كعاتها تجلس بهدوء شديد فى السوق المزدحمة التى تضج بالفوضى. تضع يدها على خدها. تفكر فى مصير أحفادها الذين تتولى تربيتهم بعد وفاة ابنها، أمامها حزم كثيرة من الفجل والبقدونس تنتظر بيعها لتعود إلى أحفادها بما لذ وطاب. هانم الشيمى البصيرى تجلس على أحد أرصفة «كفر نصار» بالجيزة، تبيع قليلاً من الحزم التى تتراص أمامها، ينادى الباعة من حولها على الزبائن بصوت مرتفع، بينما تجلس هى هادئة لا تستطيع النداء على بضاعتها التى سرعان ما تتلفها أشعة الشمس، لو سألتها عن عمرها لن ترد لأنها لا تعرف كم من السنوات قضتها فى الحياة، لكن الخطوط العديدة المتداخلة فى وجهها ويديها، تشير إلى أنها فى الثمانين من عمرها. توفى والدها ووالدتها وهى ما زالت صغيرة، قاومت، تزوجت وأنجبت، وأصبح لها من الأبناء تسعة، توفى زوجها، ربت الأولاد، وحرصت على تعليمهم، جاءتها صدمة أخرى، حيث توفى ابن من أبنائها وترك لها ستة أحفاد. «الصبر رغم كل الظروف الصعبة، بييجى من عند ربنا، ربنا رحيم وقوى وبيقوينى وبيكرمنى»، تتحدث «هانم» عن أحفادها وإصرارها على تعليمهم، وقفت بجانب الحفيدة الكبيرة حتى زوجتها، والأصغر منها حتى خطب، أما الأربعة الآخرون فما زالوا فى المدارس. «بعلمهم عشان نفسى يبقوا رجالة وحلوين، ربنا يكرمهم ويديهم الصحة ويروحوا الكلية، ويعملوا اللى هما عايزينه فى حياتهم» قالتها «هانم»، التى تنزل السوق منذ السابعة صباحاً. يساعدها الأحفاد على ركوب التوك توك، ثم يسيرون إلى المدرسة، بينما تذهب هى لعملها، يترنح التوك توك يميناً ويساراً أثناء سيره، بينما تنظر هى على الأطفال أثناء رحيلهم، وقتها تتذكر ابنها وتترحم عليه. قدماها تؤلمانها، ولكن جسدها النحيل يساعدها على الحركة، وعيناها أيضاً تتعبها، عملية إزالة المياه منها كانت ضرورية، زودت «هانم» من ساعات عملها من أجل عملية إزالة المياه، وحتى لا يشعر الأحفاد بأن مصاريفهم قلت. «بعد وقت شلت الميه البيضا من عينى الحمد لله، أنا ماقدرش أشوف عيل من أحفادى يطلب منى ويقولى يا ستى عايز بطاطا زى صحابى، ولا يقولى عايز حمص ولا حاجة وأقوله مفيش»، تقولها «هانم»، مؤكدة أنه على الرغم من قلة الشغل والمكسب القليل، فإن الله يلهمها الصبر والرزق والقوة، من أجل أحفادها.