حبراً على ورق ولا يأتى بثماره المرجوة، وكدليل فعقوبة السير عكس الاتجاه فى سويسرا الغرامة مائتا ألف فرنك سويسرى والحرمان من قيادة السيارات طوال الحياة حتى ولو كان السير عكس الطريق ثلاثة أمتار.. لذلك لا تجد على الإطلاق هناك مخالفة سير عكس الطريق أو كسر إشارة أو ركن فى الممنوع.. لماذا؟ لأن العقوبات صارمة ورادعة. ونحن فى أمسّ الحاجة لمقاومة الفساد المستشرى فى جميع أنحاء وجوانب حياتنا لانتهاء عصر الطبطبة وقوانين رادعة يتم تنفيذها بمنتهى الصرامة.. وما زلت مصراً أن القانون لا بد له من سيف وكرباج حتى يتم احترامه، وأن السبيل الوحيد لمقاومة الفساد المستشرى فى كل الأرجاء هو قوانين رادعة، وهذه القوانين الرادعة لا بد أن تكون مدعومة بالسيف والكرباج كسبيل أوحد وفعّال للقضاء على الفساد الذى إن أهملنا مكافحته بالقوانين الرادعة فحتماً سيجرفنا ونحن لا نشعر إلى قاع الهاوية.. فالفساد الأعظم هو عدم التصدى بحزم للفساد، والله سبحانه وتعالى من وراء القصد.