رئيس الوزراء يترأس اجتماع اللجنة العليا لتنظيم فعاليات افتتاح المتحف المصري الكبير    محافظ الدقهلية: تكثيف الترويج لكل الفرص الاستثمارية وتيسير الإجراءات لخلق مشروعات جديدة وكل الدعم لتذليل العقبات    بعد قرار سموتريتش.. حماس تحذر من سياسات إسرائيلية تتبنى مشاريع الضم والتهجير القسري    19035 طالبًا وطالبة يؤدون امتحانات الثانوية العامة أمام 41 لجنة بمختلف مراكز الفيوم    الصحة: تدريب 891 ألفًا من الكوادر الطبية خلال 5 سنوات لرفع كفاءتهم المهنية    خلافات سابقة تقود عامل لطبلية عشماوي لقتله شخص بطوخ    منى زكي تتعاون مع كاملة أبو ذكري من جديد بتوقيع شاهيناز العقاد    أثليتك: مانشستر سيتي يقترب من موهبة نرويجية    وزیر الخارجیة يؤكد مع نظيريه العماني والإیراني أولوية تحقيق التهدئة ومنع التصعيد بالمنطقة    الكرملين: الحوار بين روسيا والولايات المتحدة مستمر رغم العقبات    إصابة طالبة بطلق نارى بالبطن نتيجة عبث شقيقها بالسلاح الناري بدار السلام بسوهاج    تنفيذا للتوجيهات الملكية.. وصول دفعة جديدة من أطفال غزة لتلقي العلاج في الأردن    القصف لا يتوقف.. مجزرة جديدة للاحتلال قرب مركز للمساعدات في غزة    الصحة: ميكنة 11 مركزًا لخدمات نقل الدم القومية وتعزيز البنية التحتية    بني سويف تستقبل 12 زائرا ضمن فوج من السياح الألمان فى جولة على الممشى السياحى    كيا مصر تحذر المقبلين على الشراء من هذه السيارات.. التفاصيل    رئيس جامعة بنها يتفقد سير الامتحانات وتطوير ب«التربية النوعية»    تقبل طلاب الثانوية علمي.. 10 معلومات عن كلية علوم التغذية 2025    "حماة الوطن": نواصل اختيار المرشحين لانتخابات مجلس الشيوخ المقبلة    رئيس جامعة بنها يتفقد سير الامتحانات وأعمال التطوير بكلية التربية النوعية    وزير الري يشارك في احتفالية انطلاق "البرنامج الهيدرولوجي الدولي" بباريس    الأونروا: أكثر من 2700 طفل في غزة أصيبوا بسوء تغذية حاد    أوكرانيا تستقبل جثث نحو ألف جندي من روسيا    سيميوني: بطولة مونديال الأندية أشبه بكأس العالم وندرك معنى تمثيل إسبانيا بها    تشغيل تجريبي كامل لمستشفى طب الأسنان بجامعة قناة السويس    مانشستر سيتي يعلن ضم الهولندي رايندرز لمدة 5 سنوات    تقرير: النصر يسعى لضم مدافع بايرن    «تدخل الأمن أنقذني».. أول تعليق من حسام البدري بعد الاعتداء عليه في ليبيا    كرة السلة.. الاتحاد السكندري يواجه بترو دي لواندا بنصف نهائي ال «BAL 5» الليلة    فتح التقديم لمسابقة إيفاد الأئمة والقراء والمؤذنين إلى الخارج    توقيع بروتوكول رباعي جديد لمبادرة «ازرع» لتحقيق الأمن الغذائي المصري    محافظ المنوفية يتفقد تطوير مدخل شبين الكوم الجديد والكورنيش القديم    الحج السياحي 2025.. جهود الجميع نجحت في حل أي مشاكل طارئة بسرعة واحترافية    صباح تقتل عشيقها في الشارع بعد نشره صورها العارية: "خلّصت البشرية من شره"    وزير الزراعة يشارك في مؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات بفرنسا    «المشروع X» يحتل صدارة الإيرادات ويتفوق على «ريستارت»    قصور الثقافة تعرض «بيت العز» بكفر الشيخ ضمن مشروع المسرح التوعوي    التفاصيل الكاملة لمسلسل «ابن النادي» بطولة أحمد فهمي    مش بس بالفلوس.. تعرف على أكثر 5 أبراج كرمًا فى كل شيء    بن غفير يقتحم المسجد الأقصى برفقة كبار ضباط الشرطة الإسرائيلية    الفنان محمد ثروت يدعو لشفاء آدم تامر حسني .. اللهم