أوستن وجالانت يناقشان صفقة تبادل الأسرى والرهائن وجهود المساعدات الإنسانية ورفح    تعرف على أحداث الحلقتين الرابعة والخامسة من «البيت بيتي 2»    الصحة: لم نرصد أي إصابة بجلطات من 14 مليون جرعة للقاح أسترازينيكا في مصر    الصحة: مصر أول دولة في العالم تقضي على فيروس سي.. ونفذنا 1024 مشروعا منذ 2014    رياح وشبورة.. تعرف على حالة الطقس اليوم الخميس 2 مايو    ضبط عاطل وأخصائى تمريض تخصص في تقليد الأختام وتزوير التقرير الطبى بسوهاج    تعرف على سعر الدولار اليوم الخميس 2 مايو مقابل الجنيه    عقوبات أمريكية على روسيا وحلفاء لها بسبب برامج التصنيع العسكري    عاجل.. الزمالك يفاوض ساحر دريمز الغاني    ترامب: من الممتع مشاهدة مداهمة الشرطة لطلاب جامعة كولومبيا المعارضين لإسرائيل    فلسطين.. قوات الاحتلال تقتحم مخيم قلنديا شمال شرق القدس المحتلة    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على الإعلامية "حليمة بولند" في الكويت    الثاني خلال ساعات، زلزال جديد يضرب سعر الذهب بعد تثبيت المركزي الأمريكي للفائدة    التحضيرات الأخيرة لحفل آمال ماهر في جدة (فيديو)    تشيلسي وتوتنهام اليوم فى مباراة من العيار الثقيل بالدوري الإنجليزي.. الموعد والتشكيل المتوقع    خبير تحكيمي يكشف مدى صحة ركلة جزاء الإسماعيلي أمام الأهلي    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على حليمة بولند وترحيلها للسجن    متى تصبح العمليات العسكرية جرائم حرب؟.. خبير قانوني يجيب    أول ظهور ل أحمد السقا وزوجته مها الصغير بعد شائعة انفصالهما    طريقة عمل الآيس كريم بالبسكويت والموز.. «خلي أولادك يفرحوا»    أمطار تاريخية وسيول تضرب القصيم والأرصاد السعودية تحذر (فيديو)    حسن مصطفى: كولر يظلم بعض لاعبي الأهلي لحساب آخرين..والإسماعيلي يعاني من نقص الخبرات    مُهلة جديدة لسيارات المصريين بالخارج.. ما هي الفئات المستحقة؟    عاطل ينهي حياته شنقًا لمروره بأزمة نفسية في المنيرة الغربية    كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في الموارد البشرية؟    احذر الغرامة.. آخر موعد لسداد فاتورة أبريل 2024 للتليفون الأرضي    لاعب الزمالك السابق: إمام عاشور يشبه حازم إمام ويستطيع أن يصبح الأفضل في إفريقيا    وليد صلاح الدين يرشح لاعبًا مفاجأة ل الأهلي    هاجر الشرنوبي تُحيي ذكرى ميلاد والدها وتوجه له رسالة مؤثرة.. ماذا قالت؟    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    بشروط ميسرة.. دون اعتماد جهة عملك ودون تحويل راتبك استلم تمويلك فورى    البنتاجون: إنجاز 50% من الرصيف البحري في غزة    سعر الموز والخوخ والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 2 مايو 2024    هذه وصفات طريقة عمل كيكة البراوني    أهمية ممارسة الرياضة في فصل الصيف وخلال الأجواء الحارة    صندوق مكافحة الإدمان: 14 % من دراما 2024 عرضت أضرار التعاطي وأثره على الفرد والمجتمع    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 2 مايو في محافظات مصر    ترابط بين اللغتين البلوشية والعربية.. ندوة حول «جسر الخطاب الحضاري والحوار الفكري»    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    بسام الشماع: لا توجد لعنة للفراعنة ولا قوى خارقة تحمي المقابر الفرعونية    اشتري بسرعة .. مفاجأة في أسعار الحديد    النصر يطيح بالخليج من نصف نهائي كأس الملك بالسعودية    أخبار التوك شو|"القبائل العربية" يختار السيسي رئيسًا فخريًا للاتحاد.. مصطفى بكري للرئيس السيسي: دمت لنا قائدا جسورا مدافعا عن الوطن والأمة    حيثيات الحكم بالسجن المشدد 5 سنوات على فرد أمن شرع فى قتل مديره: اعتقد أنه سبب فى فصله من العمل    برج الميزان .. حظك اليوم الخميس 2 مايو 2024 : تجاهل السلبيات    الأنبا باخوم يترأس صلاة ليلة خميس العهد من البصخة المقدسه بالعبور    يوسف الحسيني : الرئيس السيسي وضع سيناء على خريطة التنمية    بعد أيام قليلة.. موعد إجازة شم النسيم لعام 2024 وأصل الاحتفال به    لبنان.. الطيران الإسرائيلي يشن غارتين بالصواريخ على أطراف بلدة شبعا    مفاجأة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم في مصر بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال    النيابة تستعجل تحريات واقعة إشعال شخص النيران بنفسه بسبب الميراث في الإسكندرية    بقرار جمهوري.. تعيين الدكتورة نجلاء الأشرف عميدا لكلية التربية النوعية    الوطنية للتدريب في ضيافة القومي للطفولة والأمومة    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    القوات الأوكرانية تصد 89 هجومًا روسيًا خلال ال24 ساعة الماضية    أكاديمية الأزهر وكلية الدعوة بالقاهرة تخرجان دفعة جديدة من دورة "إعداد الداعية المعاصر"    وزير الأوقاف: تحية إعزاز وتقدير لعمال مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سامح عيد يكتب: قصتى مع الإخوان «الحلقة السابعة»
نشر في الدستور الأصلي يوم 13 - 05 - 2013


