يتصف أداء الحكومة، بعد ما يقرب من ستة أشهر من تشكيلها، بدرجة عالية من عدم الوضوح حول حقيقة أهدافها وأولوياتها. ويثير هذا الموقف انطباعاً عاماً بافتقاد الشفافية الواجبة لإعلام المواطنين بحقيقة اتجاهات الأداء الحكومى وما يتحقق عنه من إنجازات ومدى ما ينتج عنه من حلول للمشكلات المتراكمة التى يعانون منها. ويدعونا هذا الصمت الحكومى إلى إثارة مجموعة من التساؤلات المشروعة نبحث لها عن إجابات تطمئن الناس إلى سلامة المسيرة نحو المستقبل. وابتداء، ومع التأكيد على أهمية وخطورة الدور الواجب على الحكومة فى مكافحة إرهاب الإخوان وحلفائهم، نحن نتساءل إلى متى ستظل الحكومة تعتمد فى مقاومة الإرهاب على القوات المسلحة والشرطة وحدهما دون تفعيل التعامل الحاسم مع الجماعة الإرهابية وقياداتها ومنع مصادر تمويلها وتطبيق مواد الإرهاب أرقام 86 وما بعدها فى قانون العقوبات، حيث إنها ما زالت مترددة فى إصدار قانون مكافحة الإرهاب. ولا يعلم أحد متى سيتم الانتهاء من «قانون الكيانات الإرهابية» وطرحهما للحوار المجتمعى الجاد والهادف إلى إنجاز هذين القانونين المحوريين فى أسرع وقت؟ وثمة تساؤل ثان يتداوله الناس، حيث لا يوجد أثر واضح لأى محاولات حكومية للتعامل الحاسم والجاد مع الجماعات التكفيرية ذات الفكر الشاذ الذى تحاول فرضه على الناس والشباب بالدرجة الأولى، وحيث لم تشرع الحكومة بعد فى حشد طاقاتها الفكرية وإمكانياتها الثقافية وأجهزتها العاملة فى مجالات التأثير فى الوعى العام لكى تحاول بناء منظومة فكرية متكاملة تجابه الإرهاب الأسود وتكشف زيف وتضليل الجماعة الإرهابية وفساد البناء الفكرى لمؤسسها الماسونى حسن البنا المستند على أضاليل الإرهابى سيد قطب. إن الناس يتساءلون أين الحكومة من هذه الحرب الإرهابية التى بدأت فى الاتساع مع ظهور روافد جديدة للجماعة الذين قال عنهم مرشدهم الأول «ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين»! ونضيف تساؤلاً ثالثاً يتردد على كل ألسنة المواطنين وكذلك المستثمرين وأصدقاء مصر، هو أين جهد الحكومة فى مكافحة الفساد وتجفيف منابعه وأهمها فساد الجهاز الإدارى للدولة، الذى وصف رئيس الحكومة ذاته إحدى مؤسساته وهى وزارة الزراعة بأن فيها «الفساد للركب»، والجديد فى هذا الأمر أن المهندس محلب قد أعلن أثناء اجتماع اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد يوم الأربعاء 26 نوفمبر أنه «تم اعتماد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، التى تهدف إلى مكافحة الفساد بالمجتمع المصرى، من خلال وضع الأهداف والسياسات والبرامج والآليات، التى تكفل محاصرته، وتفعيل ثقافة مجتمعية رافضة للفساد، وللاستراتيجية رؤية ورسالة وأهداف رئيسية، حيث تنص الرؤية على أن يكون هناك مجتمع يكافح الفساد، ويستعيد ثقافة العدل والشفافية، والنزاهة، والولاء، بدعم من أجهزة إدارية فعالة»، وأن تلك الاستراتيجية سوف يعلنها رئيس الحكومة فى اليوم العالمى لمكافحة الفساد فى 9 ديسمبر المقبل! والسؤال المهم ليس هو موعد إطلاق الاستراتيجية ولا محتواها وما بذل فى صياغتها من مجهود، ولكن ما الإجراءات العملية التى ستتخذها الحكومة لاجتثاث الفساد من جذوره وإنهاء تلك الآفة التى تهدد بإفشال كل جهود الوطن للتنمية والانطلاق إلى مستقبل أفضل. ويرتبط بذلك التساؤل تساؤل آخر هو حقيقة ما أعلنه رئيس الحكومة عن إتمام الإصلاح الإدارى فى 3 شهور، أى قبل انعقاد مؤتمر أصدقاء مصر فى مارس المقبل، وما الخطة أو البرنامج الذى يمكن أن يحقق فى ثلاثة شهور ما عجزت الدولة المصرية عن تحقيقه فى سنوات؟ وأليس من حق المصريين الذين يعانون من البيروقراطية والروتين الحكومى أن يؤخذ رأيهم فيما تنتوى الحكومة تنفيذه من إصلاح؟! والتساؤل الرابع الذى يفرض نفسه هو ما يتعلق بخطة الحكومة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ذلك أنه على مدى الشهور الستة الماضية منذ تشكلت الحكومة الحالية لم ننقطع عن مطالبتها بإعلان خطة عملها وتوضيح أولوياتها فى مجالات العمل الوطنى المختلفة، وفى ذات الوقت لم تشأ الحكومة الإفصاح عن تلك الخطة ولم تحاول الالتزام ببرنامج معلن! فى الوقت الذى دأبت فيه الحكومة وبعض وزرائها على الإدلاء بتصريحات متفائلة والحديث عن مشروعات عملاقة يتم عرضها على الرئيس، مبشرين الشعب بالخير العميم الذى ستحققه تلك المشروعات حين إتمامها! مثل مشروع إحياء «توشكى» ضمن استصلاح المليون فدان الأولى من إجمالى أربعة ملايين فدان مستهدفة، ومشروع إنشاء 3300 كيلومتر من الطرق، وإنشاء عاصمة إدارية جديدة على طريق السويس، وإنشاء مركز لوجيستى للتجارة العالمية فى القمح، ومشروع إنشاء مدينة سياحية على سواحل البحر الأحمر ومشروعات تنمية الساحل الشمالى، فضلاً عن المشروع الأكبر بحفر قناة السويس الجديدة! وفجأة يعرض الموقع الإلكترونى لوزارة التخطيط والإصلاح الإدارى ملف «خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالى 2014/2015» و«استراتيجية التنمية المستدامة: مصر 2030»، والغريب أنه لم يرد فى أيهما ذكر لمجموعة المشروعات التى أعُلن عنها فى الشهور الأخيرة، ولم نتبين هل تم تعديل هذين الملفين ليتضمنا تلك المشروعات باعتبارها إضافة إلى الخطة أم لا!! وسواء تضمنت خطط الحكومة ورؤيتها لمصر 2030 تلك المشروعات أم لا، فإن التساؤل الذى يبحث المصريون عن إجابة له، هو ما المعايير التى تم اختيار المشروعات المعلن عنها على أساسها؟ وهل تمت دراسات جدوى فنية واقتصادية تؤكد صلاحيتها وتوفر مصادر التمويل لتنفيذها؟ مع الإشارة إلى غياب آلية منتظمة لإطلاع المواطنين على مدى تقدم العمل بها. إن تلك التساؤلات وغيرها كثير تنبع من الحرص على نجاح الحكومة الأولى فى عهد الرئيس السيسى والرغبة فى تنفيذ الانطلاقة الوطنية التى حددها فى رؤيته للمستقبل نحو التنمية والديمقراطية، فهل من مجيب؟