متّعه بالصحة والعافية    المفتي الأسبق يوضح مراحل طلب العلم    9.4 مليون عملية سحب من ماكينات ATM بالبنك الأهلي المصري    الرئيس السيسي يتابع معدلات تنفيذ مشروعات المرحلة الأولى بمبادرة «حياة كريمة»    متحور نيمبوس.. سريع الانتشار وأقل خطورة    اعتماد وحدة التدريب ب"تمريض الإسكندرية" من جمعية القلب الأمريكية- صور    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 10 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    حالة الطقس اليوم في الكويت.. أجواء حارة ورطبة نسبيا خلال ساعات النهار    دموع الحجاج فى وداع مكة بعد أداء المناسك ودعوات بالعودة.. صور    لجنة تخطيط الزمالك تسلم جون إدوارد ملف الصفقات والمدير الفنى    إصابة 7 أشخاص في حادث انقلاب ميكروباص أعلى كوبري قها بالقليوبية    عريس متلازمة داون.. نيابة الشرقية تطلب تحريات المباحث عن سن العروس    يحيى الفخراني يكشف سر موقف جمعه بعبد الحليم حافظ لأول مرة.. ما علاقة الجمهور؟    زيزو يكشف سر تسديده ركلة الترجيح الأولى للأهلي أمام باتشوكا    5 أطعمة تقوي قلبك وتحارب الكوليسترول    تعرف على آخر تطورات مبادرة عودة الكتاتيب تنفيذًا لتوجيهات الرئيس السيسي    دعاء الفجر.. أدعية تفتح أبواب الأمل والرزق فى وقت البركة    تقارير: فيرتز على أعتاب ليفربول مقابل 150 مليون يورو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عفواً سيدى الرئيس (1)
نشر في الوطن يوم 03 - 12 - 2014


(للتاريخ محاكمة أخرى)
قارئى العزيز.. فتشت فى أوراقى كثيراً كما يفعل وكيل النيابة اليائس عندما تُعييه الحيل ويخذله قانون البشر، باحثاً عن عدل يكفى لإقامة محاكمة لا تعترف بقانون الإجراءات ولا يعنيها ثغراته التى أشاعت الظلم أكثر من الظالمين أنفسهم، فالتاريخ قاضٍ لا تسقط قضاياه بالتقادم، يمنح المدعين بالحق المدنى من حسن البيان ما يليق بأن يسطر فى صفحاته وهذا أول طابور طويل..
- لتتفضل يا صغير.. المحكمة تعطيك الحق فى مخاطبة المتهم بنفسك.. ولتبدأ الجلسة...
محكمة..
- عفواً سيدى الرئيس..
كنت أبحث عن مثل أعلى فى الحياة فأنا من ضحايا محاكم الأحوال الشخصية حيث ينشر الغسيل -عفواً (الوسخ)- وأياً كانت سنوات البحث عن عدل بطىء -هو عين الظلم المبين- يأتى متكاسلاً متمطعاً، إن أتى أصلاً فيكون (بعد خراب مالطا)، وأياً كانت نتائج الفصال عن قيمة النفقة، كيفية سدادها، عدد مرات الرؤية؛ فإن النتيجة الوحيدة المؤكدة هى انهيار المثل الأعلى فى الوجدان والعقل الصغير. لذلك بحثت لنفسى عن مثل أعلى، قوى، حكيم، لا يخطئ أبداً، يعرف كل الأشياء، يحمينى عندما أخاف، يستطيع أن ينتصر على أمنا الغولة، و(أبورجل مسلوخة).. أتباهى به أمام الجميع، أزهو بانتمائى له، أختفى فى حضنه عندما يضربنى أقرانى فينتصر لى وإن كنت مخطئاً.
وفى المدرسة وبينما كانت أبلة سعاد تتحدث نظرت إلى صورتك طويلاً فى كتاب التربية القومية...
- عفواً سيدى الرئيس..
لا أعرف لماذا شعرت بالأمان، استمعت إليها بشغف على غير العادة، سألتها كثيراً عنك لدرجة أدهشتها.. وكان أهم سؤال أردت أن أدسه وسط آخرين حتى لا يعرف أحد خطتى الصغيرة:
- هو عنده أولاد أد إيه؟
- اتنين.
لا بأس.. ثلاثة ليس عدداً كبيراً أستطيع تصور مشاركتهم لى فيك فأنا لست أنانياً بطبعى حتى فى أحلامى.
هل تذكر تلك الأغنية التى غنيناها أمام السيد المحافظ؟ لقد صدقتها متجاهلاً نفاقاً ركيكاً يفوح من كلماتها ووهبتك ذلك اللقب: بابا مبارك.