الإخوان كانوا يذهبون إلى السجن مرة واحدة
المودة الموجودة حاليًّا بين الإخوان والجماعة الإسلامية ظاهرية لتشابك المصالح
أصرت لجنة المحامين الإخوان على التوقيت القانونى لتقديم التظلم ضد الاعتقالات.. لكن عندما أخذ محامى الجماعة الإسلامية اسمى كنت أول من غادر المعتقل من الإخوة
كان عاصم عبد الماجد موجودًا معنا لعدة أيام فى سجن أسيوط.. وكنت أراه يجلس فى مكتب المأمور معززا مكرمًا ويأتى له بالقهوة ويتجاذب معه أطراف الحديث
بعد فترة تم الفصل بين الإخوان والجماعة الإسلامية فى سجون مختلفة ربما بسبب تجربة تآلف طرة بين علاء محيى الدين ومحمد الصروى وخوف الأمن من اتفاق التيارين
المشكلات الكبيرة بين الإخوان والجماعة الإسلامية وصلت إلى الاشتباك بالأسلحة البيضاء و«الكاتر» والجنازير وخلافه
لم تشغلنى كثيرا مظاهرات تونس عندما اشتعلت، مين دول اللى بيتظاهروا وعندهم نظام قمعى كبير وبعدين مشكلاتهم ليست متفاقمة كمشكلاتنا، فهم أفضل اقتصاديا منا بكثير، وهم عددهم قليل، والفرص متاحة أمامهم للسفر إلى فرنسا وكذلك ليبيا، وبعدين نحن نتظاهر قبلهم بسنين عديدة، ورفعنا سقف المعارضة والنقد، وتحركنا فى الشارع بقوة بداية من 2004 وهتفنا «لا للتمديد» و«لا للتوريث»، وهتفنا أيضا «يسقط يسقط حسنى مبارك» وهم أمامهم باع ليصلوا إلى ما وصلنا إليه، وبعدين إيه دول بتوع المظاهرات المسائية الجبناء، إحنا كنا بنتظاهر فى عز الضهر، وإسماعيل الشاعر يشاهدنا ومعه رجال أمن الدولة ورجال المباحث.
الدكتور أحمد عبده سليم.. الرجل الخلوق المهذب الذى بادرنى بالسؤال: فى اتنين إخوة من الإخوان المسلمين فى التأديب ومجموعة من الجماعة الإسلامية فوق فى المستشفى، تحب تطلع معانا فوق المستشفى ولا تروح معاهم التأديب وكأنه مأمور السجن، المهم قلت له أروح التأديب، فقد كانت تنقل لنا المشكلات الكبيرة بين الإخوان والجماعة الإسلامية فى الصعيد التى وصلت للاشتباك بالأسلحة البيضاء والكاتر والجنازير وخلافه فآثرت السلامة وذهبت للتأديب، وقد كانت ذراعى بها بعض التقيحات بسبب الرطوبة وعدم الاستحمام لعدة أيام متصلة ما بين القطار والخليفة وأيام أمن الدولة، المهم ذهبت للتأديب ووجدت الأخ حمادة من المنيا والأخ رمضان من قنا، لكن بعد وقت قصير نزل الدكتور أحمد عبده سليم بالمطهرات والمضاد الحيوى، وأخذ يطهر الجرح ويزيل الصديد من تلك التقيحات، وأعطانى المضاد الحيوى وأخذ يتابعنى عدة أيام حتى شفى الجرح تماما، فى غرفة التأديب للأسف كانت بنظام الجرادل قضاء الحاجة فى الجرادل حتى الصباح، فقد كان السجن السابق فى استقبال طرة بنظام الغرفة بها حمام بلدى أيا كان سوءه ورائحته، لكن أفضل كثيرا من نظام الجردل وعدم الخصوصية وإهدار الكرامة، ورأيت كيف كان المساجين الجنائيون يصنعون الخمور من البلح الرطب، إذ يتركونه يحمض ويعالجونه بالشاش، وكانوا لا يعزمون علينا عارفين إن إحنا مشايخ.

