لصعيد مصر طبيعته الخاصة التى تجعل منه بيئة خصبة لخصومات الثأر والخلافات العائلية والقبلية الحادة، التى يتطور الوضع فيها، غالباً، إلى حد حمل السلاح واستخدامه وسقوط قتلى وجرحى، كما تلعب العصبية القبلية دوراً مهماً وأساسياً فى «التقسيمة النيابية» لمحافظات الصعيد. «هناك اختيارات خاطئة تحددها الاعتبارات القبلية فى أوقات الانتخابات البرلمانية».. هكذا تفترض رسالة الماجستير التى أعدها الدكتور أيمن فتحى، الباحث فى شئون القبليات فى صعيد مصر، المقيم فى قنا؛ حيث يقول الباحث: «إن أفراد القبيلة أو العائلة فى الصعيد ينتخبون المرشحين المنتمين لعائلاتهم أو قبائلهم، وفى المقابل يعكف النائب الفائز على تعزيز وجود عائلته ومساعدة أبنائها فى شغل الوظائف المرموقة والالتحاق بمؤسستى الجيش والشرطة؛ لأن النواب يدركون جيداً أن قوتهم من قوة عائلاتهم». وتنتشر فى المقابل، بحسب محمد مزيد، رئيس لجنة تنسيق الأحزاب والقوى السياسية بسوهاج، القرى التى يميل المزاج العام لعائلاتها إلى قوى وأحزاب «الإسلام السياسى»، ومن بين تلك القرى: «قرية العتامنة الواقعة فى مركز طما، وهى قرية من القرى المعروفة وشهدت مظاهرات كثيرة، ومن الغالب أن يستغل مؤيدو الإخوان المسلمين هذا الاتجاه العام بالقرية لمصلحتهم والتصويت للمرشحين الذين أيدوا جماعة الإخوان وقتما كانت فى السلطة». ويرفض «مزيد» ترشح المنتمين للأحزاب الموالية للإخوان أو أعضاء الحزب الوطنى المنحل؛ بدعوى أن «فلول النظام المخلوع (نظام الحزب الوطنى) وفلول النظام المعزول (نظام جماعة الإخوان) أفسدوا الحياة السياسية بما فيه الكفاية، وليس من الحكمة أن نسمح لهم ولو لمدة محددة بالمشاركة فى الحياة السياسية، ما يؤثر عليها بالسلب؛ لأن فلول الحزب الوطنى يحاولون إعادة مصر إلى ما قبل 25 يناير، ولأن فلول الإخوان ومؤيديهم يحاولون إعادة مصر لما قبل 30 يونيو». ويقول «مزيد»: إن القبليات والعائلات فى محافظة سوهاج، حيث يقيم، تضم أفراداً من مختلف الانتماءات السياسية، وبالتالى «ليست هناك عائلات بأكملها تميل ناحية الإخوان، ولا عائلات بأكملها تميل إلى الحزب الوطنى، وإن كان الوطنى أوفر حظاً بين العائلات؛ نظراً لنفوذ أفراده». ويؤكد «مزيد» أن الخصومات الثأرية المنتشرة فى محافظات الوجه القبلى لمصر غالباً ما تحقق «استفادات كبيرة لمرشحى الانتخابات الذين يتدخلون لحلها ومن ثم كسب ودّ العائلات المتخاصمة التى حقن التصالح العرفى دماء أبنائها». وحسب ما يرويه فؤاد عباس بخيت، المقيم بقرية نجوع الصوامعة، فإن «هناك خصومات ثأرية ونزاعات عصبية وقبلية فى قرية نجوع الصوامعة يتدخل فيها أشخاص ليس فقط من أجل الحل وإنما لكسب تأييد المتخاصمين بعد إتمام الصلح». كما يسهم بعض أعضاء الحزب الوطنى السابقين فى حل الخلافات الثأرية والنزاعات بين القبائل بشكل عرفى، ما يزيد من حظوظهم فى الشارع، ومن هؤلاء: نائب مجلس الشعب السابق السيد فوزى، الذى انتُخب نائباً برلمانياً فى دورات سابقة للخامس والعشرين من يناير وكذلك انتُخب نائباً فى برلمان 2011، الذى صدر قرار بحله فى 2012. ويقول «فوزى»: «إن التدخل من أجل حل الخلافات العائلية فى الصعيد لا يكتمل لو كان للمصالحين أى أغراض جانبية، لكن تأييد الناس وأنهم يتذكرون دور الشخص فى إتمام الصلح فيكون غير مقصود على الإطلاق». «لم نسعَ للانضمام للحزب الوطنى، وإنما سعى الحزب الوطنى لضمنا إليه».. يتابع «فوزى»، الذى يرفض أن يوصف بأنه من «فلول الحزب؛ لأن الفلول لها علاقة بالانسحاب من ساحات الجيوش، وأنا لم أستفد من الحزب الوطنى فى شىء، لكننى حصلت على خدمات عامة للقرية أو للمركز أو لدائرتى عموماً». الشيخ لحظى أحمد النجدى، واحد من المتدخلين بشكل عرفى للمصالحة بين العائلات فى مركز طهطا، هو أحد المنتمين للجماعة الإسلامية المعروفة بتأييدها لجماعة الإخوان والتظاهر معها فى ميدان رابعة العدوية، حتى إن الشيخ «لحظى» استضاف القيادى البارز فى «الجماعة الإسلامية»، الشيخ عاصم عبدالماجد، الهارب على خلفية اتهامه بالتحريض ضد الجيش والشرطة. ويقول السيد فؤاد، المقيم فى سوهاج: «إن (لحظى) كان أحد أعضاء مجلس الشورى الماضى، ولديه النية لدخول الانتخابات البرلمانية المقبلة فى ضوء عدم وجود قوانين لمنع مؤيدى الإخوان من خوض الانتخابات حتى من شاركوا فى الاعتصامات». ويشكك فؤاد عباس بخيت فى أن «الكثير من الفتن والشائعات التى تتسبب فى نشوب الخلافات بين العائلصدات والقبائل فى صعيد مصر وراءها أفراد يحاولون أن يستفيدوا من التدخل من أجل الصلح».