هذا المقال بُشرى لأولئك الذين يتحدثون دائما عن الفساد المستشرى فى البلاد، فقصّتنا توضّح بما لا يدَع مجالا للشك أن الفساد إلى زوال. والحكاية أن صديقى حجز مكانه فى طابور طويل فى إحدى المصالح الحكومية لإنجاز مصلحة، يقف أمام الطابور واحد من العاملين بالحكومة مهمته جمع الرشوة، ولأن الرشوة أصبحت فى حكم العادة وحكم القانون، ولأن عدم اعترافك بالرشوة ورفضك لدفعها هو الطريق الآمن للعودة إلى بيتك بخفى حنين، وقف المواطنون فى الطابور الطويل يحمل كل منهم أوراقه فى يده اليمنى والرشوة فى يده اليسرى أو العكس -حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله- وينتظر دوره لدفع الرشوة المقررة إلى الموظف الفاسد. هنا تأتى المفاجأة، امتنع الموظف المرتشى عن جمع الرشوة من الناس، ولكن ليس عفة ولا شرفا ولا تديّنا لا سمح الله، وإنما لأن دافعى الرشوة كُثر ما شاء الله، فلم يعد يستطيع قضاء مصالح كل هؤلاء الراشين! ولذلك فإننى أردت أن أزفّ البشرى لكل المصرين أن الفساد إلى زوال بعد أن أصبح «فساد إكستريم»، بعد أن امتلأ برميل الفساد حتى دلدق من الجوانب، أصبح المجتمع كله فاسدا، سواء من فرضوا هذا الفساد أو الذين قبلوا مضطرين لأنه لا سبيل لقضاء مصالحهم إلا به، فأصبحت الرشوة شيئا معتادا يتم تكريم من يرفضها على شاشات التليفزيون كأنه أتى عملا خارقا، ويتم غض الطرف عن المتورط فيها كأنه لا يفعل جرما. أما إذا كانت الأنظمة المتعاقبة لا تهتم بانتشار الرشوة فى كل المصالح الحكومية، وترى أنه لا سبيل لتغيير مثل هذا الفساد، فإننى أطالبها بتوفير فَسَدة بعدد كافٍ لتسلُّم الرشوة.. ما هو يا إما تبنوا كبارى، يا توفروا لهم الكُلّة سعادتك!