المهم مرت عدة أيام قليلة، وتم ترحيل الأخين رمضان وحمادة لأمن الدولة، ووقتها نزل لى الدكتور أحمد عبده سليم وقال لى مافيش فايدة حتطلع معانا وحمل معى أمتعتى وصعدنا إلى المستشفى، حيث كانت حجرة متسعة بابها لا يوصد طوال اليوم، لكن باب المستشفى الخارجى يوصد يغلق مساءً، وفى المساء كنا نصلى العشاء مع بقية المساجين فى المستشفى من الجنائيين حتى إنى خضت محاولة لأقول خاطرة بعد العشاء أتحدث فيها عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت أجيد سردها بطريقة شيقة وبسيطة مستخرجًا منها العبر والعظات لاقت قبولا كبيرا بين المساجين حتى إن أحدهم كان مسيحيًّا، وكان يتابعنى باهتمام لأن الحديث عن الأخلاق والسلوك يستهوى كل البشر، خصوصا أن ظروفهم الصعبة تجعلهم يتشوقون إلى أى شىء مختلف عن الروتين اليومى، وكان معى من أعضاء الجماعة الإسلامية الأخ مجدى والأخ أحمد أبو جبل من القصير بالبحر الأحمر، وكان معى الأخ جمال أبو رواش المتورط فى محاولة اغتيال زكى بدر، ودارت بيننا مناورات وحوارات طويلة كانت تمتد حتى الفجر حول تغيير المنكر باليد وباللسان والإجماع وشروطه وتكفير الحكومة والنظام حتى إنهم استطاعوا أن يقنعونى أن الرئيس كافر، خصوصا بعد سماعى عن تجاربهم مع التعذيب البشع والجرأة على الله أحيانا، لكنى سرعان ما تراجعت عن الفكرة لتفهمى طبيعة الصراع السياسى وشهوة الكرسى والدفاع عنه، خصوصا لقراءتى تاريخ الخلفاء، وكيف وصل الخلاف السياسى بين معاوية ومعه طلحة والزبير وعلى رضى الله عنه وكذلك السيدة عائشة وعلى بن أبى طالب فى موقعة الجمل، وبعد ذلك قتل الحسن والحسين من بعده فى صراع سياسى على كرسى الحكم، وما فعله العباسيون مع الأمويين من القتل بالشبهة وغيرها من الأمور، وأن هذا هو طبيعة الصراع السياسى، والله مطلع على نواياهم ويحاسبهم على ما اقترفوه، لكن ليس من حقنا نزع الإسلام من أحدهم فهذا حق الله، وليس حق البشر، فلنا الظاهر ما دام يشهد أن لا إله إلا الله، والسنة النبوية حيث امتنع الرسول (ص) عن إعلان أسماء المنافقين عقيدة، ولم يعرفهم إلا حذيفة بن اليمان، فلقب بكاتم سر الرسول وكان عمر ينتظر صلاة حذيفة على أحدهم حتى يصلى والموقف الرائع عند موت عبد الله بن أبى بن سلول رأس النفاق، عندما مات وجاء ابنه عبد الله للرسول، وقال له أعطنى قميصك أكفنه فيه، فأعطاه القميص، وقال له أطلب منك أن تصلى عليه، فقام للصلاة عليه وعمر يجذبه، ويقول له لقد أمرك الله أن لا تصلى عليهم، فقال بل خيرنى ربى استفغر لهم أو لا تستغفر لهم، إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم، وسأستغفر له وسأزيد على السبعين، هذه هى أخلاق النبوة هى القدوة وندع الحكم لله العادل القدير.


وأتذكر أنه فى أحد النقاشات المحتدمة أيقظوا الدكتور أحمد عبده سليم ليحكم بيننا، وكان النقاش حول تغيير المنكر، وكنت بقولهم واحد ماشى مع خطيبته إنت مالك توقفه ليه وتسأله عن بطاقته وتهدده بجنزير أو ما شابه ذلك يا سيدى سيبه لربنا هذه المعاصى البشرية سيبها لله، وهما يقولوا لأ هذا منكر أمرنا الله أن نغيره، ونقاشات حول الموسيقى، وكيف أنها حرام ومنكر ولازم تغييرها، وهما يقولوا لى فيها إجماع وأقولهم مش حقيقى ابن حزم قال عنها كل صحيح غير صريح، وكل صريح غير صحيح، وما تأتون به من أحاديث كلها ضعيفة أو أحاديث أحاد، وهما يقولوا إجماع وأقولهم ما معنى الإجماع هل هو إجماع الفقهاء فى زمن معين أم فى كل الأزمان، وأقولهم الفتوى تتغير زمانًا ومكانًا وشخصًا، ويعلو الصوت أحيانا، وعندما استيقظ الدكتور أحمد عبده سليم، وكان أمير الجماعة الإسلامية بأسيوط، قال وقتها إننا لو كنا موجودين خارج السجن لما حدث هذا، لكنه الشباب المتحمس، ولو كنا موجودين لوضحنا لهم المصالح المرسلة، والوقت وظروفه والأولويات، وأمور من هذا القبيل، وانتقد ما يفعله الشباب من تغيير المنكر فى الشوارع وفى الجامعات، وقال الأولى أن ينتبهوا إلى أنفسهم ويربوا أنفسهم ويهتموا بالصف الداخلى، وأتذكر أنه عند عودة الدكتور أحمد عبده سليم وترحيله إلى استقبال طرة، وكان معه اثنان من الإخوان، وكانت الزيارات تأتى للدكتور أحمد عبده سليم بصفته أمير الجماعة الإسلامية بأسيوط، فكانت تأتى برطمانات عسل النحل الكبيرة من زنة العشرين كيلو وأقراص الحلاوة الطحينية من أوزان الخمسين كيلو، حتى تكفى الأعداد الموجودة فى السجن، فأصر الدكتور أحمد عبده سليم أن يقسمها نصفين وقال لهم خدوا الحاجات دى للإخوان فى أبو زعبل، حيث كان وقتها الإخوان فى أبو زعبل والجماعة فى استقبال طرة، ولا أدرى ما الهدف وقتها من فصل التيارات فى سجون مختلفة ربما بسبب تجربة التآلف التى حدثت فى استقبال طرة بين علاء محيى الدين والمهندس محمد الصروى وخوفهم من اتفاق التيارات عليهم.


