أمة بلا ذاكرة، هى أمة بلا ماض أو حاضر أو مستقبل.. والذاكرة هى رصيد الخبرات والتجارب التى عاشتها الأمة، جيلاً وراء جيل.. هى الزاد الروحى والإيمانى والإنسانى.. هى سجل الصعود والهبوط، الانتصار والانكسار، القوة والضعف، والتعافى والمرض.. لذا يعمد أعداؤنا وخصومنا إلى طمس معالم ذاكرتنا، أو تشويهها أو مسخها، حتى لا يبقى لدينا ما يمكن الرجوع إليه والاستفادة منه.. من المهم إذن أن نستعيد تاريخنا بين الحين والآخر.. من الضرورى أن نتوقف سويعات أو لحظات لنتأمل: كيف كنا، وكيف أصبحنا.. كى نبصر طريقنا ونحن نستشرف أهدافنا وغاياتنا.. بالأمس القريب كان احتفالنا بالذكرى 39 لانتصار أكتوبر العظيم.. كان الاحتفال ضرورياً ومهماً، لإنعاش الذاكرة، واستحضار الأمجاد، واستعادة الروح التى مكنتنا من التخلص من هزيمتنا النفسية.. وكانت النتيجة عبورنا أكبر وأعتى مانع فى التاريخ، وانتصارنا على عدو ظل عقوداً من الزمن يزعم أنه القوة التى لا تُقهر. كان الاحتفال مناسبة لغسل أو محاولة لغسل الآثار السيئة التى أحدثتها وسببتها مرارة وإدارة المجلس العسكرى للبلاد خلال الفترة الانتقالية.. لكن، والحق يقال، لم يكن هناك فى يوم من الأيام خلط بين القوات المسلحة من جانب والمجلس العسكرى من جانب آخر.. ظلت القوات المسلحة محتفظة بهيبتها ومكانتها فى قلب كل مصرى.. بالأمس الثلاثاء 9 أكتوبر، كان ذكرى مرور عام على مذبحة ماسبيرو.. أعادت لنا أحزان وأوجاع ما حدث من جرائم ومذابح، سواء أثناء الثورة أو بعدها، فى ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء واستاد بورسعيد ومحمد محمود 2 والعباسية 2.. هذه الجرائم والمذابح لا ولن يمحوها الزمن.. سوف تظل شاهدة وحاضرة وماثلة أمام الأعين، وأصابع الاتهام تشير إلى المجرمين والقتلة الذين لم يرعوا حرمة الدم المسفوك فى ساحات الميادين.. ما زال المجرمون والقتلة مطلقى السراح.. بعضهم نال حكماً بالبراءة، وما زال البعض الآخر ينتظر.. بل إن بعضهم نال ترقية وحظوة ومكانة!! ما زالت النار مشتعلة فى قلوب الأمهات والآباء والإخوة والأخوات.. لن تهدأ الثورة فى القلوب حتى يتم القصاص.. ويشفى صدور قوم مؤمنين.. شباب الألتراس لا يهدأ.. يرفع شعار «يا نجيب حقهم، يا نموت زيهم».. هؤلاء الشباب يستحضرون قيماً ومعانى غابت عنا فى الفترة الماضية، هى قيم المروءة والشهامة والنبل.. والوفاء.. هم لا ينسون إخوانهم، وماذا فُعل بهم فى لحظة غدر قاتلة.. لذا لن يستقيم الحال ولن تستقر الأوضاع حتى يقام العدل، ويعلم الجميع أنه لا أحد، مهما كان قدره أو منزلته، فوق القانون.. يقال إن الأدلة قد تم نسفها، ومعالم الجريمة طمست معالمها.. أظن -وبعض الظن ليس إثماً- أن جهات التحقيق تعلم جيداً كيف السبيل إلى من لديه الأدلة ومعالم الجريمة.. هؤلاء ليسوا مجهولين، بل هم معروفون، لكن يبدو -والله أعلم- أن هناك عوائق تحول دون الوصول إليهم! ولأن الشىء، كما يقولون، بالشىء يُذكر، يحق لنا أن نتساءل: ما الذى جرى لجنودنا الستة عشر الذين استُشهدوا فى رفح؟ نريد أن نعرف.. من هم القتلة الحقيقيون؟ لقد بقى فى مسرح الجريمة سبعة جرحى ومصابين، ومن البدهى أن يكون لديهم معلومات كاملة عما حدث فى هذه المذبحة، ومن البدهى أيضاً أن تكون قد جرت تحقيقات مفصلة.. لكن، لا حس ولا خبر.. فهل إظهار تلك المعلومات فى هذا الوقت يضر بالأمن الوطنى والقومى؟ لا ندرى.. إن دماء الشهداء المصريين، سواء كانوا من المدنيين فى ساحات الميادين أو من العسكريين على الحدود، يجب ألا تضيع هدراً.. إن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد.