انعدام العدالة الاجتماعية أدي لانتشار الرشوة التي كانت أحد أسباب قيام ثورة يناير فلا يوجد قطاع إلا وتجد فيه مرتشيا، فبعد أن سقط النظام البائد ظن الجميع أن أوجه الفساد انتهت إلا أن هذا لم يحدث ولم يستطع النظام الحالي القضاء علي أشكال الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية، وكثر الحديث في الحكومات التي تولت بعد سقوط النظام عن الرشوة وتناولت شرحها ولم تفكر لحظة في الأسباب الرئيسية التي أدت إلي انتشارها ولكنها تريد فقط محاربتها. تجاهل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة للأسباب التي أدت إلي انتشار ظاهرة الرشوة لن يؤدي إطلاقاً إلي الحد منها بل إلي التشجيع علي ممارستها لأن الرشوة تأتي كنتيجة لغياب الديموقراطية الحقيقية وانتشار الفوضي وتمكن الشعب من مراقبة ومحاسبة المسئولين من خلال مؤسسات منتخبة انتخاباً حرا ونزيهاً كما أنها تأتي نتيجة لسوء توزيع الثروات، ومن خلال هذا التحقيق نحاول أن نتعرف علي أسباب الرشوة وسبل علاجها. تقول الدكتورة نادية رضوان أستاذ علم الاجتماع إن السبب الحقيقي في انتشار ظاهرة الرشوة يرجع في الأساس إلي عدم توفير العدالة الاجتماعية بين طبقات المجتمع المختلفة وهي التركة الثقيلة التي ورثها المجتمع المصري من النظام البائد وظن جميع الثوار أنه عندما يسقط رأس النظام نقضي علي جميع أشكال الفساد ومن بينهم الرشوة وتحقيق العدالة الاجتماعية عن طريق المساواة في الأجور وفي الحقيقة هذا التمني يحتاج إلي بذل مجهود أكبر من الدولة وجميع المسئولين بالمؤسسات التابعة لها وتأتي في البداية من قدوة الحاكم في التصرف والواقع اختلف عن ذلك فبعد ثورة يناير استخدمت الرشوة بشكل أقوي من خلال دعم المرشحين في الانتخابات وأصبحت الرشوة سمة من سمات المجتمع فاحتلت مصر المركز السبعين علي قائمة منظمة الشفافية العالمية ويرجع ذلك في الأساس إلي الخلل المتبع في العلاقة بين الدخول والمرتبات. كما أن انعدام العدالة الاجتماعية بين طبقات المجتمع وتفشي ظاهرة الرشوة يساعد علي انتشار الحقد الطبقي بين من لا يملك ومن يملك لذلك لابد من وجود قوانين رادعة لمنع الرشوة وتفعيل الأجهزة الرقابية لمراقبة مرتكبي الجرائم، وتؤكد أنه لابد من تحقيق العدالة في البداية ثم محاسبة مرتكبي الجرائم. وتضيف أنه لابد من تفعيل جميع الإجراءات الحديثة للقضاء علي جميع أشكال الفساد ومن بينها الرشوة ونستطيع من خلالها توفير حياة كريمة للمواطنين وخاصة بين المواطن والموظف فهي تعتمد في الأساس علي الحاسب الآلي وتتجنب الهوي البشري وذلك بعد إعطاء الموظف حقه المادي والرعاية الصحية بالإضافة إلي ضرورة إصدار قانون فوري يضع الموظف العام تحت طائلة القانون إذا تعدي دخله المليون جنيه دون أن يستطيع إثبات كيفية حصوله علي هذه الأموال ورد جميع الأموال للدولة بعد محاسبة الموظف وبذلك ستدخل خزانة الدولة مليارات الجنيهات دون الحاجة إلي الاقتراض وبهذا نستطيع القضاء علي جميع أشكال الرشوة والفساد في أجهزة الدولة . بينما تري الدكتورة هالة رمضان الأستاذ بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن سياسة التشغيل وعدم الاهتمام بالوقت وعدم الرغبة في العمل أحد أسباب انتشار الرشوة والفساد داخل المجتمع فإن سياسات الحكومات المتعاقبة ضربت قيم المجتمع المصري ككل وحلت محلها قيم فاسدة وبالية واستحدثت قيماً ثالثة عجيبة لم يسبق لها مثيل ، فجميع القطاعات في مؤسسات الدولة تنمي فكر الرشوة عن طريق عدم توفير العدالة الاجتماعية ففي القطاع الحكومي والخاص يتبع سياسة التعيين بالعقود بدلاً من التعيين الدائم حيث سارت الحكومات وراء سياسة ورغبات القطاع الخاص في اتباع نظام التعاقد وسبق ذلك تراجعها عن نظام التعيين بأمر التكليف عن كل قطاعات الخريجين وآخرهم المعلمون فتدني الأجور لمعظم العاملين بالأعمال الإدارية سواء بصفة دائمة أو المتعاقدين يؤدي إلي انتشار الفساد الإداري وعلي رأس القائمة الرشوة، كما أن سياسة التشغيل المتبعة في مصر الآن ماهي إلا معوق للتنمية. وتؤكد الدكتورة هالة ضرورة اتباع سياسة تشغيل حديثة أو تغيير الوضع القائم نظراً للمشكلات الناتجة عنها والقاتلة لأي جهود والتي تؤدي بالنهاية إلي انتشار جميع أوجه الفساد الإداري ومن بينها الرشوة ومراعاة الأجور وتناسبها بين العاملين وبين الاحتياجات بالإضافة إلي تفعيل القوانين الرادعة لجرائم الرشوة وتشديد الرقابة. ومن جانبه يقول د. حمدي عبدالعظيم رئيس أكاديمية السادات الأسبق: الرشوة إحدي صور الفساد المتفشي في المجتمع والتي لم تنته حتي بقيام ثورة يناير والغريب أنها انتشرت أكثر من ذي قبل مع انهيار هيبة الدولة وتدهور الاقتصاد وانتشار الفوضي وانعدام الرقابة علي جميع مؤسسات الدولة فكيف يتم تحقيق العدالة الاجتماعية التي من شأنها أن تقضي علي جميع أشكال الرشوة، والرشوة بالأساس تنتج عن طريق وجود ضعف يعاني منه المجتمع في المرتبات والاحتياجات والدخول غير المتساوية بين الغالبية العظمي من فئات المجتمع لهذا يقوم بعض الأفراد داخل مؤسسات المجتمع المختلفة بممارسة الرشوة كنوع من التعويض عن الدخل الضعيف الذي يحصل عليه أفراد المجتمع ولا يتناسب مع احتياجاتهم. ويعلق علي انتشار ظاهرة الرشوة وغياب العدالة الاجتماعية الدكتور حامد أبو طالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية - قائلا: علي الحكومة أن توفر التناسب في الدخول والاحتياجات لجميع فئات المجتمع وتضمن لهم حياة كريمة وتوفر لهم سبل الحياة اللائقة وتمنع الرشوة فهي ذنب لايغتفر، الرشوة مرفوضة نعم ولكن لابد أن نعالج الأسباب التي تنتج عنها فالرسول([) لعن الراشي والمرتشي وحكم عليهما بالنار وذلك لما فيها من ضياع حقوق وثراء البعض علي حساب الآخرين فالرشوة فساد أخلاقي لايقره الإسلام.