جمال أبو رواش.. المتورط فى قضية محاولة اغتيال زكى بدر. شاب ممتلئ شديد إحمرار الوجه والشعر الأصفر والأعين العسلية بادى عليه أثر الترف، واتضح ذلك عندما رأيت أسرته فى زيارة له هم أقرب للأوروبيين منهم للمصريين، وأزياؤهم الفخمة وكمية الجاتوهات والبسبوسة غير اللحوم التى جاءت له فى الزيارة، وقد حكى لنا صديقنا سلطان من أبو تيج الطالب وقتها بكلية الطب كيف أن جمال كان «دنجوان» الكلية حتى سنة رابعة، وفجأة اختفى عن الأنظار فترة وسمعنا اسمه فى محاولة اغتيال زكى بدر، وحكى لى جمال أبو رواش، وقد قامت بيننا صداقة كيف أنهم جربوا فى الصحراء نصف كيلو «تى إن تى» فطارت فيها ذراع أخ لهم، وكيف أن السيارة كان بها 200 كيلو «تى إن تى» وكان طريق زكى بدر الحقيقى، وكيف أن الإشعال الذاتى الذى شغله لم يعمل ربما لرطوبة فى الكمية حالت دون انفجارها، وكيف خرج من السيارة وجرى ولحقوا به وقبضوا عليه وكيف كانت الخطة أنه بعد اغتيال زكى بدر سيجتمع القادة فى مبنى الوزارة فى لاظوغلى ليدخل عليهم أخان بالأحزمة الناسفة، فينسفان الوزارة بأكملها ليدخل عدة إخوة بعدها بالآلى ليكملوا على من تبقى داخل وزارة الداخلية، فقد كانت الخطة معدة لتقضى على قيادات الداخلية بأكملها، هذا الكلام تخيلوا كان قبل الثورة بعشرين سنة، لكنها الأقدار التى يدبرها الله، ولا أعلم عنه شيئا الآن، وقد حكى لى عن التعذيب البشع الذى تعرض له بعد اكتشاف العملية، وكيف أنهم كانوا فى خلايا عنقودية لا يعرفها إلا شخص واحد، بحيث لو وقع أحدهم فى أيدى الأجهزة الأمنية ولمعرفتهم بالطبيعة البشرية، فإذا ضعف أحدهم تحت التعذيب لا يدلى إلا بمعلومات عن خليته فقط، لكنه لا يعرف الخلايا الأخرى، وكان المفروض أن الأخ الرابط بين الخلايا كان المفروض يكون خارج القطر فى أثناء تنفيذ العملية، لكن حدث خطأ بيروقراطى أقعده عن السفر ووقع فى أيدى الأجهزة الأمنية.


وكان عاصم عبد الماجد موجودًا معنا لعدة أيام، وكنت أراه يجلس فى مكتب المأمور معززا مكرما، ويأتى له بالقهوة ويتجاذب معه أطراف الحديث، وقد كان وقتها الصراع بين الجماعات الإسلامية على أشده، فالقتلى من الجانبين تتساقط يوميا، مما جعل مأمور سجن أسيوط لا يلتزم بالكلام المرسل إليه بالسجن المشدد وخلافه بل كان بصراحة آخر دلع، لأن المأمور بسهولة يكون مستهدفًا لو عاملهم معاملة سيئة، وكان مأمور سجن أسيوط يستفيد ماليًّا من مزرعة السجن الضخمة التى يعمل بها المساجين، وكذلك بعض أعمال النجارة وخلافه فما كان لظابط أن يفرط فى هذه الفرصة، وأتذكر كيف كان العسكرى كل يوم يأتى بحلة اللبن الضخمة من مزرعة السجن وكذلك عدة كيلوجرامات من الفاكهة أو الموز حسب ما تيسر رغم أن عددنا لم يكن كبيرا لأن سجن أسيوط كان محطة انتظار سجين جىء يمتحن معتقلا قبل الترحيل حاجات مؤقتة كده. حتى خرجت من السجن متخمًا من كثرة الأكل وقلة الحركة، وأتذكر كيف كنت أقف فى العنبر الجنائى أنا وجمال أبو رواش، وكنا ننظر فى ساحة العنبر، وكان المسَيّر يأمر ويحرك فى المساجين والمسير ليس اسما، لكنه لقب يأخذه أحد الجنائيين ربما الأقدم وربما الذى توافق عليه إدارة السجن بالتأكيد ليسير حركة العنبر والفسحات والقفل والفتح والنظافة والميس وأمور كثيرة، ووقتها انفعل المصير على أحد المساجين لتباطوئه فى تنفيذ أوامره فسب له الدين وما كان من جمال أبو رواش أن فط فى رشاقة مزهلة لا تتناسب مع حجمه، لكنه الحماس ووجدته فى ساحة العنبر، وقد سفخ المسير قلمًا شديدا موجعًا، وكانت تعتبر إهانة بالغة لمسير أو قائد العنبر، لكنى فوجئت به صامتا يكاد يبكى وبيقوله ليه كده ويقوله علشان ماتسبش الدين تانى.


وكانوا يهابون الإسلاميين مهابة شديدة، وكيف لا وهم يقتلون من يرهبونهم وهم الضباط، ووقتها عاتبت جمال بما بيننا من عشم على أساس أنهم على نياتهم، وأنه لا يقصد سب الدين بالمعنى الحقيقى، لكنه تعود اللسان لا أكثر، لكنه أصر على رأيه، وأنه كان محقًا، وأتذكر كيف جاء أخى أيمن ومعه أخونا المحامى عصام أبو طور للزيارة وكانت رحلتهم طويلة جايبنها من قنا، وحيواصلوا للمنيا، ووافق الصول على دخول المحامى، ولم يوافق على دخول أيمن أخى، وأخبرنى عصام أن أيمن أخى بالخارج، وعندها أخبرت الدكتور أحمد عبده سليم الذى نهر الصول، وقال هات أخو الباشمهندس من بره، فجرى الصول مهرولًا، وكأن الأمر صادر له من وزير الداخلية لا زعيم الجماعة الإسلامية، وخرج الصول مهرولًا خارج السجن فين الأستاذ أيمن وسمح له بالدخول لأطمئن على أحوال الوالد والوالدة وعرفته وقتها بالدكتور أحمد عبده سليم، ووقتها قلت للمحامى عصام أبو طور إن خبرة الجماعة الإسلامية بأمور الاعتقال، وإن هما بيقدموا التظلم قبل نهاية الثلاثين يومًا بل ربما بعد خمسة أيام، ومن خبرتهم أنها بتقبل وماحدش بيراجع وراهم، خصوصا أنهم عارفين إن أمن الدولة لو عايز يرجعه تانى حيرجعه، فلا داعى للمراجعة، لكن لجنة المحامين فى دمنهور أصرت على موقفها بالمحافظة على الوقت القانونى.