ومن يومها وهنالك صورة معلقة فى حجرتى المتواضعة، أمام سريرى الصغير، أتطلع إليها، تثير سخرية أصدقائى، أحاول إيجاد مبرر لوجودها وكأنها ذنب، لا أجد فلا أبالى.. أناجيها أحياناً، أشكو إليها كثيراً، أعاتبها، ثم أعاتبها، حتى أصبحت أصرخ فيها دون أن أدرى.
- عفواً سيدى الرئيس..
فكرت أن أحطمها ذات يوم، أن أزيلها من مكانها على الحائط المقابل لسريرى الصغير.. لكن سيبقى الحائط خالياً ومسمار فى وسط الحائط يذكرنى بشىء أفتقده.. أحتاجه.
وتمر الأيام.. وتتوالى أحداث تفوق قدرتى على الفهم:
■ جارنا عمو أنس أصبح يملك قصوراً وسيارات كثيرة لمجرد تقربه من دائرتك ولم يرضَ أن يقابل أبى وهو عشرة عمره ليقدم له قضية فساد فى المصلحة الحكومية التى أفنت شبابه.. وعيّن أقاربه فيها بأضعاف راتبه.
■ يموت أخى الصغير أمام أعيننا بالمرض الوحش بعد أن أهينت أمى ورأيتها مذلولة باكية على كل الأبواب وبعنا عفش بيتنا المتواضع ولا مكان له بالمستشفى الجميل الذى يشحتون عليه طول الوقت وتملأ الصحف أخبار سفر السادة الوزراء وزوجاتهم والمسئولين وذويهم واللى (يتشددوا لهم) الأغنياء منهم قبل الفقراء لكل بقاع الأرض للعلاج على نفقة الدولة.. ويرحل أخى بآلامه ودموعه البريئة وفى عينيه سؤال لا يجد إجابة: ليه؟!
■ يتكدس فصلنا ب78 طالباً لا نجد مكاناً للجلوس وماما أثناء شجارها مع أبلة الناظرة بسبب الشباك المكسور زجاجه فى ظهرى والذى أصابنى بنزلة شعبية حادة مشوحة بجريدة مانشيتها (تكلفة الفصل 200 ألف جنيه من ميزانية الدولة طبقاً لهيئة الأبنية التعليمية)، رغم أنى أشاهد فى التليفزيون أطفالاً فى فصول جميلة ومجهزة.. يتعلمون الكمبيوتر.. بينما الأجهزة فى مدرستنا لا يلمسها إلا المدرسون.. وكنت أود أن أعرف أشياء كثيرة.. ليتك رأيت الموتور الصغير الذى صنعته بيدى.. فأنا أحلم أن أكون مخترعاً.
■ أنا كمان شاطر فى الكاراتيه وحصلت على ميداليات كثيرة ولكنهم اختاروا زميلى فايد ليمثل مصر فى بطولة فى بلاد بعيدة لأن والده عضو المجلس المحلى.. والنتيجة أنه خسر وأنى بطلت كاراتيه.. صحيح (هو يعنى إيه المجلس المحلى؟).
أقاوم مشاعر تنمو داخلى رغماً عنى.. أتذكر انتصارات صنعتها أنت وحدك.. نعم سيدى هكذا سمعتهم فى الأغانى والبرامج والجرائد.. فتلك وسائلى للمعرفة.. فمدرستى ليس بها مكتبة.. الحقيقة لا أريد أن أكذب عليك.. فمدرستنا بها مكتبة ولكننى لم أدخلها قط.. فأبلة زينات (كتر خيرها) تجعلنا نلعب فى الحوش فى حصة المكتبة حيث جلستهم المفضلة ووشوشاتهم التى لا تنتهى.. على فكرة أنا أحسن واحد يقف جول.. كذبت عليك مرة أخرى.. أنا أقف جول لأن الواد فتحى لا يسمح لى بغير ذلك أصله ابن أبله الناظرة.. لقد حكيت لك عنه مراراً لعلك تذكر!
ماما تنادينى.. لقد تأخرت على المدرسة، سأذهب لأن ماما قالت لى إنى لازم أنجح وأعوضها ما لاقته من عذاب وكمان أنا بأحب مصر قوى ونفسى أعمل لها حاجات كتير.. عندما أعود سأخبرك..
ويرحل الصغير.. ولا يعود أبداً.. ويمتلئ البيت بالحزن والبكاء والجرائد بالشجب لحوادث الطرق والمزلقانات البدائية التى تقطف زهور الغد.. وتسقط الصورة من على حائط الأحلام أمام السرير الصغير فى الغرفة المتواضعة.. ويقف التاريخ قليلاً عن الكتابة.. وترفع الجلسة حداداً.. وللمحاكمة بقية...
محكمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.