سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كرموز.. الحياة تحت رحمة عقارات الموت «تركيا» تعيش فى رعب بعد اختفاء الدور الأول من منزلها تحت سطح الأرض.. و«إيمان»: فقدت الأمل فى الحى وأنتظر قضاء الله.. و«نادية»: «الموت أفضل للفقراء اللى زينا»
كانت وما زالت منطقة كرموز، غرب الإسكندرية، من أكثر المناطق المشهورة بوجود أحياء فقيرة بها، وسكانها يعيشون حياة تحت خط الفقر، فضلاً عن انهيار العقارات المستمر بها، وقيام سكان العقارات المنهارة بالإقامة بالشوارع أو تجميع عدد من العائلات فى مسكن واحد أو على الأسطح. حاورت «الوطن» عدداً من الأسر الفقيرة بالمنطقة، الأولى مكونة من 5 أفراد حياتهم منحصرة بين أربع خشبات بالشارع وسط عمارتين داخل حارة «عز» بمنطقة كرموز غرب الإسكندرية، فالعشة عبارة عن غرفة بها سرير وبجواره «بابور» ساخن وبعض الأوانى القديمة والمتهالكة وجردل مياه، ثم كرسى خشبى متهالك، والذى يفصل بين السرير ودورة المياه غير الآدمية ثم سرير آخر بآخِر الغرفة وقطعة خشب عليها ملابس. ما تعيشه الحاجة ندرة عبدالرحيم (66 عاماً) وابنها وزوجته وأطفاله حياة مهينة للبشر، لم يتخيل أحد أن هذه العشة التى بها كافة الحيوانات من «قطط وفئران وكلاب» وغيرها من الحشرات الضارة يسكنها بشر وأطفال، فالكهرباء عبارة عن سلك يصل بإحدى العمارات لإضاءتها، أما المياه فيتم الحصول عليها من الجيران. وتحكى الحاجة ندرة قصة وجودها بهذه العشة، فتقول وهى تشير بيدها إلى عمارة منهارة بآخِر الشارع: «أنا أول ما تزوجت سكنت بهذه العمارة وأنجبت أربعة أطفال ثم انهارت العمارة وظللت بالشارع إلى أن سمح لى صاحب البيت بوضع عشة خشبية بجوار منزله». وتضيف: مفيش حد سأل فينا من المسئولين بالرغم من تقديم 10 آلاف شكوى للحى «ولا حد فكر يعرف الناس اللى كانت ساكنة فى البيوت اللى انهارت راحت فين، المهم إنهم أدام الناس بيشتغلوا علشان الفقراء»، لافتة إلى أن نجلها ما زال حتى الآن يقدم شكاوى للحى والمحافظة خاصة بعد الثورة لكن بدون جدوى، وتقول: «بلا نظام جديد بلا قديم المسئولين كلهم زى بعض محدش بينفع حد والنافع ربنا». وتضيف: «فى الشتا بنحط مشمع كبير للوقاية من المياه»، لافتة إلى أنها لا تريد لأحفادها أن يعانوا من الأمراض التى تعانى منها بسبب النوم فى الشارع بهذه الطريقة. وبالانتقال إلى إحدى الأسر الفقيرة بنفس الحارة التقينا تركيا حسن السيد، إحدى سكان العقار رقم 47 «تعيش فى رعب من حدوث انهيار للعقار التى تسكن فيه حيث بدأ يأخذ فى الهبوط عن مستوى سطح الأرض حتى اختفى دور بأكمله». وتابعت: «ونظراً لأن أسرتها ليس لها مأوى آخر وأن الموظفين والمهندسين بالحى عاينوا العقار أكثر من مرة وأرسلوا لجنة خبراء دون اتخاذ أى إجراءات فعلية فما كان منهم إلا أن ردموا هذا الجزء واعتبروه كأنه لم يكن وسكنوا فى الطابق الذى يعلوه بعد أن صار بدوره فى مستوى سطح الأرض». وتقول إيمان على مرزوق التى تسكن العقار 48 بنفس الحارة: إن سقف المنزل سقط عليهم مرتين