وعندها عرض على الدكتور أحمد عبده سليم أن يأخذ اسمى ويطلب من محامى الجماعة الإسلامية تقديم التظلمات لنا، فأعطيته اسمى واسم الأخ عطا من سجن المنيا، وفعلا خرجت أنا أول واحد بعد أربعين يومًا من الاعتقال قبلهم بشهر وشهر ونصف، وكان إفراجى القادم من دمنهور بعد خروجى بشهرين، وحاولت توصيل الأمر حتى لا يقعوا فى هذا الخطأ مرة أخرى مع آخرين، لكن لم يسمع لى أحد، وأصر المحامون على موقفهم المتعنت رغم أن أعضاء الجماعة الإسلامية كانوا من أصحاب الاعتقال المتعدد يعنى مش فارقة معاهم كان ياخد إفراج أول وتانى ثم تأخذه الشرطة لتضعه فى أى مكان معسكر أمن مركزى، وأحيانا عربية ترحيلات فى أى مخزن للعربيات خاص بهم ثم يعيدوه بعد ذلك للمعتقل مرة أخرى وأحيانا لمبنى لاظوغلى، حيث يأخذ وصلة تعذيب وتحقيقات ثم يعود مرة أخرى للمعتقل، أما أعضاء الإخوان فكان معروفًا عنهم أنهم اعتقال المرة الواحدة، ولذلك فكان أعضاء الجماعة الإسلامية فى قلبهم غصة من الإخوان، وكانوا يتحدثون دائما أنهم يمالؤون النظام، وأنهم لو كانوا قاوموا النظام مع الجماعة الإسلامية لسقط من فترة طويلة، ولذلك فالمودة الموجودة بينهم الآن أظنها مودة ظاهرية ربما لتشابك المصالح، أما لو استقر الأمر، واستتب الوضع لظهرت الخلافات العميقة والتاريخية ولطفت على السطح وأظنه سيحدث فى القريب العاجل خصوصا مع الاستحقاقات الانتخابية سواء البرلمان أو المحليات أو المناصب التنفيذية كرؤساء الأحياء والمحافظين ووكلاء الوزارة عندما لا يقتنع فصيل من الفصائل بما أخذه من الغنائم ويشعر بالغبن من قبل السلطة المهيمنة سيبدأ التململ، خصوصا أن التيارات الإسلامية كالجماعة الإسلامية ليست لها سيطرة تامة على أعضائها كالإخوان المسلمين، فسيضغطون على قيادتهم للاعتراض، خصوصا بعد ما تظهر معالم الرفاهية لشباب بسطاء الكل يعرف وضعهم العائلى والمادى الرقيق لتحدث طفرة مادية من سيارات وعقارات وخلافه بعد وصولهم إلى مناصب تنفيذية حساسة، خصوصا بعد تسرب بعض المخالفات هنا وهناك عن الفساد وملامحه هنا سيكون التململ والخلخلة الكبيرة التى ستصيب جميع صفوف التيارات الإسلامية بالتفكك، وربما تظهر تيارات شبابية جديدة تتهم القيادات التاريخية وتهز عروشهم، بل ومن الممكن أن تشربهم من الكأس التى أشربوها للسادات، فمن الممكن أن تتهمهم بتضييع الشريعة وعدم تطبيقها، وربما أيضا تتهمهم بالكفر، وقد بدأت ملامح ذلك ضعيفًا الآن كشيخ مثل الشيخ سيد إمام الذى كفر مرسى.


