محاربة معاتيه الشوارع لا تقل أهمية عن مجابهة مهاطيل المتأسلمين. ومواجهة إرهاب الطرق لا تقل ضرورة عن منازلة إرهاب سيناء. والضرب بيد من «تفكير» لإيجاد حلول سريعة وغير تقليدية لفوضى الشوارع لا تقل حيوية عن الضرب بيد من حديد على مخططى فوضى البلاد لأغراض سياسية سواء داخلية خاصة بالجماعة أو خارجية متصلة بقوى إقليمية وأخرى دولية. منظمة الصحة العالمية تقول إن أرواح 12 ألف مصرى تُزهق سنوياً على الطريق (وإن كان البعض يقدر الأعداد الواقعية بضعف ذلك)، بمعدل 42 وفاة لكل مائة ألف مواطن (متوسط المعدل العالمى 18 لكل مائة ألف). وبعيداً عن حال الطرق، ونوعية الرصف الرديئة، ومشكلات الصيانة وغيرها، فإن نظرة سريعة على الشوارع وما يجرى فيها من خبل يرقى إلى مرتبة اللامعقوليزم قادرة على التأكيد أن المصريين أصابهم مس عنيف من الجنون. وأعتى مظاهر هذا المس ليس القيادة المخبولة والمهتورة والخرفة والمعتوهة والبلهاء فحسب، لكنه التعامل مع ما يجرى فى الطرقات على مدى سنوات باعتباره «قدراً أحمق الخطى وشراً لا بد منه» و«آدى الله وآدى حكمته»، وذلك بدلاً من اعتبار ما يحدث ضرباً من السفه القاتل ونوعاً من الهوس المارق الذى ينبغى منعه فوراً. وما الحوادث البشعة الأخيرة التى أدمت قلوب المصريين إلا نتيجة طبيعية ومتوقعة ومعروفة لسفه القيادة، ولا يستثنى أحد من نعوت السفه والخبل والعته. وليس صحيحاً ما يشاع من أن سائقى الميكروباص وحدهم المخبولون، أو أن مجندى الشرطة والجيش دوناً عن غيرهم موتورون، أو أن سائقى الباصات العامة وسيارات الحكومة هم الممسوسون. بل جميعنا أصابنا الخبل، فأن تكون أولوية اللجان المرورية (إن وجدت) النظر إلى حزام الأمان (مع أهميته الشديدة) والتمعن فى تاريخ انتهاء الرخصة (مع حيويتها البالغة) وغيرها، بينما يمر أمامه توك توك مارق، أو يركض خلفه بغل وحمار يجران «كارو»، أو تبرق تحت سمعه وبصره سيارة ميكروباص دون لوحة أرقام، فهذا يدل على قائمة أولويات تحتاج إعادة ترتيب، وأن تستمر السيارات الربع نقل الصغيرة المرخصة «ترخيص ملاكى» فى نقل الركاب بنظام السرفيس بينما يقودها صبية لا يردعهم قانون ولا تحول بينهم وبين الجنون لا شرطة ولا لجنة ولا إعمال للعقل ولا تحكيم للمنطق، هو عين الإرهاب. وأن تتوسع وتتوغل وتتوحش مملكة الميكروباص لتصبح منظومة بوضع اليد وواقعاً مريراً هو عين الإرهاب. وأن تترك الأمور على مصاريعها أمام سائقى الباصات العامة ليعيثوا فى الشوارع فساداً وانفلاتاً وترهيباً، فهذا عين الإرهاب. وأن تترك المؤسسات والهيئات الحكومية والشركات الكبرى سائقيها يرتعون فى الشوارع ويضربون عرض الحائط بالقوانين دون رادع أو مسائل، فهذا عين الإرهاب. وأن يضطر الأهل للسكوت على تحميل أبنائهم وبناتهم فى باصات وسيارات يقودها مخبولون لأنهم لا يملكون بديلاً، فهذا عين الإرهاب. وأن تُترك سيارة على الطرقات دون لوحة أرقام وبزجاج أسود دون أن يستوقفها ضابط مرور أو تسائل قائدها لجنة مرورية، فهذا عين الإرهاب. وأن تُستخرج رخصة قيادة دون أن يخضع صاحبها لاختبار قيادة وإشارات ناهيك عن الاختبارات النفسية وأخرى دورية خاصة بتعاطى المخدرات، فهذا عين الإرهاب. وأن تترك سيارات النقل، وقريناتها ذات المقطورات، وبنات عمومها من الثلاثة أرباع والنصف والربع نقل، بالإضافة إلى ذوات الأربع من السيارات المجمعة تجميعاً يدوياً وذوات الثلاث حيث التريسكل والتوك توك على الطرق السريعة والبطيئة ليطبق كل منها أهواءه وقيمه وقواعده نهاراً جهاراً، فهذا هو عين الإرهاب. وأن يُترَك هذا الكم من الإرهاب يحصد أرواح المصريين، ويعمق جذور القبح فى نفوسهم، لدرجة يصبح معها إرهاب الطرق واقعاً مقبولاً، فهذا عين الإرهاب.