منذ سنوات طوال يؤرقنى -ولست وحدى- أمر سجون مصر ومعتقلاتها وأماكن الحجز فيها.. يؤرقنى كيف انتهكنا.. نعم نحن الذين انتهكنا أمر الله وتكريمه للإنسان.. و«نحن» تجمعنا كلنا. أنت الحاكم أولنا، فمن الآن بيده أن يأمر الغلاظ والقساة والجبابرة فى السجون أن يوقفوا قسوتهم وأن يوقفوا إذلالهم لعباد الله أياً كان جنسهم أو لونهم «بشرة أو فكرة»؟ سجون ومعتقلات تئد آدمية الإنسان وتهتك حرمته وتمنح عتاة البلطجة وأرباب السوابق ولاية على خلق الله داخل السجون تحت رعاية وتوجيهات القائمين عليها من رجال الأمن.. السجون والمعتقلات فى العالم المحترم مكان لتخريج المسجون أفضل حالاً وعطاء للمجتمعات، وليس كما يحدث عندنا يخرج أكثر عنفاً وانحلالاً وإفساداً وجرماً.. عقوبة المجرم حتى لو «إعدام» ليس معناها انتهاك كرامته ووأد آدميته.. إن أمر السجون والمعتقلات فى بلادى فى حاجة إلى أن تجلس فخامتكم وأن تطلب من مجموعة استشارية لكم، شريطة أن يكون عرف عنه الصدق والأمانة ونزاهة القول، نقل الصورة الحقيقية لكم دون رتوش أو مساحيق لتنقل أفظع جريمة فى حق الإنسان داخل سجون ومعتقلات ستسأل يوماً أمام رب العرش العظيم عما يحدث داخلها.. يا فخامة الحاكم إن أصوات الآهات داخل سجون مصر تزلزل قلوباً من حجر ولكن أجدكم وأجد نظامكم وكل أنظمة توارثت الحكم من قبلكم قلوبهم من حجر.. اجلس يا فخامة الحاكم واقرأ ملف المسجونات جنائياً أو سياسياً وفكر فى مهزلة لا تشهدها دولة تحترم حقوق الإنسان فيها.. لا تحدثنى يا سيدى عن أحكام وعن قرارات وعن لوائح.. فنحن لسنا مع إرهابى حقيقى أو مجرم فعلى.. ولكن مع كل برىء.. فالكل أصبح مهاناً ولم يختلف عهدك عن عهد من سبقوك.. فالكل صامت والكل جبان.. بالله عليك هل الأطفال والبنات والطلبة والطالبات فى السجون ارتكبوا جرماً حتى تغلق وتوصد عليهم الأبواب شهوراً وشهوراً؟ يوما كانت المساجين تموت خنقاً فى سيارات الترحيلات.. أو كما أطلق عليها عربات الموت.. وكنا حينها فى البرلمان نتحدث ونثور.. ولكن كان الرد من المسئولين أشد بردا وثلوجة من قمم جبال الثلج.. هل تريدون لهم سيارات مكيفة.. إلى أن أتى يوم وسجن كبيرهم.. ورحل فى سيارة ترحيلات.. ولكن للأسف كانوا أعدوها له مكيفة الهواء بارداً صيفاً دافئاً فى الشتاء.. يا فخامة الحاكم فكر جيداً فى تلاميذ وطلبة يشكل حالياً فكرهم خلف السجون والمعتقلات.. واقرأ يا سيدى قصة اعتقال شكرى مصطفى مؤسس التكفير والهجرة.. كما سطر حروفها الكاتب الرائع صلاح عيسى لأن من لا يقرأ التاريخ لا يستقرئ المستقبل.. فخامة الحاكم لا تنم الليل قبل أن تطيب جراح أصحاب الآهات فى السجون والمعتقلات.. لا تجعل جفنك يغمض قبل أن تأمر أركان حكمك ورجال نظامك أن يرفعوا الظلم والغبن والقهر فأنت المسئول أمام الله.. فالآن لن يسألك بشر فقد أرعبت كل من يسألك من البشر.. فأوصدت البرلمان.. وشرع استعداد لحكمكم قوانين تكميم الأفواه.. وكما قلت لك الكل مهان والكل صامت والكل جبان.. لقد خرج رموز البطش والظلم والتعذيب والفساد متوجين بأحكام تعطيهم يوماً الحق فى استئناف جرائمهم فى حق الإنسانية.. بعدما نجحت أذنابهم فى إتلاف أدلة جرمهم.. فاختفت أدلة جرائم رغم أن أدلتها تصل من الأرض إلى عنان السماء.. استيقظ يا فخامة الحاكم قبل يوم تقف فيه وحيداً دون رجال أو أركان أمام رب العرش العظيم.