الشيخ محمود عبد الرازق.. شخص طيب القلب ضحوك تعرفت عليه فى سجن أسيوط، وعرفت أنه محكوم عليه بالسجن المؤبد، وقد كان متهمًا فى قضية مقتل الشيخ الدهبى فى السبعينيات فى تنظيم التكفير والهجرة وتنظيم التكفير والهجرة لمن لا يعرفه ظهر مع موجة التشدد الإسلامى فى السبعينيات ليكفر الرئيس والحكومة فى البداية ثم بعد ذلك كفر المجتمع، ومع هذا الفكر المعوج بدؤوا يتدربون على السلاح لإقامة ما يسمى الدولة الإسلامية ثم قاموا بعملية اختطاف الشيخ الدهبى من شيوخ الأزهر، وطلبوا من الحكومة أن تعطيهم قطعة أرض داخل مصر ليقيموا عليها دولتهم الإسلامية المزعومة، وإلا قاموا بقتل الشيخ الدهبى، ولم تستجب لهم الحكومة طبعا، وقاموا باغتيال الشيخ الدهبى فعلا، وقد ظهر فكر التكفير مع معاهدة السلام مع إسرائيل، ونظرتهم إلى الرئيس السادات بأنه خان الأمة الإسلامية وخان الأمة العربية بتحالفه مع العدو، وكذلك بعدم تطبيق ما يظنونه الشريعة الإسلامية فى الداخل، وطبعا السينما وما تعرضه والملاهى الليلية وبعض هذه المظاهر التى يعتقدون أنها تبرر لهم تكفير الحاكم وقتله لو استطاعوا إلى ذلك سبيلا، والشيخ محمود عبد الرازق كما حكى لى كان أصلا تاجر سلاح، وكان يبيع السلاح فى الصعيد، وكانت تجارة السلاح فى الصعيد رائجة بسبب قضايا الثأر وخلافه المنتشرة فى الصعيد، ومع الانفتاح الاقتصادى والسفر إلى دول الخليج بدأت تحدث وفرة فى السيولة المادية لدى العائلات مما جعلهم يتنافسون فى اقتناء الأسلحة، وكان محمود عبد الرازق كتاجر سلاح معروف لجأت إليه جماعة التكفير والهجرة كزبائن فى البداية، ثم طلبوا منه تدريبهم، وأخبرنى الشيخ محمود عبد الرازق أنه بطبيعة تجارته كان يفهم فى أنواع السلاح جيدا، وكان يجيد التصويب بدقة، حتى قال إنه كان لديه القدرة على التصويب على عود الكبريت بل قال لى إن ولده الغلام كان لديه نفس القدرة، وسألته ما وسائل التصويب الجيد خصوصا أنى كنت فى مدرسة ثانوية عسكرية كمعظم جيلى وكنا نتدرب فى المدرسة على البندقية المورس وكانت لدينا طلقات كل عام نصوبها وغالبا ما كانت تطيش طلقاتى خارج الورقة أصلا رغم التزامى بقواعد سن نملة الدبانة وما شابه ذلك، فقالى لا التصويب إحساس مش ضرورى تضع عينيك أسفل السلاح وهكذا، وقال لى أنا كنت أصوب والسلاح فى جنبى، بالتخيل والإحساس، إحساسك بالشعاع المستقيم الخارج من فوهة السلاح لهدف التصويب، وعندها تذكرت أفلام الكاوبوى الأمريكانى، التى كنت أظنها افتكاسة هوليوودية، لكن يبدو أنها لها رصيد واقعى، وأخبرنى كيف أنهم وفى فترة التحقيقات بدؤوا يكفرون بعضا، وقالى كنا بنخاف ننام حتى لا يقتل بعضنا الآخر عن طريق الكهرباء، وقال لى إنه تاب وأصبح جماعة إسلامية، وكان سجن أسيوط عندما يفرغ من الإسلاميين أى لا يكون هناك واحد منهم كانوا يضعون أمتعتهم يعنى التوتو والتوتو هذا كان بابور صناعة يدوية من علب المربى وبعض الشرائط، ويعمل عن طريق الجاز لاستخدامه فى إعداد الطعام والطهى وبعض الأوانى من حلل وأطباق ومعالق للاستخدام، وكانوا يضعونها عند الشيخ محمود كأمانة حتى إذا جاء زوار إسلاميون مرة أخرى أعطاهم الأمانة وهكذا دواليك.


الشيخان محمد الغضبان وحمدى عبد الرحمن.. هؤلاء الأشخاص لم يكونوا يجتمعون كلهم، فكما قلت كانوا يتقدمون للحصول على أى شهادات جامعية، وربما لا يكون الهدف الحقيقى، الحصول على الشهادة، لكن المجىء إلى أسيوط للمكوث بجوار الأهل والأحباب والأقارب فترة من الزمن، بناءً على جداول الامتحانات وعند انتهاء لجانه كان يعود مرة أخرى إلى سجن المزرعة بالنسبة إلى المحكومين، والمعتقلين إلى استقبال طرة، الشيخ محمد الغضبان كان عصبى المزاج، ولم يكن حكمه مؤبدا كالآخرين، لأنه لم يكن من القيادات الكبيرة فى الجماعة الإسلامية، وأتذكر الخناقة الكبيرة وهو بيترحل مرة أخرى لسجن المزرعة، وهما عايزين يضعوا الكلابشات فى يديه، وهو رافض رفضًا باتًا، وحاولوا أن يقنعوه أن فى هذا ضررا على المأمور، وأنه داخل سجن أسيوط كان سايبهم على راحتهم تجول بين العنابر والمكوث فى مستشفى السجن، لكن عند الترحيل إذا ذهبت إلى سجن المزرعة، هكذا ستكون مسؤولية على مأمور سجن أسيوط، ومن هنا لهنا وصلوا إلى حل وسط، وطبيعة سجن أسيوط لمن لا يعرفه عبارة عن ألفين سجين تسعين فى المئة منهم إن لم يكن كلهم قضايا ثأر وقضايا الثأر فى الصعيد قضايا مشرفة، وليست عارا، ولذلك كان بعضهم قامات ورؤس عائلات، وكنت أرى فى الزيارات كيف أن المسجون يأتى له عزوة من أولاده وأحفاده، ويأخذون منه الأوامر والتدابير لإدارة شؤوون العائلة.


فربما بعضهم دخل السجن شابًا عنده طفلان أو ثلاثة، لكن بعد مكوثه فى السجن عشرين سنة أصبح رأس العائلة التى توفى رجالها القدامى، وكانوا لا يشعرون بالعار ولا بالخزى من ذلك، وأتذكر يوم أن دخل عدد من الرجال من عائلة على ذمة قضية ثأر، وقد كانت قضية رأى عام، حيث استطاعت عائلة أن توقع برأس كبير فى العائلة الأخرى عضو كبير بالحزب الوطنى وعضو مجلس الشعب وقتها فى مركز البدارى بمحافظة أسيوط، ولأهمية الشخصية قبضوا على عدد كبير من شباب العائلة الأخرى، مهندسين وأطباء وتعليم متوسط وغيره، ورأيت كيف كان كل أفراد السجن يباركون لهم هذا النصر الكبير، خصوصا أن عملية الثأر فى الصعيد بالأجوان 17 15، وهكذا يعنى فرق راسين لازم يتجابوا يعنى لازم يتجابوا ويتوارثها الأبناء عن الآباء، وهكذا المهم أحيانا يبقوا رايحين يموتوا اتنين عشان التعادل، يقوموا موتين تلاتة فيصبح هناك فارق رأس، وأتذكر عندما رأيت ثلاثة من المحكومين بالإعدام ومرتدين الزى الأحمر ولا مبالاة غريبة، وهم يطالبون بحقوقهم من الطعام المميز الخاص بالمحكومين بالإعدام من مربى وحلاوة وخلافه، وعرفت أنهم فى قضية ثأر دخلوا على أسرة مكونة من 15 شخصًا ما بين أطفال ونساء قتلوهم جميعا بما فيها كلب لهم!