وتقدموا بعدة بلاغات إلى الحى منذ سنوات للمطالبة بنقلهم إلى مسكن آخر حتى تتم إعادة بناء أو ترميم البيت لكن دون جدوى حتى أخبرها المسئولون فى الحى فى المرة الأخيرة بأن البلاغات التى تقدمت بها طيلة السنوات الماضية فقدت وعليها أن تتقدم بغيرها، ولكنها نظراً لفقدها الأمل عادت إلى منزلها تنتظر قضاء الله. وتقول: «إحنا تعبنا من المسئولين، ربنا أرحم علينا من الحى والحكومة اللى عمّالة تغلى فى الأسعار ومش بتنظر إلى الفقراء خالص ولو متنا مش فارقة إحنا أصلاً مش عايشين». ويشير الحاج مصطفى أحمد على (55 سنة) من سكان العقار رقم 10 حارة «إدريس» المتفرعة من التوفيقية، إلى أن العقار الذى يقطن به وتسكنه 6 أسر أخرى مهدد بالهدم بسبب قيام صاحب العقار الملاصق له بالحصول على قرار إزالة للعقار ملكه حتى يتمكن من بناء برج سكنى يحقق له مكاسب مادية ضخمة، قائلاً: «البيت بتاعنا قديم ومتهالك وما يستحملش حد يهد ويبنى جانبه حيقع فى ساعتها زى ما حصل للبيت اللى جنبنا». وأضاف أنه على الرغم من أن الحى يعلم تماماً خطورة قرار الإزالة على العقار الملاصق فإنه منح صاحبه قراراً للإزالة، مشيراً إلى أن السبب يكمن فى الرشاوى قائلاً: «أسباب نكسة سكان التوفيقية وغيرها من أحياء الإسكندرية، مافيا الإسكان من أصحاب البيوت القديمة الذين يطمعون فى هدمها وإقامة أخرى جديدة لبيعها بمبالغ طائلة، وموظفو الحى الذين لا يعنيهم القانون أو الضمير الإنسانى أمام أى صاحب ملك يقدم لهم الرشاوى المادية». فيما تؤكد رضا فوزى عبدالسلام التى تسكن ب 25 حارة المراكبية بكرموز، أنها تحتاج إلى من يساعدها ويتكفل بعلاج زوجها المصاب بمرض خبيث والتأمين الصحى لم يصرف له العلاج، فضلاً عن أنه عاجز عن العمل والحركة وبالتالى فالدخل الذى تحصل عليه قليل جداً بجانب المعاش الذى لا يتجاوز ال 300 جنيه. وتضيف أن منزلها منهار تماماً وأنها ليس فى مقدرتها ترميمه أو إصلاحه حيث إنها تعول أسرتها المكونة من زوج وثلاثة أبناء، متسائلة: «ماذا أفعل وأنا امراة أبلغ من العمر 30 عاماً ولا أحد يساعدنى». وأضافت أنها ترسل شكاوى واستغاثات إلى الحى منذ ثلاثين عاماً ولكن ليس لديهم إلا أن يرسلوا بخبراء لمعاينة البيت وقبل خروجهم يقولون لها «أنت إزاى عايشة هنا يا حاجة، البيت ممكن يقع عليكم فى أى لحظة»، ويعدونها بكتابة مذكرة بذلك وبحل قريب لمشكلتها ثم ينصرفون بلا عودة. وقالت: «حسبنا الله ونعم الوكيل فالمسئولون عايشين فى مكيفات وإحنا عايشين تحت خط الفقر ومفيش فى قلوبهم لا رحمة ولا شفقة ولا حتى ييجوا يبصوا على الناس اللى موجودة فى الشارع 24 ساعة». «عمرى وحياتى ومالى كله راح تحت الأنقاض.. لا أملك أى حاجة خالص.. كله راح، حسبنا الله ونعم الوكيل من ساعة ما البيت وقع من عدة شهور وأنا كل شوية عند حد من الجيران، ماعنديش أى حاجة أملكها كل راح»، كانت صرخات وبكاء وعويل الحاجة نادية صادق الذى انهار عقارها بحارة العسال، وتضيف «نادية»: «مش عارفين نعيش خلاص الموت أفضل للفقراء اللى زينا».