اتشحت منطقة حارة البلقطرية بحي الجمرك في الإسكندرية بالسواد، حزنًا على ضحايا عقارت الموت المنهارة، وتحولت سراديب وأزقة الحارة إلى سرادق عزاء مفتوح، وغلبت الدموع على الكلام، فيما خرج أهالي الحارة، الإثنين، لتشييع جثامين 6 من الضحايا، تم دفنهم بمقابر أسرهم في منطقة كرموز. في الساعات الأولى من صباح الإثنين، وتحديدًا في الواحدة والنصف، ظهرت جثة لطفل في الثالثة من عمره، تعرف عليه والده بصعوبة لتشوه وجهه، وتبين أن والد الطفل فقد طفلة أخرى في الانهيار، بالإضافة إلى والديه، وانهار الوالد في البكاء على جثمان ابنه، قبل أن يحاول ضابط جيش تهدئته، حيث احتضنه بقوة وطلب منه التحلي بالصبر. واضطرت قوات الحماية المدنية إلى إلقاء الركام في وسط الطريق، لسرعة رفع ما تبقى من أنقاض، في ظل تأكيد شهود العيان على وجود أسرتين تحت الأنقاض حتى الآن. ساعات طويلة يقضيها الأهالي الذين نجوا من الحادث في التنقيب عن بقايا أثاثهم وملابسهم وسط أكوام الحطام والأنقاض، ووسط الضوضاء الناتجة عن عمل السيارات التي تنقل الركام. وفوق الأنقاض، وقف محمد مصطفي، وهو يحاول استخلاص «شباك» خشبي من أكوام الحطام والأتربة، التي كونت فيما بينها تحالفًا مضادًا لجهود الأهالي المستمرة للعثور على ما تبقي لهم من متعلقات. انهيار تلك العقارات لم يعد الكارثة الوحيدة التي حلت بالمنطقة، فالقلق بات يسيطر على الأسر المقيمة في العقارات الملاصقة للمنازل المنهارة، نتيجة ظهور تشققات وشروخ واسعة في جدرانها، وهو ما تقول عنه فوزية دياب عبد الله، إحدى المقيمات في عقار مجاور للمنازل المنهارة: «طبعا سبنا البيت من الخوف، وأخدنا حاجتنا وقاعدين في الشارع لما نشوف إيه اللي هيحصل، وعلي فكرة كل الناس هنا تعبانة من زمان ونفسها تستريح». وكغيره من أفراد الأسر المتضررة، وقف حمادة السيد، على باب حديدي لأحد العقارات التي تبدو عليها حداثة الإنشاء وهو يقول: «حسبي الله وعم الوكيل.. صاحب العقار قتل أسرتي وهرب بسبب تباطؤ أجهزة الأمن». ويقول «بلبل»، أحد الشباب الذين يقومون بتجميع متعلقات الأهالي، «أنا مش عارف فين المسؤولين، كلهم سابونا نحل مشكلتنا بنفسنا، دلوقتي الناس اللي بيوتها وقعت هتروح فين؟ اللي مات خلاص استريح ولقي له نومه، واللي ربنا كرمه وعاش يعمل إيه؟ يروح يدفن نفسه بالحيا علشان مفيش سكن يلمه؟». يقول سلامة عدلي، 54 عامًا، أحد سكان منازل حارة البطارية: «عارفين إن البيوت اللي إحنا عايشين فيها صادر لها قرارات إزالة، بس حد يقول لنا نروح فين؟». ويضيف: «المسؤولون مش عاوزين يفهموا إننا بنعاني في عيشتنا، بسبب التجاهل وانعدام الضمير لدى كثير من موظفي الحي والمحافظة الفاسدين». أما المشهد أمام مشرحة كوم الدكة فلم يختلف كثيرًا، عدد كبير من الرجال والنساء وقفوا أمام الباب في انتظار تسلم جثث ذويهم، ولم يقوَ أحد منهم على الصراخ أو الكلام بعد أن غلبهم الإعياء، وكان المشهد الأكثر تأثيرًا خروج جثة الطفلة منال بلال، التي تبلغ من العمر سنة واحدة، بعدما تم انتشالها من تحت الأنقاض، وأبكى خروجها كل من شاهدها حتى العاملين بالمشرحة.