كان فى السجن عنبر لما يسمى التغريب يعنى سجين يكون فى بحرى يعمل مشكلة يغربوه بعيد عن أهله فى سجن فى قبلى والعكس بالعكس وعرفت كيف كان ينظر لهم المساجين الأسايطة نظرة احتقار لأنهم قضايا آداب ودعارة ومخدرات، أما هم فلا يستعرون من جرائمهم التى معظمها قضايا قتل وثأر وعرفت أيضا أن الذين يأخذون أحكامًا لا يتعدى خمسة فى المية من الحوادث الحقيقية، إن يكون قتل واحد فى عز الضهر وفى السوق مثلا فكل مصر شافته وهو بيقتل، أما واحد استخبى لواحد فى الدرة ونشة فانسى، أصلا أهل القتيل ما بيبلغوش وكان عندهم محامى مشهور يفركش أى قضية قتل وبعضهم قال كان بيسلك مع بعض القضاة وبالمهارة فى الدفاع مع قضاة، المهم كان الملازم أول ياسر كان يتعامل مع عنبر التغريب ده بقسوة ومعاه خرزانة غليظة ومرة كان ماسك واحد من الجنائيين ومعاه اتنين من العساكر ونازلين فيه ضرب وبيغطسوه فى فسقية السجن والواد غالبا مبرشم فقد كانوا يتعاطون بعض الأدوية اللى بتجعل الشخص يهيس أو ما يحسش بما يدور حوله، خصوصا لما يكون عارف إنه داخل على مطحنة، المهم شاف الشيخ محمد الغضبان هذا الأمر من شرفة المستشفى وشخط فى الظابط ياسر بعنف إنت يابنى آدم بتعمل إيه سيبه وطبعا ياسر كان لسه شاب صغير لم يتجاوز الثانية والعشرين من عمره زمانه بقى لواء دلوقت وشايف المأمور بتاعه بيتعامل معاهم إزاى ارتبك وساب الواد، لكنه كان فى قمة الضيق، لأن ظنه أن هذا من الممكن أن تضيع هيبته بين المساجين، وعرفت من المساجين الجنائيين، كيف كانوا يعتصمون ويضربون فى السجون إذا وجدوا نوعا من التضييق، كانوا يخيطون أفواههم على الحى كده، وكانوا أحيانا يفتحون بطونهم بحرفنه، ومن الممكن أن يذهب إلى المأمور حاملا أمعاءه على كفيه حتى إن أحدهم كشف عن بطنه وأرانى حجم الخط المتخيط داخل بطنه، ولا أدرى إن كان كاذبًا أو صادقًا، ده كنت بسأله ليه اتغربت وإيه الجرم اللى عملته عشان تتغرب ماكنتش بسأل ليه اتسجن لأنه من الممكن أن يكذب، لكنه مجتمع غريب يحتاج إلى الدراسة المتأنية.


الشيخ حمدى عبد الرحمن لم يكن من أصحاب الأحكام الكبيرة ربما خمسة عشر عامًا المهم عرفت حاجة غريبة جدا السجن حتى عام 87 كان زى الفل حجرات بورق الحائط حوض سباحة فى منتصف العنبر كل ما يطلب من كتب وأشرطة وأجهزة تسجيل يلبى حتى إنهم كانوا ينفردون بزوجاتهم ففى الزيارة التى تمتد 5 أو 7 ساعات كان يجلس السجين مع أسرته وأولاده ثم يأخذ زوجته وينفرد بها فترة ويكمل الزيارة، وتنصرف حتى إننى علمت أن معظمهم لديهم أولاد مواليد 82 و84 رغم أنهم مسجونون من 81 المهم أخونا الشيخ حمدى لقى كل زيارة كل واحد من أخوانه المسجونين ياخد مراته ويدخل بيها على جوه وهو قاعد يغنى ظلموه، المهم طلب من أسرته يشوفوا له واحدة بنت حلال توافق على وضعه ووجدوا له ما طلب، لكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن جاءت 87 قبل أن يدخل بزوجته وحدثت حادثة الهروب اللى كان فيها القمرى والأسوانى وشارك معهما نبيل المغربى، لكنه لم يفلح فى الهرب، وجن جنون النظام حتى إننى علمت أنهم وضعوهم 6 أشهر فى أقبية تحت الأرض فى سجون منفردة مما أفقدهم الإحساس بالزمن لا تعرف الليل من النهار، وفى هذه الحالة من الممكن أنك تظنهم سنين وليست 6 أشهر خرج بعضهم من هذه الحالة، خصوصا بعد أحواض السباحة وورق الحائط والخلوة بالزوجات تأتى هذه الفترة العصيبة حتى إن أحدهم قال لى كان بعضنا يكلم الحشرات، من الوحدة ودون إضاءة ومعاكش مصحف حتى.

ولكنه كان أخًا هادئ الطباع، أتمنى أن يكون فى أحسن حال الآن بعد خروجه من السجن وبعد زواج مع وقف التنفيذ لفترة طويلة.

المعسكرات.. المهندس مصطفى الخولى هو من جلست معه جلسة مسجدية، وأنا فى الصف الثانى الابتدائى، كنت أنتظم أحيانا وأتخلف أحيانا، وكان المهندس مصطفى هادئ الطباع، لكنه لم يكن حركيا بالمعنى الإخوانى، والأخ الحركى هو الأكثر جذبًا لمن هم فى نفس مرحلتنا وقادر على التحرك معنا فى كل الأوقات، يلعب معنا الكرة وتنس الطاولة ويسهر معنا فى المساء، وينظم رحلات لصيد السمك، بحيث يجلس أطول فترة ممكنة، ويحدث نوع من الارتباط الشخصى بالمجموعة المسؤول عنها، وأنا فى الصف الخامس الابتدائى انتدب المهندس مصطفى بعض الأخوة ليسدوا عجزه فى تلك المنطقة الحركية، وبدأت أرتبط أكثر بالمسجد، وأنا فى الصف السادس الابتدائى قال لنا المهندس مصطفى عن معسكر ضخم للجماعة الإسلامية كما كانت تلقب فى هذا الوقت استأذنت أبى ودفعت الاشتراك، وبعد أسبوع أبلغنى المهندس مصطفى إنى مش حطلع المعسكر؟! ليه يا باشمهندس قال لى الحد الأدنى إنك تكون فى الصف الأول الإعدادى، وأنا كنت وقتها فى الصف السادس الابتدائى، وحزنت بشدة، وحاولت أرجوه أن يستثنينى دون جدوى، وقالى إن الأمر ليس بيده، وعرفت بعد ذلك أنه كان معسكرا ضخما جمع شباب الجماعات الإسلامية من الصعيد وحتى الإسكندرية فى منطقة أبو يوسف كان هذا فى عام 80 فى قمة القوة للجماعات الإسلامية، وكان فيه حلمى الجزار وعصام العريان وأبو الفتوح والزعفرانى وعمرو عزام وشخصيات كلها أصبحت قادة فى المستقبل، وكان غضبى شديدا بعد أن عرفت أن حسن عاصى من الحى المجاور حى شبرا بدمنهور ذهب إلى المعسكر رغم أنه فى الصف السادس الابتدائى مثلى، وعاتبت المهندس مصطفى وقتها عتابا كبيرا، بعدها كانت فترة 81 فترة عصيبة فك وقتها الإخوان الأسر لمدة ثلاث سنوات حتى قبل مقتل السادات مع قضايا التحفظ فى سبتمبر 81، وكانوا لا يتقابلون إلا سرا ولأوقات محدودة، وبعد وقت فى عام 83 عاد العمل وبقوة، وفى هذه الفترة كانت لقاءات المسجد مستمرة، وفى هذا العام بدأت أتحرك من اللقاءات المسجدية للقاءات المنزل، وهى مرتبة أعلى وتبدأ تعرف معنى الأسرة، وإنك إخوان مسلمون. وسنتطرق لهذه التفاصيل فى وقت آخر، لكننا نركز الآن على فكرة المعسكرات.

بدأت المعسكرات تنتظم من جديد كنا وقتها نذهب لعمارة كانت ملك والد الدكتور طارق القرنشاوى والمهندس هشام القرنشاوى على شاطئ أبى قير على البحر مباشرة، وكانت شققا صغيرة لا تتجاوز الخمسين مترا، ومن الممكن أن نكون بها عشرون فردا، مافيش سراير طبعا كنا بنام على الأرض، فقد كانت هذه الشقق تفرغ من السراير، للاستخدام الإخوانى فقط حتى تأخذ عددا أكبر ومزيد من التقشف، يعنى تعيش عيشة السجن بكل تفاصيلها عشرة فى كل غرفة، حمام صغير، رائحته فظيعة ونجتمع فى المحاضرات عشرين فى الغرفة لنسمع للمحاضر الذى أتى يحاضرنا فى الجماعة والدعوة والفرقة الناجية وشمولية الإسلام وبطولات الإخوان فى الماضى وحسن البنا، الإمام الملهم وعن السرية، ورابطة الأخوة ومتطلباتها، وواجباتها حتى إنى أتذكر أننا جلسنا مرة 8 ساعات متواصلة محاضرات وقاعدين مقرفصين لما الواحد بقى مش عارف يقوم، وطبعًا مش قادر تعترض ومكسوف تقول، ارحمونا يا جماعة شوية، إنتوا حتخلصوا المنهج فى أسبوع، لسه العمر قدامنا كبير، كان يحاضرنا المهندس محمد العصار، الأخ محمد كامل، المهندس محسن القويعى، وكان يأتينا أحيانا من إخوان إسكندرية من يحاضرنا، وجلسنا عدة سنوات فى تلك الشقق، ورغم أننا كنا بجوار الشاطئ مباشرة، لكننا كنا ننزل للتريض والبحر ساعة فقط فى الصباح، فى الساعة السابعة، ربما لاحتياطات أمنية، وربما خشية علينا من الفتنة ورؤية المصطافين بأزياء البحر بعد ذلك، رغم أن معظمنا يذهب للبحر فى أوقات أخرى مع أسرته مثلى، لكن ليس الجميع فلم تكن تلك الرفاهية متاحة للجميع، وأحيانا كنا نذهب لشقة أخرى للأخ إبراهيم جعبوب فى منطقة سيدى جابر .


فى الحلقة الثامنة
«أسرار معسكرات الإخوان»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.